زيت السمك.. هل يفيد مرضى القلب؟

زائر
أربع تجارب علمية لم تتوصل إلى فائدته للمصابين




احتل زيت السمك على مدى السنين القليلة الماضية واحدا من أعلى مراتب الشهرة بين المكملات الغذائية، إذ اشتهر بأنه من الوسائل السهلة المتوافرة لوقاية القلب، وتخفيف الالتهابات، وتحسين الصحة العقلية، وإطالة الأعمار.

وقد دفعت مثل هذه الادعاءات حول زيت السمك، الأميركيين إلى إنفاق أكثر من مليار دولار سنويا لشراء منتجاته من دون وصفة طبية، كما دفعت شركات إنتاج الغذاء إلى إضافته إلى الحليب، ولبن الزبادي، ورقائق الحبوب، والشوكولاته، والكعك الحلو، والعصائر، ومئات من أنواع الأغذية الأخرى.

* دراسات جديدة

* كما يحدث مع الكثير من المكملات الغذائية، فقد تعرض زيت السمك إلى «يومه الأسود» أيضا. فخلال أسبوعين في نهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2010، أظهرت نتائج أربع من دراسات المراقبة العشوائية - وهي المعيار الذهبي للأبحاث الطبية - أن زيت السمك بهذا الشكل أو ذاك لا يقوم بدور أفضل مما تقوم به العلاجات الوهمية، في درء عودة مشكلات القلب لدى الأشخاص الناجين من النوبات القلبية أو لدى الأشخاص المصابين بالرجفان الأذيني. وفي ما يلي نتائج هذه التجارب الأربع.



* دراسة «أوميغا - 3 للمصابين بالرجفان الأذيني» (3s f atia fibiatin – mega): التي شارك فيها رجال ونساء، يعانون من الرجفان الأذيني (atia fibiatin) من النوع المتكرر (paxysma) - أي الذي يظهر بين حين وآخر - ومن النوع المستمر (pesistent).

وتناول المشاركون يوميا إما 4 ملليغرامات (ملغم) من «لوفازا» (vaza)، وهو شكل موصوف طبيا من «أوميغا - 3»، أو دواء وهميا على مدى 24 أسبوعا.

ولم تكن نتائج «لوفازا» هذا أفضل من نتائج الدواء الوهمي في درء حدوث حوادث جديدة للرجفان الأذيني لدى المعانين من النوع المتكرر منه، بل إن النتائج كانت أسوأ من الدواء الوهمي في درء حدوث الحالة لدى المعانين من النوع المستمر من الرجفان الأذيني (مجلة الجمعية الطبية الأميركية 1 ديسمبر كانون الأول 2010).


* دراسة «S.F.M3 tia»: وقد أجريت على الناجين من النوبات القلبية أو السكتات القلبية الإسكيمية (الانسدادية بسبب جلطة تمنع تدفق الدم)، أو المعانين من الذبحة الصدرية غير المستقرة (الذين يعانون من آلام في الصدر عند الراحة).

وقد تناول المشاركون فيها 600 ملغم من «أوميغا - 3» يوميا لمدة 5 سنوات تقريبا، ولم يكن تأثيرها أفضل من دواء وهمي في خفض النوبات القلبية أو السكتات الدماغية غير المؤدية للموت، أو في خفض عدد الوفيات الناجمة عن أمراض القلب والأوعية الدموية (المجلة الطبية البريطانية، 29 نوفمبر تشرين الثاني 2010).


* دراسة «ألفا - أوميغا» (Apha mega tia): تناول المشاركون فيها المرغرين الذي أضيفت إليه كمية 400 ملغم من «أوميغا - 3» لمدة تزيد على 3 سنوات.

ولم يكن تأثيره أفضل من نفس المرغرين الخالي من مضافات دهون «أوميغا - 3»، في درء وقوع النوبات القلبية، والسكتات الدماغية، أو في انتفاء الحاجة إلى عمليات إزالة تضيق الشرايين، أو جراحة وضع مجاز بديل للشرايين المسدودة في القلب، أو الوفاة بسبب أمراض القلب (نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسين 18 نوفمبر 2010).


* «تجربة «أوميغا» (MEGA tia): أظهرت أن تناول المشاركين من الذين سبق لهم أن تعرضوا لنوبات قلبية 1000 ملغم من دهون «أوميغا - 3» الصافية يوميا على مدى سنة كاملة لم يكن أفضل في نتائجه من زيت الزيتون في درء السكتة القلبية المفاجئة، والوفاة، والنوبة القلبية، والسكتة الدماغية، أو درء إجراء عملية فتح مجاز بديل للشرايين المسدودة في القلب، أو عملية لإزالة تضيّق الشرايين («سيركوليشن» 23 نوفمبر 2010).


فوائد متفاوتة بدأ الاهتمام بالخصائص الصحية للأسماك الدهنية وزيت السمك في أربعينات القرن الماضي، على يد الباحث البريطاني هيو سينكلير الاختصاصي في الفسلجة، بعد أن قدم افتراضات بأنها قد ساعدت أقوام الاسكيمو على البقاء بصحة جيدة رغم تناولهم لغذاء غني بالدهون.

وقد أظهرت بعض الدراسات البعيدة المدى مثل «دراسة صحة الممرضات» أن الأشخاص الذين يتناولون حصة واحدة أو أكثر من السمك في الأسبوع تقل لديهم على الأكثر حالات النوبة القلبية أو الاضطراب في إيقاع القلب أو حالات الوفاة بسبب السكتة القلبية المفاجئة.

وقد أشار عدد من التجارب العشوائية في تسعينات القرن الماضي إلى أن تعزيز النظام الغذائي بالسمك أو زيت السمك يدعم هذا الاتجاه الصحي.

والآن.. لماذا تقدم هذه التجارب الجديدة المذكورة نتائج مغايرة؟ لقد نفذت التجارب السابقة قبل انتشار الأدوية التي يشيع استخدامها اليوم لوقاية القلب، مثل أدوية الستاتين (statins) وأدوية مثبطات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين (AE inhibits)، والأسبرين، وحاصرات بيتا (beta bkes).

ومن دون تناول هذه الأدوية فلربما كان يمكن للسمك فعل فعله وتوفير الفائدة. إلا أن توظيف العلاجات المتطورة في التجارب الأربع الجديدة المذكورة ربما أدى إلى «إغراق» أي فائدة محتملة قدمها السمك (لأن دوره كان طفيفا مقارنة بفوائد الأدوية)! كما أنه من المحتمل بطبيعة الحال أن تلك التجارب الجديدة لم تكن كبيرة بما يكفي، أو لم تكن طويلة بما يكفي لإظهار فوائد زيت السمك. وإن كان ذلك صحيحا فإن فائدة زيت السمك هي قليلة بالفعل.

لكن هذه النتائج لا تعني أن زيت السمك غير مفيد. إذ إن بمقدوره مكافحة أمراض القلب إن تم تناوله مبكرا، قبل أن يؤدي تراكم الكولسترول أو ضغط الدم المرتفع إلى إلحاق الضرر بالشرايين التاجية.

كما أن بمقدوره مكافحة أنواع أخرى من أمراض القلب والأوعية الدموية أو مشكلات أخرى مثل الكآبة. وهو مفيد لعلاج حالات ارتفاع مستوى الدهون الثلاثية. ولكن إن كنت مصابا بأمراض القلب فإن تناول زيت السمك لا يبدو مفيدا.

أهمية تناول السمك يتوجه البحث الطبي عادة نحو تطبيق ما يطلق عليه فلاسفة العلوم «نظرية التصغير» (edtinism) - فكرة فهم الكل عن طريق فهم أجزائه مثل إمكانية فهم العالم أو الطبيعة بواسطة دراسة الأجزاء الأصغر منهما، ثم وبعد إضافة الأجزاء إلى بعضها يمكن فهم الكل. وهكذا، وبالنسبة لفهم طبيعة مجال معقد (مثل التغذية والصحة) فإنه يجب تصغير ذلك المجال إلى إطار تتم فيه دراسة التفاعل المتبادل بين العناصر التي يتكون منها.

وقد أدت نتائج الدراسات السابقة التي أفادت بأن تناول كميات أكثر من الفواكه والخضراوات أمر جيد للصحة، إلى التركيز على عناصر تلك الأغذية مثل الألياف، الفيتامينات، ومضادات الأكسدة. ولم يقدم أي من تلك الأبحاث نتائج عن فوائد الغذاء كله. وهكذا.. فإن هذه القصة نفسها كما يبدو تتكرر بالنسبة للسمك وزيت السمك.

وإن كنت تعاني من أمراض القلب فإن تناول زيت السمك لا يبدو أنه يعوض عن تناول السمك كما يقول الدكتور روبرت إيكيل، الرئيس الأسبق لجمعية القلب الأميركية والعضو السابق في لجنة التغذية. فالفائدة قد تكون في زيت السمك الموجود في حالته الطبيعية (أي في السمك)، أو شيء ما في السمك، أو في حقيقة أن تناول السمك يعني التقليل من تناول اللحوم الحمراء.

والآن.. ما العمل إن كنت لا تحب تناول السمك؟ هنا عليك أن تذهب إلى الطبيب لكي يصف لك أفضل علاج طبي لحالتك، فذلك أهم من تناول زيت السمك.

وأخيرا ماذا عن توصية جمعية القلب الأميركية للأشخاص المصابين بأمراض الشرايين التاجية بضرورة تناول غرام واحد على الأقل من أحماض «أوميغا - 3» الدهنية يوميا؟ يقول إيكيل «إنني أعتقد أنه يجب إعادة النظر في هذه الإرشادات».