زائر
يعود اسم الذئبة الحمراء إلى أوائل القرن العشرين، وكلمة الذئبة مشتقة من اللغة اللاتينية( ps) وهي تصف الطفح الجلدي على وجه المريض، والذي يذكر الطبيب بالعلامات البيضاء الموجودة على وجه الذئب، اما كلمة الحمراء فمشتقة أيضاً من اللغة اللاتينية (eythamatss)، وهي تصف لون الطفح الجلدي.
لا يزال سبب الذئبة الحمراء غير معروف إلا أنه مرض من أمراض اضطراب الجهاز المناعي، ويعرف اختصارا بمرض الذئبة، وهو مثال تقليدي لأحد أمراض المناعة الذاتية والتي يقوم جهاز المناعة فيها بمهاجمة أنسجة الجسم عن طريق إنتاج أجسام مضادة لمكونات معينة لنوى الخلايا، مثل الحمض النووي (DNA).
يعمل هذا المرض على مهاجمة الأنسجة الضامة في الجسم كما لو كانت غريبة، مما يؤدي الى إصابة أو تدمير كما في بعض الحالات أعضاء حيوية كالكلى والمفاصل والمخ والقلب.
العوامل والأسباب
لا يعتبر مرض الذئبة الحمراء من الأمراض الوراثية إذ إنه لا ينتقل وراثيا من الآباء إلى الأبناء إلا أنه من الممكن وراثة بعض الجينات التي تجعل تحمل خصائص المرض فتزداد نسبة احتمال الاصابة به. وقد لوحظ ظهور حالات جديدة أكثر في الأسر التي يوجد مصاب بالمرض بين أفرادها مما يدل على وجود استعداد جيني للإصابة بالمرض.
لكن هنالك اعتقاداً بأن تفاعل بعض العوامل الوراثية الجينية مع بعض العوامل البيئية هو المسبب لهذا الاضطراب في الجهاز المناعي. وربما حدوث اضطراب الهرمونات عند البلوغ أو التعرض لأشعة الشمس أو الإصابة ببعض الفيروسات أو تناول بعض الأدوية من أشهر العوامل التي تؤدى إلى الإصابة بالمرض.
يصيب المرض شخصاً واحدا من كل ثلاثة آلاف الى أربعة آلاف شخص تقريبا فى الولايات المتحدة، ويصيب ذوي البشرة الداكنة أكثر مما يصيب البيض أو ذوي البشرة الفاتحة بمعدل ثلاث مرات تقريبا. وتكون الغالبية العظمى من النساء في سن الإخصاب (بين الخامسة عشرة والخامسة والأربعين من العمر) ونسبة إصابة السيدات الى الرجال ( 9 الى 1) ولكن في الأطفال وقبل سن البلوغ تكون نسبة المرض في الذكور أكثر من الإناث.
مرض الذئبة يمكن أن يصيب أي جزء بالجسم تقريبا. فإذا أصاب الجلد فقط، فإن هذه الحالة تسمى إما الذئبة الحمراء الجلدية تحت الحادة وإما الذئبة شبه القرصية بناء على نوع الطفح الموجود.
في اغلب المرضى يكون مرض الذئبة طفيفا، وحوالي 20% من المرضى يشفون منه تلقائيا. وكثيرون آخرون يعيشون حياة شبه طبيعية رغم وجود الأعراض المزمنة.
أعراض المرض
هنالك عدة أنواع من مرض الذئبة الحمراء، منها الجلدي، الدوائي والذي تظهر فيه أعراض المرض بعد تناول بعض أنواع من الأدوية كأدوية الصرع أو الضغط أو بعض أنواع المضادات الحيوية، وعادة ما تزول أعراض المرض مع توقف تناول الدواء المسبب للمرض. النوع الجهازي الشامل لجميع أعضاء الجسم أو بعض منها مع إصابة الجلد أو من دونه، وهو النوع الأكثر انتشاراً.
تبدأ أعراض المرض في الظهور تدريجياً خلال فترة تتراوح ما بين الأسابيع إلى الشهور وفى بعض الأحيان لسنوات. تتفاوت أعراض المرض بدرجة كبيرة تبعاً لنوع الأنسجة المصابة ودرجة إصابتها، وعادة ما تكون الأعراض الأولية المبكرة للمرض أعراضاً عامة كالحمى والإعياء والآلام الجسدية وفقدان الشهية ونقصان الوزن والغثيان والشعور بالتوعك، ومع مضي الوقت تبدأ الأعراض المميزة أو المتخصصة للمرض وتكون نتيجة إصابة أعضاء متعددة من الجسم مثل الجلد والذي يكون في صورة طفح جلدي، حساسية غير طبيعية لأشعة الشمس حتى بعض التعرض المحدود لها، ويصاب آخرون بقروح في الفم والأنف وتقرحات جلدية تشبه قطع النقود، وقد يأخذ الطفح الجلدي على الوجه شكل الفراشة والذي يظهر عبر الأنف والخدين.
كذلك قد يحدث تساقط في الشعر وفي بعض الأحيان يتغير لون الأصابع من الأحمر إلى الأبيض ثم الأزرق عند التعرض للبرد وهو ما يعرف بظاهرة رينودز. قد تثار أعراض الذئبة في أي وقت وتندلع هذه الأعراض غالبا جراء التعرض للأشعة الفوق بنفسجية الصادرة من الشمس، أو نتيجة التعرض لضغوط عاطفية ونفسية، أو الإعياء أو عوامل أخرى.
ومن الأعراض الأخرى أيضاً التهاب المفاصل وتورمها، مع آلام في العضلات وقد تشتد على المريض معيقة حركته بسبب التورم وأحيانا ما يحدث تلف دائم بالمفصل. وفي حال أصيبت خلايا المخ والجهاز العصبي تحدث حالات شديدة من الصداع، نوبات تشنجية وهلوسة وبطء الحركة والإحساس، ومع ذلك فالأكثر شيوعا هو إصابة المريض بخلل وظيفي ذهني أقل شدة من الاكتئاب أو تدهور التركيز الذهني.
مضاعفات خطيرة
أكثر مضاعفات الذئبة خطورة تلك التي تشمل ما يقوم به جهاز المناعة من تدمير لأعضاء رئيسية بالجسم كالكلى ويظهر ذلك في صورة ارتفاع في ضغط الدم، مع ظهور دم أو بروتين في البول أو حدوث تورم في القدمين والجفون، أو الرئتين مسببه التهاباً لبطانة أو غشاء الرئتين، أو كما في بعض المرضى تصيب صمامات القلب أو عضلة القلب ذاتها مما يؤدي الى حدوث هبوط في القلب، او تسبب التهاباً في غشاء القلب أو اضطرابات في إيقاع القلب.
يكون مرضى الذئبة أيضا عرضة الى اضطرابات خلايا الدم، ويعود ذلك لمهاجمة الأجسام المضادة خلايا الدم المتخصصة كخلايا الدم الحمراء والبيضاء والصفائح مسببة فقر دم وجلطات دموية في الأوردة والشرايين قد تؤدي الى عواقب وخيمة كالسكتة الدماغية. يعتمد تشخيص المرض على اجتماع ظهور الأعراض مع نتائج الاختبارات وبعد استبعاد الأمراض الأخرى، وللمساعدة في التفرقة بين مرض الذئبة الحمراء والأمراض الأخرى وضع أطباء الكلية الأميركية للروماتيزم لائحة مكونة من 11 عرضاً والتي تمثل أكثر الأعراض شيوعاً في مرض الذئبة ولتشخيص المرض يجب ظهور 4 أعراض من بين الأحد عشر عرضاً في أي وقت منذ حدوث المرض.
ويتم تأكيد التشخيص بالفحوصات المخبرية وتحديد مدى إصابة أعضاء الجسم، فاختبارات البول والدم الدورية تساعد على تقييم نشاط وشدة المرض، كما تحدد مدى استجابة جسم المريض للأدوية المستخدمة وبيان أية أعراض جانبية قد تظهر خلال فترة العلاج.
ومن الفحوصات على سبيل المثال لا الحصر، سرعة ترسيب كريات الدم الحمراء ومعامل البروتين المتفاعل - س وكلاهما يزيد مع الالتهاب، صورة كاملة للدم لبيان وجود فقر دم (أنيميا) وعدد صفائح الدم وكرات الدم البيضاء، والفحوصات الكيميائية التي توضح مدى تأثر بعض الأعضاء خاصة الكلى، أو الكبد حال ارتفاع في منسوب إنزيمات الكبد، أو العضلات حال ارتفاع إنزيمات العضلات.
كذلك قد يساعد أخذ عينة من الجلد على تشخيص التهاب الأوعية الدموية في الجلد وطبيعة أنواع الطفح الجلدي. كذلك قد يحتاج الطبيب المعالج إلى عمل أشعة عادية على الصدر للكشف عن القلب والرئة، تخطيط وتصوير بالأشعة الصوتية للقلب، إجراء فحص وظائف التنفس لتقييم مدى كفاءة الرئتين، رسم مخ لبيان مدى تأثر خلايا المخ حال وجدت الأعراض بالمرض، وعمل أشعة رنين مغناطيسي للمخ وأخذ عينات من الأنسجة المختلفة.
مرض الذئبة والحمل
لما كان الحمل يزيد من حدة المرض فينصح الأطباء مريضات الذئبة الحمراء باستشارة طبيب الروماتيزم قبل الحمل لعدة أسباب منها أن يقرر الطبيب السماح للمريضة بالحمل أم لا في هذه المرحلة، ولعمل الاحتياطات اللازمة قبل السماح بالحمل ووصف أدوية مناسبة حتى يمكن تجنب ما قد ينتج من نشاط للمرض أثناء الحمل خاصة التهاب الكلى وللعمل على تفادي الإجهاض المتكرر وهو من توابع المرض، حيث تسبب بعض أنواع الأجسام المضادة للمريضة تجلطات في الأوعية الدموية للمشيمة فيحدث الإجهاض غالبا بين الشهر الرابع والسادس، ويستطيع طبيب الروماتيزم منع الإجهاض بواسطة عدة أدوية تعطى كل منها على حدة أو مجتمعة حتى الولادة.
وتبقى مشكلة أخرى تحدث في أثناء الحمل وهي نادرة الحدوث ولكنها مهمة حيث إنها تصيب الجنين وهي احتمال تسرب بعض الأجسام المضادة من دم الأم عبر المشيمة إلى الجنين، وقد تمثل خطورة إذا أصابت الضفيرة العصبية لقلب الجنين ونستطيع أن نمنع هذه المتاعب في أثناء الحمل بإعطاء الأم أدوية تنتقل للجنين. أما الرضاعة الطبيعية فهي ممكنة إذا كانت المريضة تعالج بمضادات الالتهاب أو جرعات صغيرة من الكورتيزون ولكن يجب تجنبها في حالة استعمال مثبطات المناعة.
العلاج
حتى الآن لا يوجد علاج ناجع وجذري للمرض، ولكن العلاج يهدف إلى منع المضادات وعلاج أعراض ومضاعفات المرض. وعندما يتم تشخيص مرض الذئبة الحمراء يكون المرض غالباً في أشد مراحل نشاطه، وفي هذه المرحلة يحتاج الطبيب إلى استخدام كمية كبيرة من الأدوية للسيطرة على المرض ومنع تلف الأعضاء، وفي معظم الحالات يكون العلاج ناجحاً وتتم السيطرة على المرض الذي يبدأ نشاطه في التراجع، ويتم سحب الأدوية تدريجياً حتى يحتاج المريض إلى جرعات قليلة أو قد يتم الاستغناء عن العلاج تماماً.
معظم أعراض الذئبة تحدث نتيجة للالتهاب ولذلك يكون هدف العلاج هو تقليل هذه الالتهابات وبصفة عامة هناك 4 مجموعات من الأدوية هي الأكثر استخداماً في علاج الأطفال المصابين بمرض الذئبة الحمراء وهي: - مضادات الالتهاب اللا ستيرودية كالأسبرين والذي لا يستخدم كثيرا الآن إلا في حالة وجود ارتفاع نسبة مضادات الدهون الفسفورية لمنع تجلط الدم. والفولتارين والبروفين وغيرها وتستخدم هذه الأدوية للسيطرة على آلام المفاصل وينصح باستخدامها لفترات قصيرة ويتم تقليل الجرعة مع بدء تحسن التهاب المفاصل.
- مضادات الملاريا: كالهيدروكسي كلوروكوين ومع عدم معرفة طريقة عملها إلا أنها مفيدة جداً في علاج أنواع الطفح الجلدي الذي يظهر في مرض الذئبة الحمراء ويبدأ التأثير الإيجابي للدواء بعد فترة قد تستغرق عدة شهور.
- الستيرويد: والذي يعتبر العلاج الأساسي لمرض الذئبة الحمراء خاصة في المرحلة الأولى من المرض لتقليل الالتهاب والحد من نشاط الجهاز المناعي، وتتراوح فترة استخدام هذا العقار ما بين الأسابيع والشهور وفي أغلب الأحوال قد يحتاج المريض إلى العلاج بهذا الدواء لسنوات عديدة. وتعتمد الجرعة الأولى وعدد تكرارها اليومي على شدة المرض والأعضاء المصابة، وقد يحتاج بعض المرضى جرعات كبيرة من الكورتيزون سواء عن طريق الفم أو الحقن في الوريد وذلك في حالات إصابة الجهاز العصبي أو الكلى، كذلك في حالات الأنيميا الناتجة عن تكسير كرات الدم الحمراء. ويشعر المريض بتحسن كبير في خلال أيام من بداية العلاج الستيرويد ويتم تقليل جرعة العقار تدريجياً بعد السيطرة على المرض مع تكرار التحاليل للتأكد من السيطرة على نشاط المرض حتى يصل المريض إلى أقل جرعة ممكنة وفعالة في نفس الوقت في السيطرة على المرض. - مثبطات المناعة: والتى تعمل بطريقة مختلفة عن الكورتيزون إذ إنها تعمل على تثبيط الجهاز المناعي وتقليل نشاطه. وتستخدم هذه العقارات حينما يكون الستيرويد وحده غير قادر على إيقاف نشاط المرض أو عندما يسبب الستيرويد أعراضاً جانبية خطيرة. منها الأزاثيوبرين وسيكلوفوسفاميد وهي تساعد أيضا على التقليل من الاعتماد على الكورتيزون وقد تقلل من التلف الذي يصيب الأعضاء الملتهبة كالكلى.
وعادة ما ينصح باتباع وسائل الرعاية الذاتية للإقلال من نوبات نشاط المرض، فتقليل التوتر والموازنة بين الراحة والمجهود وتناول الطعام الصحي والدعم العائلي مما يساعد كثيراً على مواجهة المرض.
في نسبة قليلة من مرضى الذئبة تتعذر السيطرة على المرض وتتسبب مضاعفاته في الوفاة في حوالي 2 الى 3% على الرغم من كل الجهود العلاجية المبذولة.