العلاج بالإنزيمات..

زائر
في عصرنا الراهن,أصبحت الإنزيمات (الخمائر) عبارة سحرية في مجال الأغذية,وبات لكل شركة الآن "تركيبتها الخاصة البالغة التركيز من الإنزيمات",وتتباهى بقدرتها ومواصفاتها الفائقة,كما لا يوجد مثلها لدى أي شركة أخرى.
ومع ذلك,فإن الفهم الدقيق للإنزيمات ودورها في التغذية,يحتاج الى أكثر من مجرد معرفة تركيبها الكيميائي.نحن في حاجة الى معرفة تاريخ العلاج بالإنزيمات الغذائية والرواد السابقين الذين طوروا هذه الطريقة بالعلاج ومنطق استخدامها في الطب.
من الناحية التاريخية,هناك شواهد على أن العديد من المجتمعات الحضرية قد أنتجت مواد غذائية بنسبة عالية التركيز من الإنزيمات.هذه المجتمعات أدركت القيمة الصحية الكبيرة للأغذية الغنية بالإنزيمات,وذلك بالتجربة أو مصادفة,عن طريق ترك المواد الغذائية في الهواء الطلق,حيث توجد البكتريات بوفرة,ومن هذه المواد منتجات الألبان المختمرة,كاللبن الرائب ومشتقات الحليب,والخضروات المخمرة كالمخللات,ومنتجات الصويا التي أول ماعرفت في آسيا.وفي البلدان الاستوائية هناك أنواع معينة من الفاكهة (مثل بابا والمانغو) عرفت باحتوائها على إنزيمات عالية التركيز,واستخدمت تقليديا في مداواة الحروق والجروح.
ومع هذا,لم يتم الحصول على الإنزيمات النشطة إلا في مطلع عقد التسعينيات,حيث قام الدكتور جون بيرد,عالم الأجنة الاسكتلندي,بترشيح عصارة البنكرياس لبعض الحيوانات الصغيرة لدى ذبحها.فقد أدرك من خلال الملاحظة أن الحيوانات الصغيرة ينبغي ان تمتلك مخزونا أكبر من الإنزيمات شديدة التركيز,لأنها مهمة في عملية النمو.وقد حقن بيرد هذا السائل المركز في شرايين وعضلات الآلية,وأحياناً في داخل الأورام السرطانية للمرضى مباشرة,ولاحظ أن الكتل السرطانية قد انكمشت بسرعة بعد الحقن,والخلايا السرطانية توقف نموها.بعض المرضى عانى من آثار حساسية,لأن العصارة غير المطهرة تحتوي على بروتينات غريبة عن الجسم,ومع ذلك,اختفى أكثر من نصف الأورام السرطانية,في حين تحسنت حياة مرضى آخرين بشكل كبير.
احدثت تجارب بيرد غليانا في مجال المداواة الغايرة للأطباء في بريطانيا.واتهم بالدجل,كما تلقى تهديدات بخسارة عمله.ولكن ذلك لم يمنع المرضى من طلب العلاج بطريقته هذه,واضطر الأطباء الى طلب السائل البنكرياسي من الصيادلة إرضاء للمرضى,فقام هؤلاء بإحضاره من المسالخ المحلية.وكان السائل الذي يباع للأطباء مأخوذا من الحيوانات الكبيرة,وهو لذلك غير نشط,وبالتالي كانت النتائج مخيبة للآمال.
عالج الدكتور بيرد 170 مريضا بالسرطان وسجل تلك الحالات في كتابه بعنوان "معالجة السرطان بالإنزيمات وأسسه العلمية" المنشور عام 1907.
وهكذا,بقيت تجربة العلاج بالإنزيمات قضية تحت السيطرة في السنوات اللاحقة حتى الثلاثينات,حيث أعيد النظر فيها من قبل بعض قبل المهتمين.
في سنة 1930 عقد في باريس أول مؤتمر لعلم الأحياء المجهرية.وكان من بين المشاركين فيه الدكتور بول كوتشاكوف (سويسرا) الذي قدم ورقة بعنوان "تأثير الأغذية المطبوخة على تركيب دم الإنسان".
وأوضح فيها سبب زيادة الكريات البيضاء (الكريضات) المرافقة للهضم كلما تناول أشخاص من عمر وجنس مختلفين طعاما مطبوخا.وفي هذه الحالة كانت ملحوظة لدى المرضى منذ عام 1843 لكن اعتبرت حينها أمرا عاديا.
الكريضات الهضمية هي الزيادة الكبيرة جدا بمقدار ونشاط الكريات البيض في الدم,بسبب حافز ما – وهذا الحافز هو اجتياز الطعام غير المهضوم لجدار المعي.وهذه الزيادة معتدلة في الأطعمة المعلبة والمطبوخة.ومع الأطعمة المعالجة كثيرا,كاللحوم المعلبة يتحول مستوى الزيادة الى مايشبه حالة التسمم الغذائي! الفارق الوحيد كان عدم وجود البكتريا المقترنة بالتسمم الغذائي.إن الأطعمة المطهية تفقد الإنزيمات الضرورية التي توقف الهضم الكافي,ولاحظ الدكتور كوتشاكوف عدم وجود زيادة ونشاط للكريات البيض في الأشخاص الذين يكتفون بتناول الأطعمة النيئة,ويعود ذلك الى أن كل الأغذية غير المطبوخة تحتوي على الإنزيمات التي تهضم تماما ما نتناوله من طعام.
بين عامي 1932 و1942 بدأ الدكتور فرانسيس بوتنجر في كاليفورنيا إحدى المع الدراسات الطبية في مجال الأغذية واستمرت الدراسة عشر سنوات على 900 قطة شملت أربعة أجيال منها.وقد جعل القطط تأكل فقط من الطعام المقدم لها.
المجموعة الأصلية من القطط أطعمت حليبا طازجا غير معقم وزيت الكبد النيىء وشرائح اللحم المطبوخ.المجموعتان الأخريان أطعمتا لحما غير مطبوخ حليبا معقما ومن ثم اللحم المطبوخ الحليب المعقم على التوالي.أما العينة الرابعة,فقدم لها اللحم النيىء غير المطبوخ والحليب غير المعقم.
إن من شأن ملاحظات الدكتور بوتنجر أن تهز أسس الطب الحديث,ولكن عمله واجه المصير الذي واجهته تجارب من سبقوه,التجاهل.وقد سجل في حذر شديد النتائج التي توصل إليها بالقياسات والصور,وإليكم ملخص هذه النتائج :بالنسبة للقطط التي أطعمت طعاما نيئا لم تظهر أمراض تنكسية مزمنة! هذه القطط كبرت وكانت سلسة.وأكثريتها مات بسبب السن,وعاشت أطول من القطط الأخرى.
وبالنسبة للقطط التي تناولت الطعام المطبوخ,ظهرت في الجيل الأول منها أغراض أمراض تنكسية مزمنة معروفة,كالحساسية والربو والتهاب المفاصل (الروماتيزمي والعظمي),والسرطان وأمراض القلب والكلية والكبد والغدة الدرقية وأمراض الأسنان,وفي الجيل الثاني,ظهرت تلك الأعراض عينها,لكن أكثر حدة,اما في الجيل الثالث,فأكثرية الجراء ولدت ميتة أو سقيمة,وماتت في مدى ستة أشهر,وفي الجيل الرابع,توقفت التجربة,لأن القطط في هذه المجموعة فقدت خصوبتها ولم تعد تتكاثر.
استحلص بوتنجر أن العامل الغذائي كان يجب أن يكون "مواد متغيرة الحرارة" ولسوء الحظ,لم ينتبه الى أنها الإنزيمات لقلة ماكان يعرف عن هذه الإنزيمات يومذاك.
في مطلع الثلاثينات أكتشف "مادة خاصة" في دم الأشخاص ذات فعالية كبيرة في مهاجمة وقتل الخلايا السرطانية.هذه المادة وجدت بكميات ضئيلة جدا,أو معدومة عند المصابين بالسرطان.أحد الذين اشتهروا في نيويورك يومها كان الدكتور ماكس وولف.وقد راقه ماسمعه عن هذه المادة,وبدأ العمل على حسابه الخاص,وأقنع الدكتورة هيلين بينتز التي كانت تعمل في جراحة الأعصاب بجامعة كولومبيا للعمل معه,وقاما بالآف التجارب للتعرف على تلك المادة,وتوصلا الى أنها الإنزيمات.
بعد ذلك,كان على الدكتور وولف أن يعزل من بين عشرات الإنزيمات المكتشفة المادة المسؤولة عن أكثر من نشاط: أي ضبط الاحتراق,وتصحيح الاضطرابات التنكسية,وتدمير الخلايا السرطانية,وبعد سنوات من اختباره مختلف المركبات الإنزيمية على الحيوانات دون ظهور أية آثار مرضية,استطاع طرح طريقته في المعالجة بالإنزيمات.وأصبح معروفا جدا حتى في الأوساط السياسية والفنية,كما قصده رؤساء وقادة أوروبيون للتداوي,واستطاع إنتاج إنزيم Wbenzyme,وهو أشهر منتجات الإنزيمات المعروفة.
في تلك الأثناء,كان الدكتور إدوار هويل في شيكاغو يعمل لكشف فائدة الأغذية المطبوخة والمعالجة للاستهلاك البشري.
وقد اكتشف أن تسخين الطعام الى أكثر من الدرجة 245 فهرنهايت (188 درجة مئوية) الى أكثر من 15 دقيقة يقتل كل الإنزيمات فيها,ومن الطبيعي حدوث ذلك في درجات حرارة أعلى.
ومثال على ذلك التكنولوجيا الحديثة في البسترة السريعة (الخاطفة) للحليب والعصير فالإنزيمات هي المادة الوحيدة القادرة على هضم الطعام.وهي متوفرة في الأغذية النيئة لهذا الغرض بالضبط


منقووووووووول