الغذاء والجينات

زائر
الغذاء والجينات












نظراُ للتطور الصناعي و التكنولوجي الهائل في العقود القليلة الماضية , فقد أصبحت السمنة من أبرز المشاكل التي باتت تناقش كقضية صحية هامة حيث تصل نسبتها في بعض الدول المتقدمة إلى 25% , و يزيد من خطورة هذا الأمر تفشي هذه الظاهرة في الأطفال أيضاً.


البيئة من حولنا بيئة دافعة نحو السمنة , حيث كل سبل الراحة فلا يكاد الشخص يبذل في يومه أي مجهود عضلي يذكر , بالإضافة إلى الأطعمة السريعة كما يسمونها ( الفاست فود ) الغنية جداً بالدهون و النشويات مع افتقارها إلى العناصر الغذائية اللازمة , و من الواضح أن هذه الأطعمة أصبحت الوجبات الأساسية للأفراد .

و لكن هل هذه البيئة هي العامل الوحيد المؤدي إلى السمنة ؟ و هل تؤثر هذه البيئة في الأشخاص المختلفين بنفس المقدار ؟

نلحظ أحياناً أن هناك أشخاص نقول أن لديهم قابلية عالية للسمنة و ينتمون لعائلة تعاني من هذه الظاهرة , و أشخاص آخرون على العكس تماماً .

علمياً نرجع هذه الظاهرة إلي التكوين الجيني لهؤلاء الأشخاص . فقد اكتشف العلم الحديث أن ظاهرة السمنة ناتجة عن تفاعل ما بين العوامل البيئية المحيطة ( البيئة الدافعة نحو السمنة ) و التكوين الجيني للأفراد .

و يوجد من السمنة نوعان , تلك المصاحبة لمتلازمات أو أمراض وراثية معينة , و نلحظ في هذه الحالة زيادة سريعة في الوزن في مراحل عمرية مبكرة .

أما الأخرى وهي موضع حديثنا , و هي السمنة الشائعة بين الأفراد و التي عادةً تظهر بشكل تدريجي معتمدة بشكل كبير على النظام الغذائي و معدل الحركة لدى الفرد .

أجريت دراسات على عائلات يعاني بعض أفرادها من زيادة في الوزن و قد أثبتت هذه الدراسات
أن نسبة تدخل العوامل الوراثية في تحديد وزن الأفراد تتراوح ما بين 30 إلى 70% و بمتوسط 50% . و تم اكتشاف عدد من الجينات المسئولة , و لكن نظرا ً لتعددها .. فتصبح العملية هنا عملية تراكمية معقدة , أي أن هناك جينات وجودها يؤثر بشكل كبير على احتمالية حدوث السمنة و أخرى أقل تأثيراً , و بالتالي تراكم عدد أكبر من هذه الجينات يعني قابلية أعلى لحدوث السمنة و أيضاً زيادة أكبر في الوزن .

تنتج السمنة عن عدم توازن بين عمليتي تناول الغذاء و حرقه داخل الجسم. في الوضع الطبيعي يتحكم بهذا التوازن عملية فسيولوجية معقدة تساهم فيها المؤشرات الخارجية مع المؤشرات الداخلية للجهاز العصبي.

و المسئول عن خلق هذا التوازن هو المخيخ (hypthaams) الموجود في أسفل الجزء الخلفي من المخ , حيث يستقبل إشارات من خلايا الجسم تعكس حاجتها للطاقة , فإما أن يعطي إشارة لزيادة معدل تناول الغذاء و من ثم حرقه أو أن يعطي إشارة بالعكس .

تبدأ المشكلة عندما توجد طفرة في إحدى الجينات المسئولة عن تصنيع الهرمونات التي تشكل هذه الإشارات الهامة, مثل الجين المسئول عن تصنيع هرمون أل ( eptin) و الذي تفرزه الخلايا الدهنية و يستقبله المخيخ بإشارة عصبية لتقليل الشهية و بالتالي يقلل من تناول الطعام.
أو من الممكن أن تكون الطفرة في الجين المسئول عن تصنيع مستقبلات هذه الهرمونات في المخ مبطلاً تأثيرها و بالتالي قطع الإشارات عن المخيخ مؤدياً إلى زيادة مفرطة في الوزن.

لقد تم تحديد 13 جين لها دور أساسي في هذه الآلية وهي ( AD, ADA2A, ADA2B, ADB1, ADB2, ADB3, EP, AP, N31, PPAG, P1, P2, P3 ) و أي طفرة فيها من الممكن أن تكون عاملاً هاماً في زيادة الوزن .

و لكن الأهم من ذلك هو أن تكتشف آلية عمل هذه الجينات كاملة , و الذي سيفتح أفاقاً واسعة لابتكار علاجاً جديداً للسمنة , و التشخيص المبكر لمن لديهم القابلية لاتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة .
لذلك فإن تتبع هذه الظاهرة في أفراد عائلة معينة ليس من الأمر السهل, فتوارث السمنة ليس واضحا كتوارث بعض الأمراض الوراثية الأخرى فأسبابه متعددة و معقدة , فلا يمكن أن نسمي سببا واضحاً لزيادة الوزن , ولكن نقول أن في مثل بيئتنا الدافعة نحو السمنة , فإن التركيب الجيني و العوامل الوراثية للفرد تعبر عن ذاتها تعبيراً واضحاً .

لماذا يفشل بعض الناس في التقليل من أوزانهم رغم إخضاعهم لبرامج غذائية منخفضة السعرات الحرارية؟

لقد أجريت دراسة على 49 شخص ممن يعانون زيادة الوزن, و بعد تتبع 28 منهم ممن أخضعوا لنظام غذائي للتخفيض من أوزانهم, لوحظ أن 21 منهم نجحوا بينما 3 لم يفقدوا أي شيء و 3 زادت أوزانهم. أي أن 25% باءت محاولاتهم بالفشل.

تم إجراء فحص جيني لهؤلاء الستة لجين MTHF و هو الجين المسئول عن تصنيع أنزيم مهم في مراحل استفادة الجسم من حمض الفوليك , و لوحظ أن هؤلاء الأشخاص لديهم طفرة في هذا الجين. و هذا يعني أن أجسامهم لا تحصل على ما يكفيها من حمض الفوليك من الأنظمة الغذائية المتبعة نظراً لوجود هذه الطفرة. و تكمن أهمية حمض الفوليك في عملية فقد الوزن, أن له دور أساسي في عملية حرق الدهون, و نقصه يعيق هذه العملية.

تم إعطاء هؤلاء الأشخاص الستة 400 ميكرو جرام من حمض الفوليك يومياً إلى جانب نظام الحمية المتبع و لوحظ أنهم فقدوا من 200 إلى 1600 كالوري في اليوم الواحد.

لذلك فإن تحديد نظام غذائي شخصي لمن يريد فقد الوزن حسب احتياجات جسمه و تكوينه مهم جدا لنجاح هذه العملية.



منقول....