زائر
in14; الأحلام والرؤى بين الإهمال والمبالغة
~ بسم الله الرحمن الرحيم ~
في حياتنا اليومية.. ظواهر طبيعية ..
قد لا يطرأ لنا التفكير في ماهيّتها كثيراً .. في حين يكون لها ذلك الأثر المتزايد ..
ليصل إلى سلوكنا .. أفكارنا .. و في بعض الأحيان يصيب سهمه سلامة عقيدتنا ..
تجولنـا بأوراقنا وأقلامنـا نسجل آراء بعض الإخوة في موضوع الأحلام ، ومساحتها في واقعهم .. الأخت ( ط . ع) قالت : رؤيتي لكثير من الأحلام في الواقع هو سبب اهتمامي بها ، فأمور كثيرة أعرفها قبل أن تقال لي بسبب رؤيتي لها في المنام ، حتى أن كثيراً ممن حولي يتعجبون من معرفتي لها و هم لم يطلعوني عليها بعد ، و لهذا السبب أحاول تجاهل كثير من الأحلام بسبب خوفي من تفسيرهـا .
أما الأخت ( هند . ن ) فقالت : من النادر أن أرى أحلاماً أشعر أنها تحمل معاني كبيرة لكن أعتقد أن هناك أناس منحهم الله ذلك ، و أهتم كثيراً لأحلامهم لكثرة ما تتحقق ..
الأخ الكريم (محمد ) يقول : لا ننكر أن الأحلام قد تتحقق أحياناً و لكن المشاهد الآن أن كثير من الناس أصبح يصدقها وكأنها وحي منزل ، حتى أن بعضهم أصبح يمشي تجارته على حسب أحلامه .. و يوصي بالبيع والشراء إن رأى ذلك في أحلامه .. خاصة بيع الأسهم و شرائها ..
وكان للأخت ( أم عبدالله ) رأي حيث قالت : أكيد أهتم بالأحلام ..وأحرص أن أعرف تفسيرها ، و تفسير من يراني في منامه .. تخبرني أخواتي بما أخفيه عنهن و عرفنه بسبب حلم إحداهن بي ..
مما سبق يتضح لنـا التباين في تعاطي الناس مع الأحلام ، ومدى تصديقهم لهـا و إيمانهم بهـا
والمساحة التي تشغلها في واقعهم .. وهو ما شجعنا أن نطرح أسئلة عديدة حول الأحلام .. وطريقة التعامل الشرعية معها ..
الحلم .. ظاهرة طبيعية .. صحية ..
الأحلام أثناء النوم .. من تلك الظواهر اليومية التي تحدث بين فترة اليقظة والنوم, في ما يعرف بمرحلة النوم المتناقض . يعتبرها العلماء في قاموسهم صيانة يومية و تطهير للدماغ .. لاحتفاظ عقلنا بلياقته أثناء النوم حتى لا يتكاسل حين نعود إلى اليقظة
و هي أيضا ظاهرة صحية تفيد في الاحتفاظ بالتوازن العقلي والصحة النفسية ..
يقول الدكتور محمد الفار "رئيس أقسام الطب النفسي في المستشفيات الجامعية" :
"الأحلام هي نشاط فسيولوجي دوري يحدث بانتظام تام في ما يسمى بالنوم النقيض, أي النوم المصاحب بحركة العين السريعة. وقد أظهرت الأبحاث الحديثة أن هناك أنواعاً أخرى من الأحلام تحدث في النوم الهاديء. وما يتذكره الإنسان من الحلم جزءاً يسيراً جداً من ظاهرة الأحلام التي لها أنواع, فهناك الحلم الواضح المحكي المسلسل وهو أبعد ما يكون عما حدث أثناء النوم بل إنه حلم مصنوع قبيل اليقظة وهو إبداع لاهث قبيل استعادة الوعي كاملاً وليس حدثاً يفرض نفسه من الداخل، وهناك أحلام الشتات والأحلام المبتورة والأحلام المكررة وأحلام تحقيق الرغبة وأحلام المخاوف وأحلام التعويض وأحلام التنبؤ وأحلام التخاطر, وكذلك هناك كوابيس وأضغاث الأحلام والفزع الليلي. ولا علاقة مباشرة بين الأحلام والتوتر النفسي وإن كان من الشائع أن المتوتر نفسياً يكون أكثر عرضة للأحلام المزعجة التي تسبب ارتفاعاً في ضغط الدم وسرعة دقات القلب, ولم يقل أحد أن الأحلام المزعجة أقل فائدة من الأحلام الهادئة أو العكس فالحلم صورة لأحد أوجه حياة الانسان ويكون وسيلة من وسائل العلاج النفسي للمريض. ومن المدهش أنه في التراث العربي القديم وجدنا مقولة للرازي يقول فيها: "قل لي حلمك أقل لك مرضك" فالحلم هو حارس النوم ويعبر عن رغبات مخزونة غير مسموح لها بالظهور, ويمكن عن طريق الطب النفسي تفسيرها. وقد عبر فرويد عن ذلك بقوله "الحلم هو الطريق الملكي الى اللا شعور".
وعلى الرغم من كثرة الدراسات التي أخضعت الأحلام لتجارب و دراسات كتوصيل أقطاب ترصد نشاط العقل والجهاز العصبي خلال مراحل النوم على مدى ليلة كاملة أو أكثر إلا أن الغموض يحيط بهذه الظاهرة ..
قد تتعدد الأحلام خلال النوم .. و تطول .. و لا يذكر منها إلا الأجزاء الأخيرة منها ..
وذلك لأن الأحلام تحدث خلال مراحل معينة مع حركة العين السريعة apid eye mvement ومدتها 10 دقائق تقريباً تتكرر مرة كل 90 دقيقة .
لكن السؤال الذي يظل مطروحاً هو : ما العلاقة بين الحلم وبين الأحداث التي تقع في المستقبل!؟
الأحلام والرؤى تسببت بحرب كلامية بين علماء الدين وعلماء النفس حيث يصر كل فريق على تفسيرها في شكل خاص به, علماء الدين يرون أن هناك تفاسير دينية لكل حلم أو رؤية منامية ولا بد من احترامها لأن لذلك أسساً شرعية لا يمكن إغفالها, في حين يرى علماء النفس أن الأحلام ما هي إلا انعكاس لنفسية الحالم ومشكلاته في الواقع.
غير أن الحقيقة العلمية تؤكد أن هناك علاقة بين العقل الإنساني والبيئة المحيطة ، وتفاعله مع الآخرين في شعور عام يطلق عليه العقل الجمعي، يتأثر بالأحداث العامة مثل حالة الحرب أو الرخاء وقد يستشعر حدوث بعض الأشياء نتيجة لاستمرار الإنسان وتوارث خبراته وعلاقته بالزمان والمكان..
ومن منظور شرعي .. إن الرؤيا لها منزلة عظيمة ومكانة رفيعة في الإسلام، ولا ينكرها إلا جاهل، وتعجّب كثيرون من حقيقتها، وكيف تأتي الإنسان، وخاض علماء النفس وأصحاب الفلسفة في ذلك كثيراً، لكن أجاب عن حقيقتها أحد علمائنا وهو المازري رحمه الله إذ قال في حقيقتها: "والصحيح ما عليه أهل السنة أن الله يخلق في قلب النائم اعتقادات، كما يخلقها في قلب اليقظان، وهو سبحانه يفعل ما يشاء، لا يمنعه نوم ولا يقظة، فإذا خلق هذه الاعتقادات فكأنه جعلها علماً على أمور يخلقها في ثاني الحال أو كان قد خلقها".
التعامل الشرعي مع الأحلام
سار علماء الشريعة وأئمتها على منهج النبوة في تعاملهم مع الأحلام، ووقفوا على الرؤى بما جاء في كتاب الله وسنة نبيه،
فالرؤيا الصالحة الصادقة حق من عند الله، منها المبشرة ومنها المنذرة،
روى مالك في الموطأ وغيره عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((ذهبت النبوة وبقيت المبشرات))، قيل: وما المبشرات؟ قال: ((الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو تُرى له))
والتبشير هنا يحتمل التبشير بالخير والتبشير بالشر كما قال الله تعالى عن الكفار في سورة آل عمران:
( فَبَشّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ). والرؤيا في المنظور الشرعي هي كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثًا، ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة)) الحديث رواه البخاري ومسلم
التعلق بالأحلام والمحاذير التي يقع فيها العوام
راجت في عالمنـا الإسـلامي تجارة الأحلام و تفسيرهـا .. شُغف الناس بحب معرفة الأمور الغيبية، و أصبحت شغل الناس الشاغل في المجالس والصحف والقنوات التلفزيونية ..
و يعود هذا الرواج إلى أمرين أولهمـا : ضعف الإيمان والتوكل على الله والتعلق بالغيبيات لحل ما يعانيه الفرد في حياته ..
والثاني : الضغوط التي يعاني منهـا كثير من الناس في حياتهم ، و تضطرهم إلى التعلق بما يخلصهم منهـا و يزين لهم مستقبلهم ..
فيعيشون على أمل رأوه في رؤيا أو حلم ، و يطيلون الانتظار لما قد لا يأتي ..
أو يسعدون كثيراً بجميل أحلامهم و يغترون بهـا ورؤيا المؤمن بشرى من الله تسر الرائي ولا تغرّه، كما قال الإمام أحمد.
وهي لا تسوغ اعتقاد رائيهـا بأنه أفضل من غيره لأنه رآها ، ولا أن من لم ير رؤيا حسنة دون منه و أنه دليل نقص أو سوء فيه ..
فالأحلام لا تعطي لأحد ميزة على أحد ..
وإن الرائي لحال كثير من الناس اليوم يرى أخطاء فادحة تجاه الرؤى وجهلاً ذريعاً بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم في ذلك، لذا فهذه تنبيهات على بعض أخطاء الناس في ذلك.
أولاً: انشغال الناس بهذه الرؤى وتقديسها، وصرف الأوقات الكثيرة في تذاكرها والسؤال عنها، ولو سألت كثيرين من أولئك عن صلواتهم وبعض أحكام دينهم لرأيت ما يحزنك، ولا أدل على ذلك من واقع الناس اليوم، انظر إلى مجالس المعبرين ولقاءاتهم كم يحضرها، ومجالس تعلم أحكام الشرع والدين، ألا فاقدروا للأمر قدره فلا إفراط ولا تفريط.
ثانياً: إقامة المجالس واللقاءات الطويلة في تعبير الرؤى، مما زاد في إشغال الناس بهذا أكثر وأكثر، ويتبجح بعضهم بما جاء في صحيح مسلم من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان كثيراً ما يسأل أصحابه بعد الفجر: ((من رأى منكم رؤيا؟))، فيجاب عن هذا بأن هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يقاس عليه غيره، وكان في طور تنزّل الوحي، ومن ثم فإنه لم يثبت عن أحدٍ من الصحابة كالخلفاء الأربعة ولا من بعدهم أنهم كانوا يقيمون المجالس من أجل تعبير الرؤى، لا سيما أبو بكر الصديق رضي الله عنه وقد شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بأنه عارف بتعبير الرؤى.
ثالثاً: من الأخطاء في الرؤيا خطورة الكذب فيها، ففيه إثم عظيم، أخرج البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من تحلم بحلم لم يره كلَّف ـ أي: يوم القيامة ـ أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل))، قال الإمام الطبري رحمه الله: "الكذب في المنام كذب على الله أنه أراه ما لم يره".
رابعاً: بعض الناس إذا رأى رؤيا لم يترك أحدًا إلا وقد سأله عنها، وقد يسأل أحياناً جهالاً لا يفقهون فيها شيئاً. تفسير الرؤى ـ يا رعاكم الله ـ علم ليس لأي أحدٍ أن يتكلّم فيه، سئل الإمام مالك رحمه الله: أيعبر الرؤيا كل أحد؟ فقال مالك: أبِالنبوة يُلعب؟! والنبي صلى الله عليه وسلم يقـول: ((إذا رأى أحدكم رؤيا فلا يحدث بها إلا ناصحاً أو عالماً)) أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
وهنا تعلم خطورة نصب الإنسان نفسه مفتياً في الرؤى، يتكلم بتخمينه وظنونه، فأينه من قول الله: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً} [الإسراء:36]؟!
خامساً: يخطئ بعض الناس في اقتنائه لكتب الرؤى والاعتماد عليها، فكلما رأى في منامه شيئاً فتح كتابه، ألا فليعلم أن الرؤى يعبرها أهل العلم باعتبارات مختلفة، وقد تكون الرؤيا واحدة لشخصين لكن التأويل مختلف. جاء رجلٌ صالح لابن سيرين فقال: رأيت أني أؤذن في المنام، فعبرها له بأنه سيحج لقوله تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج:27]، وجاء بعده آخر رأى أنه يؤذن في المنام، فعبرها له بأنه يسرق لقوله تعالى: {ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} [يوسف:70].
سادساً: تنتشر بين الفينة والأخرى ورقةٌ مذكور فيها رؤيا للرجل الصالح أحمد خادم الحجرة النبوية، وفيها بعض الوصايا، وكذلك ورقة أخرى أن فتاة رأت في المنام أمَ المؤمنين زينب أو بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة تأمرها بأن تقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] كذا مرة وسيحصل لها كذا وكذا، وكل هذه خزعبلات وأكاذيب لا تنشر إلا عند الجهلاء، وقد نبهت عليها اللجنة الدائمة، وتكلم عنها الشيخ ابن باز رحمه الله في إيضاح قبل أكثر من خمسة عشر عاماً، ألا فليُعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما مات إلا والدين قد كمل، وأن أيّ مدّعٍ يدعي أنه اكتشف سنة عبر منام فهو كاذب، فليس هناك سنة إلا وقد بينها صلى الله عليه وسلم ، وانتهى التشريع بموته.
الهدي النبوي في التعامل مع الرؤى
وضع الهدي النبوي لنا أسساً متينةً لضوابط الرؤى وتعبيرها ونقلها ..
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله تعالى فليحمد الله عليها فلا يحدّث بها إلى من يحب ومن رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان فليستعذ من شرها ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضرّه" متفق عليه "رياض الصالحين الصحيفة التاسعة عشرة بعد الثلاثمائة " .
فمن هذا الحديث نخلص إلى أن طلب تعبير الرؤيا يعتمد على حسنها.. فإن كانت الرؤيا مما تسر الإنسان فالأفضل له أن يعرضها على من يعبرها له.. أما إن رأى ما يفزعه أو يحزنه فمن الأفضل أن لا يقصها على أحد وأن يعمل بما ورد من الاحترازات في الحديث السالف ذكره ..
أنواع الرؤى
والرؤى ـ يا رعاكم الله ـ ثلاثة أنواع، جلاَّها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رواه ابن ماجه في سننه وصححه الألباني أنه عليه الصلاة والسلام قال: (( إن الرؤيا ثلاث: منها أهاويل من الشيطان ليحزن بها ابن آدم، ومنها ما يهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه، ومنها جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة )).
يقول البغوي رحمه الله: "في هذا الحديث بيان أنه ليس كل ما يراه الإنسان في منامه يكون صحيحاً ويجوز تعبيره، إنما الصحيح منها ما كان من الله عز وجل، وما سوى ذلك أضغاث أحلام لا تأويل لها".
إذاً النوع الأول هي الرؤيا السيئة التي من الشيطان، وهناك آداب شرعية تجاهها، فقد روى مسلم في صحيحه أن أبا سلمة قال: كنتُ أرى الرؤيا فأمرض منها، حتى لقيت أبا قتادة فذكرت ذلك له فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان، فإذا حلم أحدكم حلماً يكرهه فلينفث عن يساره ثلاثاً ويتعوذ بالله من شرها، فإنها لن تضره ))، قال أبو سلمة: إن كنت لأرى الرؤيا أثقل عليَّ من الجبل، فما هو إلا أن سمعت بهذا الحديث فما أباليها.
لذلك جاء أعرابي كما في مسلم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، رأيت في المنام كأن رأسي ضُرب فتدحرج فاشتددت على أثره! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأعرابي: ((لا تحدّث الناس بتلعُّب الشيطان بك في منامك)).
لذلك للسنة تجاه مثل هذه الرؤى السيئة آداب: أن يتعوّذ بالله من شر ما رأى ثلاث مرات، وأن يتعوذ بالله من شر الشيطان ثلاث مرات، وأن يتفل عن يساره ثلاث مرات، وأن لا يحدّث بها أحدًا ولا يطلب تفسيرها، وقد صح في مسلم أيضاً أن يتحوّل عن الجنب الذي كان عليه، وأن يصلي عقبها.
وأما النوع الثاني من الرؤى فهو ما يحدّث به المرء نفسه في يقظته، كمن يكون مشغولاً بسفر أو تجارة أو نحو ذلك، فينام فيرى في منامه ما كان يفكّر فيه في يقظته، وهذا من أضغاث الأحلام التي لا تعبير لها.
وأما النوع الثالث فهو الرؤيا الصادقة الصالحة التي تكون من الله، قال صلى الله عليه وسلم : ((إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها وليحدث بها)) أخرجه البخاري، وعند مسلم: ((ولا يخبر بها إلا من يحب)) وجاء عند ابن عبد البر أنه يطلب تفسيرها.
وكثيرون هم في هذا الزمان الذين يتهافتون على المفسرين للرؤى ويشغلون أهل العلم بأحلام سيئة أو أخلاط مواقف لا رابط لها، لذا شرع أهل العلم في بيان علامات لأضغاث الأحلام أو الرؤيا السيئة، وعلامات للرؤيا الصادقة حتى يفرق الناس.
أنها أضغاث أحلام .. و ليست رؤية ..
فمن علامات أضغاث الأحلام أو الرؤى الفاسدة أن النائم يرى في منامه مناظر متناقضة ومتداخلة، لا يعرف أولها من آخرها، ومن علاماتها أن بعض الناس يمرض فيرى في منامه ما يوافق مرضه، ومن علاماتها كأن يرى مستحيلات لا يمكن أن تقع، أو يرى ما تحدّث به نفسه في اليقظة، ومن علامات الرؤيا الصادقة انتفاء جميع ما تقدم من علامات الرؤيا الفاسدة، ومن علاماتها أن يكون الرائي معروفاً بالصدق في كلامه، كما قال صلى الله عليه وسلم : ((أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثًا)) وهذا في الغالب، وإلا فقد يرى غير الصادق رؤيا صادقة يكون فيها إيقاظ لغفلته، ومن علامتها أن يعرف أولها وآخرها، فلا تكون متقطعة لا ترابط بينها، ومن علاماتها أن تكون تبشيرًا بالثواب على الطاعة أو تحذيراً من المعصية.
والرؤيا الصالحة قد تكون واضحة لا تحتاج إلى تأويل كما رأى إبراهيم عليه السلام أنه يذبح ابنه في المنام، وقد تكون خافية برموز تحتاج فيها إلى عابر يعبرها كرؤيا صاحبي السجن مع يوسف عليه السلام.
تفسير الأحلام
** مصادر تفسير الأحلام **
تعبير الرؤى كالفتاوى.. لا تستقى من بطون الكتب.. ولا يُسأل عن تعبيرها جاهل.. فتعبيرها حكر على من له علم ومتبحر في التأويل..
يختلف الناس في تعبيرهم للرؤى، فمنهم من لا يطمئن ولا يثق إلا إذا عبر رؤياه مفسر معين
ومنهم من يعتمد اعتماداً كلياً على كتب تفسير الأحلام.
من أشهر هذه الكتب التي اعتمد عليها القدماء والمحدثين هو كتاب تفسير الأحلام لابن سيرين.
لكن يجب التنبيه أن المسألة تختلف باختلاف الأحوال والأشخاص،
وهذه قصة حدثت لابن سيرين توضح أن لا قاعدة يستند عليها في تأويل الأحلام:
حصل على عهد ابن سيرين رحمه الله وهو من مشاهير من كان يفسر الأحلام في هذه الأمة، أنه أتاه رجلان، كل واحد منها يذكر أنه رأى في المنام أنه يؤذن، فقال للأول: أنت تحج، وقال للآخر: أنت تسرق فتقتطع يدك، فقيل له كيف ذلك؟ قال: رأيت على الأول علامات الصلاح فتأولت قول الله تعالى: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ [الحج:27] ورأيت على الثاني علامات الخبث والفجور، فأولت قوله تعالى : ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ [يوسف:70] مع أن الرؤيا نفسها هنا وهنا، لكن قال للأول: أنت تحج وقال للآخر: أنت تسرق فتقطع يدك. فإذاً -أيها الإخوة- ليس هناك قانون يضبط الرؤى، وليس هناك شيء موحد لجميع الرؤى، وليس كل من رأى في المنام نهراً أو بحراً، معناه شيء معين، وليس كل من رأى في المنام أنه يقلع منه ضرس، أنه سيفقد واحداً من أولاده، هذا قانون مضطرب وليست قاعدة في كل من يرى هذا الشيء. والله عز وجل يلقي في قلوب الذين يعلمون تفسير هذه الرؤيا إلهاماً فلا نستطيع أن نقول: إن لها قاعدة.
..
وبالنسبة لصحة نسب هذا الكتاب لابن سيرين فقد قيل أنه نسب إليه وما هو له،
والغالب على الظن أنه مما جمعه طلابه من بعده، وليس مما كتبه هو.. والله تعالى أعلم.
** الشروط الواجب توافرها في مفسّر الأحلام **
لا بد للعابر أن يكون عالماً بهذا العلم العظيم، وأن يدرك المصالح والمفاسد في هذا الميدان، وأن لا ينصِّب نفسه للفتيا في الرؤى ويتطلَّع إليها، فيجب أن يكون عالماً حاذقاً بعلم تأويل الرؤى، وأن لا يؤولها إلا بعلم وإدراك، وأن يكون فطناً ذكياً تقياً نقياً من الفواحش، عالماً بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ولغة العرب وأمثالها، واذا أتته رؤيا لم يمكنه تأويلها فالأولى أن يحيلها على من هو أعلم منه بالتأويل ولا يتحرج في ذلك،
كما عليه أن يكتم ويستر على الناس عوراتهم، يقول ابن القيم رحمه الله: "المفتي والمعبِّر والطبيب يطَّلعون من أسرار الناس وعوراتهم على ما لا يطلع عليه غيرهم، فعليهم استعمال الستر فيما لا يحسن إظهاره".
ثم إن على العابرين أن لا يتسارعوا في التعبير، وأن لا يجزموا بما يعبرون، وأن يعلموا خطورةَ هذا الجانب وما يوصله إليه من الافتتان والإعجاب بالنفس وتعظيم شأنه فوق شأن المفتين وأهل العلم، وقد نقل ابن عبد البر عن الإمام مالك أنه سئل: أيعبُر الرؤيا كلُّ أحد؟ فقال مالك: أبالنبوة يُلعب؟! وقد نقل ابن عبد البر أيضاً عن هشام بن حسان انه قال: كان ابن سيرين يُسأل عن مائة رؤيا فلا يجيب فيها بشيء، إلا أنه يقول: اتق الله وأحسن في اليقظة فإنه لا يضرك ما رأيت في النوم، وكان يجيب في خلال ذلك ويقول: إنما أجيب بالظن، والظن يخطئ ويصيب.
** أثر خطورة تعبير الأحلام من خلال البرامج التلفزيونية وما يترتب عليه من مفاسد **
لتعبير الرؤى من خلال الشاشات والتي يشاهدها ملايين من الناس خطورة لا تخفى على من يتتبعها،
فالتعبير بهذا الشكل من الانفتاح المطلق يسبب نوعاً من الفتنة بسبب حديثه عن أمور غيبية لا يمكن التثبت من صحة العابر لتعسر تتبع واقع وأحوال الناس ومعرفتهم من خلال التلفاز.
كما أنه يتعذر معرفة حال الرائي ومعرفة صلاحه واستقامته حيث أن لها صلة وثيقة لتعبير الرؤيا كما أسفلنا بذكر قصة ابن سيرين.
أيضاً المفسدة المترتبة على التعبير من خلال شاشات التلفاز أشد من مصلحته، فدرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، والمشاهد الجاهل حين رؤيته للمعبرين على هالشاكلة لأول وهلة قد يظن أن هذا تكهن وعرافة، فيجب مخاطبة الناس على قدر عقولهم، عند مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (ما أنت محدث قوما حديثًا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة).
شبكة المعالي الاسلامية
www.ma3ai.net
وبالنسبة لصحة نسب هذا الكتاب لابن سيرين فقد قيل أنه نسب إليه وما هو له،
والغالب على الظن أنه مما جمعه طلابه من بعده، وليس مما كتبه هو.. والله تعالى أعلم.
** الشروط الواجب توافرها في مفسّر الأحلام **
لا بد للعابر أن يكون عالماً بهذا العلم العظيم، وأن يدرك المصالح والمفاسد في هذا الميدان، وأن لا ينصِّب نفسه للفتيا في الرؤى ويتطلَّع إليها، فيجب أن يكون عالماً حاذقاً بعلم تأويل الرؤى، وأن لا يؤولها إلا بعلم وإدراك، وأن يكون فطناً ذكياً تقياً نقياً من الفواحش، عالماً بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ولغة العرب وأمثالها، واذا أتته رؤيا لم يمكنه تأويلها فالأولى أن يحيلها على من هو أعلم منه بالتأويل ولا يتحرج في ذلك،
كما عليه أن يكتم ويستر على الناس عوراتهم، يقول ابن القيم رحمه الله: "المفتي والمعبِّر والطبيب يطَّلعون من أسرار الناس وعوراتهم على ما لا يطلع عليه غيرهم، فعليهم استعمال الستر فيما لا يحسن إظهاره".
ثم إن على العابرين أن لا يتسارعوا في التعبير، وأن لا يجزموا بما يعبرون، وأن يعلموا خطورةَ هذا الجانب وما يوصله إليه من الافتتان والإعجاب بالنفس وتعظيم شأنه فوق شأن المفتين وأهل العلم، وقد نقل ابن عبد البر عن الإمام مالك أنه سئل: أيعبُر الرؤيا كلُّ أحد؟ فقال مالك: أبالنبوة يُلعب؟! وقد نقل ابن عبد البر أيضاً عن هشام بن حسان انه قال: كان ابن سيرين يُسأل عن مائة رؤيا فلا يجيب فيها بشيء، إلا أنه يقول: اتق الله وأحسن في اليقظة فإنه لا يضرك ما رأيت في النوم، وكان يجيب في خلال ذلك ويقول: إنما أجيب بالظن، والظن يخطئ ويصيب.
** أثر خطورة تعبير الأحلام من خلال البرامج التلفزيونية وما يترتب عليه من مفاسد **
لتعبير الرؤى من خلال الشاشات والتي يشاهدها ملايين من الناس خطورة لا تخفى على من يتتبعها،
فالتعبير بهذا الشكل من الانفتاح المطلق يسبب نوعاً من الفتنة بسبب حديثه عن أمور غيبية لا يمكن التثبت من صحة العابر لتعسر تتبع واقع وأحوال الناس ومعرفتهم من خلال التلفاز.
كما أنه يتعذر معرفة حال الرائي ومعرفة صلاحه واستقامته حيث أن لها صلة وثيقة لتعبير الرؤيا كما أسفلنا بذكر قصة ابن سيرين.
أيضاً المفسدة المترتبة على التعبير من خلال شاشات التلفاز أشد من مصلحته، فدرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، والمشاهد الجاهل حين رؤيته للمعبرين على هالشاكلة لأول وهلة قد يظن أن هذا تكهن وعرافة، فيجب مخاطبة الناس على قدر عقولهم، عند مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (ما أنت محدث قوما حديثًا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة).
~ بسم الله الرحمن الرحيم ~
في حياتنا اليومية.. ظواهر طبيعية ..
قد لا يطرأ لنا التفكير في ماهيّتها كثيراً .. في حين يكون لها ذلك الأثر المتزايد ..
ليصل إلى سلوكنا .. أفكارنا .. و في بعض الأحيان يصيب سهمه سلامة عقيدتنا ..
تجولنـا بأوراقنا وأقلامنـا نسجل آراء بعض الإخوة في موضوع الأحلام ، ومساحتها في واقعهم .. الأخت ( ط . ع) قالت : رؤيتي لكثير من الأحلام في الواقع هو سبب اهتمامي بها ، فأمور كثيرة أعرفها قبل أن تقال لي بسبب رؤيتي لها في المنام ، حتى أن كثيراً ممن حولي يتعجبون من معرفتي لها و هم لم يطلعوني عليها بعد ، و لهذا السبب أحاول تجاهل كثير من الأحلام بسبب خوفي من تفسيرهـا .
أما الأخت ( هند . ن ) فقالت : من النادر أن أرى أحلاماً أشعر أنها تحمل معاني كبيرة لكن أعتقد أن هناك أناس منحهم الله ذلك ، و أهتم كثيراً لأحلامهم لكثرة ما تتحقق ..
الأخ الكريم (محمد ) يقول : لا ننكر أن الأحلام قد تتحقق أحياناً و لكن المشاهد الآن أن كثير من الناس أصبح يصدقها وكأنها وحي منزل ، حتى أن بعضهم أصبح يمشي تجارته على حسب أحلامه .. و يوصي بالبيع والشراء إن رأى ذلك في أحلامه .. خاصة بيع الأسهم و شرائها ..
وكان للأخت ( أم عبدالله ) رأي حيث قالت : أكيد أهتم بالأحلام ..وأحرص أن أعرف تفسيرها ، و تفسير من يراني في منامه .. تخبرني أخواتي بما أخفيه عنهن و عرفنه بسبب حلم إحداهن بي ..
مما سبق يتضح لنـا التباين في تعاطي الناس مع الأحلام ، ومدى تصديقهم لهـا و إيمانهم بهـا
والمساحة التي تشغلها في واقعهم .. وهو ما شجعنا أن نطرح أسئلة عديدة حول الأحلام .. وطريقة التعامل الشرعية معها ..
الحلم .. ظاهرة طبيعية .. صحية ..
الأحلام أثناء النوم .. من تلك الظواهر اليومية التي تحدث بين فترة اليقظة والنوم, في ما يعرف بمرحلة النوم المتناقض . يعتبرها العلماء في قاموسهم صيانة يومية و تطهير للدماغ .. لاحتفاظ عقلنا بلياقته أثناء النوم حتى لا يتكاسل حين نعود إلى اليقظة
و هي أيضا ظاهرة صحية تفيد في الاحتفاظ بالتوازن العقلي والصحة النفسية ..
يقول الدكتور محمد الفار "رئيس أقسام الطب النفسي في المستشفيات الجامعية" :
"الأحلام هي نشاط فسيولوجي دوري يحدث بانتظام تام في ما يسمى بالنوم النقيض, أي النوم المصاحب بحركة العين السريعة. وقد أظهرت الأبحاث الحديثة أن هناك أنواعاً أخرى من الأحلام تحدث في النوم الهاديء. وما يتذكره الإنسان من الحلم جزءاً يسيراً جداً من ظاهرة الأحلام التي لها أنواع, فهناك الحلم الواضح المحكي المسلسل وهو أبعد ما يكون عما حدث أثناء النوم بل إنه حلم مصنوع قبيل اليقظة وهو إبداع لاهث قبيل استعادة الوعي كاملاً وليس حدثاً يفرض نفسه من الداخل، وهناك أحلام الشتات والأحلام المبتورة والأحلام المكررة وأحلام تحقيق الرغبة وأحلام المخاوف وأحلام التعويض وأحلام التنبؤ وأحلام التخاطر, وكذلك هناك كوابيس وأضغاث الأحلام والفزع الليلي. ولا علاقة مباشرة بين الأحلام والتوتر النفسي وإن كان من الشائع أن المتوتر نفسياً يكون أكثر عرضة للأحلام المزعجة التي تسبب ارتفاعاً في ضغط الدم وسرعة دقات القلب, ولم يقل أحد أن الأحلام المزعجة أقل فائدة من الأحلام الهادئة أو العكس فالحلم صورة لأحد أوجه حياة الانسان ويكون وسيلة من وسائل العلاج النفسي للمريض. ومن المدهش أنه في التراث العربي القديم وجدنا مقولة للرازي يقول فيها: "قل لي حلمك أقل لك مرضك" فالحلم هو حارس النوم ويعبر عن رغبات مخزونة غير مسموح لها بالظهور, ويمكن عن طريق الطب النفسي تفسيرها. وقد عبر فرويد عن ذلك بقوله "الحلم هو الطريق الملكي الى اللا شعور".
وعلى الرغم من كثرة الدراسات التي أخضعت الأحلام لتجارب و دراسات كتوصيل أقطاب ترصد نشاط العقل والجهاز العصبي خلال مراحل النوم على مدى ليلة كاملة أو أكثر إلا أن الغموض يحيط بهذه الظاهرة ..
قد تتعدد الأحلام خلال النوم .. و تطول .. و لا يذكر منها إلا الأجزاء الأخيرة منها ..
وذلك لأن الأحلام تحدث خلال مراحل معينة مع حركة العين السريعة apid eye mvement ومدتها 10 دقائق تقريباً تتكرر مرة كل 90 دقيقة .
لكن السؤال الذي يظل مطروحاً هو : ما العلاقة بين الحلم وبين الأحداث التي تقع في المستقبل!؟
الأحلام والرؤى تسببت بحرب كلامية بين علماء الدين وعلماء النفس حيث يصر كل فريق على تفسيرها في شكل خاص به, علماء الدين يرون أن هناك تفاسير دينية لكل حلم أو رؤية منامية ولا بد من احترامها لأن لذلك أسساً شرعية لا يمكن إغفالها, في حين يرى علماء النفس أن الأحلام ما هي إلا انعكاس لنفسية الحالم ومشكلاته في الواقع.
غير أن الحقيقة العلمية تؤكد أن هناك علاقة بين العقل الإنساني والبيئة المحيطة ، وتفاعله مع الآخرين في شعور عام يطلق عليه العقل الجمعي، يتأثر بالأحداث العامة مثل حالة الحرب أو الرخاء وقد يستشعر حدوث بعض الأشياء نتيجة لاستمرار الإنسان وتوارث خبراته وعلاقته بالزمان والمكان..
ومن منظور شرعي .. إن الرؤيا لها منزلة عظيمة ومكانة رفيعة في الإسلام، ولا ينكرها إلا جاهل، وتعجّب كثيرون من حقيقتها، وكيف تأتي الإنسان، وخاض علماء النفس وأصحاب الفلسفة في ذلك كثيراً، لكن أجاب عن حقيقتها أحد علمائنا وهو المازري رحمه الله إذ قال في حقيقتها: "والصحيح ما عليه أهل السنة أن الله يخلق في قلب النائم اعتقادات، كما يخلقها في قلب اليقظان، وهو سبحانه يفعل ما يشاء، لا يمنعه نوم ولا يقظة، فإذا خلق هذه الاعتقادات فكأنه جعلها علماً على أمور يخلقها في ثاني الحال أو كان قد خلقها".
التعامل الشرعي مع الأحلام
سار علماء الشريعة وأئمتها على منهج النبوة في تعاملهم مع الأحلام، ووقفوا على الرؤى بما جاء في كتاب الله وسنة نبيه،
فالرؤيا الصالحة الصادقة حق من عند الله، منها المبشرة ومنها المنذرة،
روى مالك في الموطأ وغيره عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((ذهبت النبوة وبقيت المبشرات))، قيل: وما المبشرات؟ قال: ((الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو تُرى له))
والتبشير هنا يحتمل التبشير بالخير والتبشير بالشر كما قال الله تعالى عن الكفار في سورة آل عمران:
( فَبَشّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ). والرؤيا في المنظور الشرعي هي كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثًا، ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة)) الحديث رواه البخاري ومسلم
التعلق بالأحلام والمحاذير التي يقع فيها العوام
راجت في عالمنـا الإسـلامي تجارة الأحلام و تفسيرهـا .. شُغف الناس بحب معرفة الأمور الغيبية، و أصبحت شغل الناس الشاغل في المجالس والصحف والقنوات التلفزيونية ..
و يعود هذا الرواج إلى أمرين أولهمـا : ضعف الإيمان والتوكل على الله والتعلق بالغيبيات لحل ما يعانيه الفرد في حياته ..
والثاني : الضغوط التي يعاني منهـا كثير من الناس في حياتهم ، و تضطرهم إلى التعلق بما يخلصهم منهـا و يزين لهم مستقبلهم ..
فيعيشون على أمل رأوه في رؤيا أو حلم ، و يطيلون الانتظار لما قد لا يأتي ..
أو يسعدون كثيراً بجميل أحلامهم و يغترون بهـا ورؤيا المؤمن بشرى من الله تسر الرائي ولا تغرّه، كما قال الإمام أحمد.
وهي لا تسوغ اعتقاد رائيهـا بأنه أفضل من غيره لأنه رآها ، ولا أن من لم ير رؤيا حسنة دون منه و أنه دليل نقص أو سوء فيه ..
فالأحلام لا تعطي لأحد ميزة على أحد ..
وإن الرائي لحال كثير من الناس اليوم يرى أخطاء فادحة تجاه الرؤى وجهلاً ذريعاً بسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم في ذلك، لذا فهذه تنبيهات على بعض أخطاء الناس في ذلك.
أولاً: انشغال الناس بهذه الرؤى وتقديسها، وصرف الأوقات الكثيرة في تذاكرها والسؤال عنها، ولو سألت كثيرين من أولئك عن صلواتهم وبعض أحكام دينهم لرأيت ما يحزنك، ولا أدل على ذلك من واقع الناس اليوم، انظر إلى مجالس المعبرين ولقاءاتهم كم يحضرها، ومجالس تعلم أحكام الشرع والدين، ألا فاقدروا للأمر قدره فلا إفراط ولا تفريط.
ثانياً: إقامة المجالس واللقاءات الطويلة في تعبير الرؤى، مما زاد في إشغال الناس بهذا أكثر وأكثر، ويتبجح بعضهم بما جاء في صحيح مسلم من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان كثيراً ما يسأل أصحابه بعد الفجر: ((من رأى منكم رؤيا؟))، فيجاب عن هذا بأن هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يقاس عليه غيره، وكان في طور تنزّل الوحي، ومن ثم فإنه لم يثبت عن أحدٍ من الصحابة كالخلفاء الأربعة ولا من بعدهم أنهم كانوا يقيمون المجالس من أجل تعبير الرؤى، لا سيما أبو بكر الصديق رضي الله عنه وقد شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بأنه عارف بتعبير الرؤى.
ثالثاً: من الأخطاء في الرؤيا خطورة الكذب فيها، ففيه إثم عظيم، أخرج البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من تحلم بحلم لم يره كلَّف ـ أي: يوم القيامة ـ أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل))، قال الإمام الطبري رحمه الله: "الكذب في المنام كذب على الله أنه أراه ما لم يره".
رابعاً: بعض الناس إذا رأى رؤيا لم يترك أحدًا إلا وقد سأله عنها، وقد يسأل أحياناً جهالاً لا يفقهون فيها شيئاً. تفسير الرؤى ـ يا رعاكم الله ـ علم ليس لأي أحدٍ أن يتكلّم فيه، سئل الإمام مالك رحمه الله: أيعبر الرؤيا كل أحد؟ فقال مالك: أبِالنبوة يُلعب؟! والنبي صلى الله عليه وسلم يقـول: ((إذا رأى أحدكم رؤيا فلا يحدث بها إلا ناصحاً أو عالماً)) أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
وهنا تعلم خطورة نصب الإنسان نفسه مفتياً في الرؤى، يتكلم بتخمينه وظنونه، فأينه من قول الله: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً} [الإسراء:36]؟!
خامساً: يخطئ بعض الناس في اقتنائه لكتب الرؤى والاعتماد عليها، فكلما رأى في منامه شيئاً فتح كتابه، ألا فليعلم أن الرؤى يعبرها أهل العلم باعتبارات مختلفة، وقد تكون الرؤيا واحدة لشخصين لكن التأويل مختلف. جاء رجلٌ صالح لابن سيرين فقال: رأيت أني أؤذن في المنام، فعبرها له بأنه سيحج لقوله تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج:27]، وجاء بعده آخر رأى أنه يؤذن في المنام، فعبرها له بأنه يسرق لقوله تعالى: {ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} [يوسف:70].
سادساً: تنتشر بين الفينة والأخرى ورقةٌ مذكور فيها رؤيا للرجل الصالح أحمد خادم الحجرة النبوية، وفيها بعض الوصايا، وكذلك ورقة أخرى أن فتاة رأت في المنام أمَ المؤمنين زينب أو بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة تأمرها بأن تقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] كذا مرة وسيحصل لها كذا وكذا، وكل هذه خزعبلات وأكاذيب لا تنشر إلا عند الجهلاء، وقد نبهت عليها اللجنة الدائمة، وتكلم عنها الشيخ ابن باز رحمه الله في إيضاح قبل أكثر من خمسة عشر عاماً، ألا فليُعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما مات إلا والدين قد كمل، وأن أيّ مدّعٍ يدعي أنه اكتشف سنة عبر منام فهو كاذب، فليس هناك سنة إلا وقد بينها صلى الله عليه وسلم ، وانتهى التشريع بموته.
الهدي النبوي في التعامل مع الرؤى
وضع الهدي النبوي لنا أسساً متينةً لضوابط الرؤى وتعبيرها ونقلها ..
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله تعالى فليحمد الله عليها فلا يحدّث بها إلى من يحب ومن رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان فليستعذ من شرها ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضرّه" متفق عليه "رياض الصالحين الصحيفة التاسعة عشرة بعد الثلاثمائة " .
فمن هذا الحديث نخلص إلى أن طلب تعبير الرؤيا يعتمد على حسنها.. فإن كانت الرؤيا مما تسر الإنسان فالأفضل له أن يعرضها على من يعبرها له.. أما إن رأى ما يفزعه أو يحزنه فمن الأفضل أن لا يقصها على أحد وأن يعمل بما ورد من الاحترازات في الحديث السالف ذكره ..
أنواع الرؤى
والرؤى ـ يا رعاكم الله ـ ثلاثة أنواع، جلاَّها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رواه ابن ماجه في سننه وصححه الألباني أنه عليه الصلاة والسلام قال: (( إن الرؤيا ثلاث: منها أهاويل من الشيطان ليحزن بها ابن آدم، ومنها ما يهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه، ومنها جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة )).
يقول البغوي رحمه الله: "في هذا الحديث بيان أنه ليس كل ما يراه الإنسان في منامه يكون صحيحاً ويجوز تعبيره، إنما الصحيح منها ما كان من الله عز وجل، وما سوى ذلك أضغاث أحلام لا تأويل لها".
إذاً النوع الأول هي الرؤيا السيئة التي من الشيطان، وهناك آداب شرعية تجاهها، فقد روى مسلم في صحيحه أن أبا سلمة قال: كنتُ أرى الرؤيا فأمرض منها، حتى لقيت أبا قتادة فذكرت ذلك له فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان، فإذا حلم أحدكم حلماً يكرهه فلينفث عن يساره ثلاثاً ويتعوذ بالله من شرها، فإنها لن تضره ))، قال أبو سلمة: إن كنت لأرى الرؤيا أثقل عليَّ من الجبل، فما هو إلا أن سمعت بهذا الحديث فما أباليها.
لذلك جاء أعرابي كما في مسلم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، رأيت في المنام كأن رأسي ضُرب فتدحرج فاشتددت على أثره! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأعرابي: ((لا تحدّث الناس بتلعُّب الشيطان بك في منامك)).
لذلك للسنة تجاه مثل هذه الرؤى السيئة آداب: أن يتعوّذ بالله من شر ما رأى ثلاث مرات، وأن يتعوذ بالله من شر الشيطان ثلاث مرات، وأن يتفل عن يساره ثلاث مرات، وأن لا يحدّث بها أحدًا ولا يطلب تفسيرها، وقد صح في مسلم أيضاً أن يتحوّل عن الجنب الذي كان عليه، وأن يصلي عقبها.
وأما النوع الثاني من الرؤى فهو ما يحدّث به المرء نفسه في يقظته، كمن يكون مشغولاً بسفر أو تجارة أو نحو ذلك، فينام فيرى في منامه ما كان يفكّر فيه في يقظته، وهذا من أضغاث الأحلام التي لا تعبير لها.
وأما النوع الثالث فهو الرؤيا الصادقة الصالحة التي تكون من الله، قال صلى الله عليه وسلم : ((إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها وليحدث بها)) أخرجه البخاري، وعند مسلم: ((ولا يخبر بها إلا من يحب)) وجاء عند ابن عبد البر أنه يطلب تفسيرها.
وكثيرون هم في هذا الزمان الذين يتهافتون على المفسرين للرؤى ويشغلون أهل العلم بأحلام سيئة أو أخلاط مواقف لا رابط لها، لذا شرع أهل العلم في بيان علامات لأضغاث الأحلام أو الرؤيا السيئة، وعلامات للرؤيا الصادقة حتى يفرق الناس.
أنها أضغاث أحلام .. و ليست رؤية ..
فمن علامات أضغاث الأحلام أو الرؤى الفاسدة أن النائم يرى في منامه مناظر متناقضة ومتداخلة، لا يعرف أولها من آخرها، ومن علاماتها أن بعض الناس يمرض فيرى في منامه ما يوافق مرضه، ومن علاماتها كأن يرى مستحيلات لا يمكن أن تقع، أو يرى ما تحدّث به نفسه في اليقظة، ومن علامات الرؤيا الصادقة انتفاء جميع ما تقدم من علامات الرؤيا الفاسدة، ومن علاماتها أن يكون الرائي معروفاً بالصدق في كلامه، كما قال صلى الله عليه وسلم : ((أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثًا)) وهذا في الغالب، وإلا فقد يرى غير الصادق رؤيا صادقة يكون فيها إيقاظ لغفلته، ومن علامتها أن يعرف أولها وآخرها، فلا تكون متقطعة لا ترابط بينها، ومن علاماتها أن تكون تبشيرًا بالثواب على الطاعة أو تحذيراً من المعصية.
والرؤيا الصالحة قد تكون واضحة لا تحتاج إلى تأويل كما رأى إبراهيم عليه السلام أنه يذبح ابنه في المنام، وقد تكون خافية برموز تحتاج فيها إلى عابر يعبرها كرؤيا صاحبي السجن مع يوسف عليه السلام.
تفسير الأحلام
** مصادر تفسير الأحلام **
تعبير الرؤى كالفتاوى.. لا تستقى من بطون الكتب.. ولا يُسأل عن تعبيرها جاهل.. فتعبيرها حكر على من له علم ومتبحر في التأويل..
يختلف الناس في تعبيرهم للرؤى، فمنهم من لا يطمئن ولا يثق إلا إذا عبر رؤياه مفسر معين
ومنهم من يعتمد اعتماداً كلياً على كتب تفسير الأحلام.
من أشهر هذه الكتب التي اعتمد عليها القدماء والمحدثين هو كتاب تفسير الأحلام لابن سيرين.
لكن يجب التنبيه أن المسألة تختلف باختلاف الأحوال والأشخاص،
وهذه قصة حدثت لابن سيرين توضح أن لا قاعدة يستند عليها في تأويل الأحلام:
حصل على عهد ابن سيرين رحمه الله وهو من مشاهير من كان يفسر الأحلام في هذه الأمة، أنه أتاه رجلان، كل واحد منها يذكر أنه رأى في المنام أنه يؤذن، فقال للأول: أنت تحج، وقال للآخر: أنت تسرق فتقتطع يدك، فقيل له كيف ذلك؟ قال: رأيت على الأول علامات الصلاح فتأولت قول الله تعالى: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ [الحج:27] ورأيت على الثاني علامات الخبث والفجور، فأولت قوله تعالى : ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ [يوسف:70] مع أن الرؤيا نفسها هنا وهنا، لكن قال للأول: أنت تحج وقال للآخر: أنت تسرق فتقطع يدك. فإذاً -أيها الإخوة- ليس هناك قانون يضبط الرؤى، وليس هناك شيء موحد لجميع الرؤى، وليس كل من رأى في المنام نهراً أو بحراً، معناه شيء معين، وليس كل من رأى في المنام أنه يقلع منه ضرس، أنه سيفقد واحداً من أولاده، هذا قانون مضطرب وليست قاعدة في كل من يرى هذا الشيء. والله عز وجل يلقي في قلوب الذين يعلمون تفسير هذه الرؤيا إلهاماً فلا نستطيع أن نقول: إن لها قاعدة.
..
وبالنسبة لصحة نسب هذا الكتاب لابن سيرين فقد قيل أنه نسب إليه وما هو له،
والغالب على الظن أنه مما جمعه طلابه من بعده، وليس مما كتبه هو.. والله تعالى أعلم.
** الشروط الواجب توافرها في مفسّر الأحلام **
لا بد للعابر أن يكون عالماً بهذا العلم العظيم، وأن يدرك المصالح والمفاسد في هذا الميدان، وأن لا ينصِّب نفسه للفتيا في الرؤى ويتطلَّع إليها، فيجب أن يكون عالماً حاذقاً بعلم تأويل الرؤى، وأن لا يؤولها إلا بعلم وإدراك، وأن يكون فطناً ذكياً تقياً نقياً من الفواحش، عالماً بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ولغة العرب وأمثالها، واذا أتته رؤيا لم يمكنه تأويلها فالأولى أن يحيلها على من هو أعلم منه بالتأويل ولا يتحرج في ذلك،
كما عليه أن يكتم ويستر على الناس عوراتهم، يقول ابن القيم رحمه الله: "المفتي والمعبِّر والطبيب يطَّلعون من أسرار الناس وعوراتهم على ما لا يطلع عليه غيرهم، فعليهم استعمال الستر فيما لا يحسن إظهاره".
ثم إن على العابرين أن لا يتسارعوا في التعبير، وأن لا يجزموا بما يعبرون، وأن يعلموا خطورةَ هذا الجانب وما يوصله إليه من الافتتان والإعجاب بالنفس وتعظيم شأنه فوق شأن المفتين وأهل العلم، وقد نقل ابن عبد البر عن الإمام مالك أنه سئل: أيعبُر الرؤيا كلُّ أحد؟ فقال مالك: أبالنبوة يُلعب؟! وقد نقل ابن عبد البر أيضاً عن هشام بن حسان انه قال: كان ابن سيرين يُسأل عن مائة رؤيا فلا يجيب فيها بشيء، إلا أنه يقول: اتق الله وأحسن في اليقظة فإنه لا يضرك ما رأيت في النوم، وكان يجيب في خلال ذلك ويقول: إنما أجيب بالظن، والظن يخطئ ويصيب.
** أثر خطورة تعبير الأحلام من خلال البرامج التلفزيونية وما يترتب عليه من مفاسد **
لتعبير الرؤى من خلال الشاشات والتي يشاهدها ملايين من الناس خطورة لا تخفى على من يتتبعها،
فالتعبير بهذا الشكل من الانفتاح المطلق يسبب نوعاً من الفتنة بسبب حديثه عن أمور غيبية لا يمكن التثبت من صحة العابر لتعسر تتبع واقع وأحوال الناس ومعرفتهم من خلال التلفاز.
كما أنه يتعذر معرفة حال الرائي ومعرفة صلاحه واستقامته حيث أن لها صلة وثيقة لتعبير الرؤيا كما أسفلنا بذكر قصة ابن سيرين.
أيضاً المفسدة المترتبة على التعبير من خلال شاشات التلفاز أشد من مصلحته، فدرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، والمشاهد الجاهل حين رؤيته للمعبرين على هالشاكلة لأول وهلة قد يظن أن هذا تكهن وعرافة، فيجب مخاطبة الناس على قدر عقولهم، عند مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (ما أنت محدث قوما حديثًا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة).
شبكة المعالي الاسلامية
www.ma3ai.net
وبالنسبة لصحة نسب هذا الكتاب لابن سيرين فقد قيل أنه نسب إليه وما هو له،
والغالب على الظن أنه مما جمعه طلابه من بعده، وليس مما كتبه هو.. والله تعالى أعلم.
** الشروط الواجب توافرها في مفسّر الأحلام **
لا بد للعابر أن يكون عالماً بهذا العلم العظيم، وأن يدرك المصالح والمفاسد في هذا الميدان، وأن لا ينصِّب نفسه للفتيا في الرؤى ويتطلَّع إليها، فيجب أن يكون عالماً حاذقاً بعلم تأويل الرؤى، وأن لا يؤولها إلا بعلم وإدراك، وأن يكون فطناً ذكياً تقياً نقياً من الفواحش، عالماً بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ولغة العرب وأمثالها، واذا أتته رؤيا لم يمكنه تأويلها فالأولى أن يحيلها على من هو أعلم منه بالتأويل ولا يتحرج في ذلك،
كما عليه أن يكتم ويستر على الناس عوراتهم، يقول ابن القيم رحمه الله: "المفتي والمعبِّر والطبيب يطَّلعون من أسرار الناس وعوراتهم على ما لا يطلع عليه غيرهم، فعليهم استعمال الستر فيما لا يحسن إظهاره".
ثم إن على العابرين أن لا يتسارعوا في التعبير، وأن لا يجزموا بما يعبرون، وأن يعلموا خطورةَ هذا الجانب وما يوصله إليه من الافتتان والإعجاب بالنفس وتعظيم شأنه فوق شأن المفتين وأهل العلم، وقد نقل ابن عبد البر عن الإمام مالك أنه سئل: أيعبُر الرؤيا كلُّ أحد؟ فقال مالك: أبالنبوة يُلعب؟! وقد نقل ابن عبد البر أيضاً عن هشام بن حسان انه قال: كان ابن سيرين يُسأل عن مائة رؤيا فلا يجيب فيها بشيء، إلا أنه يقول: اتق الله وأحسن في اليقظة فإنه لا يضرك ما رأيت في النوم، وكان يجيب في خلال ذلك ويقول: إنما أجيب بالظن، والظن يخطئ ويصيب.
** أثر خطورة تعبير الأحلام من خلال البرامج التلفزيونية وما يترتب عليه من مفاسد **
لتعبير الرؤى من خلال الشاشات والتي يشاهدها ملايين من الناس خطورة لا تخفى على من يتتبعها،
فالتعبير بهذا الشكل من الانفتاح المطلق يسبب نوعاً من الفتنة بسبب حديثه عن أمور غيبية لا يمكن التثبت من صحة العابر لتعسر تتبع واقع وأحوال الناس ومعرفتهم من خلال التلفاز.
كما أنه يتعذر معرفة حال الرائي ومعرفة صلاحه واستقامته حيث أن لها صلة وثيقة لتعبير الرؤيا كما أسفلنا بذكر قصة ابن سيرين.
أيضاً المفسدة المترتبة على التعبير من خلال شاشات التلفاز أشد من مصلحته، فدرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، والمشاهد الجاهل حين رؤيته للمعبرين على هالشاكلة لأول وهلة قد يظن أن هذا تكهن وعرافة، فيجب مخاطبة الناس على قدر عقولهم، عند مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (ما أنت محدث قوما حديثًا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة).