زائر
ما ان انطلقت بداية الفصل الدراسي الثاني حتى هرع ملايين الطلاب والطالبات, وآلاف المعلمين والمعلمات الى مدارسهم, استعداداً للفصل الثاني والأخير من العام الدراسي الحالي.
وقبل الدراسة, كانت الاجازة, والتي شهدت مجالس عيد الاضحى المبارك..
صوت الكبار في كافة المجالس, كان يتحدث عن دول آسيا (البعيدة) وتضررها من خطر انفلونزا الطيور..
الجميع كان مطمئناً, فالبلاد بفضل من الله لديها قيادة واعية ومسؤولين على درجة عالية من الاحساس بالمسؤولية امنوا الدواء قبل ان يصل الداء.. هكذا كان الحديث.
لكن في غمرة التفاؤل كانت هناك أصوات أخرى أكثر تشاؤماً.
تساءلت ما إذا وصل المرض الى المملكة?! لم تتبلور بعد الاجابة من أحد, فالكل صامت, واهتزت القلوب, وتصلبت العيون..
وكان السؤال غير منطقي.. أو دعاء بالشر!!
ولأن السائل كان واعياً.. ردد السؤال بصيغة أخرى هل نعيش شائعة ما يدور في الشقيقة مصر.. هناك امتنعوا عن شرب مياه النيل (أمس الأول), وغداً لا نعرف ماذا سيدور وأي شائعة ستنطلق..
رد أحدهم.. ان شاء الله لا يحل ببلادنا إلا كل خير.. لكن إذا جاء الشر (لا سمح الله), فالبداية هي امتناع عن هذه (اللحوم البيضاء).. ولكل حدث حديث.
ولأن الحوار غير مقبول انتهى بخاتمة غير مقبولة, وجمع الكبار صغارهم ممن كانوا بجوارهم وانطلق كل الى حال سبيله.
الحقيقة
المكان: مدرسة الشعب الابتدائية (80 كلم جنوب القنفذة).
الزمان: السابعة صباحاً.
التفاصيل: الطابور الصباحي الاعتيادي, اصطف التلاميذ وهتفوا (مجدي لخالق السماء.. وارفعي الخفاق أخضر).
وبعيداً عن أي تثاؤب, دق الجرس, فدخل التلاميذ فصولهم.
تحولت قاعات الدراسة الى واحة, تلك حصة رياضيات تحمل في جوفها عوامل الضرب والقسمة, فيما الطلاب الكبار يحملون في جوفهم (المضاربة في الأسهم).
وهناك حصة انجليزية تشرح قواعد المخاطبة, فيما البعض يحمل هم (ترجمة رسائل البلوتوث).
وفي جانب آخر كانت حصة العلوم تتمحور حول السوائل والمعادلات الكيميائية, وتشريح الانسان والاشجار والحيوانات فيما هم الطلاب والطالبات هو تشريح الطيور المسببة للانفلونزا.
ودق جرس (الفسحة), فخرج الطلاب الى الفناء, لتناول الافطار.
فجأة صاح بعضهم.. (انفلونزا الطيور في المدرسة).. ركض الصغار قبل الكبار, وبدلاً من ان يتفرقوا بعيداً عن مصدر الصوت, غلبت على افكارهم عفوية الطفولة, فركضوا نحو الصوت, تجمعوا حول طائر نافق في ساحة المدرسة, عرفوه فهو (حديّة).
لطالما اشاروا اليها وهي تطير في السماء ولطالما رموها بالاحجار, ولطالما تفحص الآخرون طريقة طيرانها الهادئ, وهبوطها الأكثر هدوءاً.
في الجانب الثاني كان هناك طائر آخر عاجز عن الطيران, أو حتى الحركة, ويبدو عليه الانهاك.
بدأ الطلاب يتداولون على وجه السرعة الشائعات, بعضهم قال ان الانهاك على الطائر الحي هو بداية المرض, والاخرون قالوا ان انكماش جناحي الطائر النافق هي المرض بعينه.
واتفقوا جميعاً على الصراخ, حتى تجمع المعلمون هم الآخرون كانوا يجهلون حقيقة المرض (الاعراض, الشكل, المقومات).. وحتى لا يتطور الموقف الى حد بعيد, تم ابعاد الطلاب عن الموقع, وسرعان ما اتصل مدير المدرسة بفرع وزارة الزراعة, التي على الفور ارسلت مندوبيها يتقدمهم الطبيب البيطري, فالامر جداً خطير, وانفلونزا الطيور متوقعة في أي وقت وأي مكان, والموقع مدرسة ابتدائية والطلاب اطفال قد يعبـثون بالمرض دون معرفة, وان عرفوه عبثوا به دون دراية بمخاطره, وان عرفوا مخاطره عبثوا به بعفوية للعب واخافة الآخرين.
وصل الطبيب البيطري, فوجد الساحة التي تحيط بالطائرين خالية تماماً, من الفحص المبدئي انفتحت اساريره, لكنه آثر ان يصطحب الطائرين الى حيث المعامل للتأكد مما حدث, وتحديد دقيق لأسباب النفوق (واختفى وراء جدران المدرسة).
انتهى اليوم الدراسي وخرج الطلاب من قاعات الفصول, وانزوى بعضهم داخل منازلهم القريبة من المدرسة, فيما الآخرون داخل سيارات أهليهم.
وكانت البداية.. بابا.. ماما, في مدرستنا انفلونزا الطيور, ارتعب الاباء والامهات, حاولوا تكذيب ما يقوله الصغار, لكن الهواتف المحـمولة اكدت الخبر, بعــدما تناقل الكبار ما سمعوه من الصغار, عندها بدأ القلق في المجالس, والكل لا يصدق, والصمت عاد ليكون سـيد المــوقف, لكن هذه المرة ساد الخوف والقلق على مصير الصغار والكبار.
في الجانب الآخر كانت المعامل في وزارة الزراعة تعمل بجد, حللوا عينات الطائر النافق وعينات من الطائر الحي, ثم خرج د.نضال فارس ليقول (اثبتت التحاليل ان ما اصاب الطائرين هو مرض النيوكاسل, وليست انفلونزا الطيور).. مضيفاً انه رصد هذا المرض ايضاً على ثلاث حالات لطيور أخرى عثر عليها في أماكن متفرقة.
ورغم ان الكبار لا يعرفون ماذا يعني النيوكاسل, إلا ان جميعهم التقط الانفاس بعد انتقاء كلمة انفلونزا او بالاحرى لم تصيبه (عطسة) ولو عفوية.
عندها كان الهدوء عنوان مكالمة مهدي عبده السلامي من اهالي بلدة الشعب الذي عثر ايضاً على طائر نافق في فناء منزله, فخاطب فرع الزراعة لاصطحاب الطائر وتحديد سبب الوفاة.
سيناريو جديد
نفس سيناريو مدرسة القنفذة, تكرر في ابتدائية أخرى تسمى ابو جعفر المنصور تابعة لادارة تعليم النماص.
فالتلاميذ لم تصلهم شائعة ابتدائية الشعب, لكنهم عثروا على طيور نافقة في الفناء, فتضجروا, وهاجوا, وبدأ قلقهم يزيد, مع زيادة قلق المعلمين.
ومع الاتصال السريع بادارة التعليم, لم تكن هناك إلا دقائق, حتى قامت بدورها وخاطبت هاتفياً الصحة والزراعة والتي ارسلت فريقاً بيطرياً للتأكد من الحالة, وعلى الفور كانت النتيجة, فالطير النافق كان مسموماً ويبدو انه تناول شيئاً مما يسممون به القرود, ويعزز ذلك ان الاهالي طالما انزعجوا من تصرفات القرود فأرادوا تسميمها.
عندها سارع مدير التعليم ظافر حبيب الى اعلان النتيجة, حتى يطمئن الجميع من اولياء امور وطلاب, ولتعود المياه لمجاريها, ويستكمل اليوم الدراسي بنجاح, وان كان في خاطر الكبار شيء, اما الصغار ففي خاطرهم (كل شيء)!! .
منقول .... جريدة عكاظ 2411427هـ
وقبل الدراسة, كانت الاجازة, والتي شهدت مجالس عيد الاضحى المبارك..
صوت الكبار في كافة المجالس, كان يتحدث عن دول آسيا (البعيدة) وتضررها من خطر انفلونزا الطيور..
الجميع كان مطمئناً, فالبلاد بفضل من الله لديها قيادة واعية ومسؤولين على درجة عالية من الاحساس بالمسؤولية امنوا الدواء قبل ان يصل الداء.. هكذا كان الحديث.
لكن في غمرة التفاؤل كانت هناك أصوات أخرى أكثر تشاؤماً.
تساءلت ما إذا وصل المرض الى المملكة?! لم تتبلور بعد الاجابة من أحد, فالكل صامت, واهتزت القلوب, وتصلبت العيون..
وكان السؤال غير منطقي.. أو دعاء بالشر!!
ولأن السائل كان واعياً.. ردد السؤال بصيغة أخرى هل نعيش شائعة ما يدور في الشقيقة مصر.. هناك امتنعوا عن شرب مياه النيل (أمس الأول), وغداً لا نعرف ماذا سيدور وأي شائعة ستنطلق..
رد أحدهم.. ان شاء الله لا يحل ببلادنا إلا كل خير.. لكن إذا جاء الشر (لا سمح الله), فالبداية هي امتناع عن هذه (اللحوم البيضاء).. ولكل حدث حديث.
ولأن الحوار غير مقبول انتهى بخاتمة غير مقبولة, وجمع الكبار صغارهم ممن كانوا بجوارهم وانطلق كل الى حال سبيله.
الحقيقة
المكان: مدرسة الشعب الابتدائية (80 كلم جنوب القنفذة).
الزمان: السابعة صباحاً.
التفاصيل: الطابور الصباحي الاعتيادي, اصطف التلاميذ وهتفوا (مجدي لخالق السماء.. وارفعي الخفاق أخضر).
وبعيداً عن أي تثاؤب, دق الجرس, فدخل التلاميذ فصولهم.
تحولت قاعات الدراسة الى واحة, تلك حصة رياضيات تحمل في جوفها عوامل الضرب والقسمة, فيما الطلاب الكبار يحملون في جوفهم (المضاربة في الأسهم).
وهناك حصة انجليزية تشرح قواعد المخاطبة, فيما البعض يحمل هم (ترجمة رسائل البلوتوث).
وفي جانب آخر كانت حصة العلوم تتمحور حول السوائل والمعادلات الكيميائية, وتشريح الانسان والاشجار والحيوانات فيما هم الطلاب والطالبات هو تشريح الطيور المسببة للانفلونزا.
ودق جرس (الفسحة), فخرج الطلاب الى الفناء, لتناول الافطار.
فجأة صاح بعضهم.. (انفلونزا الطيور في المدرسة).. ركض الصغار قبل الكبار, وبدلاً من ان يتفرقوا بعيداً عن مصدر الصوت, غلبت على افكارهم عفوية الطفولة, فركضوا نحو الصوت, تجمعوا حول طائر نافق في ساحة المدرسة, عرفوه فهو (حديّة).
لطالما اشاروا اليها وهي تطير في السماء ولطالما رموها بالاحجار, ولطالما تفحص الآخرون طريقة طيرانها الهادئ, وهبوطها الأكثر هدوءاً.
في الجانب الثاني كان هناك طائر آخر عاجز عن الطيران, أو حتى الحركة, ويبدو عليه الانهاك.
بدأ الطلاب يتداولون على وجه السرعة الشائعات, بعضهم قال ان الانهاك على الطائر الحي هو بداية المرض, والاخرون قالوا ان انكماش جناحي الطائر النافق هي المرض بعينه.
واتفقوا جميعاً على الصراخ, حتى تجمع المعلمون هم الآخرون كانوا يجهلون حقيقة المرض (الاعراض, الشكل, المقومات).. وحتى لا يتطور الموقف الى حد بعيد, تم ابعاد الطلاب عن الموقع, وسرعان ما اتصل مدير المدرسة بفرع وزارة الزراعة, التي على الفور ارسلت مندوبيها يتقدمهم الطبيب البيطري, فالامر جداً خطير, وانفلونزا الطيور متوقعة في أي وقت وأي مكان, والموقع مدرسة ابتدائية والطلاب اطفال قد يعبـثون بالمرض دون معرفة, وان عرفوه عبثوا به دون دراية بمخاطره, وان عرفوا مخاطره عبثوا به بعفوية للعب واخافة الآخرين.
وصل الطبيب البيطري, فوجد الساحة التي تحيط بالطائرين خالية تماماً, من الفحص المبدئي انفتحت اساريره, لكنه آثر ان يصطحب الطائرين الى حيث المعامل للتأكد مما حدث, وتحديد دقيق لأسباب النفوق (واختفى وراء جدران المدرسة).
انتهى اليوم الدراسي وخرج الطلاب من قاعات الفصول, وانزوى بعضهم داخل منازلهم القريبة من المدرسة, فيما الآخرون داخل سيارات أهليهم.
وكانت البداية.. بابا.. ماما, في مدرستنا انفلونزا الطيور, ارتعب الاباء والامهات, حاولوا تكذيب ما يقوله الصغار, لكن الهواتف المحـمولة اكدت الخبر, بعــدما تناقل الكبار ما سمعوه من الصغار, عندها بدأ القلق في المجالس, والكل لا يصدق, والصمت عاد ليكون سـيد المــوقف, لكن هذه المرة ساد الخوف والقلق على مصير الصغار والكبار.
في الجانب الآخر كانت المعامل في وزارة الزراعة تعمل بجد, حللوا عينات الطائر النافق وعينات من الطائر الحي, ثم خرج د.نضال فارس ليقول (اثبتت التحاليل ان ما اصاب الطائرين هو مرض النيوكاسل, وليست انفلونزا الطيور).. مضيفاً انه رصد هذا المرض ايضاً على ثلاث حالات لطيور أخرى عثر عليها في أماكن متفرقة.
ورغم ان الكبار لا يعرفون ماذا يعني النيوكاسل, إلا ان جميعهم التقط الانفاس بعد انتقاء كلمة انفلونزا او بالاحرى لم تصيبه (عطسة) ولو عفوية.
عندها كان الهدوء عنوان مكالمة مهدي عبده السلامي من اهالي بلدة الشعب الذي عثر ايضاً على طائر نافق في فناء منزله, فخاطب فرع الزراعة لاصطحاب الطائر وتحديد سبب الوفاة.
سيناريو جديد
نفس سيناريو مدرسة القنفذة, تكرر في ابتدائية أخرى تسمى ابو جعفر المنصور تابعة لادارة تعليم النماص.
فالتلاميذ لم تصلهم شائعة ابتدائية الشعب, لكنهم عثروا على طيور نافقة في الفناء, فتضجروا, وهاجوا, وبدأ قلقهم يزيد, مع زيادة قلق المعلمين.
ومع الاتصال السريع بادارة التعليم, لم تكن هناك إلا دقائق, حتى قامت بدورها وخاطبت هاتفياً الصحة والزراعة والتي ارسلت فريقاً بيطرياً للتأكد من الحالة, وعلى الفور كانت النتيجة, فالطير النافق كان مسموماً ويبدو انه تناول شيئاً مما يسممون به القرود, ويعزز ذلك ان الاهالي طالما انزعجوا من تصرفات القرود فأرادوا تسميمها.
عندها سارع مدير التعليم ظافر حبيب الى اعلان النتيجة, حتى يطمئن الجميع من اولياء امور وطلاب, ولتعود المياه لمجاريها, ويستكمل اليوم الدراسي بنجاح, وان كان في خاطر الكبار شيء, اما الصغار ففي خاطرهم (كل شيء)!! .
منقول .... جريدة عكاظ 2411427هـ