زائر
طبيب... ولكن
كان الجو ماطراً في تلك الليلة المظلمة الساكنة التي لم يعكر هدوءها إلا أصواتنا نتسامر أمام المدفأة أنا وأسرتي، بينما كانت قطرات المطر تطرق النوافذ بلطف، وفجأة انطلق صراخ من بعيد قطع سكون الليل، ثم تلاه ضجيج في البناء، خرجت فزعاً من شقتي لأجد جيراننا مسرعين نحو شقة أبي أحمد، لم ندري ما الخبر ولكن انطلقنا نحو مصدر الصوت، وإذا بأم أحمد تستجير بينما زوجها أبو أحمد ملقى على السرير دون حراك، كانت عيناه محدقتان لا تتحركان، وأصوات الموت تحوم في المكان.
لم ندر ما نصنع، وفجأة سمعت صوتاً من الخلف ينادي: افسحوا المجال لابن جيراننا فهو طالب في كلية الطب ويدري ما يفعل. راح الناس يدفعونني نحو الأمام باتجاه جارنا الذي لا أنفك أذكر سحنته الشاحبة وجموده المخيف. شرعت ففحصت نفسه الذي كان ضعيفاً ونبضه الذي كان شبه غائب، ثم وقفت بجانبه كباقي الجيران انتظر سيارة الإسعاف، لم استطع صنع شيءnfsed1; .
قال لي أحدهم هيا يا دكتور، اصنع شيئاً، ألم تدرسوا كيف تسعفون المريض، هيا أنقذ حياته فهي الآن بين يديك. وقفت مذهولاً مشلولاً، وتذكرت في تلك اللحظة كم من الكتب درست، وكم من الفحوص اجتزت، ولكنها لن تنفعني الآن، فلقد قرأت كثيراً ولكنني لم أجرب شيئاً منها في حياتي، أدركت عندها أنني طبيب مع وقف التنفيذedfae1; .
وصل الإسعاف وأسرعوا بأبي أحمد المسكين إلى المشفى، وأدخل غرفةالإسعاف، وهناك أغلقت دوننا الأبواب، وبدأ الأطباء المختصون محاولاتهم للإنقاذه، فصدمة كهربائية من هنا وجهاز تنفس من هناك بينما أهل أبي أحمد يتدافعون أمام باب الغرفة المغلق. وبعد دقائق خرج الطبيب منالغرفة وانفجر المكان بالبكاءeyes1; ، إنه جارنا أبو أحمد... لقد تـوفـــي.
أصبت بالذهول الشديد، ولم أدر على من ألقي اللوم، وازداد شعوري بالمسؤولية عندما علمت أن سبب وفاته كانت إصابته باحتشاء في القلب، وأن فرص نجاته كانت لتزداد لو أنه حظي بإسعاف جيد منذ اللحظات الأولى.
فإلى متى نبقى نعيش بين السطور بعيداً عن ممارسة ما نقرأ؟
وإلى متى نبقى محبوسين بين دفات الكتب لا نخرج منها أبداً؟
ما أظن أننا ندرس لنصبح منظرين، ولكن لننقذ حياة أشخاص مساكين كجارنا أبي أحمد
منقول عن مجلة الشفاء الصادرة عن كلية الطب-جامعة دمشق
كان الجو ماطراً في تلك الليلة المظلمة الساكنة التي لم يعكر هدوءها إلا أصواتنا نتسامر أمام المدفأة أنا وأسرتي، بينما كانت قطرات المطر تطرق النوافذ بلطف، وفجأة انطلق صراخ من بعيد قطع سكون الليل، ثم تلاه ضجيج في البناء، خرجت فزعاً من شقتي لأجد جيراننا مسرعين نحو شقة أبي أحمد، لم ندري ما الخبر ولكن انطلقنا نحو مصدر الصوت، وإذا بأم أحمد تستجير بينما زوجها أبو أحمد ملقى على السرير دون حراك، كانت عيناه محدقتان لا تتحركان، وأصوات الموت تحوم في المكان.
لم ندر ما نصنع، وفجأة سمعت صوتاً من الخلف ينادي: افسحوا المجال لابن جيراننا فهو طالب في كلية الطب ويدري ما يفعل. راح الناس يدفعونني نحو الأمام باتجاه جارنا الذي لا أنفك أذكر سحنته الشاحبة وجموده المخيف. شرعت ففحصت نفسه الذي كان ضعيفاً ونبضه الذي كان شبه غائب، ثم وقفت بجانبه كباقي الجيران انتظر سيارة الإسعاف، لم استطع صنع شيءnfsed1; .
قال لي أحدهم هيا يا دكتور، اصنع شيئاً، ألم تدرسوا كيف تسعفون المريض، هيا أنقذ حياته فهي الآن بين يديك. وقفت مذهولاً مشلولاً، وتذكرت في تلك اللحظة كم من الكتب درست، وكم من الفحوص اجتزت، ولكنها لن تنفعني الآن، فلقد قرأت كثيراً ولكنني لم أجرب شيئاً منها في حياتي، أدركت عندها أنني طبيب مع وقف التنفيذedfae1; .
وصل الإسعاف وأسرعوا بأبي أحمد المسكين إلى المشفى، وأدخل غرفةالإسعاف، وهناك أغلقت دوننا الأبواب، وبدأ الأطباء المختصون محاولاتهم للإنقاذه، فصدمة كهربائية من هنا وجهاز تنفس من هناك بينما أهل أبي أحمد يتدافعون أمام باب الغرفة المغلق. وبعد دقائق خرج الطبيب منالغرفة وانفجر المكان بالبكاءeyes1; ، إنه جارنا أبو أحمد... لقد تـوفـــي.
أصبت بالذهول الشديد، ولم أدر على من ألقي اللوم، وازداد شعوري بالمسؤولية عندما علمت أن سبب وفاته كانت إصابته باحتشاء في القلب، وأن فرص نجاته كانت لتزداد لو أنه حظي بإسعاف جيد منذ اللحظات الأولى.
فإلى متى نبقى نعيش بين السطور بعيداً عن ممارسة ما نقرأ؟
وإلى متى نبقى محبوسين بين دفات الكتب لا نخرج منها أبداً؟
ما أظن أننا ندرس لنصبح منظرين، ولكن لننقذ حياة أشخاص مساكين كجارنا أبي أحمد
منقول عن مجلة الشفاء الصادرة عن كلية الطب-جامعة دمشق