زائر
شهدت أساليب وآليات التحقيقات الجنائية الميدانية في مسرح الجريمة تقدما كبيرا، ولم تعد تلك الصورة النمطية التقليدية لمحقق يرتدي معطفا طويلا ويتتبع آثار المجرم مستخدما آلة مكبرة تعبر عن واقع اليوم.
كما لم تعد صورة المدعي العام وهو يعلن أمام المحكمة أن "كبير الخدم هو الذي ارتكب الجريمة" مقنعة. فالمحققون اليوم يستفيدون من آخر التطورات التكنولوجية مستخدمين مجاهر صغيرة فيما يبحثون عن أدلة جزئية. ولذلك فقد بات لازما على المحامين أن يكونوا ذوي اطلاع واسع في مجال أدلة الحامض النووي لاستيعاب كيف حدثت جريمة ما.
العلم يكشف الجريمة
تُعرف عملية العثور على أدلة دقيقة والقدرة على تقديمها في المحكمة بالعلم الجنائي. فتحليل الحامض النووي وعينات الشعر والألياف والبصمات والمخدرات أو العقاقير والأنقاض الناجمة عن الحرائق والرصاص المستخدم في الجريمة صارت كلها من المهام التي يقوم بها علماء لديهم معارف واسعة في الكيمياء وعلوم الأحياء. وقد أسهمت المسلسلات التلفزيونية المعاصرة مثل مسلسل "سي أس آي" SI الذي بات واحدا من أكثر البرامج التلفزيونية شهرة في أميركا في طرح صورة جديدة للمحقق الجنائي الميداني: فهو رجل شرطة وعالم في الوقت ذاته يستطيع التنقل من مسرح الجريمة إلى المختبر إلى غرفة التحريات وأن يقبض على المجرم في غضون ساعات.
لاري بريسلي مدير برنامج العلوم الجنائية في جامعة آركاديا بولاية بنسلفانيا يقول إنه كان أقرب ما يكون إلى الشخصيات التي تظهر في البرامج التلفزيونية اليوم حينما عمل في شعبة التحقيقات الجنائية في مكتب التحقيقات الفيدرالي "إف بي أي" في فترة ما قبل ظهور فرق الاستجابة للطوارئ.
ويضيف: "لقد تفحصت المئات من مواقع الجريمة، فقد كنت أذهب إلى موقع الجريمة وأقوم بتجميع الأدلة وبتحليلها في المختبر وبكتابة التقرير وبالإدلاء بشهادتي بشأن الأدلة أمام المحكمة، وهذا أقرب ما يكون إلى ما نشاهده على شاشات التلفزيون اليوم، غير أن هذه البرامج لا تقدم لنا على الإطلاق أدنى فكرة عن الساعات الطويلة التي يستغرقها إعداد التقارير إذ لا بدّ أن يكون كل شيء موثقا بشكل محكم. لكن التركيز على هذا الجانب لا يسهم في العمل الفني".
تخصص مثير
وقد أدت شعبية هذه المسلسلات إلى ازدياد عدد الراغبين في دخول عالم التحقيقات الجنائية. بيد أن الطلاّب يكتشفون أن الأمر يتطلب إعداداً جيداً في مجال العلوم الدقيقة.
يقول بريسلي: "يتطلب الأمر خلفية تعليمية متينة في الكيمياء وعلوم الأحياء فضلا عن الكثير من المساقات في علم الجريمة". ويقترح البعض حتى أن يتابع المرء الراغب في دخول هذا المجال دراساته العليا ليتمكن من العمل فيه.
لقد انقرض دور العالمالشرطي المتعدد المواهب منذ الأيام التي عمل فيها بريسلي في المختبرات الجنائية. فالمهام الملقاة على عاتق العالم الجنائي باتت شديدة التخصّص لدرجة أن هؤلاء العلماء يركزون على تطوير مواهبهم في مجال واحد أو اثنين على الأكثر.
يقول بريسلي: "تُوجد اليوم منظمات للعلوم الجنائية مُعترف بها ما يعني أنه يتعيّن عليك اجتياز اختبار للكفاءة ومتابعة الدراسة عن طريق مساقات التعليم المستمر في مجال تخصصك. ولا أعتقد أنه بوسع المرء أن يحصل على التأهيل أو على شهادة الاعتراف به من قبل المنظمات المختصة في أكثر من مجال. فالأمر في الحقيقة يختلف عما نراه في حلقات مسلسل سي أس آي".
ويعني هذا كله أن العالم الذي يقوم بتحليل الحامض النووي يقتصر عمله على ذلك فحسب، أي أنه يجلس في المختبر وينكبّ على تحليل عينات وأدلة متراكمة منذ شهور، أو أنه يقوم برفع البصمة وتحليلها من خلال نظام آلي لتحليل البصمات، أو يقوم بمقارنة عينات من الشعر والألياف أو عينات من الرصاص عُثر عليها في مسرح الجريمة. والواقع أن معظم هؤلاء يعملون ضمن إطار تخصصهم، ونادرا ما يتوجهون إلى مسرح الجريمة.
شيري براون منسقة برنامج الكيمياء الجنائية وعلوم الجريمة في كلية يورك في بنسلفانيا تقول إنها لم تغادر مكتبها قط حينما عملت محللة جنائية في وحدة الجرائم العنيفة في شرطة ولاية نيوجيرزي.
وتضيف: "كان المحققون الجنائيون الميدانيون عادة من ضباط الشرطة. كان هؤلاء يقومون بتجميع الأدلة ويرسلونها إلى مكتبي ثم يمضون لمتابعة عملهم في مسرح جريمة أخرى". وتضيف براون أن أحد أوجه التفاوت بين ما يحدث في الواقع وبين ما يصوره التلفزيون يتعلق بالزمن الحقيقي الذي يستغرقه تحليل الأدلة. "حينما تصل الأدلة إلى المختبر، يتم تخزينها في قسم خاص إلى أن يحين دورها وذلك بسبب كثرة القضايا. أما إذا كانت هناك قضية مستعجلة، فإن الأمر قد يتطلب أسبوعا كاملا قبل الانتهاء من تحليل وتقييم الأدلة. لكن بعض الأدلة لا يُنظر إليها قبل مرور عدة أشهر".
ومن الضروري تحليل وتقييم كل الأدلة المجمعة من مسرح الجريمة ذلك أن العديد من المحلفين يجدون صعوبة في الحكم على مشتبه بهم دون توفر أدلة الحامض النووي التي تعزّز التهم الموجهة من قبل المدعي. ويُعرف هذا الأمر بـ"تأثير التحقيق الجنائي الميداني".
يقول جو بولسكي رئيس شعبة العمليات في الجمعية الدولية لتحقيقات الهوية: "يتوقع العامة والمحاكم والمدعون الآن أن يتم تحليل الأدلة الجنائية في كل قضية وأن يتم ذلك وفقا للطريقة التي تتم بها الأمور في المسلسلات التلفزيونية. لكن الأمر ليس كذلك في عالم الواقع، فعلماء التحليل الجنائي لا يستطيعون تقديم إجابات كاملة في غضون 40 دقيقة".
كما أن العديد من المدعين العامين الأميركيين لا يرغبون في الذهاب إلى المحكمة دون أدلة من الحامض النووي تعزّز من موقفهم فهيئات المحلفين لن تحكم على أحد دون توفر هذه الأدلة. ومما يزيد من أهمية أدلة الحامض النووي هو عمليات التبرئة التي تمت في الآونة الأخيرة لعدد من المحكوم عليهم بفضل طرق اختبار جنائية حديثة أكثر دقة.
وتقوم العديد من الولايات الآن بسن قوانين تسمح بإعادة النظر في الأدلة باستخدام أجهزة أحدث وأكثر دقة لإثبات براءة أو تهمة أناس محكوم عليهم.
إضافة إلى ذلك، يواجه الكثير من علماء التحقيقات الجنائية مشكلات في التمويل فيما يحاولون إنجاز أعمالهم دون أن تتوفر لهم الأجهزة المناسبة.
يقول بولسكي: "الكثير من الهيئات ليس بوسعها حتى التفكير في شراء الأجهزة التي نراها في مسلسل سي أس آي التلفزيوني، إذ إنها تفوق إمكاناتها المالية. هناك تصور عام بأن مختبرات الجريمة تعمل بالصورة التي نراها في المسلسلات. لكن الأمر ليس كذلك". ويقول بولسكي إن هناك الكثير مما يمكن إنجازه بالنسبة للراغبين في أن يصبحوا علماء تحليلات جنائية إذا ما توفر التمويل اللازم، لكن عليهم ألا يُخدعوا بما يرونه على شاشة التلفزيون ذلك أن مهمة المحقّق الجنائي هي تحليل ما يتوفر لهم من أدلة وتقديمها للمحلفين، وليس القبض على شخص سيئ. لقد بات العلم موضوعا للعلماء وليس للمخبرين الأذكياء، والعكس صحيح.
منقووول ..
كما لم تعد صورة المدعي العام وهو يعلن أمام المحكمة أن "كبير الخدم هو الذي ارتكب الجريمة" مقنعة. فالمحققون اليوم يستفيدون من آخر التطورات التكنولوجية مستخدمين مجاهر صغيرة فيما يبحثون عن أدلة جزئية. ولذلك فقد بات لازما على المحامين أن يكونوا ذوي اطلاع واسع في مجال أدلة الحامض النووي لاستيعاب كيف حدثت جريمة ما.
العلم يكشف الجريمة
تُعرف عملية العثور على أدلة دقيقة والقدرة على تقديمها في المحكمة بالعلم الجنائي. فتحليل الحامض النووي وعينات الشعر والألياف والبصمات والمخدرات أو العقاقير والأنقاض الناجمة عن الحرائق والرصاص المستخدم في الجريمة صارت كلها من المهام التي يقوم بها علماء لديهم معارف واسعة في الكيمياء وعلوم الأحياء. وقد أسهمت المسلسلات التلفزيونية المعاصرة مثل مسلسل "سي أس آي" SI الذي بات واحدا من أكثر البرامج التلفزيونية شهرة في أميركا في طرح صورة جديدة للمحقق الجنائي الميداني: فهو رجل شرطة وعالم في الوقت ذاته يستطيع التنقل من مسرح الجريمة إلى المختبر إلى غرفة التحريات وأن يقبض على المجرم في غضون ساعات.
لاري بريسلي مدير برنامج العلوم الجنائية في جامعة آركاديا بولاية بنسلفانيا يقول إنه كان أقرب ما يكون إلى الشخصيات التي تظهر في البرامج التلفزيونية اليوم حينما عمل في شعبة التحقيقات الجنائية في مكتب التحقيقات الفيدرالي "إف بي أي" في فترة ما قبل ظهور فرق الاستجابة للطوارئ.
ويضيف: "لقد تفحصت المئات من مواقع الجريمة، فقد كنت أذهب إلى موقع الجريمة وأقوم بتجميع الأدلة وبتحليلها في المختبر وبكتابة التقرير وبالإدلاء بشهادتي بشأن الأدلة أمام المحكمة، وهذا أقرب ما يكون إلى ما نشاهده على شاشات التلفزيون اليوم، غير أن هذه البرامج لا تقدم لنا على الإطلاق أدنى فكرة عن الساعات الطويلة التي يستغرقها إعداد التقارير إذ لا بدّ أن يكون كل شيء موثقا بشكل محكم. لكن التركيز على هذا الجانب لا يسهم في العمل الفني".
تخصص مثير
وقد أدت شعبية هذه المسلسلات إلى ازدياد عدد الراغبين في دخول عالم التحقيقات الجنائية. بيد أن الطلاّب يكتشفون أن الأمر يتطلب إعداداً جيداً في مجال العلوم الدقيقة.
يقول بريسلي: "يتطلب الأمر خلفية تعليمية متينة في الكيمياء وعلوم الأحياء فضلا عن الكثير من المساقات في علم الجريمة". ويقترح البعض حتى أن يتابع المرء الراغب في دخول هذا المجال دراساته العليا ليتمكن من العمل فيه.
لقد انقرض دور العالمالشرطي المتعدد المواهب منذ الأيام التي عمل فيها بريسلي في المختبرات الجنائية. فالمهام الملقاة على عاتق العالم الجنائي باتت شديدة التخصّص لدرجة أن هؤلاء العلماء يركزون على تطوير مواهبهم في مجال واحد أو اثنين على الأكثر.
يقول بريسلي: "تُوجد اليوم منظمات للعلوم الجنائية مُعترف بها ما يعني أنه يتعيّن عليك اجتياز اختبار للكفاءة ومتابعة الدراسة عن طريق مساقات التعليم المستمر في مجال تخصصك. ولا أعتقد أنه بوسع المرء أن يحصل على التأهيل أو على شهادة الاعتراف به من قبل المنظمات المختصة في أكثر من مجال. فالأمر في الحقيقة يختلف عما نراه في حلقات مسلسل سي أس آي".
ويعني هذا كله أن العالم الذي يقوم بتحليل الحامض النووي يقتصر عمله على ذلك فحسب، أي أنه يجلس في المختبر وينكبّ على تحليل عينات وأدلة متراكمة منذ شهور، أو أنه يقوم برفع البصمة وتحليلها من خلال نظام آلي لتحليل البصمات، أو يقوم بمقارنة عينات من الشعر والألياف أو عينات من الرصاص عُثر عليها في مسرح الجريمة. والواقع أن معظم هؤلاء يعملون ضمن إطار تخصصهم، ونادرا ما يتوجهون إلى مسرح الجريمة.
شيري براون منسقة برنامج الكيمياء الجنائية وعلوم الجريمة في كلية يورك في بنسلفانيا تقول إنها لم تغادر مكتبها قط حينما عملت محللة جنائية في وحدة الجرائم العنيفة في شرطة ولاية نيوجيرزي.
وتضيف: "كان المحققون الجنائيون الميدانيون عادة من ضباط الشرطة. كان هؤلاء يقومون بتجميع الأدلة ويرسلونها إلى مكتبي ثم يمضون لمتابعة عملهم في مسرح جريمة أخرى". وتضيف براون أن أحد أوجه التفاوت بين ما يحدث في الواقع وبين ما يصوره التلفزيون يتعلق بالزمن الحقيقي الذي يستغرقه تحليل الأدلة. "حينما تصل الأدلة إلى المختبر، يتم تخزينها في قسم خاص إلى أن يحين دورها وذلك بسبب كثرة القضايا. أما إذا كانت هناك قضية مستعجلة، فإن الأمر قد يتطلب أسبوعا كاملا قبل الانتهاء من تحليل وتقييم الأدلة. لكن بعض الأدلة لا يُنظر إليها قبل مرور عدة أشهر".
ومن الضروري تحليل وتقييم كل الأدلة المجمعة من مسرح الجريمة ذلك أن العديد من المحلفين يجدون صعوبة في الحكم على مشتبه بهم دون توفر أدلة الحامض النووي التي تعزّز التهم الموجهة من قبل المدعي. ويُعرف هذا الأمر بـ"تأثير التحقيق الجنائي الميداني".
يقول جو بولسكي رئيس شعبة العمليات في الجمعية الدولية لتحقيقات الهوية: "يتوقع العامة والمحاكم والمدعون الآن أن يتم تحليل الأدلة الجنائية في كل قضية وأن يتم ذلك وفقا للطريقة التي تتم بها الأمور في المسلسلات التلفزيونية. لكن الأمر ليس كذلك في عالم الواقع، فعلماء التحليل الجنائي لا يستطيعون تقديم إجابات كاملة في غضون 40 دقيقة".
كما أن العديد من المدعين العامين الأميركيين لا يرغبون في الذهاب إلى المحكمة دون أدلة من الحامض النووي تعزّز من موقفهم فهيئات المحلفين لن تحكم على أحد دون توفر هذه الأدلة. ومما يزيد من أهمية أدلة الحامض النووي هو عمليات التبرئة التي تمت في الآونة الأخيرة لعدد من المحكوم عليهم بفضل طرق اختبار جنائية حديثة أكثر دقة.
وتقوم العديد من الولايات الآن بسن قوانين تسمح بإعادة النظر في الأدلة باستخدام أجهزة أحدث وأكثر دقة لإثبات براءة أو تهمة أناس محكوم عليهم.
إضافة إلى ذلك، يواجه الكثير من علماء التحقيقات الجنائية مشكلات في التمويل فيما يحاولون إنجاز أعمالهم دون أن تتوفر لهم الأجهزة المناسبة.
يقول بولسكي: "الكثير من الهيئات ليس بوسعها حتى التفكير في شراء الأجهزة التي نراها في مسلسل سي أس آي التلفزيوني، إذ إنها تفوق إمكاناتها المالية. هناك تصور عام بأن مختبرات الجريمة تعمل بالصورة التي نراها في المسلسلات. لكن الأمر ليس كذلك". ويقول بولسكي إن هناك الكثير مما يمكن إنجازه بالنسبة للراغبين في أن يصبحوا علماء تحليلات جنائية إذا ما توفر التمويل اللازم، لكن عليهم ألا يُخدعوا بما يرونه على شاشة التلفزيون ذلك أن مهمة المحقّق الجنائي هي تحليل ما يتوفر لهم من أدلة وتقديمها للمحلفين، وليس القبض على شخص سيئ. لقد بات العلم موضوعا للعلماء وليس للمخبرين الأذكياء، والعكس صحيح.
منقووول ..