الحبوب أصل التغذية عند الأنسان والإقتصار على القمح خطأ علمي

زائر
تشمل الحبوب كل من الشعير والقمح والذرة، وتكتسي نفس الأهمية من الناحية الغذائية، كما تدخل في إطار التنوع والتكامل الغذائي. والحبوب هي الأًصل في التغذية بالنسبة للإنسان وليست اللحوم، كما قد يزعم الطب الحديث. ولم تظهر الأمراض المزمنة المستعصية على العلاج الطبي إلا مؤخرا، لما اختل ميزان التغذية، وكان هذا الاختلال أن بطل الناس الحبوب، وأصبحوا يتغذوا على اللحوم. والرجوع إلى الحبوب ربما يعود بالأمور إلى أصلها، والأكيد أن لا علاج مع التمادي في عدم احترام ميزان التغذية. وربما يكون العلاج أحسن بالنسبة للذين أصيبوا بهذه الأمراض، لو يرجعوا للنظام الغذائي السليم، الذي يرتكز على الحبوب وزيت الزيتون والفواكه وكذلك بعض الخضر.

وتناول الشعير ضروري للجسم لكن الناس يهملونه، وكذلك تناول الذرة، لكن الذرة البلدية المحلية وليست الذرة المستوردة، والذرة تستهلك كما تستهلك الحبوب، أي إما على شكل خبز أو حساء أو كسكس. ولا يقبل استهلاك الذرة المشوية على شكل بوب كورن. أما بالنسبة للمصابين بأمراض مزمنة، فالشعير هو المادة الوحيدة التي توافق كل الأمراض، ما عدا المصابين بإسهال سيلياك. أما أصحاب السكري والسرطان فالشعير يصبح من الضروريات التي تساعد على عدم تقدم المرض.

والشعير يستهلك على عدة أشكال، إما خبز مخمر، أو كسكس، أو حساء مع الحليب والسمن، أو الزبدة البلدية الطبيعية، أو لمن لا يجد هذه المواد زيت الزيتون. ونلاحظ أن النظام الغذائي، الذي كان يتبعه أجدادنا يوافق النظام السليم في التغذية. ونلاحظ كذلك أن ظهور الأنيميا أو نقص في الفايتمينات و الأملاح المعدنية، لم يكن معروفا بتاتا من قبل. ويرجع ذلك لتنوع الأغذية وتكاملها. والشعير قد يستهلك مع لبن الخض - اللبن المخمر- وهي أسمى وجبة غذائية في علم الحمية، ويطلق عليها اسم السيكوك في المغرب، ولا ندري من أين أتى هذا المصطلح رغم بحثنا في الموضوع. والسيكوك هو كسكس الشعير المطهي بالبخار بنفس الطريقة التي يحضر بها الكسكس العادي، لكن عوض المرق، يصب عليه لبن الخض المخمر ويؤكل. وهي الوجبة التي كانت أكثر استهلاكا في السنة، لأنها موسمية وتكون في فصل الربيع وبداية فصل الصيف حيث يكثر اللبن، وتمتد الفترة من شهر مارس تقريبا إلى شهر يوليوز، وفي هذه الفترة تكون الحرارة مرتفعة، ويكون العمل شاقا، لأنه فصل الاعتناء بالحقول وجمع الغلة، ويحتاج الناس إلى منعشات ومغذيات في نفس الوقت، وهو ما كانوا يجدونه في وجبة السيكوك.

ونفس الأشكال كانت تستهلك عليها الذرة البلدية، التي كانت تسد حاجة جل سكان البادية، واستهلاك الذرة كان يبدأ من شهر شتنبر إلى شهر ابريل، بعده يبدأ استهلاك الشعير، والذرة كانت طعام المؤنة في البادية، وكذلك الشعير، والمؤنة هي إطعام الشغالين في الحقول أثناء موسم الحصاد على الخصوص، لما كانت تستعمل اليد العاملة بدل الآلات الفلاحية، ولم يكن معروفا طعام غير وجبة السيكوك، وغالبا ما يكون بالذرة، وفي غياب الذرة يستعمل الشعير. واستهلاك الذرة بالنسبة للأطفال كان جاريا وعاديا. ولذلك لم تكن الأمراض المترتبة عن التغذية كالأنيميا والسيلياك والحساسية ونقص النمو ونقص التركيز معروفة. والذرة تحتوي على عوامل النمو بالنسبة للأطفال، وهناك مكونات غذائية للطفل لا يمكن الاستغناء عنها.

ولم تعد جودة القمح كما يعلمها الناس، أو كما قد ينصح بها بعض المهتمين بالتغذية الطبيعية. فالبلدان العربية على الخصوص تستورد القمح بنوعيه الطري والصلب، ويعتبر القمح الصلب أعلى درجة من القمح الطري، وترتفع نسبة البروتينات بالقمح الصلب بالمقارنة مع القمح الطري، بينما يرتفع النشا في هذا الأخير. والقمح يستهلك لأن لا غنى عنه، وجودة القمح المستورد ليست عالية، ولذلك نتحفظ عن استخراج نبتة القمح من هذا النوع من القمح. ويجب ألا يكون هناك تسرع لأن هذا التسرع هو الذي أدى إلى بعض الكوارث، ومنها الضجة التي أحدثها الاسبانخ كمصدر للحديد، حتى بلغ الأمر إلى بعض الكرتونات للأطفال في السينما، لحت الأطفال على تناول الإسبانخ، ولو نصحوا الناس بتناول البطاطا الحلوة لكان أحسن. ولو كان القمح طبيعيا كما كان من قبل، لنصحنا بنبتة القمح، واستعمالها لأغراض علاجية. والقمح المحلي أصابه كذلك تغيير لأن البذور مستوردة، ولا نأمن هذه الحبوب بالنسبة لنبتة القمح، لأن هذه النبتة يجب أن تكون من حبوب خالية من المبيدات، ولم يصبها انتقاء جيني أو تغيير وراثي. وكل من يتكلم عن علم التغذية يجب أن يكون باحثا في الميدان، وليس باحثا في المعطيات، فربما كانت بعض المواد سامة ومضرة بسبب تقنيات الإنتاج، لكنها تظهر مفيدة في الكتب أو المنشورات.

واستهلاك القمح المعهود هو على شكل خبائز أو كسكس، وربما يكون على شكل مكرونات. وكانت بعض الأشكال الأخرى التي أخذت تندثر وهي أرقى الأشكال التي يجب أن يستهلك عليها القمح، وهذه الأشكال كانت في كل الدول العربية، لأن التغذية العربية كانت موحدة وموروثة ونابعة من أصل واحد. ونستسمح لكل الإخوة في البلدان العربية على إعطاء بعض المصطلحات المحلية. ونذكر من بين الوجبات التي كانت تحضر من القمح الصلب على الخصوص لأنه كان موجودا بكثرة وبشتى أنواعه، إذ كان هناك خمسة وستون نوعا من القمح إبان فترة الاستعمار، ويوجد منها عينات بالمتحف الفرنسي بباريس. وقد أصبح تحضير هذه الوجبات ناذرا إلا في الأرياف المغربية والمناطق الجبلية على الخصوص. وهذه الوجبات هي الحساء، والكسكس والخبز. وقد كان القمح يستهلك على أشكال عديدة من ذي قبل. وأهم الأشكال التي كان يستهلك عليها القمح، والتي كانت سائدة في المجتمعات القديمة، نجد القمح المنقوع في الماء ونبتة القمح، وهذا الشكل من أسمى ما يمكن أن يستهلك عليه القمح، لأن نقع الحبوب في الماء لمدة تفوق اليومين، يجعل القمح ينتفخ ويمتص الماء من حيث تبدأ الأنزيمات في نشاطها، نظرا لوجود النشاط المائي الملائم، وحيث تبدأ الأنزيمات في النشاط، تأخذ المكونات في التحول، من حيث تعمل المالطيز على حل النشا، والليبيز على حل الدهنبات الموجودة في النبتة، وكذلك الأكسيديز والكطليز، وترتفع الفايتمينات، وتحرر الأملاح المعدنية تحت تأثير الفيتاز. وكل هذه التحولات تجعل القمح يتحول من غذاء إلى غذاء ودواء. وقد تطهى الحبوب بعدما تنتفخ، أو قد تبقى لمدة أطول لتنبت وتخرج الأوراق الأولى والجذور، وهذه المرحلة تجعل القمح يتحول من حبوب عادية إلى منتج من جودة عالية من حيث المغذيات، وهذا الشكل يجعل من الحبوب أهم مادة غذائية. ولكن لا نجد هذه الأشكال حاليا لأن الخبرة تلاشت، ومع التحول الاجتماعي والموضة التي قضت على كل شيء، فإن القمح المنقوع ونبتة القمح باتوا في خبر كان.

وبعض الأشكال التي كانت سائدة في كل البلدان العربية، وهي حساء القمح في الحليب، وكذلك مزج سميد القمح المطهي بالبخار بلبن الخض. وهذه الوجبة لا تضاهيها أية وجبة غذائية، وهي كذلك في غاية ما يمكن أن يوصف أو ينصح به كوجبة للأطفال من الناحية العلمية. فالوجبة بسيطة لكنها تتطلب خبرة جيدة، لأن الصعوبة تكمن في تهييء كسكس القمح، ويجب أن يكون طريا، من حيث لا يمكن أن يستعمل الكسكس المجفف.
يتبع

 

زائر
الرز
لا يصنف الرز مع الحبوب السابقة، لأنه ليس زرعا، وليس له سنابل، والحبوب التي جاءت في النظام الغذائي الإسلامي كلها حبوب ذات سنابل، وربما يكون لفظ الزرع أضيق من لفظ الحب. إلا أن التصنيف النباتي يجعل الزرع مرادفا للحب. وهو ما يقابل المصطلح الأنجليزي eea، وبما أن الرز يعتبر من الحبوب الغذائية الثمينة كذلك، فقد وضعناه في فقرة مستقلة عن الحبوب الأخرى. ونظرا لأهميته الغذائية بالنسبة لأكثر من نصف سكان الأرض، وهي القارة الأسيوية كلها وبعضا من الدول الأخرى، ونظرا كذلك لعدم وجود أمراض خطيرة وبكثرة في هذه البلدان، فإن الرز يدخل في النظام الغذائي السليم، والرز من الحبوب النشوية، لكنه يمتاز بكونه لا يحتوي على الكلوتن، وهو البروتين المسبب للحساسية بالنسبة لكثير من الناس، وكذلك المسبب لإسهال سيلياك. ويصبح الرز بالنسبة للمصابين بإسهال سيلياك النوع الوحيد من الحبوب الذي يمكن أن يستهلكوه. والكلوتن هو الذي يعطي للحبوب خاصية العجين، لأنه قابل للتمدد ويسمع بانتفاخ وتماسك العجين، ولذلك لا يصلح الرز للعجين، لأنه يخلو من هذا البروتين. ويوجد حاليا كسكس ومقرونات من الرز كبديل لأصحاب هذا المرض.

والرز من الحبوب الغذائية التي تمتاز بطبيعتها النباتية، واحتوائها على أملاح وفايتمنات مفيدة في التغذية. ويحتوي الرز على نشا من النوع الجيد. ولا يحتوي على مكون الكلوتن الذي يسبب إسهال سيلياك. وبما أن الرز لا يعجن، فاستهلاكه لا يمكن أن يعمم، والرز يطهى في الماء أو المرق كما تطهى العجائن والمكرونات أو قد يطهى بالبخار، وهي الطريقة الأكثر استعمالا. ولذلك لا يستهلك بنفس الكمية كالحبوب الأخرى. ولا نعلم استهلاك الرز إلا مطبوخا أو مبخرا، والرز الكامل أحسن من الرز المقشر، لأن كثير من المكونات التي تفيد الجسم توجد في القشرة. ومنها حمض الأسكوربك وفايتمينات أخرى.

والقاعدة الغذائية فيما يخص النظام الغذائي الإسلامي، ترتكز على الحبوب، ولا تستثني أو تستغني عن نوع ما، بل تكون هذه الحبوب بنفس الأهمية. أما الاقتصار على القمح في التغذية والاستغناء عن الشعير والذرة، فيعتبر خطأ علمي كارثي. ولذلك يجب الرجوع إلى الحبوب الثلاث وتنظيم التغذية لتكون متجانسة، ويرجى استهلاك الشعير والذرة المحلية الطبيعية أو البلدية أكثر من القمح المستورد، ونخشى أن تكون الذرة البلدية تهجنت بالذرة المستوردة، ولا نريد السقوط في المصيبة في انتظار العلوم لتقول أخيرا أن هذه الذرة كارثة، ولم تشهد البشرية مثل كارثة التغيير الوراثي منذ عاد وثمود. والقول بأن الأبحاث لا زالت لم تبين خطر هذه المواد، وأنها لا تختلف عن الذرة الطبيعية قول جاهل وأصحابه لا يعلمون شيئا عن الموضوع. فالعلم لا يستحي من السياسة، والوقت الذي سيندم فيه أصحاب هذا القول بدأ يقترب جدا. وهذا الأساس يرتكز من الناحية العلمية على أن كل النشويات الآن أصبح منصوح بها، والحبوب كاملة أحسن من الدقيق الأبيض المغربل، والشعير أحسن من القمح بالنسبة لأصحاب السكر والسرطان والحساسية وأمراض الجهاز الهضمي. ولم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يعرف القمح ولم يكن يعرف المنخال أو الغربال، وكان طعام الصحابة رضي الله عنهم الشعير وفيه حديث التلبنة. والمرجع الصحيح هو القرآن الكريم لأن جل الآيات التي تتكلم عن التغذية فيها الحب أو الزرع. وقد جاء ذكر الحب في ست آيات نحو قوله تبارك وتعالى:

مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبله مئة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم )البقرة (261. والحب الذي يعطي السنابل هو القمح والحنطة والشعير، ويتبين من خلال الآية الكريمة أن الحبوب تمتاز بالمردودية، وهو ما يعني أن الحبوب هي التي يمكن أن تسد حاجة سكان الأرض، ويضيف الحق سبحانه أنه يمكن أن يضاعف هذه المردودية، ولو أنها حسب ما جاء في الآية الكريمة خيالية في الوقت الحالي، إذ يصعب تصور القنطار يعطي سبع مائة قنطارا.

وقوله سبحانه وتعالى: إن الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ذلكم الله فأنى تؤفكون )الأنعام (95، ويظهر التصنيف في علم النبات وهو الانقسام إلى الحب، الذي يعني النبات دون الساق، والنوى الذي يعني الأشجار، والحب جاء معمما لكل النباتات التي تعطي الحب، بما فيها الزرع وكل الأعشاب دون الأشجار.
وقوله سبحانه وتعالى: والحب ذو العصف والريحان )الرحمان(12، وجاء الحب موصوفا بالعصف، وهو ما يحمل السنابل أو القش والتبن الذي تتغذي عليه الماشية.

وقوله سبحانه وتعالى: وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون )يس (33، وقد اقتصرت الآية على ذكر الحب دون أي شيء، وهو ما يؤكد أهميته في التغذية بالنسبة للإنسان. وقد لخص الله سبحانه وتعالى كل ما يمكن أن يعيش به الإنسان في الحب.

وقوله سبحانه وتعالى: ونزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد) ق (9، ويأتي التعبير في هذه الآية الكريمة بالحب موصوفا بالحصيد، وهو ليس أي حب وإنما الحب الذي يحصد، أو الحب الذي يكون معه التبن الذي تتغذي عليه الماشية، والحب الذي يعطي الحصيد هو القمح والحنطة والشعير، وقد يكون هناك حبوب أخرى تصنف مع هذه الحبوب لتعميم الوصف بالحصيد.

وقوله سبحانه وتعالى: لنخرج به حبا ونباتا) النبأ (15 وهو قول تابع لما جاء في سورة يس، أن الله يبين أهمية الحبوب كمكون أساسي لتغذية الإنسان. ويتبع نفس السياق قوله تعالى: فأنبتنا فيها حبا )عبس (27.
يتبع
 

زائر
كما جاء ذكر الحب بمعاني أخرى ومنها الحرث. فقد جاء هذا اللفظ في عدة آيات من القرآن الكريم، ونلاحظ أن الحب أو الزرع يعني الحبوب النشوية وليس القطاني، وقد اختار الله سبحانه وتعالى الحب كرمز للتغذية، وهذه الرمزية في القرآن إن كانت تعني شيئا، فهي تعني أن أصل التغذية بالنسبة للبشر هو الحب أو الزرع، ويعني الحبوب الثلاث القمح والشعير والذرة، وربما تضاف إليه بعض الأنواع التي تصنف مع الحبوب النشوية، لكنها غير معممة، أو قد توجد في مناطق محدودة، وقد ساد في العصور الأولى من تاريخ البشر، أن العملة كانت كذلك بالحبوب، ولم يكن النقد معروفا إلا في وقت متأخر من تاريخ البشرية. وإلى عهد حديث جدا كان التجار يستعملون الحبوب للتبادل التجاري، وهو ما يبين أهمية هذه الحبوب بالنسبة لتغذية الإنسان.

وحسب كتب التفسير فإن الحب جاء كذلك بتسمية أخرى في سورة البقرة، وهي الآية الوحيدة التي جاءت بشأن الخضر، وكل الآيات التي جاء فيها ذكر الحب أو الزرع تتحدث عن الفواكه، ولم يقرن الله سبحانه وتعالى الحب مع الخضر، وإنما جاء مقرونا مع الفواكه فقط، إلا في آية واحدة مع الخضر، وجاء هذا الوصف للتحقير وليس للتذكير، وهو قوله عز وجل في سورة البقرة: وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبث الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيئين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون )البقرة(61. وتشتمل هذه الآية على خمس مكونات غذائية، وهي البقول والخضر الباردة أو الطازجة، ممثلة بالقثاء والحبوب ممثلة بالفوم، والقطاني ممثلة بالعدس، والخضر الحارة ممثلة بالبصل. ونلاحظ أن الآية جاءت بالتنوع واختيار الأقصى أو الأحسن من كل مجموعة، فالبقول هي أحسن الأوراق الخضراء وهي غنية بالكلوروفايل والفايتمنات والألياف الخشبية وبعض الأنزيمات، والقتاء هو أحسن الهاضمات بالنسبة للسلطات، والأطباق الفاتحة للشهية، ويحتوي على أحماض عضوية تساعد على الهضم، وهو خضرة باردة ومنعشة يمكن تناولها على شكل عصير كذلك، والقتاء يضبط ارتفاع الضغط، ويساعد على علاج السرطان، والفوم فيه اختلاف إذ قيل أنه الثوم، وقيل أنه الحنطة كما سنبين ذلك، إن كان الثوم فهو يوافق السياق العلمي للآية، لأنه مشاكل للبصل الذي جاء بعده، وإن كانت الحنطة فالمعنى يحمل على المقارنة فقط مع المن والسلوى، أما العدس فيمثل القطاني، وأهميته من الناحية البروتينية والمعدنية لا يستهان بها، والبصل كذلك يعتبر واقيا ومطهرا للجسم ومنافعه طبية وليست غذائية.

وربما نتكلم عن هذه الخضر بالتدقيق في الفقرة المخصصة للخضر، والعدس كذلك في فقرة القطاني. أما القول بأن الفوم هو الحنطة ففيه اختلاف، فمن الجمهور من قرأه بالثوم بالثاء المثلثة، لأن الثاء تبدل من الفاء، كما في كلمات كثيرة، والرواية لجويبر عن الضحاك وهي قراءة ابن مسعود رضي الله عنهما، وروي كذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما، والقول بأن الفوم هو الثوم للكسائي والنضر ابن شميل، وقيل الفوم هو الحنطة روي عن ابن عباس أيضا وأكثر المفسرين، واختاره النحاس، وهو القول الراجح وإن كان الكسائي والفراء قد اختارا القول الأول، للقاعدة العامة وهي إبدال العرب الفاء من الثاء، ونأخذ بالقولين لنبين أن السياق العلمي يذهب إلى الثوم بدل الحنطة، ومجيئ الحنطة في هذه الآية مع الخضر للتحقير غريب، والقول بأن الفوم هو الثوم أقرب للحقيقة العلمية، لأن ذكر الحب جاء في الآيات التي تخص الأساس في التغذية، وليس استثناءا للتحقير، ولا ندري كيف فسر السلف الصالح الفوم بالحنطة، لكن لا يمكن أن نخرج على اتفاق علماء التفسير، ونأخذ بما جاء في كتب التفسير، رغم أنه لا يوافق السياق العلمي للآية، وهذا السياق هو مجيئ كل الآيات التي ذكر فيها الحب باللفظ، أو بما يعطي الحب، وهو الزرع بالنسبة للنبات. وجاء ذكر الحب والزرع في أكبر عدد من الآيات بالمقارنة مع المواد الغذائية الأخرى، وأكثر المواد الغذائية ذكرا في القرآن هي الفواكه، وأكثر الفواكه ذكرا هو العنب. وجاء التين في آية واحدة فقط.

وتبين هذه الآيات أن الحبوب هي الأصل في التغذية البشرية، لكن هذه الآية تضع من قيمة الخضر بالمقارنة مع المن والسلوى، ويذكر هذا اللفظ الغريب ليصف الحبوب، أو نوع من الحبوب وهي الحنطة كما جاء في كتب التفسير، رغم أن الحبوب لم تكن تقتصر على الحنطة في ذلك الوقت، وإنما مئات الأنواع من القمح ومثلها من الشعير والذرة. وإذا قبلنا هذا التفسير فإننا سننقص من قيمة الحبوب الغذائية، لكن نسبيا فقط لأن التحقير جاء للمقارنة وهو ما عبر عنه عز وجل ب - أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير-. ولعل ما يجعل تفسير الفوم بالحنطة هو هذه المقارنة مع أشياء كانت جد راقية في التغذية وهي المن والسلوى، حتى أن تصورها يصعب علينا. ولا يمكن تفسيرها في أي حال من الأحوال، لأن هناك حقيقة علمية قوية في الآية الكريمة، وهي قوله تعالى: طعام واحد، بمعنى أن هذا الطعام كان يكفي الجسم فيما يخص التركيب والمكونات، ويقيه من الأمراض من الناحية الصحية.

والإنسان كان يتغذى أصلاً على الحبوب، والأعشاب واللحوم التي كانت آنذاك كانت طبيعية، وجلها كان من الصيد والسمك، وهي الأنواع التي لا تسبب أي خطر للجسم، والنشاط الاقتصادي هو الذي يبين طبيعة التغذية للمجتمع، والخبز هو أول ما بدأ الإنسان يصنع، والحرث كان يقتصر على الحبوب، ولم تكن الخضر بالأهمية التي وصلت إليها الآن، بل كانت تعد من خشاش الأرض الذي ينبت طبيعيا، وقد جاء في سورة الصافات قوله سبحانه وتعالى: فنبذناه بالعراء وهو سقيم 145 وأنبثنا عليه شجرة من يقطين 146. وكلمة شجرة جاءت هنا لبيان طول اليقطين، واشتداده لما كان طبيعيا، وقد يبلغ اليقطين أرعين إلى خمسين مترا من الطول حاليا فكم كان يبلغ آنذاك؟ ونفهم من هذا الطرح خاصية عجيبة لا ينتبه لها كثير من الباحثين، وهي موسمية الخضر وكل المنتوجات النباتية الأخرى، وكذلك استهلاك المواد الطبيعية دون أي تدخل، بل كما تنبت في الطبيعية. وهذا الأساس يعتبر مهما جدا بالنسبة للتغذية السليمة، وهي موسمية الخضر والفواكه، ولعل إنتاج الخضر في الدور الزجاجية، لا يوافق ولا يحترم القوانين الطبيعية والنواميس الكونية. ولذلك يصعب على من يعطي نصائح غذائية أن يصيب الهدف، إذا لم يكن دارسا للإيكولوجيا وعلم النبات وعلم الحيوان، وما إلى ذلك من المواد التي تتصل مباشرة مع الأغذية.

ومن الناحية التاريخية الموثقة توثيقا لا يقبل الجدال، فالحبوب هي التي كانت معروفة في التغذية في المجتمعات القديمة، وقد جاء ذلك في القرآن الكريم، ذلك أن الحبوب عرفت على عهد سيدنا يوسف عليه السلام، والذي كان مستقرا بما يعرف اليوم بمصر، قوله سبحانه وتعالى: فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون، والحديث ولو أن التفاسير تتجه كلها إلى القمح فقد يكون الشعير والقمح والحنطة وكذلك الذرة، لأن الحبوب الثلاثة يمكن أن تصان إذا بقيت في سنابلها، من حيث لا تموت النبتة داخل السنابل. وفي هذه الفترة عرف الخبز كذلك، لأنه جاء في نفس السورة، وفي نفس الفترة التاريخية لقوله تعالى: وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبأنا بتأويله إنا نراك من المحسنين.

ونجد كذلك آيات أخرى تتحدث عن الحبوب لنرجع للقرآن لأن فيه خبر من قبلنا، وقد جاء ذكر الحبوب في سورة البقرة كذلك على عهد سيدنا موسى عليه السلام، وهو عهد متأخر على عهد سيدنا يوسف، وهو قوله سبحانه وتعالى: وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخرر يابسات. ولا يمكن بأي حال من الأحول أن نتجاهل كل المعطيات التاريخية، التي تبين أن الحضارات السابقة كانت أقوى وأشد مما نحن عليه الآن، وربما يظن الناس أن هذا التقدم التكنولوجي هو أوج ما وصل إليه الإنسان، ربما يكون ذلك نسبيا فقط، لكن هناك حضارات سادت وبادت، ولا ندري عنها إلا القليل، وهناك بصمات كثيرة وكبيرة، يصعب التصور معها لهذه الحضارة، التي وصلها الإنسان ومنها أهرمات مصر، وإلى حد الآن لا يقدر الإنسان على الشكل الهرمي في البناء، والسد الذي أقامه ذو القرنين، وقد كان فيه القطر أي ملحوم بالحديد، ولا ندري كيف كان يلحم هذا الحديد لكي لا يقدر أحد على نزعه أو تجاوزه، وإرم ذات العماد، التي قال عنها الله سبحانه وتعالى أن ليس هناك مثلها، لقوله تعالى إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد، وعرش بلقيس، والتابوت وما إلى ذلك من الأشياء التي كانت تثمل حقب تاريخية قديمة جدا، ولم يتبعها تاريخ مكتوب إلا الرسوم التي وجدت في الأهرام. والمؤسف أن الدراسات التاريخية تتناول الكتابات اليونانية، ولا تبحث في هذه الحقب ليستفيد منها البشر، وكل هذه البصمات التاريخية تعكس قوة الإنسان وشدة خلقه، ولا يمكن أن يكون على هذه الحال إلا لما يكون بصحة جيدة، ويتغذى على مواد طبيعية من حيث لا يصاب الجسم بالتسمم. ونستخلص من هذه الأحداث لتاريخية أن الإنسان كان يتحرك ويعمل، ليبقى الجسم بدون زوائد، وكان كذلك يأكل طبيعيا وموسميا، بمعنى كل منتوج في وقته الطبيعي وليس خارج موسمه كما نلاحظ الآن مع الدور الزجاجية.

وترجيح الخضر على الحبوب في الأهمية الغذائية قد يكون خاطئا، ولم يسبق قط أن تطرق الطب الحديث إلى الحبوب إلا مؤخرا، بينما لا يزال كثير من المهتمين بالأمر يرجحون كل الأغذية على الحبوب. ولأول مرة نرجح الحبوب على كل الأغذية. نظرا لما تمتاز به من أهمية غذائية. فالحبوب تحتوي على النشا، وهو سكر مركب يريح الجهاز الهضمي ويمتص السموم المنحذرة من الاستقلابات الداخلية، والحبوب تحتوي كذلك على بروتينات جيدة، وقد تعادل ثلثي البروتينات الموجودة فيا لحليب واللحوم. وتحتوي الحبوب على ألياف خشبية من نوج ممتاز كذلك وبنسبة عالية وتوجد هذه الألياف في النخالة، ولذلك يجب استهلاك الحبوب كليا.

ونلاحظ أن الحبوب طرأ عليها تغيير جيني من أجل المردودية والربح أو الكسب الكبير، والحبوب المستوردة لا تمثل جودة عالية بالمقارنة مع الأنواع المحلية. ولذلك تحفظنا عن الإشاعات حول نبتة القمح التي تطرق إليها كثير من المهتمين بالموضوع الغذائي. ونصحح هذه الإشاعات حول نبتة القمح بأنها ليست كما جاء في هذه الإشاعات، نظرا لعدم وجود القمح الطبيعي، ونظرا لصعوبة تحضيرها بالكمية الكافية، ويجب أن تكون في الفصل الذي ينبت فيه القمح، وهو الفصل الذي يزرع فيه القمح في الحقول، ونبتة القمح يجب ألا تهيأ في الدور الزجاجية، ولا تهيأ تحت شروط بيئية مختلفة عن الشروط البيئية التي ينبت فيها القمح.
م ن ق و ل