مضادات حيوية لمعالجة أعراض القولون العصبي

زائر
مضادات حيوية لمعالجة أعراض القولون العصبي
وجود أنواع من البكتيريا بشكل غير طبيعي يؤدي إلى حدوث المرض

الرياض: د. عبير مبارك
استكمالاً لدراساتهم السابقة، والمتميزة في هذا المضمار، يقول الباحثون من مركز سيدرز ـ سيناي الطبي بالولايات المتحدة أن تناول أنواع معينة من المضادات الحيوية التي لا تمتصها الأمعاء، وبالتالي لا تُؤثر على سلامة أعضاء الجسم، هو أمر كفيل بتخفيف حدة الأعراض المصاحبة للمعاناة من القولون العصبي على المدى الطويل.

والجديد في هذه الدراسة التي تم نشرها في 17 أكتوبر ضمن مجلة مدونات الطب الباطني الأميركية، أنها الدراسة الأولى التي تثبت أن التأثير سيدوم طويلاً لاستخدام أنواع معينة من المضادات الحيوية في حالات القولون العصبي، أي حتى بعد انقضاء فترة تناول المضاد الحيوي وزوال أثره في الأمعاء، فإن الأثر الفعال له في تخفيف الأعراض يبقى لمدة طويلة. والدراسة هذه تُعد متابعة للنتائج التي سبق لباحثي مركز سيدرز ـ سيناي الطبي طرحها في دراساتهم الماضية، ومبنية بالأصل على نظريتهم بأن غالب أعراض القولون العصبي ناتجة عن وجود أنواع من البكتيريا بشكل غير طبيعي في القولون. الأمر الذي يُعيد إلى الأذهان بدايات اقتراح الباحثين في الثمانينات من القرن الماضي أن قرحة المعدة والأثني عشر ناجمة عن وجود بكتيريا المعدة الحلزونية، والتي أدت معالجتها الصحيحة بالمضادات الحيوية، ضمن برنامج معالجات قرحة المعدة، إلى التقليل من حدة الأعراض وزوال القروح من المعدة.
وشملت الدراسة حوالي 90 شخصاً ممن تم تشخيص وجود القولون العصبي لديهم وفق ما يُسمى بالإرشادات الخاصة التشخيصية المتعددة للقولون العصبي. وتناول نصفهم 400 مليغرام من المضاد الحيوي «ريفاكسيمين»، ثلاث مرات يومياً لمدة 10 أيام، ونصفهم الاخر تناول دواء مزيفاً وهمياً، وبنفس الكيفية، وذلك ابتغاء مقارنة التحسن في الأعراض وسبب ذلك. أي هل بسبب مجرد الشعور بتناول علاج أياً كانت محتوياته أم بسبب تأثير ذلك المضاد الحيوي بالذات. وهو ما يُعد أحد الطرق القوية في البحث.
* مراجعة الأعراض
* وتمت مراجعة دقيقة للأعراض التي يشكون منها في بداية الدراسة، وكذلك مرة في الأسبوع لمدة وصلت إلى 10 أسابيع، من أجل متابعة مدى شعورهم وإحساسهم بالأعراض بعد انقضاء فترة تناول المضاد الحيوي. وتحديداً شملت المتابعة تسعة من الأعراض هي ألم البطن، والإسهال، والإمساك، وانتفاخ البطن، والشعور بالحاجة الضرورية والسريعة للذهاب إلى الحمام للتبرز، وخروج مخاط مع البراز، والشعور بعدم التمكن من إخراج كامل الفضلات بعد انقضاء التبرز، والغازات.
والذي تبين للباحثين من مراجعة نتائج المتابعة لهؤلاء المرضى أن تناول ريفاكسيمين لم يُخفف بدرجة مهمة وعالية من الأعراض خلال العشرة أيام التي تم تناوله فيها فقط، بل إن فائدته استمرت لمدة 10 أسابيع تالية، وهي الفترة التي لم يكن يتناول المرضى ذلك المضاد الحيوي فيها. وتحديداً فإنه خفف بنسبة 50% من الشعور بانتفاخ البطن مقارنة بالدواء المزيف. بينما لم تُلحظ أي تغيرات في حالات الإمساك أو الإسهال.
وعلق الدكتور مارك بيمنتيل، مدير برنامج حركة الجهاز الهضمي بمركز سيدرز ـ سيناي والباحث الرئيس في الدراسة، بالقول وفي الحقيقة فإن فوائد المضاد الحيوي التي استهدف تحقيقها تناوله قد استمرت حتى بعد التوقف عنه، ما يعني أن المضاد الحيوي كان يعمل على القضاء على مصدر المشاكل والأعراض لدى مرضى القولون العصبي، وهو تجمعات البكتيريا في الأمعاء. وهو ما يُوفر، على حد قوله، طريقة معالجة جديدة، وأملا جديدا، لمرضى القولون العصبي.
* أمل للشفاء
* وأضاف بأن ما تم نشره من نتائج جديدة يُثبت أن المضاد الحيوي الذي لا يمتصه الجسم يُمثل أملاً لتحسين الأعراض، والخطوة التالية هي إجراء دراسة متعددة المراكز لتشمل عددا أكبر من المرضى في مقارنة التأثيرات قصيرة المدى وطويلة المدى لهذا الدواء، كما وتشمل اختبارات لمقارنة هذا المضاد الحيوي مع مضادات حيوية أخرى. وما دعاه إلى قول هذا هو أمران، الأول أن الدراسة لم تشمل عددا كبيراً من المرضى، وهو ما يلزم بداهة لمعرفة الآثار الجانبية لتناول هذا المضاد الحيوي على مجموعة واسعة من المصابين بالقولون العصبي. والثاني أن تقويم أثر الفائدة يحتاج أيضاً إلى عدد أكبر من المرضى. وهما السبب في اعتزام مجموعة الباحثين البدء بدراسة أكبر بعد النتائج المبدئية المشجعة.
والجانب الاخر المهم في الدراسة برمتها هو هل كل مرضى القولون العصبي تتسبب البكتيريا لديهم بالأعراض التي يُعانون منها، أي هل لدى جميعهم زيادة في تكاثر أعداد البكتيريا في الأمعاء أم أن البكتيريا هي السبب لدى مجموعة منهم دون كلهم وهذا ما تصعب الإجابة عليه مما هو متوفر من دراسات. لكن الباحثين في دراستهم هذه كانوا قد أجروا اختبار هواء النفس لمعرفة نسبة غازي الهيدروجين والميثان. وهي إحدى الطرق غير المباشرة في تشخيص وجود بكتيريا في الأمعاء، إذْ أن البكتيريا حينما تتواجد بكثرة فإنها تُنتج كميات أعلى من الطبيعي لهذين الغازين، وهو ما يُمكن تتبع وجوده في نسبتهما ضمن غازات هواء الزفير. كان الباحثون من مركز سيدرز سيناي قد بينوا في نتائج غير مسبوقة أن البكتيريا سبب في الأعراض لدى مرضى القولون العصبي. ونُشرت نتائجهم في عدد ديسمبر 2001 من المجلة الأميركية لعلم أمراض الجهاز الهضمي. وهي الدراسة التي أثارت اهتماما كبيراً منذ ذلك الحين بنظرية البكتيريا والقولون العصبي. أي أن للبكتيريا ونموها غير الطبيعي بكثرة في الأمعاء دوراً مهماً في ظهور الأعراض، إضافة إلى عوامل التوتر النفسي ونوعية الغذاء وغيرها من العوامل.
ويُوصف ريفاكسيمين كمضاد حيوي لمعالجة النزلات المعوية والإسهال لدى المسافرين نتيجة التقاطهم بكتيريا إي كولاي، وذلك وفق توجيهات إدارة الغذاء والدواء الأميركية. ويُعتبر اكتشاف باحثي مركز سيدرز ـ سيناي، لجدوى المضاد الحيوي هذا في تقليل أعراض القولون العصبي، ماركة مسجلة، كما يُقال، باسمهم. وتفوق هذا المضاد الحيوي على أنواع أخرى مثل المضاد الحيوي نيومايسن لدى مرضى القولون العصبي، حيث خفف نيومايسن بنسبة 25% من تجمعات البكتيريا بينما خفف ريفاكسيمين بنسبة 75% منها.
وكان قد سبق لملحق الصحة ان عرض نتائج دراسة مماثلة للباحثين من الجامعة الأميركية في بيروت حول استخدام ريفاكسيمين من قبل مرضى القولون العصبي في تخفيف انتفاخ البطن وكثرة الغازات في دراستهم التي شملت 124 شخصا، ونشرت نتائجهم في عدد فبراير من المجلة الأميركية لأمراض الجهاز الهضمي. ashaqaawsat