زائر
د. زهير رابح قرامي
إن معجزة القران هي كونه كتابا يتضمن بين دفتيه كلاما بلغة عربية فصيحة، وهذا الكلام ذو خصائص معينة لا يمكن لأحد مهما كانت عبقريته أن يأتي بمثله: { قُل لّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنّ عَلَىَ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} "سورة الإسراء،آية 88"
فخاصيته الأولى إذن هي قوته اللغوية بتعابيره الدقيقة وألفاظه العذبة وتصويره الرائع لتموجات النفوس في مشاعرها، وتقلبات أحوال الناس في حياتهم، وذلك دون أدنى اختلاف مع قواعد اللغة العربية والنحو والصرف والبلاغة وغيرها. هذا من ناحية اللفظ.
والخاصية الثانية هي مضمون هذا اللفظ الذي تناول بالبحث كل فرع من فروع العلم البشري،مبرهنا على إحاطة عميقة بكل فرع على حدة، ولئن اقتصر الحديث عن بعض التفاصيل الدقيقة للعلوم الكونية، فلأن المقصود هو تقديم الدليل بان مصدر هذا الحديث هو عَالِم محيط بكل العلوم، وعارف بأدق حقائقها،ولا يهدف بالحديث عن هذه العلوم، تعليم الناس كل ما اشتملت عليه هذه العلوم من معرفة،ولكن إعلام الناس بان هذا الحديث الذي وصل إليهم هو من عنده وحده،الخالق الواضع للعلوم كلها، بدليل استعراضه لتـفاصيل خـفية على كل الناس بمن فيهم الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم، وذلك في العصر الذي انزل فيه هذا الكلام الرباني المعجز، وفي العصور المتقدمة عنه، وكذلك في فترة طويلة من العصور المتأخرة عن زمن نزول كلام الله المقدس الذي هو القرآن العظيم،الذي لا تنقضي عجائبه ولا يخلق على كثرة الرد كما قال الرسول صلوات الله و عليه سلامه.
ونستعرض في هذا المقال، إحدى روائع التعبير القرآني اللفظي إلى جانب جمال اللغة مع الدقة العلمية المتناهية المتعلقة بموضوع طبي حساس جدا، وحديث الاكتشاف وهو: النظام الهرموني العصبي في جسم الإنسان،كما ورد في تناسق بديع في أوائل سورة مريم. ولنتأمل هذه الآيات الكريمة:{كَهيعَصَ(1) ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيّآ(2) إِذْ نَادَىَ رَبّهُ نِدَآءً خَفِيّاً(3) قَالَ رَبّ إِنّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنّي وَاشْتَعَلَ الرّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبّ شَقِيّاً(4) وَإِنّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَآئِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لّدُنْكَ وَلِيّاً(5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبّ رَضِيّاً(6) يَزَكَرِيّآ إِنّا نُبَشّرُكَ بِغُلاَمٍ اسْمُهُ يَحْيَىَ لَمْ نَجْعَل لّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً(7) قَالَ رَبّ أَنّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً(8)}.
لقد ذكرت هذه الآيات الثمانية الأولى خمسة أعراض طبية مجتمعة لدى رجل واحد وتتعلق بعدة تخصصات كما يلي:
- وهن العظم: وهذا يختص بعلم العظام.
- شيب الرأس: وهذا يختص بعلم الجلد.
- الخوف: وهذا يختص بعلم الأعصاب.
- ضعف الخصوبة: وهذا يختص بعلم الخصوبة.
- الكبر الشديد: وهذا يختص بعلم الشيخوخة.
ويتبادر السؤال إزاء اجتماع هذه الأعراض معا في أوائل سوره مريم: لماذا ذكرت تلك الأعراض بالذات دون عدد كبير أخر من أعراض الشيخوخة؟ وهل يوجد رابط علمي يجمع هذه الأعراض في وحدة طبية متناسقة؟
أجل إن هذه الأعراض إنما ذكرت مجتمعة دون غيرها لحكمة علمها الخالق سبحانه وتعالى، ويسر لنا الاطلاع عليها في هذا الزمن كما قال تعالى:{وَيَرَى الّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ الّذِيَ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رّبّكَ هُوَ الْحَقّ وَيَهْدِيَ إِلَىَ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}."سبأ، آية 6".
دراسة الأعراض الطبية في أوائل سورة مريم:
إن الأعراض الطبية المذكورة في أوائل سورة مريم قد تعتري أي إنسان، وليست مقصورة على النبي زكريا عليه السلام، فكل إنسان تقدم به العمر يشكو من ضعف عظامه وشيب رأسه، وتتضاءل قدرته على الإنجاب، كما تعتريه فترات خوف من الموت - على اختلاف مصادر هذا الخوف وأنواعه - حيث نرى إن من الأسباب هنا أن سيدنا زكريا كان حريصا على استمرار مسيرة الدعوة، واستقرار شؤون أهله، مما يستلزم أن يكون له ولد، حيث إن وجود الولد مظنة تحقيق ذلك المراد. وإن تسمية ما تفضل الله به على سيدنا زكريا من حصول إنجاب الولد معجزة لأنه كان مع الكبر الشديد،وعقم زوجته(انظر تفسير ابن كثير 3180، 181، وتفسير في ظلال القرآن4 2302) فكان حصول الإنجاب منه مخالفا لما جرت به العادة،إذ أن حصول إنجاب الولد مع وجود الأعراض التي وردت الإشارة إليها يتعذر عادة.وهذه الأعراض هي: وهن العظام، شيب الرأس، وضعف الخصوبة، والخوف، والكبر الشديد، وهي أعراض لا تقتصر على الأنبياء فحسب،بل تعتري غيرهم من بني البشر، ولهذا السبب سنتطرق إلى الأعراض الخمسة المذكورة كأعراض طبية عامة لا ترتبط بحالة شخص بعينه وإنما هي قوانين وتفاعلات تسير وفق نظام أودعه الله كل الأجسام البشرية، ونشرع الآن في تفصيل هذه الأعراض والبحث عن العلاقة التي تربط بعضها ببعض.
- الشيخوخة
أ - البحث العلمي:
يمر الإنسان بعدة أطوار في حياته كما قال تعالى { هُوَ الّذِي خَلَقَكُمْ مّن تُرَابٍ ثُمّ مِن نّطْفَةٍ ثُمّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمّ لِتَـبْلُغُوَاْ أَشُدّكُـمْ ثُمّ لِتَكُـونُواْ شُيُوخاً وَمِنكُمْ مّن يُتَوَفّىَ مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوَاْ أَجَلاً مّسَمّى وَلَعَلّـكُمْ تَعْقِلُونَ} سورة غافر آية 67، وتمثل الشيخوخة آخر هذه المراحل، وهي فترة التراجع في أغلب وظائف الجسم، وتظهر فيها أعراض النقص في كفاءة الأجزاء المختلفة في البدن، وان لم تتضح الأسباب المباشرة لهذه الظاهرة، إلا أن من التفسيرات المقبولة: تراكم العيوب على مستوى الأحماض النووية في نواة الخلية،مما يؤدي إلى عجز الخلية عن إنتاج البروتينيات السليمة،وبذلك تتراجع فاعلية هذه البروتينات في أداء وظيفتها في الجسم فتظهر أعراض الشيخوخة المختلفة.
وتوصلت الأبحاث إلى أن الجذور الحرة هي المسؤولة عن الأضرار التي تحصل في الخلية،لأنها مواد سامة للخلية، هذا إلى جانب تصلب وكثافة جدار الأوعية الدموية بسبب تسرب الدهون فيها،مما يؤدي إلى نقص في إمداد الأكسيجين والغذاء للخلايا في مختلف أجزاء الجسم، كما ربط الباحثون بين ظهور الشيخوخة وقصور في الساعة البيولوجية الموجودة في المهاد السفلي.( منطقة ما تحت المهاد: هي المنطقة تحت الغدة النخامية في الجمجمة).
ب - أعراض الشيخوخة:
كما رأينا أن الشيخوخة هي مرحلة طبيعية تتراجع فيها أجهزة الجسم عن أداء وظائفها بكفاءة وتختلف الشيخوخة عن الأمراض التي تحدث فيها.
ومن أعراض الشيخوخة ضعف البصر والسمع والذاكرة والعضلات،وقلة النوم والارتعاش وانكماش الجلد، وضعف العظام وشيب الشعر،وسنركز على الجملتين الأخيرتين، ومدى ارتباطهما بعلامة ثالثة هي ضعف القدرة على الإنجاب عند الشيوخ، كما سندرس علاقة ضعف العظام والشيب والكبر والخوف بضعف الخصوبة.
- وهن العظام
أ - البحث العلمي:
يعرّف وهن العظام بأنه نقص مهم في كمية العظام الموجودة في جسم الإنسان، وان كان حجم العظام يبلغ أقصى حد له عند بداية الكهولة، فان التراجع في هذا الحجم يبدأ بعد هذه الفترة عند سن الأربعين ويمثل العظم عضوا حيويا يتعاقب فيه الهدم و البناء بصفة مستمرة،وإذا ما تجاوز الهدم مستوى البناء يحصل التناقص في كمية العظم.
ب - العلاقة بين الشيخوخة ووهن العظم:
يرجع وهن العظام عند الكبر إلى نقص في كفاءة خلايا البناء العظمي stebaste وكذلك نقص فيتامين د Vitamine D وهذا يؤدى بدوره إلى نقص في امتصاص الكالسيوم وبالتالي زيادة هرمون "جار الدرقية" PataThmne الذي يؤدي إلى زيادة الهدم ونقص كمية العظام.
ويختص الرجل بعامل إضافي يساعد على نقص كمية العظام وهو هرمون الذكورة: التوستيسترون، وان كان هرمون الذكورة هذا يوازي في تنشيطه خلايا البناء تأثير الكورتيزون السلبي الذي يعطل من نشاط خلايا البناء فان تراجع الأول أي هرمون الذكورة التوستيسترون عند الكبر يفسح المجال للتأثير السلبي فقط المثبط لبناء العظام، فتنفرد خلايا الهدم بالعمل على نخر العظام ولا تواجهها خلايا البناء بالتعويض بسبب غياب التوستيستيرون وحضور الكورتيزون.
ج - العلاقة بين الخوف ووهن العظام:
إن الخوف المستمر والمؤثر يودي إلى حالة من الانفعال تحدث تغيرات جسيمة عديدة، ومن هذه التغيرات إفراز الكورتيزون من طرف الغدة الكظرية بمستويات عالية، قد تصل في حالات الخوف والقلق الشديد المستمر إلى نفس مستوى أورام الغدة الكظرية، أو مستوى الجرعات الدوائية لدواء الكورتيزون مثل الديكساميتزون ويتوقف بناء العظم مع زيادة هدمه بسبب مفعول الكورتيزون.
- الشيب
أ - البيان العلمي:
الشيب هو بياض الشعر بفقدان مادته الملونة،وتوجد هذه المادة في الطبقة الوسطى من الطبقات الثلاثة المكونة من خلايا كيراتيبية، والتي تتركب منها الشعرة فوق سطح الجلد.
وتأتى المادة الملونة من خلايا التلوين الموجودة في عمق البصيلة الشعرية،وتسمى هذه الخلايا Meanyte وهي تنقل الميلانين إلى الخلايا الكيراتينية في الشعر والجلد، ويوجد في اسفل البصيلة كثير من الأوعية الدموية الدقيقة والنهايات العصبية وألياف الكولاجين إلى جانب خلايا التلوين.
ويوجد في سطح الجلد 2 بليون خلية ملونة تزن كلها واحد جرام وتتوزع بحساب 1560خلية بالمليمتر المربع، وهذه الكميات ثابتة لدى كل الأجناس، إنما يتغير اللون بحسب كثافة مادة الميلانين داخل كل خلية.
ب - العلاقة بين الشيخوخة والشيب:
كلما تقدم الإنسان في السن ظهرت عليه علامات الشيب في رأسه بصفة تدريجية، ومعدل السن الذي تظهر فيه شعرات الشيب الأولى هو 9.96 ± 34.2 بحيث انه في سن الخمسين يصبح شعر بعضهم قد شاب بنسبة 50% ويصاحب فقدان مادة التلوين بالشعر نقص تدريجي في نشاط أنزيم الثيروزين داخل الخلية الملونة في بصيلة الشعر، كما أن هذه الخلايا نفسها تتناقص بمعدل واحد بالمئة كل سنة.
ويخضع نشاط خلايا التلوين إلى هرمون خاص تفرزه الغدة النخامية، يسمى الهرمون المنشط لخلايا التلوين MSH، ولا شك أنه بتقدم السن ينقص هرمون MSH وبالتالي يضعف نشاط خلايا التلوين ويتناقص عددها، ويظهر الشيب.
ج - العلاقة بين الخوف والشيب:
من المعروف أن الهموم والقلق المزمن يصيب شعر الرأس بالبياض، وقد أثبتت التجارب العديدة علاقة الجهاز العصبي الودي بظاهرة الشيب، حيث إن نشاطه في الانفعالات يؤدي إلى شيب الشعر،وقد لاحظ لورنر ene أن الشعر الأبيض يظهر بصفة اقل من المعتاد في المناطق التي فصلت عنها التغذية بالجهاز العصبي الودي، ونفس هذا الاستنتاج توصل إلية ارتون وزملاؤه (Same efeene N 9p. 2022).
ولا شك أن الشدائد النفسية تعجل بظهور الشيب بصفة سريعة جدا وهو ما عبر عبه القرآن بالاشتعال.
ويعتقد الباحث لورنر: أن فقدان لون الشعر هو نتيجة لمادة تسمم خلايا التلوين، ويفرزها الجهاز العصبي السمبثاوي قرب هذه الخلايا، وهو الأدرينالين الذي يعتبر أهم الإفرازات في التوتر.
إن معجزة القران هي كونه كتابا يتضمن بين دفتيه كلاما بلغة عربية فصيحة، وهذا الكلام ذو خصائص معينة لا يمكن لأحد مهما كانت عبقريته أن يأتي بمثله: { قُل لّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنّ عَلَىَ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} "سورة الإسراء،آية 88"
فخاصيته الأولى إذن هي قوته اللغوية بتعابيره الدقيقة وألفاظه العذبة وتصويره الرائع لتموجات النفوس في مشاعرها، وتقلبات أحوال الناس في حياتهم، وذلك دون أدنى اختلاف مع قواعد اللغة العربية والنحو والصرف والبلاغة وغيرها. هذا من ناحية اللفظ.
والخاصية الثانية هي مضمون هذا اللفظ الذي تناول بالبحث كل فرع من فروع العلم البشري،مبرهنا على إحاطة عميقة بكل فرع على حدة، ولئن اقتصر الحديث عن بعض التفاصيل الدقيقة للعلوم الكونية، فلأن المقصود هو تقديم الدليل بان مصدر هذا الحديث هو عَالِم محيط بكل العلوم، وعارف بأدق حقائقها،ولا يهدف بالحديث عن هذه العلوم، تعليم الناس كل ما اشتملت عليه هذه العلوم من معرفة،ولكن إعلام الناس بان هذا الحديث الذي وصل إليهم هو من عنده وحده،الخالق الواضع للعلوم كلها، بدليل استعراضه لتـفاصيل خـفية على كل الناس بمن فيهم الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم، وذلك في العصر الذي انزل فيه هذا الكلام الرباني المعجز، وفي العصور المتقدمة عنه، وكذلك في فترة طويلة من العصور المتأخرة عن زمن نزول كلام الله المقدس الذي هو القرآن العظيم،الذي لا تنقضي عجائبه ولا يخلق على كثرة الرد كما قال الرسول صلوات الله و عليه سلامه.
ونستعرض في هذا المقال، إحدى روائع التعبير القرآني اللفظي إلى جانب جمال اللغة مع الدقة العلمية المتناهية المتعلقة بموضوع طبي حساس جدا، وحديث الاكتشاف وهو: النظام الهرموني العصبي في جسم الإنسان،كما ورد في تناسق بديع في أوائل سورة مريم. ولنتأمل هذه الآيات الكريمة:{كَهيعَصَ(1) ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيّآ(2) إِذْ نَادَىَ رَبّهُ نِدَآءً خَفِيّاً(3) قَالَ رَبّ إِنّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنّي وَاشْتَعَلَ الرّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبّ شَقِيّاً(4) وَإِنّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَآئِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لّدُنْكَ وَلِيّاً(5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبّ رَضِيّاً(6) يَزَكَرِيّآ إِنّا نُبَشّرُكَ بِغُلاَمٍ اسْمُهُ يَحْيَىَ لَمْ نَجْعَل لّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً(7) قَالَ رَبّ أَنّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً(8)}.
لقد ذكرت هذه الآيات الثمانية الأولى خمسة أعراض طبية مجتمعة لدى رجل واحد وتتعلق بعدة تخصصات كما يلي:
- وهن العظم: وهذا يختص بعلم العظام.
- شيب الرأس: وهذا يختص بعلم الجلد.
- الخوف: وهذا يختص بعلم الأعصاب.
- ضعف الخصوبة: وهذا يختص بعلم الخصوبة.
- الكبر الشديد: وهذا يختص بعلم الشيخوخة.
ويتبادر السؤال إزاء اجتماع هذه الأعراض معا في أوائل سوره مريم: لماذا ذكرت تلك الأعراض بالذات دون عدد كبير أخر من أعراض الشيخوخة؟ وهل يوجد رابط علمي يجمع هذه الأعراض في وحدة طبية متناسقة؟
أجل إن هذه الأعراض إنما ذكرت مجتمعة دون غيرها لحكمة علمها الخالق سبحانه وتعالى، ويسر لنا الاطلاع عليها في هذا الزمن كما قال تعالى:{وَيَرَى الّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ الّذِيَ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رّبّكَ هُوَ الْحَقّ وَيَهْدِيَ إِلَىَ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}."سبأ، آية 6".
دراسة الأعراض الطبية في أوائل سورة مريم:
إن الأعراض الطبية المذكورة في أوائل سورة مريم قد تعتري أي إنسان، وليست مقصورة على النبي زكريا عليه السلام، فكل إنسان تقدم به العمر يشكو من ضعف عظامه وشيب رأسه، وتتضاءل قدرته على الإنجاب، كما تعتريه فترات خوف من الموت - على اختلاف مصادر هذا الخوف وأنواعه - حيث نرى إن من الأسباب هنا أن سيدنا زكريا كان حريصا على استمرار مسيرة الدعوة، واستقرار شؤون أهله، مما يستلزم أن يكون له ولد، حيث إن وجود الولد مظنة تحقيق ذلك المراد. وإن تسمية ما تفضل الله به على سيدنا زكريا من حصول إنجاب الولد معجزة لأنه كان مع الكبر الشديد،وعقم زوجته(انظر تفسير ابن كثير 3180، 181، وتفسير في ظلال القرآن4 2302) فكان حصول الإنجاب منه مخالفا لما جرت به العادة،إذ أن حصول إنجاب الولد مع وجود الأعراض التي وردت الإشارة إليها يتعذر عادة.وهذه الأعراض هي: وهن العظام، شيب الرأس، وضعف الخصوبة، والخوف، والكبر الشديد، وهي أعراض لا تقتصر على الأنبياء فحسب،بل تعتري غيرهم من بني البشر، ولهذا السبب سنتطرق إلى الأعراض الخمسة المذكورة كأعراض طبية عامة لا ترتبط بحالة شخص بعينه وإنما هي قوانين وتفاعلات تسير وفق نظام أودعه الله كل الأجسام البشرية، ونشرع الآن في تفصيل هذه الأعراض والبحث عن العلاقة التي تربط بعضها ببعض.
- الشيخوخة
أ - البحث العلمي:
يمر الإنسان بعدة أطوار في حياته كما قال تعالى { هُوَ الّذِي خَلَقَكُمْ مّن تُرَابٍ ثُمّ مِن نّطْفَةٍ ثُمّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمّ لِتَـبْلُغُوَاْ أَشُدّكُـمْ ثُمّ لِتَكُـونُواْ شُيُوخاً وَمِنكُمْ مّن يُتَوَفّىَ مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوَاْ أَجَلاً مّسَمّى وَلَعَلّـكُمْ تَعْقِلُونَ} سورة غافر آية 67، وتمثل الشيخوخة آخر هذه المراحل، وهي فترة التراجع في أغلب وظائف الجسم، وتظهر فيها أعراض النقص في كفاءة الأجزاء المختلفة في البدن، وان لم تتضح الأسباب المباشرة لهذه الظاهرة، إلا أن من التفسيرات المقبولة: تراكم العيوب على مستوى الأحماض النووية في نواة الخلية،مما يؤدي إلى عجز الخلية عن إنتاج البروتينيات السليمة،وبذلك تتراجع فاعلية هذه البروتينات في أداء وظيفتها في الجسم فتظهر أعراض الشيخوخة المختلفة.
وتوصلت الأبحاث إلى أن الجذور الحرة هي المسؤولة عن الأضرار التي تحصل في الخلية،لأنها مواد سامة للخلية، هذا إلى جانب تصلب وكثافة جدار الأوعية الدموية بسبب تسرب الدهون فيها،مما يؤدي إلى نقص في إمداد الأكسيجين والغذاء للخلايا في مختلف أجزاء الجسم، كما ربط الباحثون بين ظهور الشيخوخة وقصور في الساعة البيولوجية الموجودة في المهاد السفلي.( منطقة ما تحت المهاد: هي المنطقة تحت الغدة النخامية في الجمجمة).
ب - أعراض الشيخوخة:
كما رأينا أن الشيخوخة هي مرحلة طبيعية تتراجع فيها أجهزة الجسم عن أداء وظائفها بكفاءة وتختلف الشيخوخة عن الأمراض التي تحدث فيها.
ومن أعراض الشيخوخة ضعف البصر والسمع والذاكرة والعضلات،وقلة النوم والارتعاش وانكماش الجلد، وضعف العظام وشيب الشعر،وسنركز على الجملتين الأخيرتين، ومدى ارتباطهما بعلامة ثالثة هي ضعف القدرة على الإنجاب عند الشيوخ، كما سندرس علاقة ضعف العظام والشيب والكبر والخوف بضعف الخصوبة.
- وهن العظام
أ - البحث العلمي:
يعرّف وهن العظام بأنه نقص مهم في كمية العظام الموجودة في جسم الإنسان، وان كان حجم العظام يبلغ أقصى حد له عند بداية الكهولة، فان التراجع في هذا الحجم يبدأ بعد هذه الفترة عند سن الأربعين ويمثل العظم عضوا حيويا يتعاقب فيه الهدم و البناء بصفة مستمرة،وإذا ما تجاوز الهدم مستوى البناء يحصل التناقص في كمية العظم.
ب - العلاقة بين الشيخوخة ووهن العظم:
يرجع وهن العظام عند الكبر إلى نقص في كفاءة خلايا البناء العظمي stebaste وكذلك نقص فيتامين د Vitamine D وهذا يؤدى بدوره إلى نقص في امتصاص الكالسيوم وبالتالي زيادة هرمون "جار الدرقية" PataThmne الذي يؤدي إلى زيادة الهدم ونقص كمية العظام.
ويختص الرجل بعامل إضافي يساعد على نقص كمية العظام وهو هرمون الذكورة: التوستيسترون، وان كان هرمون الذكورة هذا يوازي في تنشيطه خلايا البناء تأثير الكورتيزون السلبي الذي يعطل من نشاط خلايا البناء فان تراجع الأول أي هرمون الذكورة التوستيسترون عند الكبر يفسح المجال للتأثير السلبي فقط المثبط لبناء العظام، فتنفرد خلايا الهدم بالعمل على نخر العظام ولا تواجهها خلايا البناء بالتعويض بسبب غياب التوستيستيرون وحضور الكورتيزون.
ج - العلاقة بين الخوف ووهن العظام:
إن الخوف المستمر والمؤثر يودي إلى حالة من الانفعال تحدث تغيرات جسيمة عديدة، ومن هذه التغيرات إفراز الكورتيزون من طرف الغدة الكظرية بمستويات عالية، قد تصل في حالات الخوف والقلق الشديد المستمر إلى نفس مستوى أورام الغدة الكظرية، أو مستوى الجرعات الدوائية لدواء الكورتيزون مثل الديكساميتزون ويتوقف بناء العظم مع زيادة هدمه بسبب مفعول الكورتيزون.
- الشيب
أ - البيان العلمي:
الشيب هو بياض الشعر بفقدان مادته الملونة،وتوجد هذه المادة في الطبقة الوسطى من الطبقات الثلاثة المكونة من خلايا كيراتيبية، والتي تتركب منها الشعرة فوق سطح الجلد.
وتأتى المادة الملونة من خلايا التلوين الموجودة في عمق البصيلة الشعرية،وتسمى هذه الخلايا Meanyte وهي تنقل الميلانين إلى الخلايا الكيراتينية في الشعر والجلد، ويوجد في اسفل البصيلة كثير من الأوعية الدموية الدقيقة والنهايات العصبية وألياف الكولاجين إلى جانب خلايا التلوين.
ويوجد في سطح الجلد 2 بليون خلية ملونة تزن كلها واحد جرام وتتوزع بحساب 1560خلية بالمليمتر المربع، وهذه الكميات ثابتة لدى كل الأجناس، إنما يتغير اللون بحسب كثافة مادة الميلانين داخل كل خلية.
ب - العلاقة بين الشيخوخة والشيب:
كلما تقدم الإنسان في السن ظهرت عليه علامات الشيب في رأسه بصفة تدريجية، ومعدل السن الذي تظهر فيه شعرات الشيب الأولى هو 9.96 ± 34.2 بحيث انه في سن الخمسين يصبح شعر بعضهم قد شاب بنسبة 50% ويصاحب فقدان مادة التلوين بالشعر نقص تدريجي في نشاط أنزيم الثيروزين داخل الخلية الملونة في بصيلة الشعر، كما أن هذه الخلايا نفسها تتناقص بمعدل واحد بالمئة كل سنة.
ويخضع نشاط خلايا التلوين إلى هرمون خاص تفرزه الغدة النخامية، يسمى الهرمون المنشط لخلايا التلوين MSH، ولا شك أنه بتقدم السن ينقص هرمون MSH وبالتالي يضعف نشاط خلايا التلوين ويتناقص عددها، ويظهر الشيب.
ج - العلاقة بين الخوف والشيب:
من المعروف أن الهموم والقلق المزمن يصيب شعر الرأس بالبياض، وقد أثبتت التجارب العديدة علاقة الجهاز العصبي الودي بظاهرة الشيب، حيث إن نشاطه في الانفعالات يؤدي إلى شيب الشعر،وقد لاحظ لورنر ene أن الشعر الأبيض يظهر بصفة اقل من المعتاد في المناطق التي فصلت عنها التغذية بالجهاز العصبي الودي، ونفس هذا الاستنتاج توصل إلية ارتون وزملاؤه (Same efeene N 9p. 2022).
ولا شك أن الشدائد النفسية تعجل بظهور الشيب بصفة سريعة جدا وهو ما عبر عبه القرآن بالاشتعال.
ويعتقد الباحث لورنر: أن فقدان لون الشعر هو نتيجة لمادة تسمم خلايا التلوين، ويفرزها الجهاز العصبي السمبثاوي قرب هذه الخلايا، وهو الأدرينالين الذي يعتبر أهم الإفرازات في التوتر.