مشروع الدماغ الأزرق (Blue – Brain - Project)

زائر
بناء الدماغ البشري صناعياً

مشروع الدماغ الأزرق (Be – Bain - Pjet)

بقلم خالص جلبي

يوسف طحطوح اسمه عجيب، وخلقته دميمة، وشكله شنيع، وأفعاله أعجب، فلسانه مهيأ للشتم ويده للضرب، وهو يحب الرأس تحديدا، وما يحب في الرأس الضرب، ويزور ضحاياه مثل دراكولا مع نسمات السحر. وهكذا فقد تحلق سرب من الذئاب البشرية حول أبو راكان، وطحطوح يوجههم إلى ضرب الرأس تحديدا، وأبو راكان يستغيث في ظلمات سجن (كراكون الشيخ حسن) بدون فائدة.أما في سجن القلعة؛ فقد استمر في ضرب ضحية ثانية، على الرأس بالعصي، حتى فار الدم من اليافوخ فورا، واستسلم (سليمة) إلى نوبة صرعية، من الارتجاج والانقباض وزبد الفم وفقد الوعي..هذا هو مصير الدماغ في العالم العربي، في أسفل سافلين...أما في سويسرا، فهو يمشي في اتجاه مختلف؛ في أحسن تقويم....فهناك مشروع يعكف عليه 35 دماغا، في المعهد العالي، في لوزان، باسم (الدماغ الأزرق BBP= Be Bain Pjet) في تقليد بناء أعظم هدية في الطبيعة: (الدماغ)، وإنتاجه صناعيا.وقد وصل العمل في المعهد حتى اليوم، إلى تقليد قسم من دماغ الجرذ، بعشرة آلاف خلية عصبية، متواصلة على (شكل فراغي) بثلاث أبعاد، في مائة مليون نقطة عصبية.ويستعد للقفزة الجديدة، في عام 2008م أن يركب، ما يشبه دماغ الجرذ، بمائة مليون خلية عصبية، كل خلية بعشرة آلاف ارتباط عصبي، لترتفع قوة ارتباط الرقم، إلى مائة مليار ارتباط عصبي.أما الطموح الأكبر؛ فهو الوصول عام 2015 م، إلى تركيب دماغ صناعي يشبه الدماغ الإنساني، في مائة مليار خلية عصبية، كل خلية مترابطة بعشرة آلاف ارتباط، ليرتفع رقم الارتباط، إلى مليار مليون ارتباط (ألف مليون مليون مكان).

 

زائر
ولفهم تعقيد العمل، والجهد المبذول عليه، مثل جهد (طحطوح) في تحطيم الجماجم العربية(كذا)؟؟ فقد عكف (هنري ماركرامHeny Makam 44) المولود في جنوب أفريقيا، ورئيس المشروع، والمساعد في مشروع (معهد الدماغ المفكر Bain Mind Institte) منذ 15 عاماً، على فهم كيف يعمل الدماغ، وكيف ينبثق الوعي من البيولوجيا؟وتعود القصة إلى بداية التسعينات، حين استطاع (بيرت ساكمانBetSakmann)، الباحث في العلوم العصبية من جامعة هايدلبرج، من عزل خلايا منفردة (رمادية) من قشر الدماغ، بأنابيب زجاجية بالغة النحافة، ثم الوصول إلى سرها الكامن، وكيف ترسل إشاراتها العصبية، وعلى هذا البحث، نال ساكمان جائزة نوبل عام 1991م.ومن كلية الطب هذه تعلم (ماركرام) فكان نعم التلميذ، إلا أنه طوَّر أبحاث أستاذه أبعد، فاستطاع عزل خلايا أكثر، تعمل مع بعضها في شبكة اتصالات، مثل أوركسترا الغناء، وهكذا نجح في عزل وربط 12 خلية عصبية. وقشر المخ مكون من خلايا عصبية، هي التي تمنحه اللون الرمادي، وهي في الدماغ البشري بسماكة 6 ملم، بتراص رائع من مائة مليار خلية عصبية، تدعمها طبقة من 300 مليار خلية دبقية استنادية. وتحتها مادة بيضاء، تذكر بالجوز وتلافيفه ولحاءه وبياضه. أما المادة البيضاء فهي ضفائر، من الكابلات العصبية، بمليارات المليارات، محدثة شبكة مخيفة من الاتصالات، قدرها السيد (رصاص) في كتابه عن الدماغ البشري، في رقم يصل إلى ما فوق الجوجول، أي عشرة مرفوعة إلى القوة مائة، وهو رقم أكبر من كل جزئيات الكون، البالغة تقديرا عشرة مرفوعة إلى القوة 83؟ وهو التحدي الفعلي أمام (ماركرام) ومجموعته في لوزان.والعقبات التي واجهت المشروع، بدأت من فهم موديل الخلية العصبية، فالمادة العصبية، سواء كانت دماغ ذبابة، أو جرذ، ووصولا إلى الإنسان، مركبة على نفس الطريقة. سماها ماركرام (الأعمدة الشاقولية)، من عدد مرصوص من الخلايا العصبية، بموديلات وصلت إلى حوالي 400 نوعا، ولكنها موزعة عشوائياً. و(ماركرام) ينتجها حاليا، وصناعيا على مدار الساعة، باتجاه مشروع الماموت المستقبلي؟إنه يضحك ويقول: نصف من حولنا على الأقل، رأوا عملنا مضيعة للوقت، وأنه لا يستحق كل هذا الجهد، ولكن كل الأعمال الريادية بدأت هكذا، و(ماركرام) محق في أنه وأثناء الرحلة، ستتولد نتائج جانبية للمشروع ليست في بال أحد. ولكن قبل كل شيء كان لابد من فهم (الوحدة العصبية) أي (النورون)؟ وكيف يعمل؟ وهكذا فقد تم تطوير رقائق إلكترونية (ميكروشيبس)، بعد إدخال مليونات من المعادلات عليها، حتى حققت شروط تجاوب الخلية العصبية، كما هو موجود في خلايا دماغ (الجرذ)، وكانت تقارن دوما، بالخلايا الأصلية.ومن أجل تحقيق عمل مثالي غير قابل للمساومة، فقد تم وخلال سنوات من الصبر الفولاذي، فتح جماجم الآلاف من جرذان المختبر، على قيد الحياة، ثم تقطيع الدماغ إلى شرائح، ثم إدخال مسابر بالغة الدقة، للاحتكاك بخلايا عصبية، ثم فهم مسئولية كل خلية عصبية.وأثناء هذا كان لابد من نقل تقنية الخلية العصبية و(فراغيا) إلى الدماغ الصناعي، من خلال حاسوب عملاق، يشرف على العملية، وهو الأعظم في العالم، تشرف على إنتاجه شركة (IBM) وتطوره باستمرار، لحرصها أيضا على كسب السوق دوما. وإذا صدقت حسابات ماركرام المستقبلية، حين يصل عام 2015 م إلى مشروع الدماغ البشري، فسوف يكون حجم الكمبيوتر بقدر أربع ملاعب كرة قدم، وباستهلاك من الطاقة يصل إلى ثلاث مليارات دولار؟!ولكن ماركرام يرى المسألة بغير هذه الصورة، أمام التطور السريع في تقنية الميكروشيبس وتكاليفها.ولعل مشروع (الكمبيوتر الكوانتي) مع اقتراب عام 2020 م، سوف يذلل هذه العقبات.. ويمكن مراجعة هذه المادة في المقالة التي نشرتها لي الشرق الأوسط عن هذا الكمبيوتر.. ومن الأسرار التي كشفت قصة (قنوات الأيونات)، عن كيفية انفراغ كل خلية عصبية على أختها، بجيب منتفخ اسمه السينابس(Synapse)، ينفرش مثل أصابع القدم، يحمل ما لا يقل عن أربعين مادة كيماوية مختلفة، هي لغة التفاهم العصبي، يقابلها مستقبلات، على شكل بوابات مستقبلة، في الخلية العصبية المجاورة، تتفتح وتغلق مثل كهف علي بابا وافتح يا سمسم؟ أي أن الاتصال العصبي، هو آلية كهربية كيماوية مزدوجة، وهو التحدي في الإيصال العصبي في حوادث القطع والهرس، فلا تنصلح الأعصاب، إذا لحمت وخيطت كما نفعل مع العروق الدموية من شرايين وأوردة.ومما عرف أن تدنيا في مادة (السيروتونينSetnin) أو (الايبينفرين) مثلا يؤدي إلى الكآبة، بفقد الترابط العصبي، بسبب انغلاق بوابات الاستقبال بين الخلايا.. وهكذا فقد لوحظ أن الخلايا العصبية، تحمل سرين، كل واحد مذهل بحد ذاته: كيفية ترابطها، ومقدار ترابطها؛ فالخلية العصبية ليست أسلاك كهرباء متصلة ببعضها البعض، فهذا ثبت، وعليه ومنه بنيت فكرة تخطيط الدماغ الكهربي، حيث عرف صدور الكهرباء من كل خلايا الجسم، بما فيها الدماغ والقلب، وحين كشف عنها الألماني (هانس) في الدماغ ورصدها ضحكوا عليه، وشبهوه بحصان السيرك هانس، حتى ثبتت صحة فكرته؟!والآن لا تخلو عيادة عصبية من هذا الجهاز، ويمكن رؤية نماذج شتى من موجات الدماغ الكهربية، مرتسمة على أوراق لانهاية لها، تتكلم عن موجات محيط مترامي لا حدود لشواطئه.أما فكرة الدخول المباشر على الخلايا العصبية؛ فهي تذكر بخارطة الدماغ البشري، التي اشتغل عليها العالم الكندي (وايلدر بنفيلد) لمدة خمسين عاما، ليخرج في النهاية بكتابه، عن (لغز الدماغMystey f Mind)، حيث حشر الكترودات رقيقة في ألف دماغ بشري، في حالة صحو، ليعرف أين مكان كل وظيفة؟ حتى رسم خريطة ماجلان على قشر المخ.والمكان الوحيد الذي خفي عليه، وكان جزيرة الكنز بدون هداية، فلم يعثر عليه قط، هو مكان الروح والوعي؟ مما وصل إلى الاستنتاج الذي يقول، أن ثمة شيئا لا يزول مع زوال الدماغ العصبي الفيزيائي، وهي الروح.. وهو أمر خلّده فيلم 21 غراما، الذي تكلم عنه عالم النفس الأمريكي (مك دوجل)، الذي زعم أنه قام بوزن الأجسام قبل وبعد موت الإنسان، ليصل إلى تقرير مثير، أن هناك نقص 21 غراما يطرأ نقصا على البدن، حين مفارقة الروح له.. فما مكونات هذه الغرامات الخفيفة التي لا تزيد عن فراشة برية؟؟. ويعترف مدير المشروع (فيلكس شورمانFeix Shemann) أن الفرق بين الخلايا العصبية والميكروشيبس هائل، فالشرائح الكمبيوترية ليس فيها (جينات) ولا بروتينات ينبثق منها الوعي، ويقول سيحصل هذا لاحقاً، ونحن حاليا مشغولون بإتقان الموديل، وهم يراقبون عمل الخلايا العصبية من خلال شاشة تلحق كل الدوائر العصبية، وكانت النتائج الأولية مذهلة لنفس الفريق، فقد بدأ العمل لحنا نشازا، للتساوق الخلايا العصبية لاحقا فتخرج بنشيد مشترك مثل عزف الأوكسترا في أوبرا راقية..وعلينا أن نعترف ببسالة المشروع وريادته في كل عمل عبقري. مع هذا فمن يريد توليد الحياة من المادة، يذكر بمثل الذباب في القرآن، وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه، ضعف الطالب والمطلوب؟ ويرى (مانفرد دورشاك) من مجلة الشبيجل الألمانية، أن هناك ما لا يقل عن 35 ألف ورقة بحث في العلوم العصبية، التي تسجل اختراقات نوعية باضطراد، وهو جهد لا يصل دماغ واحد إلى عشرة معشاره ، وهكذا فمشروع الدماغ الأزرق سيمكن من ضغط وفلترة وجمع كل هذا الحصاد الرائع، ليتولد من التراكم الكمي قفزة نوعية، كما حصل مع انبثاق الروح من تضاعيف المادة..كل هذا يتم في الوقت الذي ما يزال في العالم العربي من يناقش حول أحقية المرأة لقيادة السيارة، أو أن يسجن مواطن، لأنه فتح الانترنت، فقرأ مقالتين ونصف، فأرسلها إلى شخصين ونصف، ليحكم بالسجن سنتين ونصف؟؟