الإقلاع عن التدخين بعيداً عن القسرية 3

زائر

الفصل الخامس
(مناورات نفسية)
أيةُ دوافعَ لا شعوريةٍ تلك التي تجعل المدخنَ ينتسلُ لفافة تبغ من علبته، ويلتثمها بين شَفاه ثم يشعلها، مخلفاً سحابةً من دخانٍ حول رأسه . . . ؟
ربما يحسب نفسه من خلال ارتشافه (السحبة) أنه يستجمع كل هموم حياته دفعة واحدة ثم ينفثها مالئاً بها عباب الغرفة، منهياً قسطاً كبيراً من معاناته.
أية معاناة . . ؟ إنها معاناة واهية جداً . . . و ليجرب أحدكم أن يرصدَ ظرفَه الذي أحوجَهُ لإشعال لفافة تبغ . . فيجده موقفٌ يشعر فيه المرءُ بالإرباك أو بالفراغ الذهني، أو بالحرج أو حتى البهجةِ أو الحزن، وهي أكثر المواقف التي تفجِّر شوق المدخن للفافة التبغ، ومع ذلك فإنك تجد من المدخنين من حاول وضع حاجز بينه وبين اللفافة فأصبح يغِّير مكان العلبة، أو يبعدها عن متناول يده حتى يكون إشعاله لفافةً تحت رقابة الشعور، فيتمكن من خلال شعوره ويقظته أن يقلل ما أمكن من عدد السجائر التي يدخنها يومياً، ولكن للأسف . . . سرعانَ ما يعتادُ المكانَ الجديد للعلبةِ ويستزيدُ من التدخين معوضاً ما فاته فيما سلف.
تلك وسيلة للهروب من اللفافة، قد تنفع بعض الوقت، لكنها مع ذلك وسيلة بدائية سطحية، لم يتعمق من اتبعها من تفهّم الدوافع الحقيقية لانتسال لفافة تبغ، وهنا نحاول الدخول للمساعدة في تطوير إرادة سهلة وإقلاع سلس عن التدخين، بعيداً عن الأعاصير النفسية والحروب الطاحنة بين العقلانية والشهوانية، وذلك من خلال إعادة ترتيب القيم والمفاهيم العميقة اللاشعورية المترسخة حول التدخين.
وهذا، في الواقع، يحتاج إلى تعاونٍ مع مستوياتٍ ثقافيةٍ متفهِّمةٍ واعيةٍ قد نصل معها إلى حلولٍ لهذه المشكلة، خصوصاً إذا كانت تلك خطوةٌ أولى قد تحث بعض المتخصصين إلى بحث علمي منهجي وفعَّال في الطب النفسي، ربما نحصد من نتائجه أكثر بكثير من أي بحوث فيزيولوجية أو فارماكولوجية عن اعتياد التدخين وعناصر التبغ من نيكوتين وقطران وغيره.
لماذا نهرب إلى لفافة . . ؟ !
إنها حاجة مرتبطة، كما أسلفنا، بموقف من نوع معين، يثير لدى المدخن شعوراً بالفراغ أو عدم الاطمئنان أو الحرج أو عدم القدرة على التكيف، كأن يكون جالساً في مكان عام على مقعده وحيداً، فينتسل لفافة ويشعلها ليخفف أو يطرد أوهاماً خرقاء بالإرباك والمراقبة والفراغ، ومن قبيل العادة فقط وليس الاعتماد، وفي اعتقادي أنه لو توفر له عودٌ يضربُ به الأرضَ حوله أو يرسمُ به مثلثاتٍ ومربعات، لقضى لديه نفسَ الغرضِ الذي قضته له سيجارتُه.
وهناك كُثُرٌ من غير المدخنين يجربون نفس الموقف ويعالجونه بما تعودوه، كأن يمضغوا لباناً أو يحكُّوا خلف آذانهم أو على أنوفهم.
فثمة، على ما يبدو، ضعف في الثقة بالنفس لدى المدخنين، وربما غير المدخنين، ولكنْ زاد على المدخنين اعتيادهم عادة من أسوأ عادات البشرية . . ربما معتقدين أن الضباب الذي تخلِّفه سجائرهم قد يخفي عن جلسائهم والمحيطين بهم الكثير من علامات الضعف البادية على وجوههم.

ومن النظريات التي روِّج لها في فترة سابقة، والتي لا أرجِّحها كثيراً، أن لدى الإنسان مهما بلغ من العمر ، دافعٌ غريزيٌّ لعملية المصِّ، دفعه لحظةَ ولادته لالتقاف ثدي أمه، وأنه بعد الفطام يبقى هذا الدافع فعّالاً في اللاشعور، مما يرسخ لدى بعض الأطفال عادة مص الإصبع ، التي تؤدي لديهم إلى تشوهات في الفك والأسنان، وأن ذات الدافع يعتمل في اللاشعور في فترة المراهقة المتخبطة، فينبثق سلوكاً مقنَّعاً يستبدِل فيه المرءُ ثدي أمِّه باللفافة ، فإن كان كل ذلك صحيحاً، فلماذا نغضب من أطفالنا إذا ما قاوموا الفطام عن الحلمة الصناعية مثلاً.
هناك مسألة أخرى بعيدة في محتواها، فقلما، بل ويندر جداً، أن يتشوق المدخن للفافة تبغ بعد جرعة ماء . . فلماذا ؟ !
أعتقد أن جذوة الشعور بالعطش للماء عند المدخن كثيراً ما يشتبه أمرها على دماغه فيفسرها على أنها تعطش للتدخين، ومن هنا فقد أصبحت لفافة التبغ بديلاً عن جرعة ماءٍ عند كل المدخنين عامَّةً، وعلى الأرجح. فنرى المدخن عندما يخالجه شعور بالعطش يلجأُ إلى لفافة تبغ، وربما لو وعى هذه الحقيقةَ لاستطاع أن يخفف تدخين معظم سجائر يومه بلا شك، شرط أن يكون قد وعى قبل ذلك لاشعوره إلى حدٍ ما، واستطاع أن يتخطى مواقفه التي تشعره بعدم الثقة دون أن يترك لعادة التدخين مجالاً للتدخل في حل هذه المسألة، . . عند ذلك يكون هذا المدخن قد قطع شوطاً بعيداً في التغلب على عادة التدخين
 

زائر
جزيتي خيرا اختي كيوتي.
 

زائر
جزيتي خيرا اختي كيوتي.