زائر
الإصابة بالديدان وعلاجها
في كتاب القانون في الطب
المقدمة:
من بين كل المواضيع التي ذكرها ابن سينا في كتابة الغني عن التعريف ( القانون في الطب ) اخترنا موضوع الإصابة بالديدان والذي يعتبر مرضاً شائعاً نسبياً ، ولقد فضلته عن غيره من المواضيع بسبب دقة الوصف وسعة الأفق التي برزت عند ابن سينا في تناوله لهذه المشكلة ، وسوف نرى سوية كيف أنه تطرق بوضوح إلى منشأ وأعراض وعلامات الإصابة ، ولقد عمدنا إلى المقارنة مع معطيات العلم الحديث لإبراز دقة التعبير التي امتاز بها ابن سينا .
منشأ الديدان :
في مقدمة البحث أشار ابن سينا إلى تخلق الذباب والديدان من المواد العفنة الرديئة الرطبة وهي إشارة صحيحة من ابن سينا في هذا المجال حيث نبه إلى أن هذه المواد العفنة تتحول إلى حياة دودية أو ذبابية وذلك خير من بقائها على هيئة العفونة الصرفة . طبعاً في الوقت الحديث فإن الذباب والديدان تتولد من البيوض التي تضعها إناث الذباب الديدان في الأماكن الملوثة التي تعتبر وسطاً ملائماً لتكاثرها .
زيادة على ذلك أشار ابن سينا إلى العفونات المتولدة عن الهواء المحيط بالناس ، وهذا ينطبق حالياً على أبواغ الفطور والجراثيم المنتشرة في الهواء المحيط . بالعودة إلى موضوع الديدان نلاحظ أن ابن سينا قد أشار إلى تولد الديدان نتيجة أكل اللحم الخام والألبان والفواكه الرطبة ومن سف الدقيق الني وكلها أماكن مناسبة لتواجد بيوض أو يرقات الديدان .
بعد ذلك قام ابن سينا بوضع تصنيف للديدان حيث قسمها إلى أربعة أصناف :
1 ) الطوال العظام ¬ الديدان الشريطية في الوقت الراهن .
2 ) مستديرة ¬ الاسكاريس ـ شعرية الرأس في الوقت الراهن .
3 ) معترضة ( حب القرع ) ¬ الخيفانة الخيفاء ـ المتوارقة البسكية في الوقت الراهن .
4 ) صغار ¬ الحرقص في الوقت الراهن .
ثم بدأ في وصف مكان توضع هذه الديدان فأشار إلى أن الديدان المستعرضة والصغار أكثر خروجاً من المعقدة وهذا ينطبق حالياً على ديدان بلهارسيا المستقيم ( الديدان المستعرضة ) والحرقص (الديدان الصغار) حيث تتوضع بلهارسيا المستقيم في المستقيم مسببة تخريشاً وتقرحاً في جدرانه وتخرج من البراز أما الحرقص فتخرج إناث الحرقص ليلاً لوضع بيوضها حول فوهة الشرج الأكثر دفأ.ً وفسر ذلك (كثرة خروجها من المقعدة ) بأنها قريبة من المقعدة وضعفها فلا تستطيع أن تتشبث بالمعي تشبث الطوال ( الشريطية ) .
ثم تحول إلى ذكر العلامات الناتجة عن الإصابة الديدان :
وقسمها إلى قسمين : علا مات مشتركة وعلامات تفصيلية ( خاصة )
العلامات المشتركة :
1) _( هي سيلان اللعاب ورطوبة الشفتين بالليل وجفوفهما في النهار لأن الحرارة تنتشر في النهار وتنحصر في الليل ، فإذا انتشرت الحرارة جذبت الرطوبة معها فتجوع الديدان وتجذب من المعدة فتجفف السطح المتصل بها من سطح الفم أو الشفة ويعينها على تجفيف الشفة الهواء الخارج فيظل المريض يرطب شفتيه بلسانه ) .
هذا الشرح المفصل من الناحية العلمية والفيزيولوجية والمنطقية من قبل الشيخ ابن سينا موافق نوعاً ما للتفسير الحديث ، لكن من جهة أخرى فإن هذه العلامة لا تعد عنصراً تشخيصياً لداء الديدان .
2 ) قد يعرض لصاحب الديدان ضجر واستثقال للكلام ويكون في هيئة الغاضب السيئ الخلق وربما تأدى إلى الهذيان لما يرتفع من بخاراته الرديئة ، ويعرض له تصريف الأسنان وخصوصاً ليلاًو يكون في كثير من الأوقات كأنه يمضغ شيئاً وكأنه يشتهي دلع اللسان ويعرض له تثويب في النوم وصراخ فيه وتملل واضطراب هيئة وضيق صدر على من ينبهه ويعرض له على الطعام غثيان وكرب وينقطع صوته وإذا اشتدت العلة والوجع سقطوا وتشنجوا والتووا كأنهم مصروعون .
هذه العلامات السابقة مطابقة حالياً بما يسمى بالأمراض أو العلامات العصبية الناتجة عن الإصابة بالديدان .
فالأعراض الجانبية الناتجة عن الإصابة بالاسكاريس ( حيات البطن ) ( الديان المستديرة ) Asais mbiide تتمثل بـ :
1 ) اضطرابات حركية : تشنجات كزازية ، حركات رقصية ، نوب صرعية وصرير أسنان
2 ) اضطرابات حواسية : عسر التصويت أو اللكنة
3 ) اضطرابات نفسية : هذيان والخوف من الليل
نفس الأعراض تظهر أيضا بالإصابة بشعرية الرأس (( tihis Tihia بشكل مشابه للاسكاريس وأهمها المخاوف التي تظهر في الليل أما عند الإصابة بالحرقص ( الديدان الصغار ) ( xyis ) فتتجلى الأعراض العصبية بـ :
تتطور أطوار المصاب وأخلاقه إذ يصبح سريع الغضب وكئيباً وتظهر الأعراض العصبية عند الأطفال بأشكال مختلفة أهمها : النوبة الصرعية ـ الحركات الرقصية ـ اصطكاك الأسنان ليلاً ـ الدوار ـ اختلاجات واضطراب السلوك أما عند الإصابة بالديدان الشريطية العزلاء ( TAENIA – SAGINATA ) أو الشريطية المسلحة
(TEANIA SIM) التي عبر عنها ابن سينا بالطوال .
فالأعراض العصبية الناجمة عنها تتمثل وبشكل خاص عند الأطفال حيث يشكو المريض من صداع وانحطاط جسمي وقلة النوم وتغيرات في الطباع ومن الممكن أن تتطور إلى أعراض أكثر خطورة بشكل نوبات تشنجية عضلية شبيهة بالصرع تترافق باصطكاك الأسنان وظهور حركات رقصية وهيستريا .
نلاحظ هنا مدى التشابه والدقة في الوصف للعلامات العصبية التي ذكرها الشيخ الرئيس وبين ما يقابلها في الوقت الراهن .
3 ) استكمل ابن سينا العلامات المشتركة فقال : وربما انتفخوا وتمددت بطونهم ويعرقون عرقاً بارداً شديداً مع نتن شديد ويكون البراز رطباً .
هذه العلامات صحيحة تماماً فالإصابة بالديدان تؤدي إلى انتفاخ بطني والآم شرسوفية والحمى ( ارتفاع الحرارة ) مع إسهالات لزجة ( البراز رطب ) .
انتقل ابن سينا بعدها إلى ذكر العلامات التفصيلية ( الخاصة بكل نوع من الديدان ) فقال :
( وهي خروج ذلك الصنف من المخرج ثم الطوال يدل عليها دغدغة فم المعدة ولذعها ومغص يليها وعسر بلع وسقوط شهوة في الأكثر وتقزز من الطعام وفواق وربما تأذت الرئة والقلب بمجاورتها فحدث سعال يابس وخفقان واختلاف نبض ويكون النوم والانتباه لا على الترتيب ويكون كسل وبغض للحركة وللنظر وللتحديق وفتح العين بل يميل إلى التغميض ويعرض لعيونهم أن تحمر تارة ثم تكمد أخرى وربما تمددت بطونهم وصاروا كالمستسقين )
هذه العلامات التي وصفها ابن سينا لا تنطبق على الطوال ويمكن القول أن دغدغة فم المعدة ولذعها والمغص وعسرة البلع تنطبق على أكثر أنواع الديدان وليس على نوع محدد وتعد من العلامات الهضمية للإصابة بالديدان .
أما تأذي القلب والرئة والسعال اليابس والخفقان واختلاف النبض فيمكن تحليلها إلى عرضين:
فالأعراض الرئوية تنطبق على الإصابة بديدان الاسكاريس والتي تدعى باسم أعراض لوفلر الناجمة عن مرور اليرقات إلى الرئة ( بعد دخول بيوض الاسكاريس مع الطعام الملوث إلى المعدة تفقس وتتحول إلى يرقات تعبر المعدة ثم المري ثم تسقط في القصبات فتؤدي إلى تخريش ) وهي تشمل حمى خفيفة مع سعال يابس مترافق ببصاق دموي وضيق نفس .
أما الأعراض القلبية ( الخفقان وضعف النبض ) فهي ناتجة عن فقر الدم الناجم بشكل غالب عن الإصابة بديدان شعرية الرأس (Tihis Tihiaa ) والملقوة العفجية اللتان تتغذيان بشكل رئيسي على دم الإنسان (نقص حجم الدم في الجسم يؤدي إلى زيادة الحمل على القلب فيتسارع بشكل انعكاسي لتأمين حاجة الجسم من الدم , ويتجلى هذا بالخفقان وضعف النبض ) .
بالنسبة للعلامات العينية التي ذكرها ابن سينا تنطبق بشكل تقريبي على الإصابة بديدان الاسكاريس حيث تؤدي الإصابة بهذا النوع من الديدان إلى عمى مؤقت ورؤيا نصفية وخوف من النور وأيضاً تنطبق على الإصابة بالديدان الشريطية بظهور رؤية غير واضحة وأعراض عدم تساوي الحدقتين أو الحول .
أما بالنسبة للعرض الأخير ( وربما تمددت بطونهم وصاروا كالمستسقين ) فهي على الأغلب إشارة إلى الإصابة بالكيسات العدارية الناتجة عن الإصابة بالديدان المسماة المشوكة الحبيبية (Ehins gnss ) حيث تتوضع يرقات هذه الديدان ( الكيسة العدارية ) في الكبد عند الإنسان وتتكاثر بشكل كبير وهذا ما عبر عنه ابن سينا بالاستسقاء البطني حيث تنتفخ بطن المصاب نتيجة تكاثر هذه اليرقات .
( توجد الدودة بشكلها الكامل في الحيوانات اللاحمة خاصة الكلاب والثعالب والذئاب ) ، لذلك أكثر المصابين هم من رعاة الغنم ( الإنسان حامل فقط لليرقات) .
ثم أشار ابن سينا إلى الأعراض الوصفية للديدان الصغار ( وهي حكة المعقدة ولزوم الدغدغة عندها وربما اشتدت حتى أحدثت الغشي ويجد صاحبها عند اجتماعها في أمعائه ثقلا ً تحت شراسيفه ) .
هذه الأعراض دقيقة جداً وتنطبق على الإصابة بديدان الحرقص ( السرمية الدودية ) (xyis ) حيث تهاجر أنثى الدودة إلى المستقيم لتضع بيوضها على فتحة الشرج الأكثر دفأ" , وهذه البيوض وما يحيط بها من مواد لزجة لتسهيل التصاقها على الفتحة تؤدي إلى نوع من الإكزيما والحساسية مسببة" حكة شرجية شديدة وخاصة أثناء النوم ليلاً , وهذه الحكة الشديدة قد تؤدي إلى اضطرابات عصبية شديدة نتيجة تخريش الأعصاب الودية قد تصل إلى حد الرغبة بالانتحار . وهذا ما عبر عنه ابن سينا بقوله ( وربما اشتدت حتى أحدثت الغشي ) أما العرض الثاني ( ويجد صاحبها ثقلا " تحت شراسيفه ) فهو ينطبق على الإصابة بجميع أنواع اليدان وليس على الحرقص بشكل خاص .
بهذا نكون قد انتهينا من ذكر العلامات والأعراض وقبل أن ننتقل للعلاج لا بد لنا من التعليق على بعض السطور التي ذكرها ابن سينا فقد ذكر العلاقة بين الحمى والديدان فقال :
1 ـ ( إذا كان بصاحب الديدان حمى كانت الأعراض قوية خبيثة لأن الحمى تبيد غذاءها وتؤذيها وتقلقها فتلتوي في الأمعاء مسببة ألماً ولذعاَ وآذى" شديدا" وقد حكى بعضهم أنها ثقبت البطن وخرجت منه ) .
هذه الأعراض تنطبق على الإصابة بديدان الاسكاريس ، حيث أن تحريض هذه الديدان بأحد العوامل التالية :
البهارات أو الحموض أو الترفع الحروري يؤدي إلى تهيجها وتجمعها على شكل كتلة تؤدي إلى انسداد الأمعاء وربما أدت إلى انسداد الزائدة الدودية والتهابها وانفجارها إذا لم تعالج ، أما أنها ثقبت البطن وخرجت منه فقد ذكرت حالات نادرة لخروج هذه الديدان من سرة الأطفال .
2 ـ أشار أيضاً إلى الجوع الكلبي : وهذا ناجم بالطبع عن سوء التغذية عند الإصابة بعدد كبير من الديدان .
3 ـ أشار ابن سينا أن أذن المريض لا تصدع ولا تطن : وهذا مخالف للواقع فعند الإصابة بالديدان يصاب المريض بأعراض عصبية منها طنين الأذن .
انتقل ابن سينا بعد ذلك إلى العلاج حيث قسمه إلى وقائي وعلاجي فقال :
( الغرض المقصود من معالجة الديدان أن يمنعوا المادة المولدة لها من المأكولات التي سبق ذكرها وأن تنفى البلاغم الموجودة في الأمعاء التي منها تتولد الديدان وأن تقتل بأدوية هي سموم بالقياس إليها المرة الطعم فمنها حارة ومنها باردة ) .
نرى هنا أن ابن سينا قد أوصى بالابتعاد عن المأكولات التي تسبب الإصابة بالديدان وكما ذكرنا فإن الديداد تتولد من الطعام والسوائل الملوثة دون نوع محدد ، بينما حدد ابن سينا أنواعاً معينة من الطعام تسبب الإصابة بالديدان وهو غير دقيق علمياً .
ثم أشار إلى تنقية البلاغم التي في الأمعاء وهذا غير صحيح علمياً ثم تحول إلى ذكر العلاج الدوائي ومبادئة فذكر أن هناك أدوية تقتل وتسهل الأمعاء وأدوية تقتل فقط لذا يجب إعطاء الأدوية المسهلة معها ، وإذا كان المصاب يعاني من إسهال بالأساس فيعطى فقط الأدوية القاتلة دون الأدوية المسهلة .
وهذا صحيح علمياً لأن الأدوية المستعملة تقوم بعملية شل الديدان بحيث تصبح غير قادرة على الحركة ، فمن إعطاء المسهلات تخرج بفعل زيادة الحركة المعوية . لكن الأدوية الحديثة حالياً تقوم بقتل الديدان فتخرج مع الحركة الحوية الطبيعية للأمعاء دون إعطاء المسهلات .
عرض ابن سينا بعض الطرق كمعالجة للإصابة بالديدان منها :
أن يشرب المريض اللبن يومين متتاليين وفي اليوم الثالث يشرب اللبن مع دوار قتال لها ، أو يأكل الكباب فإذا أحست الديدان برائحته أقبلت على المص فإذا اتبعت الأدوية القتالة نالت منها . هناك نظرية حديثة برزت في الوقت الحاضر تبنت هذه النظرية إلى حد ما في علاج الديدان الشريطية ، وتقول هذه النظرية بأن يصوم المريض يومين متتاليين وفي اليوم الثالث يشرب الحليب فتفلت الدودة الشريطية ممصاتها ومحاجمها التي كانت تثبت بها على مخاطية الأمعاء فيعطى المريض مسهلاً مع الحليب فتخرج الدودة الشريطية .
كما قسم ابن سينا الأدوية القاتلة للديدان إلى حارة وباردة وهذا تقسيم فلسفي ناجم عن التأثر بالطب اليوناني فكان التقسيم على النحو التالي :
فصل في الأدوية الحارة القتالة للديدان وخصوصاً الطوال :
وهي بدورها قسمها إلى مفردة ومركبة :
أما المفردة : فمثل الشيح والترمى الحر والنعنع والثوم والزعتر والكمون والانيسون وغيرها وأوصى بأخذ الصبر كمسهل بعد أخذ هذه العقاقير .
كما ذكر أن شرب الزيت بكميات كبيرة يقتل الدود ويخرجها .
أما المركبة : فهو الترياق الفاروق الذي يجمع القتل والإخراج .
من الناحية العلمية فإن الأدوية التي ذكرها والتي وصفها بالحارة هي جميعها من أنواع البهارات والتي تتمتع بطعم لاذع ورائحة عطرية حادة وربما كان لها تأثير مضاد للديدان بفعل هذه الخواص . أما الزيت بكميات كبيرة فهو يؤدي إلى الإسهال والإسهال يمكنه أن يخرج الديدان .
أما الترياق الفاروق فيدخله في تركيبه (80) عقاراً نباتياً وحيوانياً من أشهرها لحم الأفاعي ـ العنصل ـ الأقحوان ـ الزعتر ويحفظ في أواني رصاصية أو فضية أو خزفية .
علمياً إذا نظرنا إلى تركيبه نرى أنه يحتوي على العنصل والأقحوان واللذان يحتويان على عوامل مضادة للجراثيم والفطريات والحشرات كما بين العلم الحديث وربما كان لها تأثير مضاد للديدان .
ثم وضع ابن سينا فصلاً بعنوان :
فصل في الأدوية التي هي أخص بحب القرع :
وذكر فيها القطران مستعملاً على هيئة الحقن وهذا علمياً غير مدروس .
كما ذكر أيضاً السرخس الذي لا يزال حتى الآن يستعمل في معالجة داء الشريطيات .
وذكر أيضا مجموعة من الأدوية الأخرى مثل شعر حيوان الأحر يمون . والإسفيداج ( وهو الرصاص ) وجميعها ليس لها استعمالاً حالياً .
ثم وضع فصلاً بعنوان :
فصل في الأدوية الباردة والقليلة الحرارة :
مثل بزر الكزبرة وبزر الكرفس وورق الخوخ والعليق وسلاقة قشور شجرة الرمان الحامض أو المر حيث يطبخ جميعاً في الماء ثم يصفى ويشرب فإنه يقتل وكذلك الماء الذي طبخ فيه أصل الرمان . حالياً لا يستعمل من كل هذه العقاقير سوى الرمان حيث تبين أن جذور الرمان تحوى أشباه قلويدات لها مفعول مضاد للديدان ومن أهمها (Peetiein ) وهو ما عبر عنه ابن سينا ( الماء الذي طبخ فيه أصل الرمان )
ثم وضع فصلاً بعنوان :
فصل في تدبير الديدان الصغار :
حيث ذكر احتمال الملح مع الماء الحار والأقوى من ذلك احتمال القطران ، علمياً لا تزال هذه الطرق تستخدم بشكل تقليدي في الأرياف خصوصاً لديدان الحرقص التي تتوضع في المستقيم وتسبب حكة شرجية شديدة خصوصاً عند الأطفال فتعطى حقن شرجية تحتوي على الماء والملح وهي مفيدة كونها تغير الوسط الفيزيولوجي الطبيعي التي تعيش فيه الديدان وتجعله عالي التركيز من ناحية الملوحة وتؤدي بالتالي إلى شل حركتها وخروجها بفعل التأثير المسهل أيضاً للملح .
أما القطران فهو يعتمد على مبدأ التخريش والإيذاء للديدان وقد يخرش أيضاً الأمعاء ومخاطية المستقيم وقد ذكر ذلك ابن سينا فحذر من أن يصاب الإنسان بالزحير .
كما ذكر طريقة طريفة لعلاج الديدان الصغار : وهو أن يدس المصاب في مقعده لحم سمين مملوح وقد شد عليه مجذب من خيط فإن الديدان تتجمع عليه ثم يجذب الخيط بعد ساعة فتخرج قطعة اللحم وقد تجمعت عليها الديدان ثم تعاود الكرة .
ثم وضع فصلاً بعنوان :
فصل في تغذية المرضى أصحاب الديدان :
فذكر أن الغذاء يجب أن يكون حاراً يابساً لا لزوجة فيه ويدخل في أغذيتهم ماء الحمص وورق الكرنب ولحوم الحمام ، وشرب الماء المالح ينفعهم جميعاً ، وشرب الحساء الحاوي على السماق نافع أيضاً وماء الرمان الحامض مفيداً أيضاً ، ويجب على المريض ألا يجوع وإلا هاجت الديدان ولذعت المعدة والأمعاء ، ولذا يجب أن يتغذى قبل حركتها ، وأن يأكل المريض كل فترة . أما أصحاب الديدان الصغار فيجب أن يكون غذاؤهم من جنس الحسن الكيموس السريع الإنهضام حيث كلما كان الطعام حسن الكيموس قل الكيموس الفاسد فيه الذي هو مادة للديدان .
الكلام السابق فيه شتى من الصحة خصوصاً حديثه عن نصيحته للمريض بألا يجوع حتى لا تهيج الديدان ، ونصيحته بالطعام حسن الكيموس قصد به الطعام من مصادر غير ملوثة التي منها تصدر الديدان .
وهنا نكون قد وصلنا إلى نهاية بحثنا في مجال الديدان عند ابن سينا .
الخاتمة :
أرجو أن نكون قد وفقنا في شرحنا وتعليقنا لما ذكره ابن سينا في هذا المجال ، ولقد حاولنا ما بوسعنا لتقريب وجهة نظر ابن سينا من وجهة نظر العلم الحديث وإن كان هناك بعض الاختلاف أو سوء الفهم من قبلنا لبعض الأمور التي قصدها ابن سينا ، على العموم فإن ما تحدث عنه ابن سينا ينم عن تجربة كبيرة وسعة أفق جديدة بالاحترام في ذلك الوقت بالمقارنة مع عصرنا الراهن .
المراجع والمصادر :
ـ كتاب الطفيليات ، د. خالد بصمجي ، كلية الطب ، جامعة حلب ، 1994م .
ـ علم الطفيليات ، د. أميل شاهين ، كلية الصيدلة ، جامعة دمشق ، 1998 م.
في كتاب القانون في الطب
المقدمة:
من بين كل المواضيع التي ذكرها ابن سينا في كتابة الغني عن التعريف ( القانون في الطب ) اخترنا موضوع الإصابة بالديدان والذي يعتبر مرضاً شائعاً نسبياً ، ولقد فضلته عن غيره من المواضيع بسبب دقة الوصف وسعة الأفق التي برزت عند ابن سينا في تناوله لهذه المشكلة ، وسوف نرى سوية كيف أنه تطرق بوضوح إلى منشأ وأعراض وعلامات الإصابة ، ولقد عمدنا إلى المقارنة مع معطيات العلم الحديث لإبراز دقة التعبير التي امتاز بها ابن سينا .
منشأ الديدان :
في مقدمة البحث أشار ابن سينا إلى تخلق الذباب والديدان من المواد العفنة الرديئة الرطبة وهي إشارة صحيحة من ابن سينا في هذا المجال حيث نبه إلى أن هذه المواد العفنة تتحول إلى حياة دودية أو ذبابية وذلك خير من بقائها على هيئة العفونة الصرفة . طبعاً في الوقت الحديث فإن الذباب والديدان تتولد من البيوض التي تضعها إناث الذباب الديدان في الأماكن الملوثة التي تعتبر وسطاً ملائماً لتكاثرها .
زيادة على ذلك أشار ابن سينا إلى العفونات المتولدة عن الهواء المحيط بالناس ، وهذا ينطبق حالياً على أبواغ الفطور والجراثيم المنتشرة في الهواء المحيط . بالعودة إلى موضوع الديدان نلاحظ أن ابن سينا قد أشار إلى تولد الديدان نتيجة أكل اللحم الخام والألبان والفواكه الرطبة ومن سف الدقيق الني وكلها أماكن مناسبة لتواجد بيوض أو يرقات الديدان .
بعد ذلك قام ابن سينا بوضع تصنيف للديدان حيث قسمها إلى أربعة أصناف :
1 ) الطوال العظام ¬ الديدان الشريطية في الوقت الراهن .
2 ) مستديرة ¬ الاسكاريس ـ شعرية الرأس في الوقت الراهن .
3 ) معترضة ( حب القرع ) ¬ الخيفانة الخيفاء ـ المتوارقة البسكية في الوقت الراهن .
4 ) صغار ¬ الحرقص في الوقت الراهن .
ثم بدأ في وصف مكان توضع هذه الديدان فأشار إلى أن الديدان المستعرضة والصغار أكثر خروجاً من المعقدة وهذا ينطبق حالياً على ديدان بلهارسيا المستقيم ( الديدان المستعرضة ) والحرقص (الديدان الصغار) حيث تتوضع بلهارسيا المستقيم في المستقيم مسببة تخريشاً وتقرحاً في جدرانه وتخرج من البراز أما الحرقص فتخرج إناث الحرقص ليلاً لوضع بيوضها حول فوهة الشرج الأكثر دفأ.ً وفسر ذلك (كثرة خروجها من المقعدة ) بأنها قريبة من المقعدة وضعفها فلا تستطيع أن تتشبث بالمعي تشبث الطوال ( الشريطية ) .
ثم تحول إلى ذكر العلامات الناتجة عن الإصابة الديدان :
وقسمها إلى قسمين : علا مات مشتركة وعلامات تفصيلية ( خاصة )
العلامات المشتركة :
1) _( هي سيلان اللعاب ورطوبة الشفتين بالليل وجفوفهما في النهار لأن الحرارة تنتشر في النهار وتنحصر في الليل ، فإذا انتشرت الحرارة جذبت الرطوبة معها فتجوع الديدان وتجذب من المعدة فتجفف السطح المتصل بها من سطح الفم أو الشفة ويعينها على تجفيف الشفة الهواء الخارج فيظل المريض يرطب شفتيه بلسانه ) .
هذا الشرح المفصل من الناحية العلمية والفيزيولوجية والمنطقية من قبل الشيخ ابن سينا موافق نوعاً ما للتفسير الحديث ، لكن من جهة أخرى فإن هذه العلامة لا تعد عنصراً تشخيصياً لداء الديدان .
2 ) قد يعرض لصاحب الديدان ضجر واستثقال للكلام ويكون في هيئة الغاضب السيئ الخلق وربما تأدى إلى الهذيان لما يرتفع من بخاراته الرديئة ، ويعرض له تصريف الأسنان وخصوصاً ليلاًو يكون في كثير من الأوقات كأنه يمضغ شيئاً وكأنه يشتهي دلع اللسان ويعرض له تثويب في النوم وصراخ فيه وتملل واضطراب هيئة وضيق صدر على من ينبهه ويعرض له على الطعام غثيان وكرب وينقطع صوته وإذا اشتدت العلة والوجع سقطوا وتشنجوا والتووا كأنهم مصروعون .
هذه العلامات السابقة مطابقة حالياً بما يسمى بالأمراض أو العلامات العصبية الناتجة عن الإصابة بالديدان .
فالأعراض الجانبية الناتجة عن الإصابة بالاسكاريس ( حيات البطن ) ( الديان المستديرة ) Asais mbiide تتمثل بـ :
1 ) اضطرابات حركية : تشنجات كزازية ، حركات رقصية ، نوب صرعية وصرير أسنان
2 ) اضطرابات حواسية : عسر التصويت أو اللكنة
3 ) اضطرابات نفسية : هذيان والخوف من الليل
نفس الأعراض تظهر أيضا بالإصابة بشعرية الرأس (( tihis Tihia بشكل مشابه للاسكاريس وأهمها المخاوف التي تظهر في الليل أما عند الإصابة بالحرقص ( الديدان الصغار ) ( xyis ) فتتجلى الأعراض العصبية بـ :
تتطور أطوار المصاب وأخلاقه إذ يصبح سريع الغضب وكئيباً وتظهر الأعراض العصبية عند الأطفال بأشكال مختلفة أهمها : النوبة الصرعية ـ الحركات الرقصية ـ اصطكاك الأسنان ليلاً ـ الدوار ـ اختلاجات واضطراب السلوك أما عند الإصابة بالديدان الشريطية العزلاء ( TAENIA – SAGINATA ) أو الشريطية المسلحة
(TEANIA SIM) التي عبر عنها ابن سينا بالطوال .
فالأعراض العصبية الناجمة عنها تتمثل وبشكل خاص عند الأطفال حيث يشكو المريض من صداع وانحطاط جسمي وقلة النوم وتغيرات في الطباع ومن الممكن أن تتطور إلى أعراض أكثر خطورة بشكل نوبات تشنجية عضلية شبيهة بالصرع تترافق باصطكاك الأسنان وظهور حركات رقصية وهيستريا .
نلاحظ هنا مدى التشابه والدقة في الوصف للعلامات العصبية التي ذكرها الشيخ الرئيس وبين ما يقابلها في الوقت الراهن .
3 ) استكمل ابن سينا العلامات المشتركة فقال : وربما انتفخوا وتمددت بطونهم ويعرقون عرقاً بارداً شديداً مع نتن شديد ويكون البراز رطباً .
هذه العلامات صحيحة تماماً فالإصابة بالديدان تؤدي إلى انتفاخ بطني والآم شرسوفية والحمى ( ارتفاع الحرارة ) مع إسهالات لزجة ( البراز رطب ) .
انتقل ابن سينا بعدها إلى ذكر العلامات التفصيلية ( الخاصة بكل نوع من الديدان ) فقال :
( وهي خروج ذلك الصنف من المخرج ثم الطوال يدل عليها دغدغة فم المعدة ولذعها ومغص يليها وعسر بلع وسقوط شهوة في الأكثر وتقزز من الطعام وفواق وربما تأذت الرئة والقلب بمجاورتها فحدث سعال يابس وخفقان واختلاف نبض ويكون النوم والانتباه لا على الترتيب ويكون كسل وبغض للحركة وللنظر وللتحديق وفتح العين بل يميل إلى التغميض ويعرض لعيونهم أن تحمر تارة ثم تكمد أخرى وربما تمددت بطونهم وصاروا كالمستسقين )
هذه العلامات التي وصفها ابن سينا لا تنطبق على الطوال ويمكن القول أن دغدغة فم المعدة ولذعها والمغص وعسرة البلع تنطبق على أكثر أنواع الديدان وليس على نوع محدد وتعد من العلامات الهضمية للإصابة بالديدان .
أما تأذي القلب والرئة والسعال اليابس والخفقان واختلاف النبض فيمكن تحليلها إلى عرضين:
فالأعراض الرئوية تنطبق على الإصابة بديدان الاسكاريس والتي تدعى باسم أعراض لوفلر الناجمة عن مرور اليرقات إلى الرئة ( بعد دخول بيوض الاسكاريس مع الطعام الملوث إلى المعدة تفقس وتتحول إلى يرقات تعبر المعدة ثم المري ثم تسقط في القصبات فتؤدي إلى تخريش ) وهي تشمل حمى خفيفة مع سعال يابس مترافق ببصاق دموي وضيق نفس .
أما الأعراض القلبية ( الخفقان وضعف النبض ) فهي ناتجة عن فقر الدم الناجم بشكل غالب عن الإصابة بديدان شعرية الرأس (Tihis Tihiaa ) والملقوة العفجية اللتان تتغذيان بشكل رئيسي على دم الإنسان (نقص حجم الدم في الجسم يؤدي إلى زيادة الحمل على القلب فيتسارع بشكل انعكاسي لتأمين حاجة الجسم من الدم , ويتجلى هذا بالخفقان وضعف النبض ) .
بالنسبة للعلامات العينية التي ذكرها ابن سينا تنطبق بشكل تقريبي على الإصابة بديدان الاسكاريس حيث تؤدي الإصابة بهذا النوع من الديدان إلى عمى مؤقت ورؤيا نصفية وخوف من النور وأيضاً تنطبق على الإصابة بالديدان الشريطية بظهور رؤية غير واضحة وأعراض عدم تساوي الحدقتين أو الحول .
أما بالنسبة للعرض الأخير ( وربما تمددت بطونهم وصاروا كالمستسقين ) فهي على الأغلب إشارة إلى الإصابة بالكيسات العدارية الناتجة عن الإصابة بالديدان المسماة المشوكة الحبيبية (Ehins gnss ) حيث تتوضع يرقات هذه الديدان ( الكيسة العدارية ) في الكبد عند الإنسان وتتكاثر بشكل كبير وهذا ما عبر عنه ابن سينا بالاستسقاء البطني حيث تنتفخ بطن المصاب نتيجة تكاثر هذه اليرقات .
( توجد الدودة بشكلها الكامل في الحيوانات اللاحمة خاصة الكلاب والثعالب والذئاب ) ، لذلك أكثر المصابين هم من رعاة الغنم ( الإنسان حامل فقط لليرقات) .
ثم أشار ابن سينا إلى الأعراض الوصفية للديدان الصغار ( وهي حكة المعقدة ولزوم الدغدغة عندها وربما اشتدت حتى أحدثت الغشي ويجد صاحبها عند اجتماعها في أمعائه ثقلا ً تحت شراسيفه ) .
هذه الأعراض دقيقة جداً وتنطبق على الإصابة بديدان الحرقص ( السرمية الدودية ) (xyis ) حيث تهاجر أنثى الدودة إلى المستقيم لتضع بيوضها على فتحة الشرج الأكثر دفأ" , وهذه البيوض وما يحيط بها من مواد لزجة لتسهيل التصاقها على الفتحة تؤدي إلى نوع من الإكزيما والحساسية مسببة" حكة شرجية شديدة وخاصة أثناء النوم ليلاً , وهذه الحكة الشديدة قد تؤدي إلى اضطرابات عصبية شديدة نتيجة تخريش الأعصاب الودية قد تصل إلى حد الرغبة بالانتحار . وهذا ما عبر عنه ابن سينا بقوله ( وربما اشتدت حتى أحدثت الغشي ) أما العرض الثاني ( ويجد صاحبها ثقلا " تحت شراسيفه ) فهو ينطبق على الإصابة بجميع أنواع اليدان وليس على الحرقص بشكل خاص .
بهذا نكون قد انتهينا من ذكر العلامات والأعراض وقبل أن ننتقل للعلاج لا بد لنا من التعليق على بعض السطور التي ذكرها ابن سينا فقد ذكر العلاقة بين الحمى والديدان فقال :
1 ـ ( إذا كان بصاحب الديدان حمى كانت الأعراض قوية خبيثة لأن الحمى تبيد غذاءها وتؤذيها وتقلقها فتلتوي في الأمعاء مسببة ألماً ولذعاَ وآذى" شديدا" وقد حكى بعضهم أنها ثقبت البطن وخرجت منه ) .
هذه الأعراض تنطبق على الإصابة بديدان الاسكاريس ، حيث أن تحريض هذه الديدان بأحد العوامل التالية :
البهارات أو الحموض أو الترفع الحروري يؤدي إلى تهيجها وتجمعها على شكل كتلة تؤدي إلى انسداد الأمعاء وربما أدت إلى انسداد الزائدة الدودية والتهابها وانفجارها إذا لم تعالج ، أما أنها ثقبت البطن وخرجت منه فقد ذكرت حالات نادرة لخروج هذه الديدان من سرة الأطفال .
2 ـ أشار أيضاً إلى الجوع الكلبي : وهذا ناجم بالطبع عن سوء التغذية عند الإصابة بعدد كبير من الديدان .
3 ـ أشار ابن سينا أن أذن المريض لا تصدع ولا تطن : وهذا مخالف للواقع فعند الإصابة بالديدان يصاب المريض بأعراض عصبية منها طنين الأذن .
انتقل ابن سينا بعد ذلك إلى العلاج حيث قسمه إلى وقائي وعلاجي فقال :
( الغرض المقصود من معالجة الديدان أن يمنعوا المادة المولدة لها من المأكولات التي سبق ذكرها وأن تنفى البلاغم الموجودة في الأمعاء التي منها تتولد الديدان وأن تقتل بأدوية هي سموم بالقياس إليها المرة الطعم فمنها حارة ومنها باردة ) .
نرى هنا أن ابن سينا قد أوصى بالابتعاد عن المأكولات التي تسبب الإصابة بالديدان وكما ذكرنا فإن الديداد تتولد من الطعام والسوائل الملوثة دون نوع محدد ، بينما حدد ابن سينا أنواعاً معينة من الطعام تسبب الإصابة بالديدان وهو غير دقيق علمياً .
ثم أشار إلى تنقية البلاغم التي في الأمعاء وهذا غير صحيح علمياً ثم تحول إلى ذكر العلاج الدوائي ومبادئة فذكر أن هناك أدوية تقتل وتسهل الأمعاء وأدوية تقتل فقط لذا يجب إعطاء الأدوية المسهلة معها ، وإذا كان المصاب يعاني من إسهال بالأساس فيعطى فقط الأدوية القاتلة دون الأدوية المسهلة .
وهذا صحيح علمياً لأن الأدوية المستعملة تقوم بعملية شل الديدان بحيث تصبح غير قادرة على الحركة ، فمن إعطاء المسهلات تخرج بفعل زيادة الحركة المعوية . لكن الأدوية الحديثة حالياً تقوم بقتل الديدان فتخرج مع الحركة الحوية الطبيعية للأمعاء دون إعطاء المسهلات .
عرض ابن سينا بعض الطرق كمعالجة للإصابة بالديدان منها :
أن يشرب المريض اللبن يومين متتاليين وفي اليوم الثالث يشرب اللبن مع دوار قتال لها ، أو يأكل الكباب فإذا أحست الديدان برائحته أقبلت على المص فإذا اتبعت الأدوية القتالة نالت منها . هناك نظرية حديثة برزت في الوقت الحاضر تبنت هذه النظرية إلى حد ما في علاج الديدان الشريطية ، وتقول هذه النظرية بأن يصوم المريض يومين متتاليين وفي اليوم الثالث يشرب الحليب فتفلت الدودة الشريطية ممصاتها ومحاجمها التي كانت تثبت بها على مخاطية الأمعاء فيعطى المريض مسهلاً مع الحليب فتخرج الدودة الشريطية .
كما قسم ابن سينا الأدوية القاتلة للديدان إلى حارة وباردة وهذا تقسيم فلسفي ناجم عن التأثر بالطب اليوناني فكان التقسيم على النحو التالي :
فصل في الأدوية الحارة القتالة للديدان وخصوصاً الطوال :
وهي بدورها قسمها إلى مفردة ومركبة :
أما المفردة : فمثل الشيح والترمى الحر والنعنع والثوم والزعتر والكمون والانيسون وغيرها وأوصى بأخذ الصبر كمسهل بعد أخذ هذه العقاقير .
كما ذكر أن شرب الزيت بكميات كبيرة يقتل الدود ويخرجها .
أما المركبة : فهو الترياق الفاروق الذي يجمع القتل والإخراج .
من الناحية العلمية فإن الأدوية التي ذكرها والتي وصفها بالحارة هي جميعها من أنواع البهارات والتي تتمتع بطعم لاذع ورائحة عطرية حادة وربما كان لها تأثير مضاد للديدان بفعل هذه الخواص . أما الزيت بكميات كبيرة فهو يؤدي إلى الإسهال والإسهال يمكنه أن يخرج الديدان .
أما الترياق الفاروق فيدخله في تركيبه (80) عقاراً نباتياً وحيوانياً من أشهرها لحم الأفاعي ـ العنصل ـ الأقحوان ـ الزعتر ويحفظ في أواني رصاصية أو فضية أو خزفية .
علمياً إذا نظرنا إلى تركيبه نرى أنه يحتوي على العنصل والأقحوان واللذان يحتويان على عوامل مضادة للجراثيم والفطريات والحشرات كما بين العلم الحديث وربما كان لها تأثير مضاد للديدان .
ثم وضع ابن سينا فصلاً بعنوان :
فصل في الأدوية التي هي أخص بحب القرع :
وذكر فيها القطران مستعملاً على هيئة الحقن وهذا علمياً غير مدروس .
كما ذكر أيضاً السرخس الذي لا يزال حتى الآن يستعمل في معالجة داء الشريطيات .
وذكر أيضا مجموعة من الأدوية الأخرى مثل شعر حيوان الأحر يمون . والإسفيداج ( وهو الرصاص ) وجميعها ليس لها استعمالاً حالياً .
ثم وضع فصلاً بعنوان :
فصل في الأدوية الباردة والقليلة الحرارة :
مثل بزر الكزبرة وبزر الكرفس وورق الخوخ والعليق وسلاقة قشور شجرة الرمان الحامض أو المر حيث يطبخ جميعاً في الماء ثم يصفى ويشرب فإنه يقتل وكذلك الماء الذي طبخ فيه أصل الرمان . حالياً لا يستعمل من كل هذه العقاقير سوى الرمان حيث تبين أن جذور الرمان تحوى أشباه قلويدات لها مفعول مضاد للديدان ومن أهمها (Peetiein ) وهو ما عبر عنه ابن سينا ( الماء الذي طبخ فيه أصل الرمان )
ثم وضع فصلاً بعنوان :
فصل في تدبير الديدان الصغار :
حيث ذكر احتمال الملح مع الماء الحار والأقوى من ذلك احتمال القطران ، علمياً لا تزال هذه الطرق تستخدم بشكل تقليدي في الأرياف خصوصاً لديدان الحرقص التي تتوضع في المستقيم وتسبب حكة شرجية شديدة خصوصاً عند الأطفال فتعطى حقن شرجية تحتوي على الماء والملح وهي مفيدة كونها تغير الوسط الفيزيولوجي الطبيعي التي تعيش فيه الديدان وتجعله عالي التركيز من ناحية الملوحة وتؤدي بالتالي إلى شل حركتها وخروجها بفعل التأثير المسهل أيضاً للملح .
أما القطران فهو يعتمد على مبدأ التخريش والإيذاء للديدان وقد يخرش أيضاً الأمعاء ومخاطية المستقيم وقد ذكر ذلك ابن سينا فحذر من أن يصاب الإنسان بالزحير .
كما ذكر طريقة طريفة لعلاج الديدان الصغار : وهو أن يدس المصاب في مقعده لحم سمين مملوح وقد شد عليه مجذب من خيط فإن الديدان تتجمع عليه ثم يجذب الخيط بعد ساعة فتخرج قطعة اللحم وقد تجمعت عليها الديدان ثم تعاود الكرة .
ثم وضع فصلاً بعنوان :
فصل في تغذية المرضى أصحاب الديدان :
فذكر أن الغذاء يجب أن يكون حاراً يابساً لا لزوجة فيه ويدخل في أغذيتهم ماء الحمص وورق الكرنب ولحوم الحمام ، وشرب الماء المالح ينفعهم جميعاً ، وشرب الحساء الحاوي على السماق نافع أيضاً وماء الرمان الحامض مفيداً أيضاً ، ويجب على المريض ألا يجوع وإلا هاجت الديدان ولذعت المعدة والأمعاء ، ولذا يجب أن يتغذى قبل حركتها ، وأن يأكل المريض كل فترة . أما أصحاب الديدان الصغار فيجب أن يكون غذاؤهم من جنس الحسن الكيموس السريع الإنهضام حيث كلما كان الطعام حسن الكيموس قل الكيموس الفاسد فيه الذي هو مادة للديدان .
الكلام السابق فيه شتى من الصحة خصوصاً حديثه عن نصيحته للمريض بألا يجوع حتى لا تهيج الديدان ، ونصيحته بالطعام حسن الكيموس قصد به الطعام من مصادر غير ملوثة التي منها تصدر الديدان .
وهنا نكون قد وصلنا إلى نهاية بحثنا في مجال الديدان عند ابن سينا .
الخاتمة :
أرجو أن نكون قد وفقنا في شرحنا وتعليقنا لما ذكره ابن سينا في هذا المجال ، ولقد حاولنا ما بوسعنا لتقريب وجهة نظر ابن سينا من وجهة نظر العلم الحديث وإن كان هناك بعض الاختلاف أو سوء الفهم من قبلنا لبعض الأمور التي قصدها ابن سينا ، على العموم فإن ما تحدث عنه ابن سينا ينم عن تجربة كبيرة وسعة أفق جديدة بالاحترام في ذلك الوقت بالمقارنة مع عصرنا الراهن .
المراجع والمصادر :
ـ كتاب الطفيليات ، د. خالد بصمجي ، كلية الطب ، جامعة حلب ، 1994م .
ـ علم الطفيليات ، د. أميل شاهين ، كلية الصيدلة ، جامعة دمشق ، 1998 م.