Dr.isra
طبيب
المحافظة على الحمل وسلامته
*
قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ {12} ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ {13} ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ {14}﴾[1].
وقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إن أحدكم يُجمع في بطن أمه أربعين يومًا، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه ملَكًا بأربـع كلمات: فيُكتب عمله، وأجله، ورزقه، وشقي أم سعيد. ثم يُنفخ فيه الروح...))[2].
يخبر الله تعالى عن مراحل تكوين الإنسان في بطن أمه، ويخبر رسوله المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم عن مدة بعض هذه المراحل. وإن من عادة الصينيين أنهم يحسبون عمر الإنسان منذ بدء الحمل وليس من يوم الولادة، وفي هذا تلميح للأم الحامل بأن هناك مخلوقًا حيًا يتغذى منها وسيصبح بعد تسعة أشهر طفلاً. وفي هذه المرحلة الحيوية البناءة يكون الطفل بحاجة قصوى للغذاء والبيئة المناسبة أكثر منه في أي وقت آخر من حياته. وتعتمد حالته الصحية كليًا على صحة أمه، كما أن صحته في السنوات القادمة، وكذلك صحة الأم، مبنية إلى درجة كبيرة على حالتها الصحية خلال أشهر الحمل. فينبغي على المرأة الحامل أن تولي صحتها عناية كبيرة وخاصة خلال أشهر الحمل، فتفعل كل ما فيه منفعة لها ولجنينها، وتتجنب أو تترك كل ما فيه مضرة لها ولجنينها.
ولتعلم الحامل أنها إذا كانت من المدخنات ولم ترأف بصحتها فتترك التدخين، فقد حان الوقت لترأف بجنينها على الأقل فتقلع عن التدخين حفاظًا على ولدها حتى لا تلد ولدًا أجبرته على إدمان الدخان وهو لما يزال جنينًا في بطنها.
فقد اثبت الطب والعلم الحديث أن المرأة المدخنة إذا كانت حاملاً فضررها متأكد في حق جنينها، هذا الجنين الذي تحمله في أحشائها تسعة أشهر وتعاني من أجله آلام الحمل ومتاعبه ثم بالوقت نفسه تضره أكبر الضرر بتدخينها وتجعل منه جنينًا مدمنًا وهو لم ير النور بعد؛ فالجنين يمر بثلاث مراحل يكون اعتماده في غذائه ونموه خلالها على دم الأم عن طريق المشيمة والحبل السري، والأطباء في كل مكان يصرخون محذرين المرأة الحامل من التدخين قائلين لها: احذري فإن في بطنك جنينًا مدمنًا. ذلك لأن المواد الضارة التي يحتوي عليها الدخان ومنها النيكوتين سوف تصل إلى الجنين عن طريق دم الأم الملوث بها، وقد وجد العلماء في السجائر ما يزيد عن مئة من المواد الضارة التي تصل كلها إلى الجنين فيعاني على مدى شهور الحمل من غذاء ملوث بمواد ضارة مثل النيكوتين. ويشير الأطباء إلى أن هناك تأثيرات بعيدة المدى للسجائر على الجنين، فتعرضه لمدة تسعة أشهر داخل الرحم للنيكوتين، وهو مادة فيها نوع من الإدمان يؤثر على خلايا مخ الجنين فيصبح بالتالي شديد القابلية للتدخين والإدمان في المستقبل.
وكدليل على ذلك فإن إحدى الصحف قد ذكرت خبرًا تحت عنوان (طفلة العامين تدمن النيكوتين) فقالت: ((ناشدت إحدى الأمهات البريطانيات الأطباء لعلاج طفلتها التي لم تتجاوز العامين من عمرها من إدمان النيكوتين بعد أن لاحظت اهتمامها الشديد باستنشاق الدخان من أعقاب السجائر في الطفايات. وكانت الأم أماندا بيبر (24 عامًا) قد لجأت إلى طبيبها الخاص طالبة المساعدة في علاج ابنتها التي أصبحت مدمنة لاستنشاق دخان السجائر، والبحث عن أعقابها في الطفايات أو محاولة انتزاعها من المدمنين كلما اصطحبتها إلى الأماكن العامة. وكشفت الأم عن تدخينها بكثافة أثناء حملها وبمعدل خمسين سيجارة يوميًا الأمر الذي انعكس على طفلتها بعد الميلاد))[3].
كما أن البحوث قد كشفت عن علاقة وثيقة بين التدخين وتشوهات الجنين أثناء الحمل وهي مشكلة خطيرة يتزايد عدد ضحاياها باستمرار خصوصًا في عصرنا الحاضر، فبالإضافة إلى النيكوتين يشير إصبع الاتهام في هذا المجال إلى كثير من نواتج احتراق السيجارة مثل القطران وغيره. وهناك أضرار كثيرة قد تقع للأم المدخنة منها أن متاعب الحمل البسيطة قد تزداد مع التدخين مثل اضطرابات المعدة والميل إلى القيء وكذلك زيادة ضربات القلب، وفقدان الشهية للأكل، أو القابلية للأرق أو الشعور بالخمول. بل قد يتعدى الأمر إلى أخطر من ذلك حيث يموت الجنين داخل الرحم، أو حدوث الولادة قبل موعدها الطبيعي مما ينتج عنه طفل غير كامل النمو. كل هذا وغيره كثير تثبت الإحصائيات المتكررة حدوثه بكثرة للحوامل المدخنات. وحتى في مدة الرضاعة فإن النيكوتين وبعض نتائج احتراق السيجارة يفرزها الثدي مع الحليب في فم الطفل الرضيع، هذا الكائن الضعيف الذي يتعرض للأخطار والأمراض في أيامه الأولى من أقرب الناس إليه، وربما تجني هذه الأم المدخنة على أبنائها في كبرهم حيث يصبحون أكثر استعدادًا للإصابة بالسرطان من الأطفال الذين ولدوا من أمهات غير مدخنات. وعمومًا فإن التدخين يضر المرأة سواء في مرحلة الحمل أو غيرها، وهو سبب رئيس للسرطان وأمراض الرئة والقلب والشرايين.
أما الأشياء التي ينبغي أن تهتم الحامل بها لكي تحافظ على حملها طوال التسعة أشهر فهي: الغذاء، اللباس، الجمـاع، الرياضة، الراحة.
الغـــذاء
ليس هناك أي داع لزيادة كمية الغذاء بناء على الاعتقاد الخاطئ أن الغذاء هو لاثنين: الأم والجنين، وإنما المهم الاهتمام بنوعية الغذاء والتأكد من أنه يسد حاجة الجسم من العناصر الأساسية كالفيتامينات والكالسيوم والبروتين والحديد.
فأما الكالسيوم فهو ضروري للأم والجنين؛ إذ يدخل في تكوين العظام، ومن أهم مصادره: الحليب الذي يحتوي على كميات لا بأس بها منه، وكذلك الأجبان والألبان والخضروات الطازجة. وأما الحديد فهو يوجد في الخضروات واللحوم وبخاصة الكبد والبيض والحبوب والبقول. وأما الفيتامينات؛ فإن فيتامين (أ) يوجد في البيض والحليب والزبد، وفيتامين (ب) يوجد في الحليب غير المغلي والحبوب والخضروات الطازجة، وفيتامين (ج) يوجد في البرتقال والليمون واليوسفي، وفيتامين (د) يوجد في الحليب والزبد وصفار البيض.
إن الحليب هو أنفع طعام للحامل وهو الغذاء الذي لا غنى عنه للحامل؛ ففيه كمية كبيرة من الكالسيوم والفوسفور والبروتينات اللازمة لبناء عظام الجنين وعضلاته، كما أن الحليب يحتوي على جميع أنواع الفيتامينات الضرورية لجسم الحامل، وليس هناك غذاء غير الحليب يمكن أن يزود الحامل بهذه العناصر المهمة. وتحتاج الحامل إلى أربعة أكواب من الحليب يوميًا، فإذا كانت لا تستسيغ شرب كل هذه الكمية، فيمكن شرب كوبين وتناول الكمية الباقية ممزوجة مع الكاكاو أو المهلبية أو الرز بالحليب.
وخلاصة القول أن على الحامل أن تتناول غذاء متنوع الأصناف غني بالأطعمة الأساسية كالحليب والخضروات الطازجة والفاكهة واللحوم والبيض والسمك والبطاطا وخبز القمح. وأن تشرب ستة أكواب من الماء أو أكثر يوميًا خاصة إذا كان الطقس حارًا.
قد تصبح القابلية للأكل ضعيفة في الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل، وقد تصاب الحامل بقرف واشمئزاز من الطعام، والإقلال من الطعام بسبب ذلك ينتج عنه نقص في التغذية، لذا كان من الواجب بذل الجهد لإيجاد نظام غذائي خلال هذه المرحلة يمد الحامل بأنواع الأغذية اللازمة. أما بعد الشهر الثالث فالقابلية للأكل تزداد كثيرًا وقد تصبح نهمًا، وهذا يتطلب من الحامل أن تقوي من إرادتها فلا تأكل إلا ثلاث مرات في اليوم فقط، وأن تمتنع عن تناول الحلويات والمثلجات والدهنيات. ويمكن في هذا الوقت الإكثار من أكل الخضار الطازجة كالخس والطماطم والفاصوليا الخضراء والفول الأخضر والجزر، فتحصل الحامل على درجة الشبع من غير زيادة مفرطة في الوزن.
أما الأطعمة التي يجب أن تتجنبها الحامل فهي المواد الغنية بالدهن والأطعمة المقلية بالسمن أو الزيت والنقانق والسمك المدخن والتوابل والحلويات؛ فهذه الأطعمة تضايق الحامل وتسبب لها إزعاجًا متواصلاً وقد تسبب لها عسرًا هضميًا أو حرقة في المعدة أو ضيقًا في التنفس. كذلك على الحامل أن تقلل كثيرًا من الملح ولو حذفت كمية الملح التي تضاف إلى الطعام أثناء طبخه لما حدث أي نقص لهذا العنصر في غذائها لأنه موجود في كل أنواع الأطعمة التي تتناولها. أما الإكثار من الملح فإنه يتسبب في زيادة وزن الحامل؛ لأن الملح الذي يزيد في الجسم يحفظ معه الماء وتصبح أنسجة الحامل غارقة بالماء مما يزيد في ظهور التورمات.
اللبـــاس
ليس هناك لباس للحامل أفضل من الملابس الواسعة الفضفاضة المعلقة من الرقبة والكتفين خصوصًا عندما يكبر البطن، وقد صار الحصول على الملابس الجاهزة المناسبة للحامل سهلاً من المحلات التجارية بما في ذلك الملابس الداخلية التي تناسب كل مرحلة من مراحل الحمل. وأهم ما ينبغي على الحامل أن تتجنبه الملابس والأحزمة الضيقة التي تضغط على بطنها وخصرها فتؤذي نفسها وجنينها.
أما بالنسبة للأحذية فينبغي أن تكون بدون كعب أو بكعب قصير وعريض لتساعد على حمل الوزن الزائد والمحافظة على التوازن دون التعرض للوقوع. وعلى الحامل أن تتجنب الأحذية عالية الكعب لأنها تعرضها للسقوط أو التواء القدم.
الرياضـــة
لقد أصبحت الرياضة وممارسة التمارين الرياضية الخاصة بالحمل من الأشياء المتفق عليها وينصح بها الأطباء باستمرار لعلمهم بفوائدها البدنية والنفسية خاصة بعد أن انفصلت الحركة والرياضة من حياة المرأة في هذا العصر. فهناك أعضاء مهمة في جسم المرأة تتأثر بظروف الحمل ولا بد من تمرينها وتقويتها، ومن هنا كانت الرياضة تعويضًا عن الحركة المفقودة من حياة المرأة العصرية وضرورية جدًا للحامل، لأنها تساعد في التخفيف من آلام الحمل، وتمنح الحامل سيطرة على الجسم، وثقة بالنفس، وقدرة على التركيز، ورفعًا للمعنويات، وزيادة في مرونة أعضاء الجسم مثل الحوض والرحم والمهبل والبطن والصدر والظهر والأطراف، فتصبح هذا الأعضاء أكثر قوة واستعدادًا للحركة مدة الطلق وأثناء الولادة. كما أن الرياضة تساعد على تجنب السمنة وزيادة الوزن الضارة بالجسم.
إن التمارين ليست مفيدة للأم فحسب بل هي مفيدة للجنين أيضًا، فلكي ينمو الجنين نموًا طبيعيًا وصحيحًا يجب أن تكون الدورة الدموية في الرحم والمشيمة صحيحة أيضاً وكاملة، ومن فوائد التمارين تنشيط الدورة الدموية في القلب والدماغ والشرايين مما يساعد على توصيل الغذاء إلى الجنين بانتظام عبر الدم، ويساعد أيضًا في نمو الجنين نموًا طبيعيًا.
ولتعلم المرأة أن الراحة الكثيرة والجمود عن الحركة خلال مدة الحمل ليس في مصلحتها، بل إن الحركة التي تبذلها في أعمالها المنزلية هي خير رياضة يمكن بواسطتها أن تخفف كثيرًا من آلام الحمل وكذلك تسهيل الولادة، فبقدر ما يكون مستوى لياقة جسم المرأة عاليًا وأعضاؤها التي تشترك في الحمل والولادة مرنة - يكون الحمل سهلاً وخفيفًا والولادة ميسرة.
وقبل أن أصف بعض التمارين المفيدة للحامل وأنصحها بممارستها ينبغي عليَّ أن لا أنسى أن أنصحها بأمر عظيم جدًا وهو المحافظة على الصلاة وأدائها في أوقاتها، لأنه إذا كان للتمارين الرياضية هذه الفوائد البدنية التي تحصل نتيجة للحركات وتكرارها، فإن للصلاة أيضًا فوائد بدنية كبيرة لها تحصل نتيجة لحركات الصلاة، ونتيجة لتكرار حركات الصلاة بأعداد كبيرة على مدار اليوم، خاصة إذا علمنا أن هناك عدة تمارين رياضية تشبه حركات الصلاة وهيئاتها تمامًا، وهناك تمرين مشهور ومفيد جدًا للحامل ينصح به أطباء النساء والولادة، وهو تمرين وضع الركبة - الصدر Knee-hest psitin ، الذي إذا نظرنا إليه لم نجده إلا تمرينًا مشابهًا جدًا لهيئة السجود في الصلاة.
فمن رحمة الله عزَّ وجلَّ أنه جعل في الصلاة فوائد بدنية عاجلة للحامل فضلاً عن الجزاء الذي تناله في الدنيا والآخرة بقيامها بأداء الصلاة التي هي عبادة لله تبارك وتعالى وهذا هو هدف الصلاة الأول والأخير.
_____________________
* هذا الموضوع منقول من كتاب عدنان الطرشه: «كيف تكونين ناجحةً ومحبوبةً».
[1] سورة المؤمنون، الآيات: 12-14.
[2] أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب:خلق آدم وذريته.
[2] جريدة الشرق الأوسط، العدد، 5054، 341413هـ-2991992م.
*
قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ {12} ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ {13} ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ {14}﴾[1].
وقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إن أحدكم يُجمع في بطن أمه أربعين يومًا، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه ملَكًا بأربـع كلمات: فيُكتب عمله، وأجله، ورزقه، وشقي أم سعيد. ثم يُنفخ فيه الروح...))[2].
يخبر الله تعالى عن مراحل تكوين الإنسان في بطن أمه، ويخبر رسوله المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم عن مدة بعض هذه المراحل. وإن من عادة الصينيين أنهم يحسبون عمر الإنسان منذ بدء الحمل وليس من يوم الولادة، وفي هذا تلميح للأم الحامل بأن هناك مخلوقًا حيًا يتغذى منها وسيصبح بعد تسعة أشهر طفلاً. وفي هذه المرحلة الحيوية البناءة يكون الطفل بحاجة قصوى للغذاء والبيئة المناسبة أكثر منه في أي وقت آخر من حياته. وتعتمد حالته الصحية كليًا على صحة أمه، كما أن صحته في السنوات القادمة، وكذلك صحة الأم، مبنية إلى درجة كبيرة على حالتها الصحية خلال أشهر الحمل. فينبغي على المرأة الحامل أن تولي صحتها عناية كبيرة وخاصة خلال أشهر الحمل، فتفعل كل ما فيه منفعة لها ولجنينها، وتتجنب أو تترك كل ما فيه مضرة لها ولجنينها.
ولتعلم الحامل أنها إذا كانت من المدخنات ولم ترأف بصحتها فتترك التدخين، فقد حان الوقت لترأف بجنينها على الأقل فتقلع عن التدخين حفاظًا على ولدها حتى لا تلد ولدًا أجبرته على إدمان الدخان وهو لما يزال جنينًا في بطنها.
فقد اثبت الطب والعلم الحديث أن المرأة المدخنة إذا كانت حاملاً فضررها متأكد في حق جنينها، هذا الجنين الذي تحمله في أحشائها تسعة أشهر وتعاني من أجله آلام الحمل ومتاعبه ثم بالوقت نفسه تضره أكبر الضرر بتدخينها وتجعل منه جنينًا مدمنًا وهو لم ير النور بعد؛ فالجنين يمر بثلاث مراحل يكون اعتماده في غذائه ونموه خلالها على دم الأم عن طريق المشيمة والحبل السري، والأطباء في كل مكان يصرخون محذرين المرأة الحامل من التدخين قائلين لها: احذري فإن في بطنك جنينًا مدمنًا. ذلك لأن المواد الضارة التي يحتوي عليها الدخان ومنها النيكوتين سوف تصل إلى الجنين عن طريق دم الأم الملوث بها، وقد وجد العلماء في السجائر ما يزيد عن مئة من المواد الضارة التي تصل كلها إلى الجنين فيعاني على مدى شهور الحمل من غذاء ملوث بمواد ضارة مثل النيكوتين. ويشير الأطباء إلى أن هناك تأثيرات بعيدة المدى للسجائر على الجنين، فتعرضه لمدة تسعة أشهر داخل الرحم للنيكوتين، وهو مادة فيها نوع من الإدمان يؤثر على خلايا مخ الجنين فيصبح بالتالي شديد القابلية للتدخين والإدمان في المستقبل.
وكدليل على ذلك فإن إحدى الصحف قد ذكرت خبرًا تحت عنوان (طفلة العامين تدمن النيكوتين) فقالت: ((ناشدت إحدى الأمهات البريطانيات الأطباء لعلاج طفلتها التي لم تتجاوز العامين من عمرها من إدمان النيكوتين بعد أن لاحظت اهتمامها الشديد باستنشاق الدخان من أعقاب السجائر في الطفايات. وكانت الأم أماندا بيبر (24 عامًا) قد لجأت إلى طبيبها الخاص طالبة المساعدة في علاج ابنتها التي أصبحت مدمنة لاستنشاق دخان السجائر، والبحث عن أعقابها في الطفايات أو محاولة انتزاعها من المدمنين كلما اصطحبتها إلى الأماكن العامة. وكشفت الأم عن تدخينها بكثافة أثناء حملها وبمعدل خمسين سيجارة يوميًا الأمر الذي انعكس على طفلتها بعد الميلاد))[3].
كما أن البحوث قد كشفت عن علاقة وثيقة بين التدخين وتشوهات الجنين أثناء الحمل وهي مشكلة خطيرة يتزايد عدد ضحاياها باستمرار خصوصًا في عصرنا الحاضر، فبالإضافة إلى النيكوتين يشير إصبع الاتهام في هذا المجال إلى كثير من نواتج احتراق السيجارة مثل القطران وغيره. وهناك أضرار كثيرة قد تقع للأم المدخنة منها أن متاعب الحمل البسيطة قد تزداد مع التدخين مثل اضطرابات المعدة والميل إلى القيء وكذلك زيادة ضربات القلب، وفقدان الشهية للأكل، أو القابلية للأرق أو الشعور بالخمول. بل قد يتعدى الأمر إلى أخطر من ذلك حيث يموت الجنين داخل الرحم، أو حدوث الولادة قبل موعدها الطبيعي مما ينتج عنه طفل غير كامل النمو. كل هذا وغيره كثير تثبت الإحصائيات المتكررة حدوثه بكثرة للحوامل المدخنات. وحتى في مدة الرضاعة فإن النيكوتين وبعض نتائج احتراق السيجارة يفرزها الثدي مع الحليب في فم الطفل الرضيع، هذا الكائن الضعيف الذي يتعرض للأخطار والأمراض في أيامه الأولى من أقرب الناس إليه، وربما تجني هذه الأم المدخنة على أبنائها في كبرهم حيث يصبحون أكثر استعدادًا للإصابة بالسرطان من الأطفال الذين ولدوا من أمهات غير مدخنات. وعمومًا فإن التدخين يضر المرأة سواء في مرحلة الحمل أو غيرها، وهو سبب رئيس للسرطان وأمراض الرئة والقلب والشرايين.
أما الأشياء التي ينبغي أن تهتم الحامل بها لكي تحافظ على حملها طوال التسعة أشهر فهي: الغذاء، اللباس، الجمـاع، الرياضة، الراحة.
الغـــذاء
ليس هناك أي داع لزيادة كمية الغذاء بناء على الاعتقاد الخاطئ أن الغذاء هو لاثنين: الأم والجنين، وإنما المهم الاهتمام بنوعية الغذاء والتأكد من أنه يسد حاجة الجسم من العناصر الأساسية كالفيتامينات والكالسيوم والبروتين والحديد.
فأما الكالسيوم فهو ضروري للأم والجنين؛ إذ يدخل في تكوين العظام، ومن أهم مصادره: الحليب الذي يحتوي على كميات لا بأس بها منه، وكذلك الأجبان والألبان والخضروات الطازجة. وأما الحديد فهو يوجد في الخضروات واللحوم وبخاصة الكبد والبيض والحبوب والبقول. وأما الفيتامينات؛ فإن فيتامين (أ) يوجد في البيض والحليب والزبد، وفيتامين (ب) يوجد في الحليب غير المغلي والحبوب والخضروات الطازجة، وفيتامين (ج) يوجد في البرتقال والليمون واليوسفي، وفيتامين (د) يوجد في الحليب والزبد وصفار البيض.
إن الحليب هو أنفع طعام للحامل وهو الغذاء الذي لا غنى عنه للحامل؛ ففيه كمية كبيرة من الكالسيوم والفوسفور والبروتينات اللازمة لبناء عظام الجنين وعضلاته، كما أن الحليب يحتوي على جميع أنواع الفيتامينات الضرورية لجسم الحامل، وليس هناك غذاء غير الحليب يمكن أن يزود الحامل بهذه العناصر المهمة. وتحتاج الحامل إلى أربعة أكواب من الحليب يوميًا، فإذا كانت لا تستسيغ شرب كل هذه الكمية، فيمكن شرب كوبين وتناول الكمية الباقية ممزوجة مع الكاكاو أو المهلبية أو الرز بالحليب.
وخلاصة القول أن على الحامل أن تتناول غذاء متنوع الأصناف غني بالأطعمة الأساسية كالحليب والخضروات الطازجة والفاكهة واللحوم والبيض والسمك والبطاطا وخبز القمح. وأن تشرب ستة أكواب من الماء أو أكثر يوميًا خاصة إذا كان الطقس حارًا.
قد تصبح القابلية للأكل ضعيفة في الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل، وقد تصاب الحامل بقرف واشمئزاز من الطعام، والإقلال من الطعام بسبب ذلك ينتج عنه نقص في التغذية، لذا كان من الواجب بذل الجهد لإيجاد نظام غذائي خلال هذه المرحلة يمد الحامل بأنواع الأغذية اللازمة. أما بعد الشهر الثالث فالقابلية للأكل تزداد كثيرًا وقد تصبح نهمًا، وهذا يتطلب من الحامل أن تقوي من إرادتها فلا تأكل إلا ثلاث مرات في اليوم فقط، وأن تمتنع عن تناول الحلويات والمثلجات والدهنيات. ويمكن في هذا الوقت الإكثار من أكل الخضار الطازجة كالخس والطماطم والفاصوليا الخضراء والفول الأخضر والجزر، فتحصل الحامل على درجة الشبع من غير زيادة مفرطة في الوزن.
أما الأطعمة التي يجب أن تتجنبها الحامل فهي المواد الغنية بالدهن والأطعمة المقلية بالسمن أو الزيت والنقانق والسمك المدخن والتوابل والحلويات؛ فهذه الأطعمة تضايق الحامل وتسبب لها إزعاجًا متواصلاً وقد تسبب لها عسرًا هضميًا أو حرقة في المعدة أو ضيقًا في التنفس. كذلك على الحامل أن تقلل كثيرًا من الملح ولو حذفت كمية الملح التي تضاف إلى الطعام أثناء طبخه لما حدث أي نقص لهذا العنصر في غذائها لأنه موجود في كل أنواع الأطعمة التي تتناولها. أما الإكثار من الملح فإنه يتسبب في زيادة وزن الحامل؛ لأن الملح الذي يزيد في الجسم يحفظ معه الماء وتصبح أنسجة الحامل غارقة بالماء مما يزيد في ظهور التورمات.
اللبـــاس
ليس هناك لباس للحامل أفضل من الملابس الواسعة الفضفاضة المعلقة من الرقبة والكتفين خصوصًا عندما يكبر البطن، وقد صار الحصول على الملابس الجاهزة المناسبة للحامل سهلاً من المحلات التجارية بما في ذلك الملابس الداخلية التي تناسب كل مرحلة من مراحل الحمل. وأهم ما ينبغي على الحامل أن تتجنبه الملابس والأحزمة الضيقة التي تضغط على بطنها وخصرها فتؤذي نفسها وجنينها.
أما بالنسبة للأحذية فينبغي أن تكون بدون كعب أو بكعب قصير وعريض لتساعد على حمل الوزن الزائد والمحافظة على التوازن دون التعرض للوقوع. وعلى الحامل أن تتجنب الأحذية عالية الكعب لأنها تعرضها للسقوط أو التواء القدم.
الرياضـــة
لقد أصبحت الرياضة وممارسة التمارين الرياضية الخاصة بالحمل من الأشياء المتفق عليها وينصح بها الأطباء باستمرار لعلمهم بفوائدها البدنية والنفسية خاصة بعد أن انفصلت الحركة والرياضة من حياة المرأة في هذا العصر. فهناك أعضاء مهمة في جسم المرأة تتأثر بظروف الحمل ولا بد من تمرينها وتقويتها، ومن هنا كانت الرياضة تعويضًا عن الحركة المفقودة من حياة المرأة العصرية وضرورية جدًا للحامل، لأنها تساعد في التخفيف من آلام الحمل، وتمنح الحامل سيطرة على الجسم، وثقة بالنفس، وقدرة على التركيز، ورفعًا للمعنويات، وزيادة في مرونة أعضاء الجسم مثل الحوض والرحم والمهبل والبطن والصدر والظهر والأطراف، فتصبح هذا الأعضاء أكثر قوة واستعدادًا للحركة مدة الطلق وأثناء الولادة. كما أن الرياضة تساعد على تجنب السمنة وزيادة الوزن الضارة بالجسم.
إن التمارين ليست مفيدة للأم فحسب بل هي مفيدة للجنين أيضًا، فلكي ينمو الجنين نموًا طبيعيًا وصحيحًا يجب أن تكون الدورة الدموية في الرحم والمشيمة صحيحة أيضاً وكاملة، ومن فوائد التمارين تنشيط الدورة الدموية في القلب والدماغ والشرايين مما يساعد على توصيل الغذاء إلى الجنين بانتظام عبر الدم، ويساعد أيضًا في نمو الجنين نموًا طبيعيًا.
ولتعلم المرأة أن الراحة الكثيرة والجمود عن الحركة خلال مدة الحمل ليس في مصلحتها، بل إن الحركة التي تبذلها في أعمالها المنزلية هي خير رياضة يمكن بواسطتها أن تخفف كثيرًا من آلام الحمل وكذلك تسهيل الولادة، فبقدر ما يكون مستوى لياقة جسم المرأة عاليًا وأعضاؤها التي تشترك في الحمل والولادة مرنة - يكون الحمل سهلاً وخفيفًا والولادة ميسرة.
وقبل أن أصف بعض التمارين المفيدة للحامل وأنصحها بممارستها ينبغي عليَّ أن لا أنسى أن أنصحها بأمر عظيم جدًا وهو المحافظة على الصلاة وأدائها في أوقاتها، لأنه إذا كان للتمارين الرياضية هذه الفوائد البدنية التي تحصل نتيجة للحركات وتكرارها، فإن للصلاة أيضًا فوائد بدنية كبيرة لها تحصل نتيجة لحركات الصلاة، ونتيجة لتكرار حركات الصلاة بأعداد كبيرة على مدار اليوم، خاصة إذا علمنا أن هناك عدة تمارين رياضية تشبه حركات الصلاة وهيئاتها تمامًا، وهناك تمرين مشهور ومفيد جدًا للحامل ينصح به أطباء النساء والولادة، وهو تمرين وضع الركبة - الصدر Knee-hest psitin ، الذي إذا نظرنا إليه لم نجده إلا تمرينًا مشابهًا جدًا لهيئة السجود في الصلاة.
فمن رحمة الله عزَّ وجلَّ أنه جعل في الصلاة فوائد بدنية عاجلة للحامل فضلاً عن الجزاء الذي تناله في الدنيا والآخرة بقيامها بأداء الصلاة التي هي عبادة لله تبارك وتعالى وهذا هو هدف الصلاة الأول والأخير.
_____________________
* هذا الموضوع منقول من كتاب عدنان الطرشه: «كيف تكونين ناجحةً ومحبوبةً».
[1] سورة المؤمنون، الآيات: 12-14.
[2] أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب:خلق آدم وذريته.
[2] جريدة الشرق الأوسط، العدد، 5054، 341413هـ-2991992م.
التعديل الأخير: