زائر
* علم النفس وسنوات الطفولة:
1- يقول "فرويد" وقد نختلف معه فى كثير مما يقول: أن أول صدمة يتلقاها الفرد فى حياته هى صدمة الميلاد (Bith Tama)، إذ يخرج دون رغبته من بيئة ممتازة إلى بيئة سيئة.
فرحم الأم دافىء منتظم الحرارة طوال الوقت ومظلم وبالتالى فهو مريح لعينيه .. كما تحدث للجنين حركة دورانية تريح ظهره وكتفيه لعدم الارتكاز على أى منها لفترة طويلة .. كما يسود الرحم الصمت المريح والغذاء يتدفق للجنين بانتظام وبكميات ملائمة لاحتياجاته الحيوية دون الحاجة للصراخ طالباً إياه.
لكن بخروجه للبيئة الجديدة يشعر بضياع معظم تلك المزايا معظم الوقت، على أننا لايمكن أن ندُّعى أنه يبكى احتجاجاً على ذلك الخروج الإجبارى. فذلك البكاء ناتج عن حركة انعكاسية غيرر إرادية لعمليات شهيق وزفير تعترض فيها الأحبال الصوتية مسار الهواء الداخل والخارج فيصدرعنها ذلك الصوت إلى أن يزيح المولود أحباله الصوتية جانباً بميكانيزم داخلى لا نعرفه ونمارسه جميعاً حين لا نرغب فى التكلم أو إصدار أى أصوات.
ويزعم "فرويد" أننا حين يبلغ بنا الإجهاد البدنى والنفسى ذروته فى نهاية كل نهار نلجأ إلى النوم الذى هو محاكاة للمرحلة الجنينية طلباً للراحة، فيلجأ الفرد إلى الفراش ويظلم الحجرة .. ويتدفأ بالأغطية.. ويمتنع عن الكلام .. ويطلب ممن حوله التزام الهدوء والامتناع عن الضجيج، ويتقلب فى الفراش بل وقد يأخذ جسمه الهيئة المطلوبة لجسم الجنين فتكون ركبته قرب بطنه (وضع القرفصاء). ويخرج "فرويد" من هذا بأن المرحلة الجنينية هى أسعد مراحل النمو لكل فرد بدليل أنه حين يبلغ به التعب مداه "ينكص" إلى تلك المرحلة دون سواها من مراحل العمر الأخرى.
2- أجرى فريق بحث بقسم التوليد "بلندن كلينك" مقارنة بين المواليد الذين يتم احتضانهم لعدة دقائق بعد اكتمال إجراءات التوليد مباشرة وبين المواليد الذين تم وضعهم فى الفراش ولم يحظوا بمثل ذلك الاحتضان. فوجدوا أن المجموعة الأولى تميزت طوال فترة طفولة المهد (من سنة ونصف إلى سنتين) بهدوء وانخفاض فى مستوى الارتجاف والقلق والبكاء العصبى .. فى حين لم يصل أفراد المجموعة الثانية إلى ذلك المستوى طوال تلك الفترة الزمنية. لهذا أوصت مجموعة البحث بأن يتم السماح إحدى قريبات المولود بالتواجد بالقرب من عملية التوليد لأخذ الطفل واحتضانه أو تكليف إحدى الممرضات بتلك المهمة.
3- يولد الطفل المصرى بوزن يتراوح بين 2-3 كجم، وبطول حوالى نصف متر، ويكون أسمر اللون بتأثير لون الدم فى الشعيرات الدموية الدقيقة المنتشرة تحت بشرته الرقيقة شبه الشفافة. ويتحول لونه إلى درجة أقل إسمراراً بزيادة سمك طبقة البشرة تدريجياً. وتكون أسنانه كاملة العدد (20) لكنها مغمورة فى اللثة وتشق طريقها إلى السطح ابتداءاً من الشهر السادس تقريباً مع وجود حالات غير عادية من حيث العدد ومن حيث التوقيت، ويتوالى ظهور تلك الأسنان (المسماه باللبنية) تبعاً لترتيب محدد ويكتمل ظهورها فى سن سنتين ونصف .. كما أنها تسقط بترتيب معين أيضاً اعتباراً من سن ست سنوات ووقتها يبدأ حلول أسنان أقوى وذات جذور متعمقة فى عظام الفك وعددها يصل إلى 32 سنة وناب وضرس حيث أن الفكين قد صارا أكبر حجماً واتساعاً. وتحتاج عظام الرأس إلى عدة شهور حتى تأخذ شكلها الذى سيجعل للوجه شكلاً مميزاً للصغير يستمر معه وقتاً طويلاً فى طفولته.
4- "يولد الطفل صفحة بيضاء" هذه مقولة شائعة لكنها غير صحيحة. فالطفل يولد مزوداً بقدرات فطرية على الإتيان بمنعكسات كثيرة (والمنعكس efex هو استجابة غير إرادية يعملها المولود حين تظهر فى البيئة مثيرات تهدد سلامته). فيغمض عينيه إذا ظهر ضوء قوى مفاجىء حفاظاً على شبكية العين من التلف، ويكح إذا دخلت قطرات الحليب إلى قصبته الهوائية .. ويعطس إذا صعدت القطرات إلى أنفه .. ويطبق بقبضة يده على كل ما يلامس راحة يده لينّشط الدورة الدموية فى تلك المناطق المتطرفة من جسمه، ويفعل ما يشبه ذلك فى أخمص قدميه (منعكس بابنسكى). وكل تلك الحركات غير الإرادية يأتى بها فور ولادته دون أن يتعلم من أحد كما يولد مزوداً بالقرة على مص الحليب من الثدى ثم بلعه وهذين فعلين منفصلين تشترك فيهما عضلات كثيرة دون سابق تعلم.
كذلك يحرك عينيه مستكشفاً ما حوله من كيانات متحركة وأخرى ثابتة وحين يكمل من عمره عدة أسابيع يدير رأسه وراء الكيانات المتحركة ليتابع التعرف عليها. كما أنه يبكى إذا تم تركه وحيداً بالفراش ويسكت إذا تمت مداعبته ببعض الأدوات بما يدل على رغبته فى الاستمتاع بمشاهدة الأشياء والاستماع إلى الأصوات الصادرة عنها .. وهو بهذا يولد مزوداً بحب استطلاع قوى يمكنًه من سرعة التعرف على العالم المحيط به تمهيداً للتدخل فيه بإيجابية. 5- دلت الدراسات على أن الحواس الخمس للوليد تكون كاملة النمو وتبدأ فى العمل عقب ولادته بساعات قليلة، على أن حاسة اللمس تكون من بين أكثرها نشاطاً فبمجرد لمس أحد جانبى فمه فإنه يدير رأسه ناحية ذلك الجانب، وهذا الفعل المنعكس التلقائى ضرورى له لكى يُقبل على الثدى ليرضع، ولو كان يتصرف كالكبار حين يبتعدون تلقائياً عن الجهة التى تلمس فيها الأشياء وجوههم لمات الصغير جوعاً إذ سيبتعد عن الثدى كلما حاولت الأم إرضاعه.
6- يتعرف الصغير على أمه بطريقتين:
- الأولى برائحتها المميزة كرائحة العرق أو الحليب المبلل لملابسها أو عطرها أو أنفاسها.
- الثانية فى رفعه من على الفراش ثم ضمه إلى جسدها، فهناك صاحبة اليدين الثابتتين، صاحبة اليدين المرتعشتين .. وصاحبة الأسلوب العنيف .. صاحبة الأسلوب الحنون .. وصاحبة الأسلوب المتسرع .. وهكذا.
ومن مجمل ناتج خبراته معها فى مختلف المواقف يحب الصغير أمه أو ينفر منها، فمواقف الرضاعة والتنظيف وتغيير الحفاضات، المناغاة أو الكلام معه أو الصراخ فيه .. وتدريبه على ضبط التبول والتبرز فيما بعد يخرج منها بخبرات طيبة أو سيئة عن أمه، ومنها تتكون عاطفة نحوها إما حباً أو كرهاً أو رعباً من تواجدها بالقرب منه. لذا فإن الصغير لا يحب أمه تلقائياً لمجرد أنها هى التى حملت فيه وولدته ولكن لخبراته الطيبة معها، ودليل ذلك أن بعض الصغار يحبون جّداتهم أو خالاتهم أكثر مما يحبون أمهاتهم. فتكون الأم "البيولوجية" أقل قيمة فى نظره من الأم "البديلة" لأن الأخيرة تقدم له من المواقف السعيدة والمفيدة أكثر مما تفعل الأولى. وعلى هذا يؤكد بعض الدراسين أن الحرمان من الأم يضر بالحالة النفسية للطفل ليس لغياب الأم فى ذاته بل لغياب ما كانت تقدمه له من سعادة وفائدة. فإن أمكن توفير أم بديلة له (مثل الأسر الكفيلة وقرى رعاية الأطفال) فسوف يتضاءل بسرعة شعوره المؤلم بالحرمان من الأم "البيولوجية".
7- يُصدر المولود أصواتاً تلقائية غير مقصودة "إذن فهى ليست لغة" تدل على ما يجرى داخله من إحساسات بيولوجية، ويشبهها البعض بالصوت الصادر من الماء حين يغلى داخل براد الشاى .. وعن حركة غطاء البراد صعوداً ونزولاً بسبب ضغط البخار، فهذه أصوات غير مقصودة وإنما تُعبر عما يجرى داخل البراد حين يصل الحال بالماء إلى درجة الغليان.
وفيما بعد يصدر الطفل أصواتاً على وتيرة واحدة (Mntns) لذا تسمى "هديلاً" تشبهاً بأصوات الحمام، ثم تصدر أصواتاً منغّمة تسمى "مناغاة" تؤدى إلى تدربه على التحكم فى أعضاء الكلام تمهيداً للتحدث بلغة مفهومة فيما بعد. وفى نهاية السنة الأولى من عمره يتمكن من النطق بثلاث كلمات فى المتوسط، تزيد إلى حوالى 270 كلمة فى نهاية السنة الثانية من عمره، ويبداً فى تكوين"الجملة الكلمة" أى يلخص معنى كاملاً فى كلمة واحدة مصحوبة بتعبيرات حركية بالوجه أو بالأطراف فتقوم تلك الكلمة بمهمة جملة تامة المعنى. وبعد ذلك يكون جملاً قصيرة جداً من كلمتين تضم فى الغالب اسماً أو فعلاً دون حروف جر أو ظرف مكان أو زمان.
وننصح الأمهات بمناغاة المولود خاصة فى اللحظات السعيدة له (الإرضاع - التنظيف- التدليل) لكى يأخذ مسألة التواصل بالأصوات على محمل الجدية وهذه بدايات التواصل اللغوى كبديل للتواصل بالصراخ وبالحركات والإشارات. كما ننصحها بأن تنطق الكلمات نطقاً صحيحاً دون تحريف طفولى لها، وإن شاءت التبسيط فعليها باللجوء للكلمات البسيطة الصحيحة فى ذات الوقت (تماماً كما يفعل بعض كتاب المسرحيات باختيار كلمات من العامية تنتمى فى ذات الوقت للفصحى).
وتنمو اللغة لدى الطفل بمحاكاته لأصوات ولكلمات يسمعها، وبحصوله على تشجيع خارجى من الكبار عندما يتقن المحاكاة، بالإضافة إلى سعادة شخصية نابعة من شعوره بأنه قد نجح فى إصدار صوت مشابه للصوت الأصلى. ويرى بعض العلماء أن النمو اللغوى يحتاج إلى نمو عقلى سابق عليه، ودليلهم على ذلك أن المولود ينمو بمعدل سريع بين نهاية السنة الأولى واكتمال السنة الثانية بعد أن يكون عقله قد أحرز قدراً ملائماً من النضج، فى حين انقضت السنة الأولى من عمره دون أن يحرز أكثر من ثلاث كلمات "وشاهدهم الثانى أن لغة العقلاء أفضل من لغة الأقل تعقلاً"
ويرى علماء آخرون أن النمو العقلى يعتمد على نمو لغوى سابق عليه، ودليلهم على ذلك أن عقلية التلاميذ تتطور إلى الأفضل كلما قرءوا ودرسوا ما بالكتب المدرسية واستمعوا إلى الشرح اللغوى للمدرسين .. وتحاوروا مع آبائهم وأصدقائهم، ووسعوا دائرة إطلاعهم على الصحف والمجلات والمراجع الثقافية واستمعوا للراديو والتلفزيون وكلها أنشطة تتصل مباشرة بالممارسات اللغوية.
وقد اقتنع دارسو علم النفس اللغوى (Psyhingistis) بأن كلاّ من النمو العقلى واللغوى يحتاج إلى ركيزة من الآخر يعتمد عليها فى تحقيق تطوره إلى الأفضل، وإن كان يتضح فى بعض فترات عمر الصغير اعتماد أحد الجانبين على الآخر .. ثم يتم تبادل الأوضاع بينهما فى فترة أخرى من عمره
1- يقول "فرويد" وقد نختلف معه فى كثير مما يقول: أن أول صدمة يتلقاها الفرد فى حياته هى صدمة الميلاد (Bith Tama)، إذ يخرج دون رغبته من بيئة ممتازة إلى بيئة سيئة.
فرحم الأم دافىء منتظم الحرارة طوال الوقت ومظلم وبالتالى فهو مريح لعينيه .. كما تحدث للجنين حركة دورانية تريح ظهره وكتفيه لعدم الارتكاز على أى منها لفترة طويلة .. كما يسود الرحم الصمت المريح والغذاء يتدفق للجنين بانتظام وبكميات ملائمة لاحتياجاته الحيوية دون الحاجة للصراخ طالباً إياه.
لكن بخروجه للبيئة الجديدة يشعر بضياع معظم تلك المزايا معظم الوقت، على أننا لايمكن أن ندُّعى أنه يبكى احتجاجاً على ذلك الخروج الإجبارى. فذلك البكاء ناتج عن حركة انعكاسية غيرر إرادية لعمليات شهيق وزفير تعترض فيها الأحبال الصوتية مسار الهواء الداخل والخارج فيصدرعنها ذلك الصوت إلى أن يزيح المولود أحباله الصوتية جانباً بميكانيزم داخلى لا نعرفه ونمارسه جميعاً حين لا نرغب فى التكلم أو إصدار أى أصوات.
ويزعم "فرويد" أننا حين يبلغ بنا الإجهاد البدنى والنفسى ذروته فى نهاية كل نهار نلجأ إلى النوم الذى هو محاكاة للمرحلة الجنينية طلباً للراحة، فيلجأ الفرد إلى الفراش ويظلم الحجرة .. ويتدفأ بالأغطية.. ويمتنع عن الكلام .. ويطلب ممن حوله التزام الهدوء والامتناع عن الضجيج، ويتقلب فى الفراش بل وقد يأخذ جسمه الهيئة المطلوبة لجسم الجنين فتكون ركبته قرب بطنه (وضع القرفصاء). ويخرج "فرويد" من هذا بأن المرحلة الجنينية هى أسعد مراحل النمو لكل فرد بدليل أنه حين يبلغ به التعب مداه "ينكص" إلى تلك المرحلة دون سواها من مراحل العمر الأخرى.
2- أجرى فريق بحث بقسم التوليد "بلندن كلينك" مقارنة بين المواليد الذين يتم احتضانهم لعدة دقائق بعد اكتمال إجراءات التوليد مباشرة وبين المواليد الذين تم وضعهم فى الفراش ولم يحظوا بمثل ذلك الاحتضان. فوجدوا أن المجموعة الأولى تميزت طوال فترة طفولة المهد (من سنة ونصف إلى سنتين) بهدوء وانخفاض فى مستوى الارتجاف والقلق والبكاء العصبى .. فى حين لم يصل أفراد المجموعة الثانية إلى ذلك المستوى طوال تلك الفترة الزمنية. لهذا أوصت مجموعة البحث بأن يتم السماح إحدى قريبات المولود بالتواجد بالقرب من عملية التوليد لأخذ الطفل واحتضانه أو تكليف إحدى الممرضات بتلك المهمة.
3- يولد الطفل المصرى بوزن يتراوح بين 2-3 كجم، وبطول حوالى نصف متر، ويكون أسمر اللون بتأثير لون الدم فى الشعيرات الدموية الدقيقة المنتشرة تحت بشرته الرقيقة شبه الشفافة. ويتحول لونه إلى درجة أقل إسمراراً بزيادة سمك طبقة البشرة تدريجياً. وتكون أسنانه كاملة العدد (20) لكنها مغمورة فى اللثة وتشق طريقها إلى السطح ابتداءاً من الشهر السادس تقريباً مع وجود حالات غير عادية من حيث العدد ومن حيث التوقيت، ويتوالى ظهور تلك الأسنان (المسماه باللبنية) تبعاً لترتيب محدد ويكتمل ظهورها فى سن سنتين ونصف .. كما أنها تسقط بترتيب معين أيضاً اعتباراً من سن ست سنوات ووقتها يبدأ حلول أسنان أقوى وذات جذور متعمقة فى عظام الفك وعددها يصل إلى 32 سنة وناب وضرس حيث أن الفكين قد صارا أكبر حجماً واتساعاً. وتحتاج عظام الرأس إلى عدة شهور حتى تأخذ شكلها الذى سيجعل للوجه شكلاً مميزاً للصغير يستمر معه وقتاً طويلاً فى طفولته.
4- "يولد الطفل صفحة بيضاء" هذه مقولة شائعة لكنها غير صحيحة. فالطفل يولد مزوداً بقدرات فطرية على الإتيان بمنعكسات كثيرة (والمنعكس efex هو استجابة غير إرادية يعملها المولود حين تظهر فى البيئة مثيرات تهدد سلامته). فيغمض عينيه إذا ظهر ضوء قوى مفاجىء حفاظاً على شبكية العين من التلف، ويكح إذا دخلت قطرات الحليب إلى قصبته الهوائية .. ويعطس إذا صعدت القطرات إلى أنفه .. ويطبق بقبضة يده على كل ما يلامس راحة يده لينّشط الدورة الدموية فى تلك المناطق المتطرفة من جسمه، ويفعل ما يشبه ذلك فى أخمص قدميه (منعكس بابنسكى). وكل تلك الحركات غير الإرادية يأتى بها فور ولادته دون أن يتعلم من أحد كما يولد مزوداً بالقرة على مص الحليب من الثدى ثم بلعه وهذين فعلين منفصلين تشترك فيهما عضلات كثيرة دون سابق تعلم.
كذلك يحرك عينيه مستكشفاً ما حوله من كيانات متحركة وأخرى ثابتة وحين يكمل من عمره عدة أسابيع يدير رأسه وراء الكيانات المتحركة ليتابع التعرف عليها. كما أنه يبكى إذا تم تركه وحيداً بالفراش ويسكت إذا تمت مداعبته ببعض الأدوات بما يدل على رغبته فى الاستمتاع بمشاهدة الأشياء والاستماع إلى الأصوات الصادرة عنها .. وهو بهذا يولد مزوداً بحب استطلاع قوى يمكنًه من سرعة التعرف على العالم المحيط به تمهيداً للتدخل فيه بإيجابية. 5- دلت الدراسات على أن الحواس الخمس للوليد تكون كاملة النمو وتبدأ فى العمل عقب ولادته بساعات قليلة، على أن حاسة اللمس تكون من بين أكثرها نشاطاً فبمجرد لمس أحد جانبى فمه فإنه يدير رأسه ناحية ذلك الجانب، وهذا الفعل المنعكس التلقائى ضرورى له لكى يُقبل على الثدى ليرضع، ولو كان يتصرف كالكبار حين يبتعدون تلقائياً عن الجهة التى تلمس فيها الأشياء وجوههم لمات الصغير جوعاً إذ سيبتعد عن الثدى كلما حاولت الأم إرضاعه.
6- يتعرف الصغير على أمه بطريقتين:
- الأولى برائحتها المميزة كرائحة العرق أو الحليب المبلل لملابسها أو عطرها أو أنفاسها.
- الثانية فى رفعه من على الفراش ثم ضمه إلى جسدها، فهناك صاحبة اليدين الثابتتين، صاحبة اليدين المرتعشتين .. وصاحبة الأسلوب العنيف .. صاحبة الأسلوب الحنون .. وصاحبة الأسلوب المتسرع .. وهكذا.
ومن مجمل ناتج خبراته معها فى مختلف المواقف يحب الصغير أمه أو ينفر منها، فمواقف الرضاعة والتنظيف وتغيير الحفاضات، المناغاة أو الكلام معه أو الصراخ فيه .. وتدريبه على ضبط التبول والتبرز فيما بعد يخرج منها بخبرات طيبة أو سيئة عن أمه، ومنها تتكون عاطفة نحوها إما حباً أو كرهاً أو رعباً من تواجدها بالقرب منه. لذا فإن الصغير لا يحب أمه تلقائياً لمجرد أنها هى التى حملت فيه وولدته ولكن لخبراته الطيبة معها، ودليل ذلك أن بعض الصغار يحبون جّداتهم أو خالاتهم أكثر مما يحبون أمهاتهم. فتكون الأم "البيولوجية" أقل قيمة فى نظره من الأم "البديلة" لأن الأخيرة تقدم له من المواقف السعيدة والمفيدة أكثر مما تفعل الأولى. وعلى هذا يؤكد بعض الدراسين أن الحرمان من الأم يضر بالحالة النفسية للطفل ليس لغياب الأم فى ذاته بل لغياب ما كانت تقدمه له من سعادة وفائدة. فإن أمكن توفير أم بديلة له (مثل الأسر الكفيلة وقرى رعاية الأطفال) فسوف يتضاءل بسرعة شعوره المؤلم بالحرمان من الأم "البيولوجية".
7- يُصدر المولود أصواتاً تلقائية غير مقصودة "إذن فهى ليست لغة" تدل على ما يجرى داخله من إحساسات بيولوجية، ويشبهها البعض بالصوت الصادر من الماء حين يغلى داخل براد الشاى .. وعن حركة غطاء البراد صعوداً ونزولاً بسبب ضغط البخار، فهذه أصوات غير مقصودة وإنما تُعبر عما يجرى داخل البراد حين يصل الحال بالماء إلى درجة الغليان.
وفيما بعد يصدر الطفل أصواتاً على وتيرة واحدة (Mntns) لذا تسمى "هديلاً" تشبهاً بأصوات الحمام، ثم تصدر أصواتاً منغّمة تسمى "مناغاة" تؤدى إلى تدربه على التحكم فى أعضاء الكلام تمهيداً للتحدث بلغة مفهومة فيما بعد. وفى نهاية السنة الأولى من عمره يتمكن من النطق بثلاث كلمات فى المتوسط، تزيد إلى حوالى 270 كلمة فى نهاية السنة الثانية من عمره، ويبداً فى تكوين"الجملة الكلمة" أى يلخص معنى كاملاً فى كلمة واحدة مصحوبة بتعبيرات حركية بالوجه أو بالأطراف فتقوم تلك الكلمة بمهمة جملة تامة المعنى. وبعد ذلك يكون جملاً قصيرة جداً من كلمتين تضم فى الغالب اسماً أو فعلاً دون حروف جر أو ظرف مكان أو زمان.
وننصح الأمهات بمناغاة المولود خاصة فى اللحظات السعيدة له (الإرضاع - التنظيف- التدليل) لكى يأخذ مسألة التواصل بالأصوات على محمل الجدية وهذه بدايات التواصل اللغوى كبديل للتواصل بالصراخ وبالحركات والإشارات. كما ننصحها بأن تنطق الكلمات نطقاً صحيحاً دون تحريف طفولى لها، وإن شاءت التبسيط فعليها باللجوء للكلمات البسيطة الصحيحة فى ذات الوقت (تماماً كما يفعل بعض كتاب المسرحيات باختيار كلمات من العامية تنتمى فى ذات الوقت للفصحى).
وتنمو اللغة لدى الطفل بمحاكاته لأصوات ولكلمات يسمعها، وبحصوله على تشجيع خارجى من الكبار عندما يتقن المحاكاة، بالإضافة إلى سعادة شخصية نابعة من شعوره بأنه قد نجح فى إصدار صوت مشابه للصوت الأصلى. ويرى بعض العلماء أن النمو اللغوى يحتاج إلى نمو عقلى سابق عليه، ودليلهم على ذلك أن المولود ينمو بمعدل سريع بين نهاية السنة الأولى واكتمال السنة الثانية بعد أن يكون عقله قد أحرز قدراً ملائماً من النضج، فى حين انقضت السنة الأولى من عمره دون أن يحرز أكثر من ثلاث كلمات "وشاهدهم الثانى أن لغة العقلاء أفضل من لغة الأقل تعقلاً"
ويرى علماء آخرون أن النمو العقلى يعتمد على نمو لغوى سابق عليه، ودليلهم على ذلك أن عقلية التلاميذ تتطور إلى الأفضل كلما قرءوا ودرسوا ما بالكتب المدرسية واستمعوا إلى الشرح اللغوى للمدرسين .. وتحاوروا مع آبائهم وأصدقائهم، ووسعوا دائرة إطلاعهم على الصحف والمجلات والمراجع الثقافية واستمعوا للراديو والتلفزيون وكلها أنشطة تتصل مباشرة بالممارسات اللغوية.
وقد اقتنع دارسو علم النفس اللغوى (Psyhingistis) بأن كلاّ من النمو العقلى واللغوى يحتاج إلى ركيزة من الآخر يعتمد عليها فى تحقيق تطوره إلى الأفضل، وإن كان يتضح فى بعض فترات عمر الصغير اعتماد أحد الجانبين على الآخر .. ثم يتم تبادل الأوضاع بينهما فى فترة أخرى من عمره