زائر
عقار جديد لمعالجة التهاب الكبد الفيروسي من نوع بي.. ولكن
تايزيكا والآمال المعقودة
الرياض: د. حسن محمد صندقجي
بعد طول انتظار من قبل ملايين المرضى في أنحاء شتى من العالم لوجود علاج يُفيد في تخفيف حدة حالات التهابات الكبد بفيروس «بي» أو «في» القضاء على الفيروسات تلك، أقرت إدارة الغذاء والدواء الأميركية في الخامس والعشرين من أكتوبر (تشرين الاول) الماضي استخدام عقار جديد بكل المعايير في معالجة المصابين بالتهاب الكبد المزمن نتيجة لفيروس «بي». ويحتوي العقار الجديد على تركيبة جزئية حديثة لم يسبق الإذن باستخدامها من قبل في معالجة مرضى التهاب الكبد المزمن بفيروس من نوع «بي» في الولايات المتحدة. إلا أن الآمال المعقودة والتوقعات المتفائلة بجدواه لا تزال تعيقها بعض الآثار الجانبية للعقار الجديد وأيضاً بعض الغموض الذي يُحيط بالفائدة منه على المدى البعيد.
وتمثل الإصابة بفيروس التهاب الكبد من نوع «بي» أحد أهم أسباب التهابات الكبد، سواء منها الفيروسية أو غير الفيروسية، ومنتشرة حالاته على نطاق واسع في العالم. وتعد تداعيات الإصابة مثل حصول تليف أو تشمع في الكبد، وفشل الكبد، وسرطان الكبد، السبب الرئيس لارتفاع الوفيات بين المصابين أولئك.
* تازيكا عقار جديد
* وكانت إدارة الغذاء والدواء الأميركية قد أعطت موافقتها، بعد المراجعات والمداولات في لجانها العلمية الاستشارية، لنوعية جديدة من عقارات معالجة التهابات الكبد الفيروسية من نوع «بي» والعقار الجديد أعطته الإدارة اسم «تازيكا» ويحتوي على مركب «تلبيفيودين» وسيستخدم في معالجة البالغين من المرضى أولئك.
وأكدت الإدارة في حيثيات قرارها أن التهاب الكبد بفيروس «بي» هو حالة خطيرة، على حد قولها، وتُؤدي إلى إصابة الكبد بالعملية الالتهابية التي ينجم عنها استيطان الفيروس مدى حياة الإنسان لعضو الكبد وغيره من الأعضاء في جسمه، وحصول تليفات وندبات التهابية، ومن ثم قد تتطور الاضطرابات في خلايا الكبد نحو حصول تغيرات في تراكيب الحمض النووي فيها، ما يُؤدي بدوره إلى ظهور سرطان الكبد، أو إنهاك الكبد وأنسجته بفعل الالتهابات تلك إلى حد إصابة الكبد بالإعياء ومن ثم الفشل التام عن أداء وظائفه، وهي تداعيات بمجملها قد تُؤدي إلى الوفيات بنسب عالية في محيط المرضى المصابين.
وتازيكا هو عقار مكون من تركيبة جزئية جديدة لم تتم الموافقة عليها أو استخدامها من قبل في أي معالجة للأمراض بالولايات المتحدة. وتشير نشرات الإدارة إلى أنه تمت دراسة العقار واختبار تأثيراته على المرضى طوال عام ضمن دراسة عالمية شملت أكثر من 1360 شخصا ممن يُعانون بشكل مزمن من الالتهاب الفيروسي لنوع «بي» في الولايات المتحدة وخارجها. وشملت الدراسة تلك مرضى تجاوزوا سن 16 سنة، وكان أكثر من 75% منهم ذكوراً. وأظهر تحليل نتائج الدراسة أن العقار أعطى فاعلية في مقاومة ومحاربة الفيروسات من نوع «بي»، وتحديداً خمد نشاطه المتزايد. كما أظهرت أن ثمة علامات واضحة على تخفيف حدة عمليات الالتهابات داخل أنسجة الكبد بدرجة تفوق بمراحل تلك التي يُحققها العقار القديم من نوع «إبيفايرس» أو باسمه العلمي «لاميفيودين»، الذي هو واحد من خمسة عقارات سابقة تمت الموافقة عليها في السابق لمعالجة التهابات الكبد بفيروس «بي» المزمنة لكن دون جدوى عالية وفاعلة في التخلص من الفيروسات تلك.
* تفاعلات علاجية
* وأظهرت الدراسات حول عقار تازيكا أن المرضى يتفاعلون بشكل إيجابي مع عملية تناوله، بمعنى أن أجسامهم تتقبل تلك المعالجة ولا تُبدي نفوراً واضحاً منه، وغالبُ ما تم تسجيله من آثار جانبية كان من درجات بسيطة أو متوسطة. وأكثر ما تم رصده من تلك الآثار الجانبية كان ارتفاع أحد الأنزيمات الموجودة في العضلات، والتي يُنظر إلى ارتفاع ذلك الأنزيم من نوع «سي بي كي» على أنه مُؤشر حصول تهتكات داخلية في أنسجة العضلات. وهو ما يُذكر أيضاً كأحد الآثار الجانبية لتناول عقارات خفض نسبة الكولسترول من نوع ستاتين مثل ليبتور وزوكور وغيرهما. بالإضافة إلى هذا الأثر الجانبي، فإن ثمة إشارات متفرقة لحصول التهابات في الجهاز التنفسي العلوي والشعور بالإعياء والصداع وآلام مختلفة في البطن لدى قلة من متناولي هذا العقار أثناء فترة العلاج به.
والجدير بالذكر أن الباحثين لاحظوا أن الإصابة بالضعف والألم في العضلات، وإن استمر ذلك طوال فترة المعالجة بتناول العقار، إلا أن الأعراض تلك تزول سريعاً بعد انتهاء فترة تناوله. ولذا يُؤكد الخبراء أن المرضى لا يجب عليهم إيقاف تناول العلاج بمجرد الشعور بالأعراض الجانبية، بل يجب وقف تناول العقار تحت إشراف طبي. والسبب هو أن الحالة، كما يحصل في العلاجات الأخرى السابقة لالتهابات فيروس «بي»، قد تسوء أكثر وينشط الفيروس بشكل أعنف ومفاجئ عند التوقف عن تناوله. ما يُوجب أن يتم الوقف تحت إشراف طبي، وأن يستمر الإشراف والمتابعة لفترة عدة أشهر.
* استدراكات علمية
* ويقول الدكتور ستيفن غالسون، مدير مركز أبحاث تقويم الأدوية في إدارة الغذاء والدواء الأميركية، في كل عام تحصل أكثر من 70 ألف إصابة جديدة بالتهاب الكبد الوبائي المزمن من نوع «بي»، كما يتوفى اكثر من 5 آلاف شخص نتيجة ذلك المرض الفيروسي وتداعياته على الكبد والجسم. وعقار تازيكا يُمثل فرصة جديدة وخياراً آخر للأطباء في معالجة مرضاهم بذلك المرض.
ويُصاب الإنسان بالعدوى الفيروسية حينما ينجح الفيروس في دخول جسم الإنسان السليم، إما عبر الاتصال الجنسي أو عبر دخوله المباشر إلى الدم. والوصول إلى الدم يحصل عند نقل الدم الملوث، أو استخدام الإبر الملوثة بالفيروسات أو غير ذلك. لكن ما لاحظه الباحثون هو أن تايزيكا في الواقع لا يُمثل عقاراً يشفي من الإصابة الفيروسية، بمعنى أنه لا يُنظف الجسم تماماً من وجود أي فيروس من نوع «بي»، كما أنه لا يُقلل من احتمالات الإصابة بالعدوى الفيروسية عند الاتصال الجنسي بالمريض أو استخدام دمه أو الإبر الملوثة بدمه. بمعنى أنه لا يُقلل من خطورة قدرات عدوى الغير لدى مستخدم العلاج. وأضافوا بأنه أيضاً من غير المعروف تماماً محصلة تأثيرات استخدامه على المدى الطويل.
* أهمية اللقاح
* هذا العقار، ذو الأمل الأمد الواعد برغم التحفظات، في الحقيقة إضافة إلى محاولات العلماء إيجاد علاج دوائي للقضاء على الفيروسات من نوع «بي» داخل الكبد وكامل الجسم، إلا أنه في نفس الوقت يطرح مجدداً أهمية أخذ لقاح فيروس «بي» المتوفر والفعال جداً في منع الإصابة بالفيروس من نوع «بي».
وتنصح الهيئات الطبية العالمية بأخذ اللقاح من قبل كل الأطفال المولودين حديثاً، ضمن برامج اللقاح، وكذلك كل من هم دون سن 18 سنة ممن لم يتم تلقيحهم. وكل من هم فوق هذا السن واحتمالات تعرضهم للفيروس كالعاملين في المجال الصحي وغيرهم.
ويتكون اللقاح من ثلاث جرعات تُعطى عميقاً في عضلة العضد. فتُعطى الجرعة الأولى بعد التأكد من سلامة الإنسان من الإصابة بفيروس «بي»، أي بعد تحليل الدم للفيروس لغير الأطفال حديثي الولادة، ثم بعد شهر تُعطى الجرعة الثانية، ثم بعد ستة أشهر من الجرعة الأولى تُعطى الجرعة الثالثة.
* التهابات الكبد الفيروسية .. أنواع متعددة
* تتسبب مجموعة من الفيروسات في ظهور حالات من التهابات في الكبد، وأشهرها الأنواع الخمسة، ومنها ما يحصل بشكل منفرد، ومنها ما يحصل مع البعض الآخر منها، وقد يُصاب الإنسان الواحد بجميعها. وتتبع تسميتها الحروف الأبجدية باللغة الانجليزية، «إيه»، «بي» ، «سي» ، «دي» ، «إي» وثمة من يُضيف جي، وإف.
* فيروس «إيه»
* ينتقل عبر الأطعمة والمشروبات الملوثة بفيروسات خارجة من مريض مع برازه، ومن النادر حصول العدوى عبر الدم الملوث أو ممارسة الجنس. وأكثر الإصابات تحصل إما بشكل وبائي محلي في مجتمعات متقاربة كالمدارس أو المعسكرات أو المخيمات أو المساكن المتقاربة. ولكن العديد من الحالات تحصل أثناء السفر إلى المناطق الموبوءة. ولذا فإن الوقاية تتطلب أخذ لقاح مخصوص ضدها والحرص على نظافة المأكل والمشرب إضافة إلى عناصر النظافة الشخصية الأخرى. ولا يتسبب هذا النوع بالتهابات مزمنة في الكبد، بل الغالب أن الفيروس إما يُصيب الكبد بشكل خفيف جداً أو شديد جداً، ثم يُكون الجسم أجساما مضادة تقضي على الفيروس في الغالب خلال أسابيع معدودة.
* فيروس «بي»
* وتنتشر الإصابة عبر الدم الملوث بالفيروس أو الاتصال الجنسي، أو من الأم الحامل إلى وليدها أثناء عملية الولادة نفسها. وثمة لقاح لمنع الإصابة به فعال بدرجة عالية.
* فيروس «سي»
* وتنتشر الإصابة به عبر الدم الملوث، لكن الانتقال يحصل بدرجة أقل بكثير عبر الاتصال الجنسي أو من الأم لوليدها أثناء عملية الولادة مقارنة بفيروس «بي». ولا يُوجد لقاح خاص بهذا النوع من الفيروسات، ولذا تقتصر الوقاية على منع التعرض للفيروس ومسببات العدوى به. وتُستخدم عدة وسائل دوائية لمعالجة الإصابة به أن أثبتت فاعلية متوسطة القوة في الشفاء منه، مثل إبر إنترفيرون وبعض الأدوية من نوع المضادات الفيروسية (وليس المضادات الحيوية الموجهة ضد أنواع البكتيريا).
* فيروس «دي»
* وينتشر عبر الدم الملوث إلى الأشخاص المصابين بفيروس بي فقط، بمعنى أن السليمين من فيروس «بي» لا يضرهم التعرض لهذا الفيروس. والسبب أن هذا الفيروس صغير الحجم ولا يعيش إلا داخل فيروس «بي». ولذا فإن من يأخذون لقاح فيروس «بي» يحمون أنفسهم من فيروس «بي» ومن فيروس «دي».
* فيروس «إي»
* وهو فيروس ينتقل بطريقة مشابهة لفيروس «إيه»، ولا يُوجد له لقاح، وتتمثل الوقاية منه بالمحافظة على النظافة الشخصية وعناصرها، كما أنه لا يتسبب بحالات مزمنة من التهابات الكبد.
* التهاب الكبد .. علامات لتفاعلات مناعية داخل الأنسجة
* يتعرض كبد الإنسان لحالات من الالتهابات، التي تتسبب فيها عوامل عدة. وهناك تقسيم للأطباء حيال حالات إصابة الكبد بحالات التهابات، حيث تُسمى الفترة الأولى بعد دخول الفيروس مباشرة إلى الجسم وتجمع أعداده في الكبد بالالتهاب الحاد. ثم إذا استمرت أكثر من ستة أشهر الالتهابات وتفاعلاتها في الكبد فإن الحالة تُدعى بالالتهاب المزمن. وتتشابه علامات الإصابة بالالتهابات الكبدية بغض النظر عن العامل المسبب لإثارتها. وتشمل علامات حصول الالتهاب الحاد في الكبد ظهور حالة اليرقان، أو الصفار، في الجلد وفي بياض العين نتيجة لارتفاع نسبة مادة بيلوربين في الدم. والشعور العام بالإعياء وألم في البطن، خاصة في الجزء العلوي الأيمن من البطن. إضافة إلى الغثيان والقيء والإسهال مع ارتفاع طفيف في درجة حرارة الجسم والصداع. ومع هذا فإن بعض حالات العدوى بالفيروسات المسببة لالتهاب الكبد قد لا تظهر فيها التهابات حادة بالأعراض المتقدمة تلك.
والواقع أن كلمة التهاب تعني أن تفاعلاً أو معركة تجري رحاها بين جهاز مناعة الجسم والجسم الغريب أو غير الغريب. وعلى حسب العضو ودرجة الإثارة لمجريات التفاعل أو أحداث المعركة تلك تكون الأعراض البادية على المريض. فالتهاب اللوزتين غير التهاب الرئة، غير التهاب الكبد، غير التهاب البول...
وفي الكبد عندما تصل الفيروسات إليه، فإنها تلجأ إلى الاختباء داخل الخلايا الكبدية نفسها، كي تتغذى على ما فيها، وأيضاً كي تستخدم أجزاء من نواة خلايا الكبد في تسهيل تكاثر وتناسل الفيروسات نفسها.
وما يحصل من عملية التهابية آنذاك في الكبد، هو أن خلايا جهاز مناعة الجسم من الخلايا البيضاء للدم بأنواعها المختلفة تقوم بمهاجمة الفيروسات، وهو ما لا يتم لها دون أن تخترق خلايا الكبد نفسه وتدمرها كي تصل إلى ما هو مختبئ فيها. أي أن الفيروسات تستخدم خلايا الكبد كدروع من خلايا الجسم نفسه لحمايتها من عناصر جهاز المناعة. والواقع أن لا حيلة أمام جهاز مناعة الجسم سوى دخول الخلايا الكبدية وتدمير الفيروسات التي بداخلها، إن تمكن من ذلك.
ولذا فإن محصلة عمليات التهابات الكبد تدمير أجزاء من خلايا الكبد نفسه، وبالتالي تظهر الأعراض والتداعيات إذا ما طال أمد عمليات التهابات. ويظهر فشل الكبد نتيجة فقد أجزاء واسعة من أنسجة خلايا الكبد العاملة، ويظهر تليف أو تشمع الكبد نتيجة إفراز خلايا المناعة لكميات من المواد الليفية أثناء محاولتها عمل التئام في مناطق الالتهابات، وتظهر الكتل المتورمة من خلايا الكبد حينما تنمو بطريقة عشوائية داخل شبكة الألياف المتكونة حديثاً، وتظهر أيضاً حالات السرطان في خلايا الكبد نتيجة لعوامل عدة منها ما له علاقة بعمليات التهابات ومنها، وهو الأهم، ما له علاقة بما تخربه هذه الفيروسات في تراكيب الحمض النووي لخلايا الكبد.
تايزيكا والآمال المعقودة
الرياض: د. حسن محمد صندقجي
بعد طول انتظار من قبل ملايين المرضى في أنحاء شتى من العالم لوجود علاج يُفيد في تخفيف حدة حالات التهابات الكبد بفيروس «بي» أو «في» القضاء على الفيروسات تلك، أقرت إدارة الغذاء والدواء الأميركية في الخامس والعشرين من أكتوبر (تشرين الاول) الماضي استخدام عقار جديد بكل المعايير في معالجة المصابين بالتهاب الكبد المزمن نتيجة لفيروس «بي». ويحتوي العقار الجديد على تركيبة جزئية حديثة لم يسبق الإذن باستخدامها من قبل في معالجة مرضى التهاب الكبد المزمن بفيروس من نوع «بي» في الولايات المتحدة. إلا أن الآمال المعقودة والتوقعات المتفائلة بجدواه لا تزال تعيقها بعض الآثار الجانبية للعقار الجديد وأيضاً بعض الغموض الذي يُحيط بالفائدة منه على المدى البعيد.
وتمثل الإصابة بفيروس التهاب الكبد من نوع «بي» أحد أهم أسباب التهابات الكبد، سواء منها الفيروسية أو غير الفيروسية، ومنتشرة حالاته على نطاق واسع في العالم. وتعد تداعيات الإصابة مثل حصول تليف أو تشمع في الكبد، وفشل الكبد، وسرطان الكبد، السبب الرئيس لارتفاع الوفيات بين المصابين أولئك.
* تازيكا عقار جديد
* وكانت إدارة الغذاء والدواء الأميركية قد أعطت موافقتها، بعد المراجعات والمداولات في لجانها العلمية الاستشارية، لنوعية جديدة من عقارات معالجة التهابات الكبد الفيروسية من نوع «بي» والعقار الجديد أعطته الإدارة اسم «تازيكا» ويحتوي على مركب «تلبيفيودين» وسيستخدم في معالجة البالغين من المرضى أولئك.
وأكدت الإدارة في حيثيات قرارها أن التهاب الكبد بفيروس «بي» هو حالة خطيرة، على حد قولها، وتُؤدي إلى إصابة الكبد بالعملية الالتهابية التي ينجم عنها استيطان الفيروس مدى حياة الإنسان لعضو الكبد وغيره من الأعضاء في جسمه، وحصول تليفات وندبات التهابية، ومن ثم قد تتطور الاضطرابات في خلايا الكبد نحو حصول تغيرات في تراكيب الحمض النووي فيها، ما يُؤدي بدوره إلى ظهور سرطان الكبد، أو إنهاك الكبد وأنسجته بفعل الالتهابات تلك إلى حد إصابة الكبد بالإعياء ومن ثم الفشل التام عن أداء وظائفه، وهي تداعيات بمجملها قد تُؤدي إلى الوفيات بنسب عالية في محيط المرضى المصابين.
وتازيكا هو عقار مكون من تركيبة جزئية جديدة لم تتم الموافقة عليها أو استخدامها من قبل في أي معالجة للأمراض بالولايات المتحدة. وتشير نشرات الإدارة إلى أنه تمت دراسة العقار واختبار تأثيراته على المرضى طوال عام ضمن دراسة عالمية شملت أكثر من 1360 شخصا ممن يُعانون بشكل مزمن من الالتهاب الفيروسي لنوع «بي» في الولايات المتحدة وخارجها. وشملت الدراسة تلك مرضى تجاوزوا سن 16 سنة، وكان أكثر من 75% منهم ذكوراً. وأظهر تحليل نتائج الدراسة أن العقار أعطى فاعلية في مقاومة ومحاربة الفيروسات من نوع «بي»، وتحديداً خمد نشاطه المتزايد. كما أظهرت أن ثمة علامات واضحة على تخفيف حدة عمليات الالتهابات داخل أنسجة الكبد بدرجة تفوق بمراحل تلك التي يُحققها العقار القديم من نوع «إبيفايرس» أو باسمه العلمي «لاميفيودين»، الذي هو واحد من خمسة عقارات سابقة تمت الموافقة عليها في السابق لمعالجة التهابات الكبد بفيروس «بي» المزمنة لكن دون جدوى عالية وفاعلة في التخلص من الفيروسات تلك.
* تفاعلات علاجية
* وأظهرت الدراسات حول عقار تازيكا أن المرضى يتفاعلون بشكل إيجابي مع عملية تناوله، بمعنى أن أجسامهم تتقبل تلك المعالجة ولا تُبدي نفوراً واضحاً منه، وغالبُ ما تم تسجيله من آثار جانبية كان من درجات بسيطة أو متوسطة. وأكثر ما تم رصده من تلك الآثار الجانبية كان ارتفاع أحد الأنزيمات الموجودة في العضلات، والتي يُنظر إلى ارتفاع ذلك الأنزيم من نوع «سي بي كي» على أنه مُؤشر حصول تهتكات داخلية في أنسجة العضلات. وهو ما يُذكر أيضاً كأحد الآثار الجانبية لتناول عقارات خفض نسبة الكولسترول من نوع ستاتين مثل ليبتور وزوكور وغيرهما. بالإضافة إلى هذا الأثر الجانبي، فإن ثمة إشارات متفرقة لحصول التهابات في الجهاز التنفسي العلوي والشعور بالإعياء والصداع وآلام مختلفة في البطن لدى قلة من متناولي هذا العقار أثناء فترة العلاج به.
والجدير بالذكر أن الباحثين لاحظوا أن الإصابة بالضعف والألم في العضلات، وإن استمر ذلك طوال فترة المعالجة بتناول العقار، إلا أن الأعراض تلك تزول سريعاً بعد انتهاء فترة تناوله. ولذا يُؤكد الخبراء أن المرضى لا يجب عليهم إيقاف تناول العلاج بمجرد الشعور بالأعراض الجانبية، بل يجب وقف تناول العقار تحت إشراف طبي. والسبب هو أن الحالة، كما يحصل في العلاجات الأخرى السابقة لالتهابات فيروس «بي»، قد تسوء أكثر وينشط الفيروس بشكل أعنف ومفاجئ عند التوقف عن تناوله. ما يُوجب أن يتم الوقف تحت إشراف طبي، وأن يستمر الإشراف والمتابعة لفترة عدة أشهر.
* استدراكات علمية
* ويقول الدكتور ستيفن غالسون، مدير مركز أبحاث تقويم الأدوية في إدارة الغذاء والدواء الأميركية، في كل عام تحصل أكثر من 70 ألف إصابة جديدة بالتهاب الكبد الوبائي المزمن من نوع «بي»، كما يتوفى اكثر من 5 آلاف شخص نتيجة ذلك المرض الفيروسي وتداعياته على الكبد والجسم. وعقار تازيكا يُمثل فرصة جديدة وخياراً آخر للأطباء في معالجة مرضاهم بذلك المرض.
ويُصاب الإنسان بالعدوى الفيروسية حينما ينجح الفيروس في دخول جسم الإنسان السليم، إما عبر الاتصال الجنسي أو عبر دخوله المباشر إلى الدم. والوصول إلى الدم يحصل عند نقل الدم الملوث، أو استخدام الإبر الملوثة بالفيروسات أو غير ذلك. لكن ما لاحظه الباحثون هو أن تايزيكا في الواقع لا يُمثل عقاراً يشفي من الإصابة الفيروسية، بمعنى أنه لا يُنظف الجسم تماماً من وجود أي فيروس من نوع «بي»، كما أنه لا يُقلل من احتمالات الإصابة بالعدوى الفيروسية عند الاتصال الجنسي بالمريض أو استخدام دمه أو الإبر الملوثة بدمه. بمعنى أنه لا يُقلل من خطورة قدرات عدوى الغير لدى مستخدم العلاج. وأضافوا بأنه أيضاً من غير المعروف تماماً محصلة تأثيرات استخدامه على المدى الطويل.
* أهمية اللقاح
* هذا العقار، ذو الأمل الأمد الواعد برغم التحفظات، في الحقيقة إضافة إلى محاولات العلماء إيجاد علاج دوائي للقضاء على الفيروسات من نوع «بي» داخل الكبد وكامل الجسم، إلا أنه في نفس الوقت يطرح مجدداً أهمية أخذ لقاح فيروس «بي» المتوفر والفعال جداً في منع الإصابة بالفيروس من نوع «بي».
وتنصح الهيئات الطبية العالمية بأخذ اللقاح من قبل كل الأطفال المولودين حديثاً، ضمن برامج اللقاح، وكذلك كل من هم دون سن 18 سنة ممن لم يتم تلقيحهم. وكل من هم فوق هذا السن واحتمالات تعرضهم للفيروس كالعاملين في المجال الصحي وغيرهم.
ويتكون اللقاح من ثلاث جرعات تُعطى عميقاً في عضلة العضد. فتُعطى الجرعة الأولى بعد التأكد من سلامة الإنسان من الإصابة بفيروس «بي»، أي بعد تحليل الدم للفيروس لغير الأطفال حديثي الولادة، ثم بعد شهر تُعطى الجرعة الثانية، ثم بعد ستة أشهر من الجرعة الأولى تُعطى الجرعة الثالثة.
* التهابات الكبد الفيروسية .. أنواع متعددة
* تتسبب مجموعة من الفيروسات في ظهور حالات من التهابات في الكبد، وأشهرها الأنواع الخمسة، ومنها ما يحصل بشكل منفرد، ومنها ما يحصل مع البعض الآخر منها، وقد يُصاب الإنسان الواحد بجميعها. وتتبع تسميتها الحروف الأبجدية باللغة الانجليزية، «إيه»، «بي» ، «سي» ، «دي» ، «إي» وثمة من يُضيف جي، وإف.
* فيروس «إيه»
* ينتقل عبر الأطعمة والمشروبات الملوثة بفيروسات خارجة من مريض مع برازه، ومن النادر حصول العدوى عبر الدم الملوث أو ممارسة الجنس. وأكثر الإصابات تحصل إما بشكل وبائي محلي في مجتمعات متقاربة كالمدارس أو المعسكرات أو المخيمات أو المساكن المتقاربة. ولكن العديد من الحالات تحصل أثناء السفر إلى المناطق الموبوءة. ولذا فإن الوقاية تتطلب أخذ لقاح مخصوص ضدها والحرص على نظافة المأكل والمشرب إضافة إلى عناصر النظافة الشخصية الأخرى. ولا يتسبب هذا النوع بالتهابات مزمنة في الكبد، بل الغالب أن الفيروس إما يُصيب الكبد بشكل خفيف جداً أو شديد جداً، ثم يُكون الجسم أجساما مضادة تقضي على الفيروس في الغالب خلال أسابيع معدودة.
* فيروس «بي»
* وتنتشر الإصابة عبر الدم الملوث بالفيروس أو الاتصال الجنسي، أو من الأم الحامل إلى وليدها أثناء عملية الولادة نفسها. وثمة لقاح لمنع الإصابة به فعال بدرجة عالية.
* فيروس «سي»
* وتنتشر الإصابة به عبر الدم الملوث، لكن الانتقال يحصل بدرجة أقل بكثير عبر الاتصال الجنسي أو من الأم لوليدها أثناء عملية الولادة مقارنة بفيروس «بي». ولا يُوجد لقاح خاص بهذا النوع من الفيروسات، ولذا تقتصر الوقاية على منع التعرض للفيروس ومسببات العدوى به. وتُستخدم عدة وسائل دوائية لمعالجة الإصابة به أن أثبتت فاعلية متوسطة القوة في الشفاء منه، مثل إبر إنترفيرون وبعض الأدوية من نوع المضادات الفيروسية (وليس المضادات الحيوية الموجهة ضد أنواع البكتيريا).
* فيروس «دي»
* وينتشر عبر الدم الملوث إلى الأشخاص المصابين بفيروس بي فقط، بمعنى أن السليمين من فيروس «بي» لا يضرهم التعرض لهذا الفيروس. والسبب أن هذا الفيروس صغير الحجم ولا يعيش إلا داخل فيروس «بي». ولذا فإن من يأخذون لقاح فيروس «بي» يحمون أنفسهم من فيروس «بي» ومن فيروس «دي».
* فيروس «إي»
* وهو فيروس ينتقل بطريقة مشابهة لفيروس «إيه»، ولا يُوجد له لقاح، وتتمثل الوقاية منه بالمحافظة على النظافة الشخصية وعناصرها، كما أنه لا يتسبب بحالات مزمنة من التهابات الكبد.
* التهاب الكبد .. علامات لتفاعلات مناعية داخل الأنسجة
* يتعرض كبد الإنسان لحالات من الالتهابات، التي تتسبب فيها عوامل عدة. وهناك تقسيم للأطباء حيال حالات إصابة الكبد بحالات التهابات، حيث تُسمى الفترة الأولى بعد دخول الفيروس مباشرة إلى الجسم وتجمع أعداده في الكبد بالالتهاب الحاد. ثم إذا استمرت أكثر من ستة أشهر الالتهابات وتفاعلاتها في الكبد فإن الحالة تُدعى بالالتهاب المزمن. وتتشابه علامات الإصابة بالالتهابات الكبدية بغض النظر عن العامل المسبب لإثارتها. وتشمل علامات حصول الالتهاب الحاد في الكبد ظهور حالة اليرقان، أو الصفار، في الجلد وفي بياض العين نتيجة لارتفاع نسبة مادة بيلوربين في الدم. والشعور العام بالإعياء وألم في البطن، خاصة في الجزء العلوي الأيمن من البطن. إضافة إلى الغثيان والقيء والإسهال مع ارتفاع طفيف في درجة حرارة الجسم والصداع. ومع هذا فإن بعض حالات العدوى بالفيروسات المسببة لالتهاب الكبد قد لا تظهر فيها التهابات حادة بالأعراض المتقدمة تلك.
والواقع أن كلمة التهاب تعني أن تفاعلاً أو معركة تجري رحاها بين جهاز مناعة الجسم والجسم الغريب أو غير الغريب. وعلى حسب العضو ودرجة الإثارة لمجريات التفاعل أو أحداث المعركة تلك تكون الأعراض البادية على المريض. فالتهاب اللوزتين غير التهاب الرئة، غير التهاب الكبد، غير التهاب البول...
وفي الكبد عندما تصل الفيروسات إليه، فإنها تلجأ إلى الاختباء داخل الخلايا الكبدية نفسها، كي تتغذى على ما فيها، وأيضاً كي تستخدم أجزاء من نواة خلايا الكبد في تسهيل تكاثر وتناسل الفيروسات نفسها.
وما يحصل من عملية التهابية آنذاك في الكبد، هو أن خلايا جهاز مناعة الجسم من الخلايا البيضاء للدم بأنواعها المختلفة تقوم بمهاجمة الفيروسات، وهو ما لا يتم لها دون أن تخترق خلايا الكبد نفسه وتدمرها كي تصل إلى ما هو مختبئ فيها. أي أن الفيروسات تستخدم خلايا الكبد كدروع من خلايا الجسم نفسه لحمايتها من عناصر جهاز المناعة. والواقع أن لا حيلة أمام جهاز مناعة الجسم سوى دخول الخلايا الكبدية وتدمير الفيروسات التي بداخلها، إن تمكن من ذلك.
ولذا فإن محصلة عمليات التهابات الكبد تدمير أجزاء من خلايا الكبد نفسه، وبالتالي تظهر الأعراض والتداعيات إذا ما طال أمد عمليات التهابات. ويظهر فشل الكبد نتيجة فقد أجزاء واسعة من أنسجة خلايا الكبد العاملة، ويظهر تليف أو تشمع الكبد نتيجة إفراز خلايا المناعة لكميات من المواد الليفية أثناء محاولتها عمل التئام في مناطق الالتهابات، وتظهر الكتل المتورمة من خلايا الكبد حينما تنمو بطريقة عشوائية داخل شبكة الألياف المتكونة حديثاً، وتظهر أيضاً حالات السرطان في خلايا الكبد نتيجة لعوامل عدة منها ما له علاقة بعمليات التهابات ومنها، وهو الأهم، ما له علاقة بما تخربه هذه الفيروسات في تراكيب الحمض النووي لخلايا الكبد.