الحياة اليومية للممرض

زائر
المقال
منقول للكاتبة درة

طلبنا من ممرضتين عراقيتين تعملان في بغداد ان تحدثانا عن تفاصيل حياتهما اليومية، وما تواجهانه في عملها من صعوبات ومتاعب، وايضا ما يحقق لهما هذا العمل من سعادة ورضى.



جاء حديثهما بسيطا ومباشرا، ويعكس جانبا اساسيا من الحياة في العراق، وهو ظروف الرعاية الصحية. وندعوك عزيزي القارئ الى المشاركة في التعليق عليه.





منال سليم - قسم الكلية الصناعية




انا ممرضة في السابعة والثلاثين من العمر من البصرة. اعمل حاليا في مستشفى اليرموك في قسم الكلية الصناعية. لدي خدمة طويلة جدا في وزارة الصحة ومررت بكل مراحلها وتغيراتها، وكأننا كبرنا وشخنا معا. العمل بالنسبة لي كالهواء الذي لا يمكن الاستغناء عنه، فبدون هذا العمل لا اعتبر نفسي انسانة لها وجود ولها منفعة.

ورغم المصاعب التي اواجهها كامرأة متزوجة وام لثلاثة اطفال، وصعوبة توفيقي بين متطلبات المنزل والاسرة من جهة، وعملي من جهة اخرى فأنني اجد ذاتي في عملي، واهمية مرضاي لدي بأهمية اولادي.

مرضاي من كبار السن في الاغلب، ومنهم من حالته حرجة جدا لذلك افعل كل ما استطيع من أجلهم. هناك من يقدر تعبي وعملي من اسرهم، فتارة اسمع كلمة شكر تساوى عندي الدنيا كلها، وتارة اسمع دعاء من امرأة كبيرة ينشرح له فؤادي، وتارة اخرى اقابل بكل سخط وتجاوز من اهالي بعض المرضى، وبالاخص من حالتهم خطرة، ممن لا يفهمون دوري بالشكل الصحيح، وكأنني من يستطيع القيام بالمعجزات.

ولكني افهمهم واحاول امتصاص غضبهم لانني اعرف ما هو شعور من يفقد اعزاءه. لقد فقدت امي واختي الصغيرة في احد الانفجارات التي حدثت قرب كنيسة الدورة، التي نرتادها للصلاة، وكانت مأساة كبيرة ان يرحل اعز الناس اليك دون ان تستطيع عمل اي شي.

في المستشفى كلنا متعاونون ومتكاتفون رغم كل الظروف التي مررنا ونمر بها، ورغم قلة عدد العاملين في القسم وبالاخص من الممرضين، ورغم عدم توافر متطلبات عملنا الاساسية من محاليل غسل الكلى والحاجة الى ادوية ازالة السمية من الجسم وقلتها في مخازن الوزارة و اسعارها الخيالية في السوق السوداء، بالاضافة الى عدم توافر اجهزة الكلي الصناعية، وقلة عدد الاسرة مقارنة بعدد المرضى الواردين للقسم.

نحن نواجه الكثير من الصعوبات، والادارة لا تتخذ اي اجراء ادعاء منها بان الوزارة لا تحرك ساكنا. وهذا ما يحدث في كل الاوقات قبل او بعد تغيير النظام. فالهم الوحيد والشغل الشاغل لكثيرين هو الانتفاع والسرقة، حيث المال العام مباح، وليس هناك رقيب، ولا يوجد من يفكر بالمريض، حتى وان كان اخيرا وليس اولا. لم تتغير الامور كثيرا، فقط تغير الحكام والهم واحد.

اخرج يوميا منذ الساعة السادسة صباحا حتى اركب الحافلة لاحاول الوصول لعملي مبكرا. وأمر في طريقي بطرق خطرة اذ ان منزلي بعيد عن المستشفى. اصل لعملي لاقوم بواجبي المعهود منذ اكثر من 19 سنة، ولازال الراتب غير كاف. ادخل قسمي منذ الصباح و هو معزول جدا عن باقي الاقسام، ومدخله مليئ بالنباتات الاصطناعية. ارتدي ملابسي البيضاء وابدأ جولتي لرؤية مرضاي الواحد تلو الاخر. أعيش مع المرضى واتفاعل معهم وانسى مالدي من مشاكل بدخولي القسم، وما اسعدني عندما يخرج احدهم متعافيا من قسمي.

احس انني خلقت لهكذا عمل واني سأموت لو انتزعت يوما من مكاني ومرضاي وقسمي ومنضدتي الصغيرة وروزنامتي وصوري وباقات الورد التي اجلبها معي من حديقتي. وكل املي ان تصبح الامور افضل.



بسمة غفوري - قسم الاطفال





إنا ممرضة أبلغ من العمر 27 سنة من حي الكرادة في بغداد، وأعمل في قسم الاطفال في مستشفى اليرموك. أجد متعة كبيرة جدا في العمل مع الأطفال. اشعر أنهم مثل الملائكة الصغار بعيدون كل البعد عن الواقع خارج غرفتي. لا أرى فيهم العنف والاجرام الذي أراه في الشارع، أو اراه بمجرد الخروج من غرفتي، اذ أرى الجرحى والقتلى يجلبون للمستشفى بعد كل إنفجار في بغداد، واشاهد مناظرهم المأساوية التي تفطر الفؤاد وتنطق الحجر.

لا أجد اي صعوبة في التعامل مع الأطفال ومع اسرهم الفرحين بهم. والحمد لله فجميع المتطلبات موجودة لدي رغم قلة عدد الحضانات وإزدياد عدد الولادات المبكرة بشكل مستمر. الوضع الصحي جيد في القسم الذي أعمل به إذ تم ترميم البناية في العام الماضي ليصبح الأحدث من ناحية التقنيات الطبية المتوفرة بين كل المستشفيات. نحن نعاني فقط من خطورة الذهاب والإياب للمستشفى والعمل في الورديات الليلية، إذ أن الوضع صعب جدا بالنسبة لي بشكل خاص نظرا لأني غير متزوجة وصغيرة في العمر.

أحب عملي بشكل لا يوصف فقد وجدت نفسي فيه، ووجدت الأحترام من الناس والتقدير والأمتنان. ولا يهمني ما يحدث خارج غرفتي ما دام لي عالمي الخاص وملائكتي الصغار. بمجرد دخولي قسم الاطفال أحس بأنني في عالم آخر، فالممرات الطويلة النظيفة والجدران المليئة بالرسوم واللوحات وصور الأطفال وغيرها منظرها يشرح القلب. أتطلع الى الصغار وهم نائمون، وأمر عليهم واحدا تلو الآخر. أتخيل أحدهم قد كبر وصار طبيبا، والآخر صار مهندسا والأخرى معلمة، وذاك لاعب كرة قدم وأخرى رسامة وغيرها محامية. أسعد بالهدوء الذي يلف المكان، وأرسم لهم مستقبلا مشرقا وأتخيلهم كبارا يزورونني.


عند التاسعة صباحا أتناول فطوري مع زميلاتي من الأقسام المجاورة ونسمع الراديو معا ثم نذهب لاعمالنا. الجميع هنا يحبونني، وأنا أعشق العمل في قسمي، وافكر انني يوما من الممكن ان اكمل دراستي لاصبح اخصائية بطب الاطفال، فهم لغز من الممتع التعامل معه. اظل حتى المساء في قسمي ثم اخرج مع زميلتي في قسم الامراض النسائية لنعود الى المنزل، واعود معها الى الواقع بكل قسوته

 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:

زائر
لست من طلاب التمريض ، و لكنني أعجبت بالموضوع

موضوع يستحق القراءة لجانبه الإنساني ، و ظروف العمل في بلد فيه حرب

تذكرت و أنا أقرؤه ، قصة لطبيبة لبنانية في بيروت أيام الحرب الأهلية ...

اختيار رائع يا ملاك يا وردي

جزاك الله خيرا
 

شكرا لك اختي على انتقاء هذا الموضوع الرائع ..
بارك الله فيك اختي جودي على زيارة الموضوع.
تجربة لا يشعر بها إلا من يمارس هذه المهنة الشريفة و الإنسانية ..
جزاكم الله خيراً
 

زائر
شكراً لمروركم الطيب
بارك الله فيكم
 

زائر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
بارك الله فيهم فعلا يستحقو التقديررررررررر ويستحقو الدعاء لهم
بارك الله فيكم
شكراااااااا على الموضوع الا كثر اهمية
 

زائر
شكرا اختي الملاك الوردي علي الموضوع المميز.
 

زائر
الصراحة الموضوع جدا ممتاز والله يجزاك خير علية
 

زائر
بصراحه التمريض خدمه انسانيه
ملاك الرحمه
الله يعنهم بس الله يصبر بسمه غفوري علي صيااح الاطفال احس انه يفجر الراس
 

زائر
التمريض عمل رااااااااائع وانساني جدا .. بس ما ادري ليه الناس بس فالحه تطالع في الجانب السلبي فقط .. كل شي في الحياه فيه سلبي وفيه اجابي ..
على العموم الله يكون معاكم .. ويقدركم على عملكم بأكمل وجه .. آآآآآآآآآآآآآآمين
وشكرا ..
 

زائر
شكرا لك اختي على الموضوع

راااائع جدا