كيف نغذي الاطفال أثناء فترة الإسهال الحاد

زائر

عبدالرحمن الحسيني استشاري أمراض الجهاز الهضمي والكبد لدى الأطفال -مستشفى الأطفال - مجمع الرياض الطبي

مرض الإسهال الحاد يشكل سبباً رئيساً للمرضية والوفاة لدى الأطفال، حيث أثبتت آخر الإحصاءات حدوث واحد ونصف مليون حالة وفاة للأطفال أقل من خمس سنوات سنوياً على مستوى العالم بسبب الإسهال الحاد.

وقد كان معدل الوفاة لدى الأطفال بسبب الإسهال الحاد في عام 1982م يقدر بخمسة ملايين حالة سنوياً، هذا الانخفاض الملحوظ في عدد الوفيات يُعزى - بعد فضل الله سبحانه وتعالى - إلى النجاح الكبير باستعمال محلول الجفاف المعطى عن طريق الفم كعلاج أساسي لحالات الإسهال الحاد.

إن الغالبية العظمى من الوفيات الناتجة من الإسهال الحاد تحدث بسبب الجفاف الذي يصاب به الطفل من جراء فقدان السوائل والأملاح بكميات كبيرة وعدم تعويضها بإعطاء محلول الجفاف الذي يحوي ماء وجلوكوز وأملاحاً بكميات متوازنة. وإن كان هناك اتفاق على أهمية استعمال محلول الجفاف كركيزة أساسية لعلاج الإسهال الحاد فإن هناك خلافاً على كيفية ونوعية العلاج الغذائي خلال هذه الفترة، وهذا الخلاف ليس حصراً على عامة الناس بل أيضاً يشمل الأطباء والمعنيين بصحة الطفل. ويتراوح معدل الإصابة بنوبات الإسهال الحاد في السنوات الأولى من العمر بين نوبتين إلى ست نوبات لكل طفل في السنة الواحدة. إن تكرار الإصابة بمثل هذا العدد من نوبات الإسهال الحاد ربما يؤدي إلى آثار سلبية ملحوظة على نمو وتغذية الطفل ما لم تتم الممارسة الصحيحة للعلاج الغذائي خلال هذه الفترة. ما سأتطرق إليه في القادم من هذا المقال هو الإجابة على الأسئلة الحائرة معتمداً على الدليل الطبي والدراسات الموثوقة.


وقف الرضاعة
هل يجب أن يُمنع الطفل من الرضاعة خلال فترة الإسهال الحاد؟

بعض الأطباء يوصي بفترة صيام ومنع للطفل عن تناول أي حليب أو طعام لفترة ربما تصل من 24إلى 48ساعة باستثناء تناول محلول الجفاف، ويعزون هذه الممارسة لتخوفهم من حدوث مضاعفات كعدم احتمال امتصاص سكر اللاكتوز الموجود في حليب الأم والحليب الصناعي مما يتسبب بازدياد شدة وإطالة امد الإسهال، وكذلك التخوف من حصول تحسس لبروتين الحليب. هذا التخوف تؤيده بعض الدراسات في الأطفال سيئي التغذية ولكن الدراسات في الأطفال جيدي التغذية دلّت على أن التغذية المبكرة باستخدام الحليب أو الطعام المناسب للعمر ساهمت بشكل كبير في ازدياد وزن الطفل والمحافظة على تغذيته الجيدة مقارنة بالأطفال الذين منعوا من الحليب أثناء الفترة المبكرة من الإسهال، كذلك يوصى بأن يستمر الطفل المعتمد على حليب الأم بالرضاعة خلال فترة الست الساعات الأولى التي يتلقى فيها العلاج بمحلول الجفاف، أما الطفل المعتمد على الحليب الصناعي فإنه ينصح بأن يتناول فقط محلول الجفاف خلال الست الساعات الأولى من العلاج على أن يتم معاودة التغذية بالحليب الصناعي مباشرة بعد انقضاء هذه الساعات الست مع استمرار استخدام محلول الجفاف لتعويض الجسم عن السوائل والأملاح التي تفقد مع استمرار الإسهال .

التدرج

هل يجب إعادة رضعات الحليب الصناعي بشكل متدرج ابتداءً برضعات ذات تركيز مخفض؟

على الرغم من أن الممارسة الطبية التقليدية الشائعة تفضل مثل هذا التدرج في تركيز الحليب الصناعي، فإنه ليس هناك دليل طبي قوي يؤيدها. بل على النقيض من ذلك، فقد أثبتت الدراسات قدرة الأطفال جيدي التغذية على تحمل إعادة الإرضاع مباشرة باستعمال الحليب الصناعي كامل التركيز وازدياد أوزانهم بدرجة أكبر من الأطفال الذين اعتمدوا على رضعات حليب منخفضة التركيز ابتداءً، دون حصول مضاعفات كزيادة مدة أو شدة الإسهال.

الحليب الصناعي


هل من الأفضل استعمال الحليب الصناعي الخالي من سكر اللاكتوز بشكل روتيني خلال فترة الإسهال؟

يتم هضم سكر اللاكتوز الموجود في حليب الأم والحليب الصناعي عن طريق انزيم اللاكتيز الموجود في خلايا الأمعاء الدقيقة. أثبتت الدراسات في الأطفال جيدي التغذية أن نقص انزيم اللاكتيز أثناء فترة الإسهال الحاد في الغالب يحدث بدرجة طفيفة ولمدة قصيرة لا تؤدي إلى الأعراض الاكلينيكية لسوء امتصاص سكر اللاكتوز. لذلك فإن استعمال الحليب الصناعي الخالي من اللاكتوز خلال فترة الإسهال الحاد غير ضروري. إلا أن اشتداد حدة الإسهال باستعمال الحليب المحتوي على اللاكتوز وانتفاخ البطن مع القيء تستدعي عمل تحليل للبراز للتأكد من وجود ازدياد الحمضية وسكر اللاكتوز بكمية كبيرة مما يشير إلى أعراض سوء امتصاص اللاكتوز مما يتطلب استعمال الحليب الخالي من اللاكتوز.

وأحب أن الفت النظر إلى أن الأطفال سيء التغذية المصابون بالإسهال الحاد معرضون بنسبة كبيرة للإصابة بأعراض سوء امتصاص سكر اللاكتوز لذا ينبغي متابعة مثل هؤلاء الأطفال متابعة جيدة وعدم التردد في استعمال الحليب الخالي من سكر اللاكتوز في حالة ظهور الأعراض السالفة الذكر.


بروتين الصويا

هل ينصح باستعمال حليب بروتين الصويا (الايزوميل) خلال فترة الإسهال الحاد لمنع التحسس لبروتين الحليب؟

التحسس من بروتين الحليب غير شائع في الأطفال المصابين بالإسهال الحاد. كذلك أثبتت بعض الدراسات بأن أمعاء الأطفال المتشافين من الإسهال الحاد تبقى حساسة لبروتين الصويا لمدة من الوقت، لذلك فإنه لا ينصح بالاستعمال الروتيني لحليب الصويا أو الايزوميل .

الاطعمة اللينة

ما هي الأغذية التي يفضل أعطاؤها للطفل خلال فترة الإسهال الحاد؟

الأطفال الذين لهم القدرة على أكل الأطعمة اللينة أو القاسية يجب أن يستمروا بتناول طعامهم المعتاد، إلا أن الأغذية التي تحتوي على سكريات أحادية مثل (الجلوكوز أو الفركتوز) يجب أن تجتنب خلال فترة الإسهال لأن مثل هذه الأغذية تساهم بشكل كبير في ازدياد حدة الإسهال. لهذا السبب فإن العصيرات وخاصة المعلبة منها والجيلاتين والمشروبات عالية السكريات الأحادية كالبيبسي يجب أن تجتنب. البعض ينصح بتجنب الأطعمة الدهنية ولكن ربما يصعب إعطاء كميات كافية من السعرات الحرارية بدون بعض الدهون، بل إن الأطعمة الدهنية تقلل من سرعة الأمعاء مما يساهم في زيادة امتصاص الأغذية والسوائل وتقليل كمية الإسهال.

إن منع الطفل من تناول الأغذية المناسبة لعمره حتى بعد 24ساعة من بدء استعمال محلول الجفاف هو أسلوب خاطئ. التغذية المبكرة تحسّن من الحالة الغذائية للطفل وتساعد على زيادة وزنه وتقلل من مدة الإسهال. كذلك التغذية المبكرة تساعد على سرعة تأهيل الأمعاء وزيادة كمية انزيم اللاكتيز في جدار الأمعاء مما يساهم بتقليل نسبة الإصابة بسوء امتصاص اللاكتوز.

أغذية مثل الموز، الرز، التفاح، والخبز المحمص (التوست) ينصح بها الأطباء كثيراً خلال فترة الإسهال الحاد ولكني أخشى أن يقتصر غذاء الطفل عليها دون باقي الأغذية حيث أنها غير متوازنة غذائياً وليست عالية السعرات الحرارية لذلك فإن تنوع الأغذية خلال فترة الإسهال الحاد مهم جداً لتشمل أنواع الحبوب، اللحوم، الزبادي، والخضروات والفواكه الطازجة.

ولأن الطفل معرض لعدة نوبات من الإسهال في السنة الواحدة مما يؤثر سلباً على تغذيته فإن المنظمات الطبية العالمية تنصح باستمرار تغذية الطفل بالأطعمة عالية السعرات الحرارية لمدة أسبوعين على الأقل من انقضاء نوبة الإسهال الحاد وذلك لاستدراك ما ربما يكون قد حدث من نقص للوزن خلال فترة الإسهال الحاد. وهذا قد يتم بإضافة السيريلاك إلى الحليب أو إضافة زيت أو سمن إلى أنواع الحبوب