زائر
الباب السادس
الإقلاع عن التدخين بين العنف و السهولة
الفصل الأول
(إرادة قوية وإعصار نفسي)
سلوا كلَّ ذي خبرة عن تجارِبه في تركِ التدخين، تجدُ معظمَهم قد غالب النفس في صراعٍ مضنٍ وعسير استنفذ كلَّ قواه الفكريةَ والروحانيةَ، وعدَّ الأيام والسَّاعات التي حَرَمَ نفسَهُ فيها أعزَّ ما لديه في هذا الوجود، ثم لا يلبثُ إلا أن يتحرَّرَ من قيود إرادته (الجبّارة العنيفة) التي كتمت على أنفاسه طوال تلك الأيامَ التي أحصاها بالثواني، فينفلت مخلِّفاً وراءه قيودَ إرادته الظالمة الممتلئة قسوةً عائداً إلى قُرَّةِ عينه وأعزِّ ما لديه، لفافةِ تبغِهِ الحنونة، ربما حدث ذلك أنصاف الليالي، فتجده مغادراً فراشه بعد التقلب فيه ليبحث عن دكّانٍ مازال مفتوحاً فيطلب منه علبة سجائر، فإن لم يجد فإنه يغتنم فرصة لقائه بأي شخص يحتمل أن يكون لديه علبةً ليطلب منه لفافة، فأي قوىً سحريةٍ تملك لفافة التبغ، وأي إرادة متهالكةٍ باليةٍ، تلك الإرادة التي ما فعلت شيئاً سوى أنها حاصرت وضربت على خُنَّاقِ صاحبها فترة من الزمن، لو سألته عن انطباعه عنها لقال: (كابوس وزال).
حدَّثني أحد أصدقائي أيام أزمة انقطاع التبغ منتصف الثمانينات، وكان طالباً في معسكر التدريب الجامعي عندما دفعه شعوره الجارف بحاجته للتدخين إلى طلب لفافة تبغ من أحد زملائه في الخيمة، فقال له : أعوذ بالله ، والله لو أن أبي طلب مني لفافةً في هذه الظروف لرفضّت أن أفرِّط بها . . .، وكانت مهانة، فخرج قاصداً صديقاً عزيزاً في خيمة أخرى، لكن رفضه كان أكثر (استبسالا)، وكانت حاجة صاحبي أكثر إلحاحاً فترجى وتوسّل، ولكن الرفضَ كان أقوى، إلا أنه اقترح عليه، كنوع من المساعدة، أن يذهب إلى باب المعسكر فربما وجد هناك بائعاً للسجائر ينهي له معاناته.
كان الوقتُ حينها وقتَ الظهيرة وكان الجو مرمضاً والساحةُ مسفلتة، ويفصله عن باب المعسكر حوالي 1.5 كم فقرر أن يمشيها، بالرغم من اعترافه أنه لو بُلِّغ يومها بأن حدثاً جللاً قد حدث لأحد أبويه لما غامر بالذَّهاب إلى باب المعسكر تلك الظهيرة.
وصل هناك والحمى تلفح رأسه فلم يجد إلا الحرس، فسأله لفافة تبغ فرفض، فتوسل إليه وشرح له ظرفه، فأشعل الحارس واحدةً بكل عطفٍ وحنوٍ ومدَّها له برفقٍ، قائلاً : خذ سحبة أو سحبتين.
خذ سحبة أو سحبتين . . . . . ؟!؟
أي عبودية لكائنٍ مستضعفٍ تافهٍ هو لفافة التبغ !؟
رفض صاحبي هذا العرض، وقفل عائداً إلى خيمته معَّنفاً نفسه طول الطريق . . سحقاً لهذه الكرامة وهذا الإباء اللذين ضاعا مقابل لفافة تبغ . .
ترك التدخين . . . نعم، تركه، ولأكثرِ من خمس سنوات، لكنه وبكل أسف ... عاد وانتكس بعد طول معافاة.
لكن ما يلفت الانتباه في هذه السيرة هو أن عاملاً واحداً فقط فعل كلَّ هذا الفعل الذي استمر أثره عدةَ سنوات، ألا وهو عامل المهانة والتوسُّل وفقدان الكرامة … وكان حريّاً بصاحبنا أن يبحث عن عوامل أخرى تردف وتدعم وتساعد في استمرار الأثر الإيجابي لذلك العامل، ولا يتركه مجرد ردِّ فعلٍ قابل للزوال بالتقادم.
الإقلاع عن التدخين بين العنف و السهولة
الفصل الأول
(إرادة قوية وإعصار نفسي)
سلوا كلَّ ذي خبرة عن تجارِبه في تركِ التدخين، تجدُ معظمَهم قد غالب النفس في صراعٍ مضنٍ وعسير استنفذ كلَّ قواه الفكريةَ والروحانيةَ، وعدَّ الأيام والسَّاعات التي حَرَمَ نفسَهُ فيها أعزَّ ما لديه في هذا الوجود، ثم لا يلبثُ إلا أن يتحرَّرَ من قيود إرادته (الجبّارة العنيفة) التي كتمت على أنفاسه طوال تلك الأيامَ التي أحصاها بالثواني، فينفلت مخلِّفاً وراءه قيودَ إرادته الظالمة الممتلئة قسوةً عائداً إلى قُرَّةِ عينه وأعزِّ ما لديه، لفافةِ تبغِهِ الحنونة، ربما حدث ذلك أنصاف الليالي، فتجده مغادراً فراشه بعد التقلب فيه ليبحث عن دكّانٍ مازال مفتوحاً فيطلب منه علبة سجائر، فإن لم يجد فإنه يغتنم فرصة لقائه بأي شخص يحتمل أن يكون لديه علبةً ليطلب منه لفافة، فأي قوىً سحريةٍ تملك لفافة التبغ، وأي إرادة متهالكةٍ باليةٍ، تلك الإرادة التي ما فعلت شيئاً سوى أنها حاصرت وضربت على خُنَّاقِ صاحبها فترة من الزمن، لو سألته عن انطباعه عنها لقال: (كابوس وزال).
حدَّثني أحد أصدقائي أيام أزمة انقطاع التبغ منتصف الثمانينات، وكان طالباً في معسكر التدريب الجامعي عندما دفعه شعوره الجارف بحاجته للتدخين إلى طلب لفافة تبغ من أحد زملائه في الخيمة، فقال له : أعوذ بالله ، والله لو أن أبي طلب مني لفافةً في هذه الظروف لرفضّت أن أفرِّط بها . . .، وكانت مهانة، فخرج قاصداً صديقاً عزيزاً في خيمة أخرى، لكن رفضه كان أكثر (استبسالا)، وكانت حاجة صاحبي أكثر إلحاحاً فترجى وتوسّل، ولكن الرفضَ كان أقوى، إلا أنه اقترح عليه، كنوع من المساعدة، أن يذهب إلى باب المعسكر فربما وجد هناك بائعاً للسجائر ينهي له معاناته.
كان الوقتُ حينها وقتَ الظهيرة وكان الجو مرمضاً والساحةُ مسفلتة، ويفصله عن باب المعسكر حوالي 1.5 كم فقرر أن يمشيها، بالرغم من اعترافه أنه لو بُلِّغ يومها بأن حدثاً جللاً قد حدث لأحد أبويه لما غامر بالذَّهاب إلى باب المعسكر تلك الظهيرة.
وصل هناك والحمى تلفح رأسه فلم يجد إلا الحرس، فسأله لفافة تبغ فرفض، فتوسل إليه وشرح له ظرفه، فأشعل الحارس واحدةً بكل عطفٍ وحنوٍ ومدَّها له برفقٍ، قائلاً : خذ سحبة أو سحبتين.
خذ سحبة أو سحبتين . . . . . ؟!؟
أي عبودية لكائنٍ مستضعفٍ تافهٍ هو لفافة التبغ !؟
رفض صاحبي هذا العرض، وقفل عائداً إلى خيمته معَّنفاً نفسه طول الطريق . . سحقاً لهذه الكرامة وهذا الإباء اللذين ضاعا مقابل لفافة تبغ . .
ترك التدخين . . . نعم، تركه، ولأكثرِ من خمس سنوات، لكنه وبكل أسف ... عاد وانتكس بعد طول معافاة.
لكن ما يلفت الانتباه في هذه السيرة هو أن عاملاً واحداً فقط فعل كلَّ هذا الفعل الذي استمر أثره عدةَ سنوات، ألا وهو عامل المهانة والتوسُّل وفقدان الكرامة … وكان حريّاً بصاحبنا أن يبحث عن عوامل أخرى تردف وتدعم وتساعد في استمرار الأثر الإيجابي لذلك العامل، ولا يتركه مجرد ردِّ فعلٍ قابل للزوال بالتقادم.