التفكير والدماغ

زائر
إن الفراعنة لم يمنحوا الدماغ ما منحوه للقلب من مركز للفكر والإرادة. صمت الدماغ جعل منه عضواً غير ذي أهمية في رأي
الإنسان لأجيال طويلة . فلا عجب إذا لم يحنطه المصريون ظناً منهم أن تفكير الإنسان قائم في القلب النابض , لقد جعل الفرعنة القلب ممثلاً للروح وصانعاً للأحلام والوعي , وكان وجود القلب ضروري لدخول الإنسان الحياة الخالدة , لأن لا حياة بدون قلب فكيف يكون بعث الحياة بغيابه . لذلك حنط الفراعنة القلب بحنوطاً خاصة لحفظة . أما اليونانيون فقد أعطا بعضهم أهمية للدماغ ففيثاغوروس عزا للدماغ قوة النفس العاقلة , فقد كان اليونانيون يقسمون النفس إلى العاقلة والشهوانية والروح, والنفس العاقلة هي الفكر , ثم جاء تلميذه الكميون فربط بين الحس والدماغ, وقال أن الدماغ هو مركز الحس ومقر الفكر.
وقال ابقرط : " أومن أن الدماغ هو سيد الأعضاء , فالعين والأذن واللسان والأطراف ..., كلها تأتمر بأمره , وأكد أن الدماغ هو مقر النفس – الوعي - .
لكن أكثر الذين جاؤوا بعد سقراط لم يعتقدون ذلك فأهمل المفكرين الدماغ حتى القرن السادس عشر , ولم يأخذ العلماء بعظمة الدماغ . أما أفلاطون فقد نفى أية علاقة بين الدماغ والحياة النفسية للإنسان , إذ جعل للبشر نفساً بثلاثة أنواع , وأبقى للدماغ قوته المولدة للحواس السمع والبصر والشم ..., وأضاف أن القلب هو مقر العواطف. وكانت الضربة القاضية على الدماغ جاءت من صاحب المنطق والمعلم الأول أرسطو , الذي جرده من كل وظائفه المعروفة أنذاك, وجعل القلب مركز الفكر . أما الدماغ فما هو إلا جهاز لتبريد الدم .
لقد صعب على الانسان القبول بالدماغ كسيد وقائد ومدير لكافة التصرفات والأحاسيس , وهو الكتلة الرمادية الرخوة التي لا تنبض ولاتتحرك, بينما رأى أن القلب يضخ الدم فتسري الحياة في البدن , فقد كان يحس ويشعر عواطفه وانفعالات مصاحبة مع خلجات وخفقان قلبه , واعتبر أن حركات قلبه هي التي تدل على شعوره وعواطفه وتفكيره , لذلك اعتبر القلب مصدر التفكير الأحاسيس والعواطف .
أما الآن فقد عرف الكثير عن الدماغ وعلاقة الدماغ بالوعي .
لقد عرف أحدهم التفكير بأنه سلسلة من العمليات العقلية التي يقوم بها الدماغ عندما يتعرض لمثيرات استقبلها من الحواس , والتفكير بمعناه الأوسع هو عملية بحث عن المعنى الأوضاع والمثيرات التي يتعرض الفرد , وقد يكون المعنى ظاهراً حيناً , وغامضاً حيناً آخر ويتطلب للتوصل إليه معالجة مكونات تلك الأوضاع
إن دماغنا أهم أعضاؤنا وأكثرها تعقيداً وهو وراء كل عملياتنا الحياتية , سواء أكانت حركات بسيطة كتحريك مفصل في الأصبع أو حركات معقدة مثل المشي والسباحة وقيادة السيارة أو الكتابة والقراءة .. , أو كانت أعمال كالوعي والتفكير والتذكر والكلام والتعلم والخلق والابداع ,أو كانت أحاسيس ومشاعر وكافة العواطف والنفعالات, فهو الذي يولد اللذة واللم والسعادة أو الشقاء , فهو الذي يتضمن ذات ووعي كل منا .
ففيه تجمع المعلومات عن المحيط وما فيه , وعن حالة الجسم الداخلية, بواسطة واردات مستقبلات حسية – الحواس- التي تستجيب للمؤثرات الميكانيكية والضوئية والحرارية والكيميائية – نظر وسمع ولمس وزوق وشم .... – وتحولها إلى نبضات عصبية كهربائية ترسلها إلى الدماغ , الذي يقوم بتفسيرها وتصنيفها وتقييمها , وتخزين مضامينها ومعانيها , لكي يستخدمها في الحفاظ على الجسم وتحقيق حاجاته ودوافعه .
" يمكننا أن نتتبع نشوء العقل ( أو المعالجات فكرية ) من أبسط الكائنات العضوية المفكرة والتي تمتلك ألياف عصبية إلى أعقد تلك الكائنات وهو الإنسان . ويمكننا أيضاً أن نصنع آلات تمتلك الكثير من السمات والخصائص المادية لمثل تلك الكائنات المفكرة البسيطة . وهكذا يبدو أن الكثير من جوانب العقل الإنساني لها أساس مادي محدد . وهناك جوانب من العقل لا نستطيع بعد تفسيرها تماماً من خلال البناء المادي , ولكن الثورة العقلية لا تزال في المهد ." من كتاب عقول المستقبل