زائر
تتحدث الاحصاءات العالمية عن اجراء عملية بتر كل 30 ثانية في مكان ما من العالم، 40 – 70% منها ناتجة عن مضاعفات مرض السكري، كما ان 6 – 8 من كل 1000 مريض مصاب بالسكري قد يفقد طرفه السفلي نتيجة اهماله العناية بقدمه.
مدة المرض
د. حسن بن علي الزهراني الأستاذ بجامعة الملك عبد العزيز واستشاري جراحة الأوعية الدموية بكلية الطب والرئيس المنتخب لفرع جمعية جراحي الأوعية الدموية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أوضح أن هناك علاقة طردية بين حدوث المضاعفات لمريض السكري بما فيها بتر الأطراف، وبين المدة التي عاشها المريض مع السكري، فكلما زاد عدد سنين الاصابة بمرض السكري، زادت نسبة حدوث مضاعفات المرض عنده، خاصة اذا كان من قليلي الحرص على متابعة مستويات السكر في دمه.
كما ان هناك علاقة طردية واضحة مع تصلب الشرايين التاجية والطرفية، حيث تبلغ نسبة حدوث تصلب الشرايين اكثر من 45% في المرضى المصابين بمرض السكري لمدة تربو على العشرين عاما.
اما بالنسبة لقرح القدم السكرية فإن نسبة الاصابة بها تزيد ستة اضعاف في المرضى المصابين بمرض السكري مدة عشرين سنة أو اكثر، مقارنة بأولئك الذين لم يكملوا العشر سنوات، كما ان نسب احتمال تكرار الاصابة بقرح القدم السكرية تصل الى 60% من هؤلاء المرضى.
ومن هنا تأتي اهمية ضبط مستوى السكر في الدم فور التشخيص.
وكان أ. د. حسن الزهراني وزملاؤه قد اجروا عام 1990 دراسة سعودية عن أنماط البتر بهدف التعرف على أسباب البتر في المرضى السعوديين في مدينة جدة، ونشرت في المجلة الآسيوية للجراحة، وما زالت نتائجها تعتبر مرجعا لبرامج الوقاية والمكافحة. وقد تمت مراجعة ملفات المرضى الذين بترت اطرافهم بأحد المستشفيات على مدى خمس سنوات مضت، ووجد ان نصف المرضى كانوا يعانون من قرح سكرية في اقدامهم اهمل علاجها حتى انتهت بالبتر. وان 10.5% تعرضوا لتكرار البتر مرة بعد مرة، وأن نسبة البتر من فوق الركبة كانت مرتفعة (31.5%) من مجموع المرضى. كما ان نسبة الوفاة كانت (5.7%) حيث توفي العديد من المرضى بعد البتر نتيجة الازمات القلبية في كثير من الحالات.
كما وجد أن 32% فقط تم تحويلهم لتلقي علاج تأهيلي، اما البقية فقد صاروا مقعدين أو شبه مقعدين. كما ان نسبة كبيرة لم يكملوا العلاج الطبيعي، وبالتالي لم يعودوا للمشي او لممارسة حياتهم العادية.
دراسات حديثة
تؤيد معظم الدراسات الحديثة ان مريض السكري، معرض لبتر القدم بمعدل 15 مرة اكثر من الشخص العادي غير المصاب وان أكثر من نصف حالات البتر ناتجة عن مضاعفات السكري باستثناء الحالات الناتجة عن الحوادث، وأن 80% منها تبدأ بقرحة أو جرح في القدم.
وعن نسبة بتر الأطراف السفلى بسبب مرض السكري تشير دراسة حديثة، أجريت في المركز الطبي العسكري في ماديجان بواشنطن Madigan Amy Media ente (MAM. تم فيها وصف وتقييم حالات بتر الاطراف في الفترة بين 1999 و 2003، الى أن بتر القدم والكاحل والاصابع تشكل 71% من البتر عند مرضى السكري، وأن هناك انخفاضا بنسبة 82 في المئة من 33 حالة في 1999 الى 9 حالات بتر في 2003. ويعزى ذلك الى برامج الرعاية متعددة التخصصات للعناية بأقدام مرضى السكري.
هل مريض السكري أكثر عرضة للبتر من غيره؟ ولماذا؟
أجاب أ. د. حسن الزهراني: نعم، فاحتمال تعرض مريض السكري لبتر أطرافه قد تصل الى 40 ضعفا بالمقارنة مع غير المصابين بالسكر، كما أظهرت الاحصاءات المسجلة في الولايات المتحدة أن 6 من كل 1000 مصاب بقرحة القدم السكرية يفقد طرفه السفلي سنويا. بل ان الدراسات اظهرت انه وحتى بعد أن يتم بتر الطرف المصاب فإن احتمال حصول بتر آخر لا تزال قائمة ـ ان أهمل المريض طبعا ـ حيث تتراوح هذه النسبة بين 10 ـ 15% في السنة الأولى بعد البتر لتصل الى 28 ـ 51% بعد خمس سنين من عملية البتر الأولى.
إلا ان هذا وذاك لا يبرر التسرع الملموس لدى القلة من الجراحين لبتر الطرف دون دراسة مستوفية لحالة المريض الصحية، فإن كان البتر في وقت ما هو الحل الذي يتبادر الى ذهن العديد من الجراحين في زمن مضى، فإن هذا الخيار الجراحي قد تغير مع تقدم وسائل التشخيص وطرق العلاج في عصرنا الحديث.
ويؤكد أ. د. الزهراني أن هناك حالات لا يمكن التعامل معها الا بالبتر حفاظا على حياة المريض، ويدخل هذا في باب أخف الضررين، ولا مجال لبسطها هنا لأنها لا تهم الا أصحاب الحرفة من الجراحين ومن أهم هذه المبررات: حدوث تسمم في دم المصاب Septiemia يهدد حياة المريض أو أعضاءه الحيوية، تسوس العظام عند وصول الجرثومة اليها، عدم وجود امكانية لتوصيل الدم الى الطرف نظرا لانسداد الشرايين الطرفية، حدوث غرغرينا متعفنة في الطرف قد تكون مصدرا للجراثيم، مما يشكل خطرا على أسرة المريض أو الفريق الطبي المعالج له أو المرضى الآخرين المحيطين به.
عواقب البتر
يشير أ. د. الزهراني الى دراسات عدة أجريت في الولايات المتحدة، أظهرت أن ثلثي المصابين بمرض السكري يعانون مشاكل في أقدامهم، تتراوح بين مسمار القدم وخشونة الجلد أو الاظافر، وأن واحداً من كل ستة مرضى بالسكري سيعاني من قرحة قدم سكرية في وقت ما من عمره، وأن 20% من جميع المصابين بمرض السكري يحتاجون الى التنويم بالمستشفى، ويستهلك ذلك حوالي 10% من ميزانيات الصحة في الولايات المتحدة.
وهذا الأمر يوضح بجلاء الكلفة المالية لعلاج المرض ومضاعفاته بصفة عامة، أما علاج مشاكل القدم السكرية فقد كلف القائمين على الصحة في أميركا أكثر من 4 مليارات دولار عام 1984، وهذا الرقم قد تضاعف أخيرا نتيجة ازدياد نسب الاصابة بمرض السكري.
أما بالنسبة لبلادنا فعلى الرغم من عدم وجود احصاءات دقيقة، الا ان بعض الدراسات التي أجريت في المستشفيات قد لاحظت معاناة 15ـ 20% من مرضى السكري لمشاكل ما يعرف بالقدم السكرية، واجراء العشرات من عمليات البتر يومياً لمرضى السكري في المدن السعودية الكبرى.
ومن هنا يتضح أن اصابة مريض السكري بقرحة أو خراج أمر وارد، بل وشائع ان لم يحافظ المريض على قدميه، ويهتم بعلاج مرضه منذ البداية. ولا تتوقف مشاكل عواقب البتر في بلادنا على المشاكل الصحية فحسب، بل تتعداها الى مشاكل اقتصادية واجتماعية جمة. وحسب الاحصاءات فإن اجمالي تكلفة علاج وتأهيل مريض السكري الذي تعرض لبتر طرفه في أميركا تناهز مبلغا اجماليا قدره 47.000 دولار (176.000 ريال).
واذا اضفنا لهذه الخسائر الاقتصادية المترتبة على الجهة المقدمة للعلاج (الكلفة المباشرة) خسارة المريض من فقده لدخله نتيجة لتلقي العلاج وعودته منه (الخسائر غير المباشرة)، فإننا نتحدث عن خسائر يصعب حصرها على وجه الدقة. أما النواحي الاجتماعية، فمريض السكري في العادة يعاني من ضعف الابصار نتيجة لمضاعفات المرض على شبكية العين مما يجعل من حركته بالطرف الصناعي امرا صعبا، كما يعرضه لاصابة الطرف السليم نتيجة لارتطامه بأثاث المنزل وخلافه دون ان يحس او يشعر بذلك. وغالبا ما ينتهي مريض البتر بعزلة نفسية واجتماعية، مردها الى عدم رغبته في تعريض نفسه لأعين الفضوليين.
لقد لاحظ الباحثون بأن من 49% الى 85% من الحالات التي يتم فيها اجراء البتر كان من الممكن تفاديها لو سارع المريض الى تلقي العلاج الصحيح. أخيرا يوجه أ.د. الزهراني دعوة للمرضى بالمسارعة في تلقي العلاج فور ملاحظتهم لأي مشكلة في اقدامهم، ودعوة الى الأطباء للمحافظة على كل جزء من جسد الانسان وعدم إزالته إلا في وجود الضرورة الملحة والتريث قبل البتر، فهو ليس حلا ـ مستساغا ـ على الاقل، فكما ان آخر الطب الكي فإن آخر الجراحة البتر.
من ايميلي