زائر
ماذا يحدث عندما تفقد الأم جنينها رغمًا عنها?
بقلم محمود الاسطل عن مجلة العربي الكويتية
لا نقصد بالإجهاض, الإجهاض الجنائي غير الشرعي, كأن تتخلص الأم من الجنين, لعدم الرغبة في استمرار الحمل لأسباب معينة, والذي يتم في الغالب بوصفات طبية أو غير طبية, أو عن طرق عملية تفريغ الرحم بطريقة غير شرعية تحت مخدر عمومي, دون أخذ الاحتياطات الطبية اللازمة لمثل هذه الحالة, وإنما نقصد الإجهاض اللاإرادي (التلقائي) مع رغبة المريضة في استمرار الحمل, ويحدث ذلك عادة في الأسابيع الأولى للحمل (ثلاثة شهور).
إن نسبة عالية من الحوامل يفقدن الجنين في الشهور الأولى للحمل (15-20%), أي أن الإجهاض يحدث لحالة من كل ست حالات حمل مؤكد, أي يتم تأكيد الحمل بالتحليل المخبري أو بالأمواج الصوتية (السونار), ولكن يعتقد أن نسبة الإجهاض أعلى من ذلك بكثير, حيث إن كثيرًا من حالات الإجهاض تحدث مبكرة جدًا, وقبل تشخيص الحمل, وعند نزول دم الإجهاض, تعتقد المريضة أنه الدورة الشهرية, فإذا أضفنا هذه الحالات إلى ما سبق, فإن نسبة الإجهاض قد تصل من 50-60% في جميع حالات الحمل.
بعد الإجهاض مباشرة, تشعر معظم السيدات بالاضطراب والقلق والحزن, وفقدان الثقة, والشعور بالفشل والإحباط بعد فترة قصيرة من البهجة والفرح والثقة نتيجة الشعور بأعراض الحمل.
ثم تتصاعد الأسئلة الداخلية والخارجية, لماذا حدث ما حدث? وما الأخطاء التي أدت إلى ذلك, وكيف تتجنب تكرار ما حدث?
أسئلة مشروعة, ولا توجد إجابات شافية لها لدى الأطباء, مما يزيد الحيرة وتستمر المعاناة, ويزداد الألم.
ماذا حدث?
الإجهاض هو فقدان الجنين خلال الشهور الثلاثة الأولى للحمل - كما أشرنا -, ويكون عادة مسبوقًا بنزف بسيط, ويسمى في هذه الحالة بالإجهاض المنذر, ويتبع ذلك تقلصات رحمية متكررة في أسفل البطن, ويتزايد النزف والألم مما يدفع السيدة الحامل لزيارة الطبيب, والذي يجري الفحوصات الإكلينيكية والمخبرية, وبالأمواج الصوتية (السونار), حتى يتم التأكد من صحة الجنين أو حتمية الإجهاض.
وربما تكون زيارة المرأة الحامل للطبيب روتينية للتأكد من الحمل وصحته والاستفسار عن بعض الأمور الصحية, وأخذ النصائح اللازمة, فيكتشف الطبيب عدم وجود مظاهر الحياة في الجنين, وتسمى هذه الحالة بالإجهاض المنسي.
ومهما كان سبب الإجهاض, أو الوضع العام للحمل, فإنه بعد التأكد من خسارة الجنين, وعدم اكتمال الحمل, ينصح بإجراء عملية بسيطة لتفريغ محتويات الرحم تحت مخدر عام, وتعتبر هذه العملية ضرورية في معظم الحالات, لتفادي المضاعفات كالنزف الشديد, أو غزو الأعضاء التناسلية الداخلية بالميكروبات, مما يهدد بانسداد البوقين, ويؤثر في مستقبل الإنجاب.
ولكن ما السبب?
بعد الإجهاض مباشرة, يبدأ الزوجان في البحث عن السبب, الذي لا يكون واضحًا في معظم الحالات, ويوجه الاتهام واللوم لأي شيء, وكل شيء, للعمل, للإجهاد, للعلاقات الزوجية, لدواء معين, للأجهزة المرئية والمسموعة...إلخ.
وفي الغالب لا توجد علاقة مباشرة أو غير مباشرة بين الأشياء المذكورة وحدوث الإجهاض.
توجد أسباب كثيرة للإجهاض, كالإصابة ببعض الأمراض, مثل الالتهابات البكتيرية والفيروسية, وفقد التوازن الهرموني بالزيادة, أو النقص, أو ارتباك واختلاط في جهاز المناعة, الذي يميز الحمل كجسم غريب, وربما بعض الأدوية غير المسموح بها في الشهور الأولى للحمل, أو التعرض للتخدير أو الإشعاع, وقد يكون السبب وجود تشوهات خلقية موضعية في الجهاز التناسلي, ومعظم الأسباب السابقة يمكن التأكد منها بإجراء بعض الفحوصات المخبرية.
إن السبب الرئيسي لحدوث الإجهاض في الفترة المبكرة من الحمل, هو وجود جنين غير سوي نتيجة اختلال في تركيب الجنين, أو تشوّه تكويني نتيجة للتعرض لمؤثرات خارجية, والذي يصعب على الأطباء اكتشافه, ولكن جسم المرأة أكثر معرفة وأكثر دقة, فيكتشف ذلك في معظم الحالات, ويرفض الحمل مما يؤدي إلى سقوطه في مرحلة مبكرة.
الإحساس بالكارثة
يختلف الناس كثيرًا في ردة الفعل وتقبل الإجهاض, ومن الطبيعي أن يشعر معظمهم بالإحباط وعدم الراحة, فهذا شعور إنساني متوقع, وتعتمد ردود الفعل على طبيعة الشخص ومدى فهمه لمعنى الإجهاض, ومدى حاجته للحمل.
تمر المرأة بحزن عميق يعادل الحزن على فقد عزيز كالأب أو الأخ أو الصديق, وتشعر بحاجة إلى العزاء في هذا المصاب.
تشعر المرأة بالغضب الشديد من طبيبها أو زوجها أو الحوامل الأخريات, أو حتى من نفسها, أو من جميع الناس, ربما لأنهم سمحوا بحدوث ذلك من وجهة نظرها.
وتتساءل لماذا أنا بالذات? دونا عن الحوامل الأخريات, ولا تجد الإجابة عن هذا التساؤل, فتفقد الثقة في نفسها, وربما ينتابها شعور بالألم, وهذا يدخلها في حلقة مفرغة من الأسئلة المحيرة, وقد يؤدي إلى صعوبة في التعامل مع العمل, أو مع الزوج, أو مع المجتمع, هذه الأحاسيس وردود الأفعال تعتبر طبيعية ومشروعة, ويمكن تجاوزها بقليل من الصبر والشرح والتوضيح والتأكيد على سلامتها, وقدرتها على الحمل والإنجاب مرة أخرى.
ماذا تفعل المريضة?
يجب أن تترك العنان لنفسها, فإذا شعرت برغبة في البكاء فلا تتردد, ولا تلوم نفسها, أو تشعر بالخجل من ذلك, كما يجب ألا تُتْرك وحيدة تناقش نفسها, وتكبر الأمور في داخلها, ويجب تشجيعها على الاتصال بمن مرت بالتجربة نفسها, أو بمن لهم خبرة طبية أو نفسية أو صحية.
فعندما يعرف الأهل والأصدقاء بما حدث, فإن ذلك يوفر عليهم وعليها كثيرًا من الأسئلة المحرجة والمزعجة, التي قد تجرح مشاعرها مثل السؤال عن الحمل, ومدى تقدمه, وعن تاريخ الولادة المنتظر.
وما دور الزوج?
ربما يشعر بعض الأزواج بالدرجة نفسها أو بدرجة أقل بالحزن والألم كالزوجة تمامًا, وقد يكون اهتمام الزوج منصبًا على سلامة زوجته بالدرجة الأولى, وفي العادة, يستطيع الزوج التحكم في مشاعره أمام الزوجة, حتى وإن كان يعاني بالدرجة نفسها, وفي كل الأحوال, مناقشة الأمر بين الزوجين يخفف الألم ويبدد الحزن.
وماذا عن باقي أفراد الأسرة?
ينعكس شعور الأم بالحزن على أطفالها أو على والديها اللذين يشعران بالألم لفقد حفيد محتمل, ويشعر الأطفال بالحزن والخوف لرؤية الأم في ذلك الوضع المأساوي بعد الإجهاض, ويجب أن يتم شرح الأمر لهم بصورة مبسطة وصادقة وألا يبقوا خارج الصورة.
هل توجد طريقة لمنع تكرار هذه الحالة?
نعم, إذا كان السبب في جسم المرأة, كمرض معين, أو تعرض لميكروب أو تلوث أو تشوه في الأعضاء التناسلية يمكن إصلاحه.
ينصح عادة بالبقاء في الفراش من دون حركة! وهذا مستحيل كما أنه غير ضروري ولا يمنع الإجهاض.
وماذا بعد? متى تخرج المريضة من هذه الحالة?
لا توجد إجابة واحدة عن هذا السؤال, فكل إنسان مجموعة من المشاعر والأحاسيس تختلف عن الآخر, وفي معظم الأحوال تنتهي فترة الحزن العميق خلال أسابيع قليلة, ويحتاج البعض إلى فترة أطول قد تمتد إلى شهور أو ربما سنين, وتعود الذكرى الأليمة في مناسبات معينة, كالموعد المحدد للولادة, أو مرور عام على الإجهاض مثلاً, ولا تزول هذه الأحاسيس إلا عندما تحمل المرأة مرة أخرى ويكون محصول الحمل إيجابيًا, وتشاهد الأم وتحس بنمو الجنين وحركته وبتقدم الحمل إلى أن يتم وضع مولود حي بصحة جيدة, فتبرأ تمامًا.
ومتى تعود إلى الوضع الطبيعي?
يعود الجسم إلى وضعه الطبيعي بعد أيام قليلة من الإجهاض, بعد إجراء عملية تفريغ لمحتويات الرحم تحت مخدر عمومي, تعود الأم إلى البيت في اليوم نفسه وتستطيع أن تقوم بواجباتها المنزلية ونشاطها الاعتيادي عندما تشعر أنها قادرة على ذلك, وينصح بأن تباشر عملها في أقرب فرصة.
من المحتمل أن يستمر نزول الدم بعد الخروج من المستشفى وقد يكون بني اللون أو ورديًا ومصحوبًا أحيانًا ببعض التخثرات الصغيرة, وهذا أمر طبيعي, ويقل نزول الدم تدريجيًا إلى أن يتوقف تمامًا خلال فترة وجيزة لا تمتد إلى أكثر من أسبوعين, وإذا نزل الدم بكمية كبيرة أو حدثت إفرازات لها رائحة كريهة دلالة على التلوث, فيجب مراجعة الطبيب فورًا وأخذ العلاج اللازم.
تنزل الدورة الشهرية التالية بعد حوالي 4 - 6 أسابيع من تاريخ الإجهاض, وربما تحتاج إلى بضعة شهور لتعود إلى طبيعتها. وينصح بمراجعة الطبيب بعد 6 أسابيع للتأكد من أن الوضع طبيعي, نفسيًا وجسميًا, كما تعطى المريضة الفرصة كاملة لمناقشة الموضوع مرة أخرى, وتجري بعض الفحوصات في حالة الإجهاض المتكرر لسبر الأسباب المحتملة, كما يمكن مناقشة الاحتياطات الخاصة بالحمل التالي.
متى يسمح بالجماع? الجواب بسيط, عندما يتوقف الدم, ويكون ذلك بعد حوالي أسبوعين,وربما تكون الرغبة أقل كثيرًا عند معظم الأزواج ولكنها تعود إلى سابق عهدها بعد أسابيع قليلة.
وربما تشعر المرأة بحاجتها إلى الحمل بسرعة, ولكن لأسباب متعددة ينصح بالتريث لمدة شهرين لإعطاء فرصة للراحة النفسية والجسدية, أما إذا حدث الحمل مباشرة بعد الإجهاض وقبل الدورة التالية فلا ضير في ذلك ولا ضرر, وإذا اختارت المريضة الانتظار فعليها أن تتخذ وسيلة لمنع الحمل من البدائل المعروفة, كحبوب منع الحمل أو اللولب أو الحاجز الواقي أو أي وسيلة أخرى ينصح بها الطبيب.
هل سيتكرر ما حدث?
إن فرصة استمرار الحمل التالي تعتبر عالية جدًا أكثر من 90% بعد الإجهاض الأول, ولكن النسبة تتناقص تدريجيًا كلما تكرر الإجهاض, ولكن في جميع الأحوال الفرصة تبقى كبيرة.
لا بد من مراجعة الطبيب فورًا عند الإحساس بحمل جديد, لإجراء الفحوصات الضرورية, المخبرية والأمواج فوق الصوتية (السونار) للتأكد من سلامة الجنين.
وعادة ما ينصح الأطباء بأخذ أقراص حامض الفوليك قبل وأثناء الشهور الثلاثة الأولى للحمل, للتقليل من احتمال تشوه الجنين وبالتالي احتمال الإجهاض, ويجب تجنب استعمال جميع الأدوية في الشهور الثلاثة الأولى للحمل إلا ما ينصح به الطبيب كاستعمال الأسبرين لدعم المشيمة أو بعض الهرمونات في حالات خاصة.
يتضح مما سبق أن الإجهاض التلقائي نعمة وليس نقمة, حيث يتخلص الجسم من الأجنة غير السوية ويحتفظ بالحمل الطبيعي, ولو قدر أن يتم اختراع أو اكتشاف دواء يمنع الإجهاض لكان ذلك كارثة للإنسانية, لأنه سينتج عن ذلك نسبة عالية من المواليد غير الطبيعيين فيمتلئ المجتمع بأفراد مشوهين وغير طبيعيين يكونون عبئًا على الأسرة وعلى المجتمع, وحاجتهم إلى عناية خاصة ومصاريف باهظة وقد تؤدي إلى توقف تقدم الجنس البشري لانشغاله بهم.
بقلم محمود الاسطل عن مجلة العربي الكويتية
لا نقصد بالإجهاض, الإجهاض الجنائي غير الشرعي, كأن تتخلص الأم من الجنين, لعدم الرغبة في استمرار الحمل لأسباب معينة, والذي يتم في الغالب بوصفات طبية أو غير طبية, أو عن طرق عملية تفريغ الرحم بطريقة غير شرعية تحت مخدر عمومي, دون أخذ الاحتياطات الطبية اللازمة لمثل هذه الحالة, وإنما نقصد الإجهاض اللاإرادي (التلقائي) مع رغبة المريضة في استمرار الحمل, ويحدث ذلك عادة في الأسابيع الأولى للحمل (ثلاثة شهور).
إن نسبة عالية من الحوامل يفقدن الجنين في الشهور الأولى للحمل (15-20%), أي أن الإجهاض يحدث لحالة من كل ست حالات حمل مؤكد, أي يتم تأكيد الحمل بالتحليل المخبري أو بالأمواج الصوتية (السونار), ولكن يعتقد أن نسبة الإجهاض أعلى من ذلك بكثير, حيث إن كثيرًا من حالات الإجهاض تحدث مبكرة جدًا, وقبل تشخيص الحمل, وعند نزول دم الإجهاض, تعتقد المريضة أنه الدورة الشهرية, فإذا أضفنا هذه الحالات إلى ما سبق, فإن نسبة الإجهاض قد تصل من 50-60% في جميع حالات الحمل.
بعد الإجهاض مباشرة, تشعر معظم السيدات بالاضطراب والقلق والحزن, وفقدان الثقة, والشعور بالفشل والإحباط بعد فترة قصيرة من البهجة والفرح والثقة نتيجة الشعور بأعراض الحمل.
ثم تتصاعد الأسئلة الداخلية والخارجية, لماذا حدث ما حدث? وما الأخطاء التي أدت إلى ذلك, وكيف تتجنب تكرار ما حدث?
أسئلة مشروعة, ولا توجد إجابات شافية لها لدى الأطباء, مما يزيد الحيرة وتستمر المعاناة, ويزداد الألم.
ماذا حدث?
الإجهاض هو فقدان الجنين خلال الشهور الثلاثة الأولى للحمل - كما أشرنا -, ويكون عادة مسبوقًا بنزف بسيط, ويسمى في هذه الحالة بالإجهاض المنذر, ويتبع ذلك تقلصات رحمية متكررة في أسفل البطن, ويتزايد النزف والألم مما يدفع السيدة الحامل لزيارة الطبيب, والذي يجري الفحوصات الإكلينيكية والمخبرية, وبالأمواج الصوتية (السونار), حتى يتم التأكد من صحة الجنين أو حتمية الإجهاض.
وربما تكون زيارة المرأة الحامل للطبيب روتينية للتأكد من الحمل وصحته والاستفسار عن بعض الأمور الصحية, وأخذ النصائح اللازمة, فيكتشف الطبيب عدم وجود مظاهر الحياة في الجنين, وتسمى هذه الحالة بالإجهاض المنسي.
ومهما كان سبب الإجهاض, أو الوضع العام للحمل, فإنه بعد التأكد من خسارة الجنين, وعدم اكتمال الحمل, ينصح بإجراء عملية بسيطة لتفريغ محتويات الرحم تحت مخدر عام, وتعتبر هذه العملية ضرورية في معظم الحالات, لتفادي المضاعفات كالنزف الشديد, أو غزو الأعضاء التناسلية الداخلية بالميكروبات, مما يهدد بانسداد البوقين, ويؤثر في مستقبل الإنجاب.
ولكن ما السبب?
بعد الإجهاض مباشرة, يبدأ الزوجان في البحث عن السبب, الذي لا يكون واضحًا في معظم الحالات, ويوجه الاتهام واللوم لأي شيء, وكل شيء, للعمل, للإجهاد, للعلاقات الزوجية, لدواء معين, للأجهزة المرئية والمسموعة...إلخ.
وفي الغالب لا توجد علاقة مباشرة أو غير مباشرة بين الأشياء المذكورة وحدوث الإجهاض.
توجد أسباب كثيرة للإجهاض, كالإصابة ببعض الأمراض, مثل الالتهابات البكتيرية والفيروسية, وفقد التوازن الهرموني بالزيادة, أو النقص, أو ارتباك واختلاط في جهاز المناعة, الذي يميز الحمل كجسم غريب, وربما بعض الأدوية غير المسموح بها في الشهور الأولى للحمل, أو التعرض للتخدير أو الإشعاع, وقد يكون السبب وجود تشوهات خلقية موضعية في الجهاز التناسلي, ومعظم الأسباب السابقة يمكن التأكد منها بإجراء بعض الفحوصات المخبرية.
إن السبب الرئيسي لحدوث الإجهاض في الفترة المبكرة من الحمل, هو وجود جنين غير سوي نتيجة اختلال في تركيب الجنين, أو تشوّه تكويني نتيجة للتعرض لمؤثرات خارجية, والذي يصعب على الأطباء اكتشافه, ولكن جسم المرأة أكثر معرفة وأكثر دقة, فيكتشف ذلك في معظم الحالات, ويرفض الحمل مما يؤدي إلى سقوطه في مرحلة مبكرة.
الإحساس بالكارثة
يختلف الناس كثيرًا في ردة الفعل وتقبل الإجهاض, ومن الطبيعي أن يشعر معظمهم بالإحباط وعدم الراحة, فهذا شعور إنساني متوقع, وتعتمد ردود الفعل على طبيعة الشخص ومدى فهمه لمعنى الإجهاض, ومدى حاجته للحمل.
تمر المرأة بحزن عميق يعادل الحزن على فقد عزيز كالأب أو الأخ أو الصديق, وتشعر بحاجة إلى العزاء في هذا المصاب.
تشعر المرأة بالغضب الشديد من طبيبها أو زوجها أو الحوامل الأخريات, أو حتى من نفسها, أو من جميع الناس, ربما لأنهم سمحوا بحدوث ذلك من وجهة نظرها.
وتتساءل لماذا أنا بالذات? دونا عن الحوامل الأخريات, ولا تجد الإجابة عن هذا التساؤل, فتفقد الثقة في نفسها, وربما ينتابها شعور بالألم, وهذا يدخلها في حلقة مفرغة من الأسئلة المحيرة, وقد يؤدي إلى صعوبة في التعامل مع العمل, أو مع الزوج, أو مع المجتمع, هذه الأحاسيس وردود الأفعال تعتبر طبيعية ومشروعة, ويمكن تجاوزها بقليل من الصبر والشرح والتوضيح والتأكيد على سلامتها, وقدرتها على الحمل والإنجاب مرة أخرى.
ماذا تفعل المريضة?
يجب أن تترك العنان لنفسها, فإذا شعرت برغبة في البكاء فلا تتردد, ولا تلوم نفسها, أو تشعر بالخجل من ذلك, كما يجب ألا تُتْرك وحيدة تناقش نفسها, وتكبر الأمور في داخلها, ويجب تشجيعها على الاتصال بمن مرت بالتجربة نفسها, أو بمن لهم خبرة طبية أو نفسية أو صحية.
فعندما يعرف الأهل والأصدقاء بما حدث, فإن ذلك يوفر عليهم وعليها كثيرًا من الأسئلة المحرجة والمزعجة, التي قد تجرح مشاعرها مثل السؤال عن الحمل, ومدى تقدمه, وعن تاريخ الولادة المنتظر.
وما دور الزوج?
ربما يشعر بعض الأزواج بالدرجة نفسها أو بدرجة أقل بالحزن والألم كالزوجة تمامًا, وقد يكون اهتمام الزوج منصبًا على سلامة زوجته بالدرجة الأولى, وفي العادة, يستطيع الزوج التحكم في مشاعره أمام الزوجة, حتى وإن كان يعاني بالدرجة نفسها, وفي كل الأحوال, مناقشة الأمر بين الزوجين يخفف الألم ويبدد الحزن.
وماذا عن باقي أفراد الأسرة?
ينعكس شعور الأم بالحزن على أطفالها أو على والديها اللذين يشعران بالألم لفقد حفيد محتمل, ويشعر الأطفال بالحزن والخوف لرؤية الأم في ذلك الوضع المأساوي بعد الإجهاض, ويجب أن يتم شرح الأمر لهم بصورة مبسطة وصادقة وألا يبقوا خارج الصورة.
هل توجد طريقة لمنع تكرار هذه الحالة?
نعم, إذا كان السبب في جسم المرأة, كمرض معين, أو تعرض لميكروب أو تلوث أو تشوه في الأعضاء التناسلية يمكن إصلاحه.
ينصح عادة بالبقاء في الفراش من دون حركة! وهذا مستحيل كما أنه غير ضروري ولا يمنع الإجهاض.
وماذا بعد? متى تخرج المريضة من هذه الحالة?
لا توجد إجابة واحدة عن هذا السؤال, فكل إنسان مجموعة من المشاعر والأحاسيس تختلف عن الآخر, وفي معظم الأحوال تنتهي فترة الحزن العميق خلال أسابيع قليلة, ويحتاج البعض إلى فترة أطول قد تمتد إلى شهور أو ربما سنين, وتعود الذكرى الأليمة في مناسبات معينة, كالموعد المحدد للولادة, أو مرور عام على الإجهاض مثلاً, ولا تزول هذه الأحاسيس إلا عندما تحمل المرأة مرة أخرى ويكون محصول الحمل إيجابيًا, وتشاهد الأم وتحس بنمو الجنين وحركته وبتقدم الحمل إلى أن يتم وضع مولود حي بصحة جيدة, فتبرأ تمامًا.
ومتى تعود إلى الوضع الطبيعي?
يعود الجسم إلى وضعه الطبيعي بعد أيام قليلة من الإجهاض, بعد إجراء عملية تفريغ لمحتويات الرحم تحت مخدر عمومي, تعود الأم إلى البيت في اليوم نفسه وتستطيع أن تقوم بواجباتها المنزلية ونشاطها الاعتيادي عندما تشعر أنها قادرة على ذلك, وينصح بأن تباشر عملها في أقرب فرصة.
من المحتمل أن يستمر نزول الدم بعد الخروج من المستشفى وقد يكون بني اللون أو ورديًا ومصحوبًا أحيانًا ببعض التخثرات الصغيرة, وهذا أمر طبيعي, ويقل نزول الدم تدريجيًا إلى أن يتوقف تمامًا خلال فترة وجيزة لا تمتد إلى أكثر من أسبوعين, وإذا نزل الدم بكمية كبيرة أو حدثت إفرازات لها رائحة كريهة دلالة على التلوث, فيجب مراجعة الطبيب فورًا وأخذ العلاج اللازم.
تنزل الدورة الشهرية التالية بعد حوالي 4 - 6 أسابيع من تاريخ الإجهاض, وربما تحتاج إلى بضعة شهور لتعود إلى طبيعتها. وينصح بمراجعة الطبيب بعد 6 أسابيع للتأكد من أن الوضع طبيعي, نفسيًا وجسميًا, كما تعطى المريضة الفرصة كاملة لمناقشة الموضوع مرة أخرى, وتجري بعض الفحوصات في حالة الإجهاض المتكرر لسبر الأسباب المحتملة, كما يمكن مناقشة الاحتياطات الخاصة بالحمل التالي.
متى يسمح بالجماع? الجواب بسيط, عندما يتوقف الدم, ويكون ذلك بعد حوالي أسبوعين,وربما تكون الرغبة أقل كثيرًا عند معظم الأزواج ولكنها تعود إلى سابق عهدها بعد أسابيع قليلة.
وربما تشعر المرأة بحاجتها إلى الحمل بسرعة, ولكن لأسباب متعددة ينصح بالتريث لمدة شهرين لإعطاء فرصة للراحة النفسية والجسدية, أما إذا حدث الحمل مباشرة بعد الإجهاض وقبل الدورة التالية فلا ضير في ذلك ولا ضرر, وإذا اختارت المريضة الانتظار فعليها أن تتخذ وسيلة لمنع الحمل من البدائل المعروفة, كحبوب منع الحمل أو اللولب أو الحاجز الواقي أو أي وسيلة أخرى ينصح بها الطبيب.
هل سيتكرر ما حدث?
إن فرصة استمرار الحمل التالي تعتبر عالية جدًا أكثر من 90% بعد الإجهاض الأول, ولكن النسبة تتناقص تدريجيًا كلما تكرر الإجهاض, ولكن في جميع الأحوال الفرصة تبقى كبيرة.
لا بد من مراجعة الطبيب فورًا عند الإحساس بحمل جديد, لإجراء الفحوصات الضرورية, المخبرية والأمواج فوق الصوتية (السونار) للتأكد من سلامة الجنين.
وعادة ما ينصح الأطباء بأخذ أقراص حامض الفوليك قبل وأثناء الشهور الثلاثة الأولى للحمل, للتقليل من احتمال تشوه الجنين وبالتالي احتمال الإجهاض, ويجب تجنب استعمال جميع الأدوية في الشهور الثلاثة الأولى للحمل إلا ما ينصح به الطبيب كاستعمال الأسبرين لدعم المشيمة أو بعض الهرمونات في حالات خاصة.
يتضح مما سبق أن الإجهاض التلقائي نعمة وليس نقمة, حيث يتخلص الجسم من الأجنة غير السوية ويحتفظ بالحمل الطبيعي, ولو قدر أن يتم اختراع أو اكتشاف دواء يمنع الإجهاض لكان ذلك كارثة للإنسانية, لأنه سينتج عن ذلك نسبة عالية من المواليد غير الطبيعيين فيمتلئ المجتمع بأفراد مشوهين وغير طبيعيين يكونون عبئًا على الأسرة وعلى المجتمع, وحاجتهم إلى عناية خاصة ومصاريف باهظة وقد تؤدي إلى توقف تقدم الجنس البشري لانشغاله بهم.