زائر
هل يمكن أن نحل لغز الأحلام
الأحلام تلك الظاهرة التي شغلت كافة البشر . لقد أعطى الإنسان منذ قديم الزمان أهمية قصوا لهذه الظاهرة , وقد كان الإنسان البدائي غالباً لا يميز بين الوعي أثناء الصحو والوعي أثناء الحلم , لذلك كثيراً ما اختاطت أحداث الواقع من أحداث الحلم . وجاءت العقائد البدائية وكانت أيضاً تخلط أحداث الواقع بأحداث الحلم , وعندما نشأت الأديان فسر كل منها هذه الظاهرة . ولم تستثنى أي جماعة بشرية من محاولتها فهم هذه الظاهرة , وقد كتبت ألاف الكتب عن الأحلام وكانت جميعها لا ترتكز على أي أسس موضوعية , بال على الخيال والتكهن والتوقع .
لقد ظن فرويد أنه كشف سر الأحلام , ولكن ظهر لاحقاً أن ظاهرة الأحلام لا تزال بحاجة إلى دراسة وبحث ليتم فهم أسسها وأصولها البيولوجية العصبية ,أي البنيات الدماغية تشارك في إحداثها , وما هي المراكز التي تتواصل مع بعضها لكي تنشأ الأحلام , وما هي علاقة الوعي أثناء الصحو ( أو أثناء اليقظة ) , بالوعي أثناء الحلم , ولماذا هناك اختلافات كثيرة وهامة بين الوعي أثناء الصحو والوعي أثناء الحلم .
هل يوجد معارف موضوعية مرتكزة على أسس دماغية عصبية عن هذه الظاهرة ؟
لقد كتبت مئات الكتب عن الأحلام ودورها وأسبابها , وجرت بحوث كثير عنها وهذا بعضها :
في بدء القرن العشرين ظهرت آراء فرويد ومؤلفاته التي غيرت كل المفاهيم السابقة للأحلام حيث وصف وظيفة الأحلام بأنها عملية عقلية سايكولوجية تصدر من منطقة اللاوعي في العقل - التي افترضها - للتعبير عن رغبات جنسية مكبوتة ، بطريقة التداعي الحر.
وجاء بعد فرويد «كارل يونغ» و«ألفرد إدلر» وغيرهما من الذين عارضوا أفكاره وبخاصة تلك التي تتعلق بالرغبات الجنسية المكبوتة، وعدوا وظيفة الأحلام وظيفة نفسية تكيفية تهدف إلى إيجاد تكيف للفرد مع واقعه الحياتي وإلى حل مشاكله.. إلخ .
ثم ظهرت تفسيرات كثيرة لآلية تكوين الأحلام والرموز التي تتصف بها وفوائدها، ولكن ما الآلية والرمز والوظيفة.. تلك الألغاز المحيرة في الأحلام؟
يعرف الرمز في الأحلام بأنه التعويض عن الفكرة أو الرغبة في اليقظة برمز أو صورة رمزية في الحلم، فالرجل الشجاع يرمز له بالأسد والجاهل يرمز له بالنعامة والحياة الدنيا يرمز لها بالمرأة الجميلة... إلخ.
وهكذا فإن كل مجتمع بل كل شخص له رموزه الخاصة المختلفة عن الآخرين والتي تتكون من خلال ثقافة وحضارة ذلك المجتمع وتجارب ذلك الشخص، فهل يا ترى هناك قاموس بيولوجي في جزء اللاوعي من العقل لترجمة الفكرة أو المشكلة إلى رمز وبالعكس؟
إن فائدة الرمز هي فائدة دفاعية عن النفس إذ إنها تحمي الفرد من القلق المرتبط بصراحة الموضوع الأصلي.
إن لغز الرمز يحتاج إلى الكثير من التعمق والاجتهاد للوصول إلى استنتاج مقنع بموجب فرضية تعتمد على نظرية التفاعل البيوكيمياوي لإنتاج العقل والتفكير في الدماغ ، وهذا الرأي غير ملزم للقارئ لأنه مجرد محاولة تفسيرية لم توثقها التجارب والأبحاث بعد.
وخلاصة الفرضية المقترحة هي وجود كيمياوية خاصة في الدماغ مثل الاسيتيل كولين والنور أدرينالين والدوبامين والسيروتونين... إلخ . هذه المواد وغيرها تتفاعل وتنتقل من مركز إلى آخر في الدماغ عبر شبكات عصبية لإحداث تغييرات فسيولوجية (كهروكيمياوية) معقدة تنتهي بولادة فكرة ، وهذه الفكرة أو التفكير قد تكون قرارًا مهمًا في حياة الشخص وقد تكون حلم يقظة أو قد تكون حلم النوم الذي يتميز عن غيره بأنه غير خاضع لسيطرة العقل الواعي ويستعمل الرموز بدل النصوص والصور الصريحة .
وعلى هذا الأساس يكون العقل والتفكير (الواعي وغير الواعي) عبارة عن طاقة أو إشعاع من المادة البيولوجية للدماغ بعد سلسلة من التفاعلات البيوكيمياوية، وبما أن الحلم هو نوع من التفكير اللاواعي فإن آلية أو كيفية تسجيل الحلم وبثه لابد أن تقوم على أسس بيولوجية وطرق بيوكيمياوية تقتضيها الضرورة الفسيولوجية للجسم والدماغ، لكن المعضلة هي الكيفية التي تتحول بموجبها الفكرة الحلمية من رغبات أو مشاكل إلى رموز، لقد كان ولا يزال لغز تكوين الرمز وتفسيره مجهولاً وممتنعًا عن الإثبات .
وكان الدكتور"ديمنت" المفتون بنظريات فرويد عن الأحلام قد قام بدراسة ظاهرة حركة العين أثناء النوم em ولقد اكتشف أن تلك الحركة عامة وتحدث على فترات أثناء الليل بالتبادل مع الحالات الأخرى . و أعطاها أسماء: المراحل 3 و 4 أو حالة النوم العميق عندما تتحرك الموجات الكهربية ببطء كما يرتفع وسط المحيط وتلك هي المرحلة الثالثة أما المرحلة الثانية فهي مرحلة متوسطة بين حركة العين السريعة والنوم العميق أما المرحلة الأولي فهي النوم الخفيف.
وقد رأى كل من الدكتور"ديمنت" و "هوبسون" وآخرون من خلال تلك الدراسات أن هناك دليل ضئيل على أن الأحلام هي الرغبات الخفية والممنوعة كما قال فرويد.
وهم وجدوا بدلاً من ذلك مجموعة متشابكة من القلق والخيالات ومجموعة من الأحداث الحية التافهة التي أوضحت قليلاً من النماذج قليلة التحقق أو الوظيفة التي يصعب قياسها.
وقد وجد العالمان الان هوبسون وروبرت مكارلي ان الحلم ليس الا اشارات كهربائية عشوائية يمر بها المخ حال النوم , ويقوم نتيجة لذلك بعرض مجموعة من الصور والمواقف المختزنة في الذاكرة ولكن بشكل عشوائي , ويأتي دور العقل الواعي الذي لا يقتنع بهذه العشوائية فيحاول وضعها في صورة منطقية عبر عرضها كقصة وهو ما نسميه الحلم , وتأتي محاولات العقل الواعي دون ان نعي به !!
وتعتبر النظرية الأخيرة هي الأقوى في مجال شرح الكيفية التي يتم بها الحلم !
ويعتقد الدكتور "ويلسون" في وجود نوع من المحادثة الخفية بين الجهاز العصبي الخارجي المنهمك في عملية التعلم الواعي أثناء اليقظة وقاع المخ وقال تعبيرًا عن ذلك ... " إن ما نلاحظه هو أن الضوء يمر في الجهاز العصبي الخارجي في أقل من الثانية قبل أن يمر إلى قاع المخ كما لو كان الغلاف الخارجي يطلب المعلومات".
وأحد الأسباب التي يطمئن إليها بعض علماء الأعصاب هي أن المخ يعمل بنشاط أثناء النوم على شريط المعلومات الذي تم تحصيله طوال النهار وكأنهم رأوا ذلك بأعينهم أو سمعوه بآذانهم على الأقل .
وفي معمله في معهد ماساشوتس للتكنولوجيا يجري "ماتيو ويلسون" دراساته على الفئران التي ترتدي ما يشبه قبعات "كارمن ميراندا". تلك هي الأضواء الراسخة في ذهن الباحثون والتي شكلت سلوكًا يمكن من خلالها تسجيل نشاط الخلايا المنفردة في أعماق المخ في كلا الفصين الأيسر والأيمن حيث يتم اختزان ذكريات النهار.
ولقد أثبتت البحوث الماضية أن فص المخ حساس للفراغ: فهو يبدو على أنه يؤلف بين الأعصاب الفردية المستثارة و المواقع خارج الجسم. ويعتقد أن تلك الأجهزة تعمل بطرق مشابهة في الإنسان والقوارض.
وقال إن تلك العملية من المحتمل أن تكون مشابهة لما يحدث عندما يأخذ الأشخاص لحظة لكي يستجيب دون تشويه والذي يتغير حسب خبرات اليوم حيث يسجل التفاصيل المهمة ويعيد تشغيل الحوادث. ويقول الدكتور "ويسلون" إن السؤال هو إذا ما كان هناك شيء يحدث أثناء تلك العملية الفريدة أثناء النوم.
ويعتقد ذلك عالم الأعصاب "صبيمال داتا" من مدرسة الطب في جامعة بوسطن. حيث أنه في دراساته عن الحيوانات أثبت أنه أثناء النوم يأخذ المخ حمامًا كيميائيًا عكس ما يحدث له أثناء اليقظة. حيث أن مستوى توقف أجهزة الإرسال يزيد بشكل كبير ويقل مستوى نشاط العديد من أجهزة إرسال الرسائل أو تتوقف تمامًا.
ويقول الدكتور "داتا" إنه حتى قبل اكتشاف حركة العين السريعة فهناك مجموعة من الخلايا الصغيرة التي توجد في قاع المخ تقذف سائل كيميائي منشط يؤدي إلى تكوين البروتين والتغيرات الأخرى التي تدعم قدرة الذاكرة على التخزين لفترة طويلة. فأثناء اليقظة تكون لدينا آلاف من الأشياء التي تحدث في وقت واحد وتكون مكتبة معلوماتنا ممتلئة ونقوم بمعالجتها حيث انه أثناء اليقظة يقوم المخ أيضًا بجمع كثيرًا من المعلومات القيمة بشكل غير واعٍ أي دون أن يكون الشخص واع لذلك.
وأثناء النوم نكون في تلك الحالة الخاصة للتخلص من تلك الشحنات وعمليات حركة العين السريعة تساعد في تخزين الأشياء الهامة . وتصبح اللغة الخاصة بهذا المجال أكثر شدة حيث تتطور من الإشارة إلى الضوضاء العالية. حيث يتم إيقاظ أثر الأمور البسيطة والتفاصيل الهامة يتم إعادة استعراضها وتعزيزها.
ومازالت الأحلام تتحدى محاولة العلماء لقياسها ولكنها تحوز مكانة لها في نظرية التعلم المستقل أثناء النوم وهي نظرية في تطور مستمر . ويقول العلماء إنه من المحتمل أثناء حركة العين السريعة أثناء النوم إن المخ يقوم بمزج وربط ما قامت الذاكرة باختزانه بحثا عن العلاقات الخفية التي يمكن أن تساعد في إعطاء معنى لها من خلال العالم . إن خبرة الحياة تقطع وتسجل وتتحول ثم يعاد استخلاصها مرة أخرى. ويمكن أن تشير تلك العملية إلى المشاهد غير المترابطة التي قد تحدث أثناء الأحلام: عملية تحريك وترشيح الخبرات التي تحولت. وربما يشير ذلك إلى النتيجة الرائعة التي تساهم في النوم ليلا وما يحدث فيه من إلهامات , وكثيراً ما سمعنا أناس يقولون بأن نومنهم ليلا غير عالمهم . حيث قال أحد العلماء الروس ويسمى "ديمتري ميندلييف" بأنه أثناء نومه اكتشف الجدول الدوري للعناصر الكيميائية. كما قيل أن الكيميائي "فريدريك أوغست كيكولي" في القرن التاسع عشر قال بأنه وصل إلى التركيب الكيميائي للبنزين أثناء نومه وهو اكنشاف عظيم حيث كان يحلم بثعبان يعض مؤخرته. أما الرياضيون ومنهم"جاك نيكلاوس " فقد تحدثوا أيضًا عن عمليات الاستبصار التي حدثت لهم أثناء النوم ليلاً . فأثناء النوم ليلاً حدثت الكثير من الأعمال المهمة حيث تم تصحيح العديد من الأساليب وأزيل العديد من الغموض عن أشياء كثيرة. ويقول الدكتور "والكر" ... :" إن ظهور مثل تلك الرؤى أثناء حركة العين السريعة خلال النوم يعني شيئا أعنى ما هو أفضل وقت يمكن أن تتم فيه كل تلك الأحداث والحلول والأفكار بشكل أفضل دون تتابع؟" ويقول هو وآخرون بأن المشكلة هي كيف يمكن دراسة ذلك. ويتفق أغلب علماء الأعصاب على أنهم سوف يكتشفون بذلك التفكير الإبداعي أثناء اليقظة وأثناء النوم.
ويقول عدد من علماء الأعصاب الآن بأن أحد وظائف النوم الأساسية ترتبط بالتعلم والذاكرة. وإن سيلاً جديدًا من النتائج عن الحيوان والإنسان تفترض أن النوم يشكل دورًا حاسمًا في جمع وتصنيف الذكريات المهمة العقلية والجسدية، وربما الكشف عن الارتباطات الدقيقة بينها والتي قد لا ترى أثناء اليقظة وهي طريقة جديدة لحل مسائل الرياضيات أو الألعاب المعقدة التي تتطلب درجة عالية من التركيز الذهني، وحتى السبب غير الخفي الذي قد يسبب التوتر في الحياة الزوجية.
إن تلك النظرية تثير الجدل ويرى بعض العلماء أنه لم يتضح بعد إذا ما كان العقل يعمل أثناء النوم في معالجة بعض الذكريات التي لا يستطيع معالجتها أثناء اليقظة وذلك في لحظات التأمل الفكري الهادئ. ومع ذلك فإن البحث الجديد قد وضع خطًا تحت عملية تحول كبيرة في الطريقة التي يفهم بها العلماء العقل أثناء النوم. ففي الوقت الذي ينظر إليه فيه على أنه شاشة بيضاء أثناء النوم كإشارة إلى الموت فقد نظر إليه على أنه آلة نشطة وذات هدف وتعمل من خلال ذكاء خفي يعمل فقط أثناء الليل كما يعمل أثناء فترات الحلم وهاويات العالم السفلي المعروفة بالنوم العميق.
وأيضاً قال الدكتور كلاوديو باسيتي الذي أشرف على البحث الذي نشرته دورية كلية الطب بجامعة زيورخ:
"لا تزال كيفية نشأة الأحلام والهدف الذي تنشأ من أجلة أسئلة مفتوحة بلا إجابة" مشيرا إلى أن نتائج أبحاثه "تصف لأول مرة وبالتفصيل مدى الضرر الذي يتعين وقوعه لفقدان الاحلام في غياب أي قصور آخر للأعصاب".
وأكد الباحث أن هذه النتائج تطرح هدفا جديدا هو إجراء مزيد من الدراسات لتحديد مكان نشأة الأحلام بدقة وسوف يتعين للحصول على نتائج حول طبيعة هذه المنطقة من الدماغ ودورها في الأحلام، مزيدا من الدراسات وتحليل التغيرات التي تطرأ على أحلام الأشخاص الذين يتعرضون لإصابات وتلف بالدماغ.
الأساس البيولوجي للأحلام
يقسم النوم في كل ليلة إلى عدة مراحل من النوم الحالم «الذي تحدث فيه أحلام» والنوم غير الحالم «الذي لا تحدث فيه أحلام» وقد ظهر اكتشاف النوم الحالم مصادفة أثناء التجارب على النوم سنة 1953 حيث لوحظ أن بعض أوقات النوم تظهر فيها حركة العين السريعة em مع موجة متميزة (ثيتا) في التخطيط الكهربائي للدماغ مع ارتفاع في سرعة النبض والتنفس وارتفاع قليل في ضغط الدم وارتخاء شديد في العضلات، وثبت أن 90% من الأحلام تحدث في هذه الأوقات التي سميت بفترات النوم الحالم، وهذا الاكتشاف يربط حدوث الأحلام بالتغيرات الفسيولوجية والتي أثبتت أن المحرك الأول للأحلام هو نشاطات بيولوجية عصبية، وهذا يثبت أن للأحلام وظيفة بيولوجية فضلاً عن الوظيفة النفسية التي اكتشفها فرويد ومن جاء بعده أي وظيفة الأحلام (سيكوبيولوجية). ويبقى هناك السؤال الصعب عن وظيفة الأحلام الرئيسة وعن دورها في الكشف عن المستقبل كوسيلة للاتصال بالقوى الخارقة للطبيعة وهذا السؤال يحتاج إلى تفكير علمي دون الدخول بجدلية فلسفية.
لقد ثبت بالتجربة أننا لا نتذكر 90% من أحلامنا والبقية غالبًا مشوشة وغير مترابطة وما دامت الأحلام وجدت لتنسى وما دام الطفل الرضيع يحلم منذ يوم ولادته فإن هذا يرجح الجانب البيولوجي على حساب الجانب النفسي، ومازالت الأسئلة مطروحة هل وظيفة الأحلام بيولوجية سيكولوجية كصمام أمان للصراعات النفسية؟ أم أن وظيفة بيولوجية مصفاة للذاكرة للتخلص من نفايات الفكر وعملية لغسل الدماغ لاستعادة النشاط العصبي والمحافظة على التوازن العقلي؟
أم أن وظيفتها عبثية وفائضة عن الحاجة كما يقول العلميون الماديون في الغرب بأن وظيفة الأحلام أصبحت أثرية مثل الزائدة الدودية.
وبهذه الجدلية فإن كل فرد يتحمس لرأيه بافتراض وظيفة واحدة فقط للأحلام إلا أن الوظيفة السايكولوجية والوظيفة البيولوجية هما الأساس على ترجيح الفائدة البيولوجية، وأن الحكمة الألهية في الأحلام هي استخدام الحلم لأغراض التبشير بالخير أو الإنذار من الشر أو التوجيه نحو طريق كوظيفة ثانوية فضلاً عن وظيفتها السايكوبيولوجية الأصلية، أي أن الحلم هو فكر متعدد الأغراض كالإناء الذي يستعمل لعدة أغراض.
وجدير بنا ألا نفصل بين ما هو نفسي وما هو بيولوجي في السبب والنتيجة لأن النفس حالة بيولوجية تترابط مع الجسم والعقل برابطة حديثة بمعنى أن كلاً منهما يكمل الآخر وأن أي خلل في أحدهما يؤدي بالضرورة إلى خلل في البقية.
لقد رأت بعض الدراسات الأنثروبولوجية : أن هناك أحلامًا لبعض الملوك والقادة قد صدقت وتحققت، لكن فرويد وكثير من الباحثين لا يؤيدون ذلك ، غير أن بعض العلماء مثل (تولاس) و(اولمان) و(دن) يرون أن الأحلام يمكن أن تكون وسيلة للاتصال وتوقع المستقبل بواسطة التخاطر والإيحاء والمشاطرة وهي طرق محيرة لا يمكن فهمها إلا على أسس الباراسايكولوجي ونظرياته الحديثة.
ومن تجربة الكاتبة عما يزيد على (100) حلم خلال عدة سنوات تبين أن أكثر من نصفها متسلسلة ومترابطة وكانت فيها عشرة أحلام فقط جاءت متطابقة بالمعنى والرمز مع الواقع وكانت تشير إلى الماضي والحاضر والمستقبل الغريب، وما تبقى من هذه الأحلام ربما يؤدي وظيفة سايكوبيولوجية.
أما الأحلام المبعثرة الباقية والتي ينعدم فيها الترابط والمنطق فهي أضغاث أحلام لا تشير إلى رغبات مكبوتة أو حالة نفسية معينة.
هذا جزء يسير مما ذكر عن الأحلام .
في رأيي يجب أولاً أن نفسر ونفهم كيف يحدث وعينا بشكل عام إن كان أثناء اليقظة أو أثناء الحلم , ثم نحاول أن نفهم كيف يحدث الوعي أثناء الحلم .
يمكننا أن نعرف الوعي الذاتي بأنه ما يحصل في الدماغ الفرد أثناء اليقظة أو أثناء الأحلام , من شعور وإحساس وإدراك . ويطلق على المنطقة التي يحدث فيها الوعي ساحة الشعور أو سبورة الوعي أو الذاكرة العاملة , أو النفس أو الروح , أو الأنا الواعية .
ويحدث الوعي بكف كل واردات الحواس و ما يرد من اللحاء وباقي أقسام دماغية , و منعها من دخول ساحة الشعور فيما عدا المتعلق بناحية معينة , وهذه الناحية هي ما يمكن أن نسميه بسلسة أو قطار وعي الأحاسيس والأفكار .
فالوعي هو عبارة عن مصباح كشاف يضيئ ذلك الموضع في اللحاء أو بعض واردات الحواس , بنشاط هام ذي قيمة للبقاء على قيد الحياة . وبشكل عام يضيء الوعي فكرة أو مجموعة أحاسيس معينة , في وقت واحد . ولا يعني هذا أن العمليات اللا واعية ليست غير ذات أهمية , ولكن معالجة المعلومات المرتبط بالوعي , يبدو أنه عملية متعاقبة , فلا يمكن متبعة سوى نشاط واحد في الوقت الواحد . إلا أنه يحدث أحياناً أن تكون العمليات أو الإشارات اللا واعية قوية الشدة , فتجتاز مفتاح التحكم بالدخول وتندفع إلى الوعي .
وتنشأ الأحاسيس أو الأفكار الواعية , لأنها تتكرر خلال زمن قصير أو طويل ولا تكون لحظية تجري لمرة واحدة وتنتهي فوراً , وهي تنتشر في أغلب بنيات الدماغ . فالذي ينتج الوعي الذاتي هو تكرار جريان التيارات العصبية في بنيات الدماغ , بين التشكيل الشبكي والمهاد واللحاء والدماغ القديم وأحياناً المخيخ .
فتكرر جريان هذه التيارات هو الذي يخلق " زمن الوعي الذاتي" وبالتالي الزمن البشري الذاتي . فإذا لم يحدث هذا التكرار, فلا يمكن أن يحدث الوعي , لأنه سوف يحدث في زمن قصير جداً ولمرة واحدة وينتهي بعدها , فتكرار وجوده خلال زمن هو الذي يسمح بحدوث الجدل الفكري الذاتي بين الأفكار والأحاسيس الواعية , والتي تجري مترابطة معاً و في نفس الوقت , وبالتالي نشوء زمن الوعي أو الديمومة .
ودور المهاد في إدارة وبث الوعي هام جداً, فهو يقوم بالتعاون مع التشكيل الشبكي والدماغ القديم واللحاء في إنشاء الوعي وبثه.
والوعي هو وعي بطنينات حسية أو بأفكار على شكل طنينات حسية , فهو طنين لطنينات حسية , أو طنين يتم تكرار بثه وانتشاره , فيصبح شامل أغلب بنيات الدماغ . وهذا يماثل البث لإذاعي أو التلفزيوني .
والوعي لأنه طنين حسي يمكن إحداثه في العقل ويمكن نقله من عقل لآخر .
إن النغمات الحسية تنتج عن عمل مستقبلات الحواس واللحاء , أما النغمات الواعية فتحدث أو تطن أو تقرع في بنيات دماغية متعددة . والنغمات التي يمكن أن تصدر من اللحاء ذات كم هائل , ولا يمكن للتنظيم الشبكي استقبال وإذاعة إلا جزءاً صغيراً جداً ومحدوداً في نفس الوقت( الذاكرة العاملة أو سبورة الوعي) .
ويمكن للتنظيم الشبكي وضع واردات من اللحاء أو من الحواس تكون ذات أهمية , في الانتظار ريثما ينتهي من معالجة الموجود لديه.
والتشكيل الشبكي ليس منتج الوعي , والوعي لا يحدث فيه , فهو المتحكم و المفتاح للوعي , فالوعي يحدث في الدماغ كله .
وبالنسبة لوعي الأحلام فعلى الأغلب يقوم بناءً على عمل المهاد والتشكيل الشبكي والدماغ القديم , ولكن هنا نجد أن التيارات الآتية من المستقبلات الحسية قد تم كفها , وكذلك أغلب مسارات التشكيل الشبكي والمهاد مع اللحاء كفت أيضاً .
والوعي في هذه الحالة يتم تشكيله , بناءً على التيارات العصبية المرتدة , الآتية من الدماغ القديم عن طريق اللحاء , ويقوم المهاد بالتعامل معها وإدارتها , ويرسل تياراته إلى اللحاء والدماغ القديم أيضاً , وهنا تتداخل(تتفاعل) الدارات التي ينشؤها المهاد مع الدارات التي تكون عاملة قبلها , بين الدماغ القديم واللحاء والمهاد نفسه , نتيجة إضرامها الذاتي , أو نتيجة وصول بعض التيارات الآتية من المستقبلات الحسية .
وتعقيد آلية تشكل الأحلام , ناتج عن عدم سيطرت المهاد الكاملة على إدارة هذا البث , نتيجة التدخل الكبير للدماغ القديم , الذي يصبح تأثيره كبير .
لذلك نلاحظ وجود ازدواجية أو ثنائية أثناء الحلم .
فهناك صانع ومخرج للحلم ( وهو غالباً عشوائي ) .
وهناك المشاهد والمعلق على ذلك .
فالدماغ القديم باستخدامه مخزون اللحاء يصنع ويخرج حوادث الحلم . والمهاد مع مشاركة محدودة من للحاء(جزء صغير من الذاكرة) يقوم بالمراقبة والتعليق والتدخل الضعيف بحوادث الحلم . لذلك كان فهم الحلم أصعب بكثير مما تصوره فرويد .
فأعقد عمليات الدماغ تكون أثناء الحلم وليس أثناء الصحو . صحيح أن الدماغ القديم يتدخل في الإدارة أثناء وعي اليقظة ولكن تأثيره يكون محدود وضعيف , وهو الممثل باللا وعي .
كيف يتم استدعاء الأحاسيس والأفكار المخزنة في الذاكرة إلى سبورة الوعي
إن آلية الاستدعاء تشبه كثيراً طريقة البحث في أجهزة الراديو أو التلفزيون عن إذاعة أو محطة تلفزيونية , فالذي يحدث هو توليف تردد دارات الاستقبال على تردد المحطة المطلوب استقبالها , فعندها يتم اختيار محطة من بين كل المحطات التي تبث في الفضاء , ويذاع فقط ما تبثه هذه المحطة .
أما الذي يحدث في العقل , فهو يشبه هذا كثيراً , فهناك في الدماغ ما يشبه مفاتيح التوليف في أجهزة الاستقبال اللاسلكي , وعن طريق التحكم بهذه المفاتيح يتم فتح مسرات أحاسيس أو أفكار معينة لكي تستدعى إلى سبورة الوعي . هذا يحدث في حالة الاستدعاء الإرادي لبعض ما هو مخزن في الذاكرة .
إن عملية الدخول إلى سبورة الوعي تجري في الدماغ بطرق متنوعة وبعضها معقد منها :
1ً - من مراكز الوضع بالانتظار , وطلب الذكريات من قبل هذه المراكز .
2ً - من واردات الحواس الهامة التي تدخل إلى سبورة الوعي .
3ً - من الذكريات التي تستدعى نتيجة الترابط مع بعضها .
4ً - نتيجة طلب الذكريات من قبل سبورة الوعي , أثناء التفكير .
5ً - الاستدعاء العشوائي للذكريات من مراكز الذاكرة أثناء الحلم . وفي هذه الحالة تتشارك سبورة الوعي مع مركز آخر في إضاءة ساحة الشعور , وفي هذه الحالة تحدث أعقد عمليات الوعي فالشعور و اللاشعور يعملان على نفس المستوى . أما في حالة الصحو فالشعور يكون هو المسيطر على إدارة ما يعرض على سبورة الوعي ويكون تأثير اللاشعور ضعيف .
إن الفرق الأساسي بين الوعي أثناء الصحو والوعي أثناء الحلم هو :
1 - واردات الحواس إلى سبورة الوعي يغلق مسارها أثناء النوم وأثناء الحلم .
2 – أثناء الحلم اتصالات سبورة الوعي مع اللحاء يضعف كثيراً , ويصبح هذا الاتصال تابع لتوجيهات الدماغ القديم .
3 – أثناء الحلم ينشط كثيراً الدماغ القديم ويصبح هو المدير والمخرج لما يدخل إلى سبورة الوعي . فيقوم باستدعاء مكونات الحلم من اللحاء عن طريق اتصالات خاصة به , تختلف عن الاتصالات سبورة الوعي أثناء وعي الصحو .
4 – في حالة اليقظة الذي يقرر ما يدخل إلى سبورة الوعي يحدده التالي :
أ – واردات الحواس وما تنتج من معاني وذكريات وتداعيات إن كان في اللحاء أو الدماغ القديم .
ب – تقييمات وتوجيهات الدماغ الحوفي والدماغ القديم . أي يظل المدير والمتحكم في ما يدخل إلى سبورة الوعي هو الدماغ القديم و الدماغ الحوفي , ولكن تأثير مشاركة اللحاء الفعالة و واردات الحواس هو الذي يحدث الفروق الكبيرة بين الوعي أثناء اليقظة والوعي أثناء الحلم .
ج - مدير ( مكتب ) الدخول إلى سبورة الوعي أثناء اليقظة يستخدم 5 – 7 غرف ذاكرة هم بمثابة مساعدين له , وهذا غير موجود لدى مدير مكتب الدخول أثناء الحلم .
فالمهم من يكون هو المدير والمسئول عن ما يدخل إلى سبورة الوعي , فهذا هو الذي يحدث الفروق الكبيرة بين الوعي أثناء الحلم والوعي أثناء الصحو .
فهناك مدير منطقي ويستخدم السببية ومنظم وفعال , ويستطيع استخدام أرشيف معلومات واسع وذاكرة دقيقة و واسعة , ويملك قدرات معالجة متطورة . هو الذي يكون عامل أثناء وعي اليقظة .
وهناك مدير غير منظم وغير منطقي ولا يعتمد كثيراً السببية . هو الذي يكون عامل أثناء الحلم .
بالنسبة للوعي أثناء التنويم المغناطيسي يكون الذي يقوم بالتنويم هو من يتحكم بما يدخل لوعي من ينومه
وبالنسبة لأحلام اليقظة يغلق جزء كبير من واردات الحواس مع بقاء اللحاء والدماغ الحوفي عاملان بفاعلية , ويقوم الدماغ الحوفي في التحكم في ما يدخل إلى سبورة الوعي باستخدام مخزون اللحاء . وهذا ما يجعل أحلام اليقظة تختلف بشكل أساسي عن الأحلام أثناء النوم .
الأحلام تلك الظاهرة التي شغلت كافة البشر . لقد أعطى الإنسان منذ قديم الزمان أهمية قصوا لهذه الظاهرة , وقد كان الإنسان البدائي غالباً لا يميز بين الوعي أثناء الصحو والوعي أثناء الحلم , لذلك كثيراً ما اختاطت أحداث الواقع من أحداث الحلم . وجاءت العقائد البدائية وكانت أيضاً تخلط أحداث الواقع بأحداث الحلم , وعندما نشأت الأديان فسر كل منها هذه الظاهرة . ولم تستثنى أي جماعة بشرية من محاولتها فهم هذه الظاهرة , وقد كتبت ألاف الكتب عن الأحلام وكانت جميعها لا ترتكز على أي أسس موضوعية , بال على الخيال والتكهن والتوقع .
لقد ظن فرويد أنه كشف سر الأحلام , ولكن ظهر لاحقاً أن ظاهرة الأحلام لا تزال بحاجة إلى دراسة وبحث ليتم فهم أسسها وأصولها البيولوجية العصبية ,أي البنيات الدماغية تشارك في إحداثها , وما هي المراكز التي تتواصل مع بعضها لكي تنشأ الأحلام , وما هي علاقة الوعي أثناء الصحو ( أو أثناء اليقظة ) , بالوعي أثناء الحلم , ولماذا هناك اختلافات كثيرة وهامة بين الوعي أثناء الصحو والوعي أثناء الحلم .
هل يوجد معارف موضوعية مرتكزة على أسس دماغية عصبية عن هذه الظاهرة ؟
لقد كتبت مئات الكتب عن الأحلام ودورها وأسبابها , وجرت بحوث كثير عنها وهذا بعضها :
في بدء القرن العشرين ظهرت آراء فرويد ومؤلفاته التي غيرت كل المفاهيم السابقة للأحلام حيث وصف وظيفة الأحلام بأنها عملية عقلية سايكولوجية تصدر من منطقة اللاوعي في العقل - التي افترضها - للتعبير عن رغبات جنسية مكبوتة ، بطريقة التداعي الحر.
وجاء بعد فرويد «كارل يونغ» و«ألفرد إدلر» وغيرهما من الذين عارضوا أفكاره وبخاصة تلك التي تتعلق بالرغبات الجنسية المكبوتة، وعدوا وظيفة الأحلام وظيفة نفسية تكيفية تهدف إلى إيجاد تكيف للفرد مع واقعه الحياتي وإلى حل مشاكله.. إلخ .
ثم ظهرت تفسيرات كثيرة لآلية تكوين الأحلام والرموز التي تتصف بها وفوائدها، ولكن ما الآلية والرمز والوظيفة.. تلك الألغاز المحيرة في الأحلام؟
يعرف الرمز في الأحلام بأنه التعويض عن الفكرة أو الرغبة في اليقظة برمز أو صورة رمزية في الحلم، فالرجل الشجاع يرمز له بالأسد والجاهل يرمز له بالنعامة والحياة الدنيا يرمز لها بالمرأة الجميلة... إلخ.
وهكذا فإن كل مجتمع بل كل شخص له رموزه الخاصة المختلفة عن الآخرين والتي تتكون من خلال ثقافة وحضارة ذلك المجتمع وتجارب ذلك الشخص، فهل يا ترى هناك قاموس بيولوجي في جزء اللاوعي من العقل لترجمة الفكرة أو المشكلة إلى رمز وبالعكس؟
إن فائدة الرمز هي فائدة دفاعية عن النفس إذ إنها تحمي الفرد من القلق المرتبط بصراحة الموضوع الأصلي.
إن لغز الرمز يحتاج إلى الكثير من التعمق والاجتهاد للوصول إلى استنتاج مقنع بموجب فرضية تعتمد على نظرية التفاعل البيوكيمياوي لإنتاج العقل والتفكير في الدماغ ، وهذا الرأي غير ملزم للقارئ لأنه مجرد محاولة تفسيرية لم توثقها التجارب والأبحاث بعد.
وخلاصة الفرضية المقترحة هي وجود كيمياوية خاصة في الدماغ مثل الاسيتيل كولين والنور أدرينالين والدوبامين والسيروتونين... إلخ . هذه المواد وغيرها تتفاعل وتنتقل من مركز إلى آخر في الدماغ عبر شبكات عصبية لإحداث تغييرات فسيولوجية (كهروكيمياوية) معقدة تنتهي بولادة فكرة ، وهذه الفكرة أو التفكير قد تكون قرارًا مهمًا في حياة الشخص وقد تكون حلم يقظة أو قد تكون حلم النوم الذي يتميز عن غيره بأنه غير خاضع لسيطرة العقل الواعي ويستعمل الرموز بدل النصوص والصور الصريحة .
وعلى هذا الأساس يكون العقل والتفكير (الواعي وغير الواعي) عبارة عن طاقة أو إشعاع من المادة البيولوجية للدماغ بعد سلسلة من التفاعلات البيوكيمياوية، وبما أن الحلم هو نوع من التفكير اللاواعي فإن آلية أو كيفية تسجيل الحلم وبثه لابد أن تقوم على أسس بيولوجية وطرق بيوكيمياوية تقتضيها الضرورة الفسيولوجية للجسم والدماغ، لكن المعضلة هي الكيفية التي تتحول بموجبها الفكرة الحلمية من رغبات أو مشاكل إلى رموز، لقد كان ولا يزال لغز تكوين الرمز وتفسيره مجهولاً وممتنعًا عن الإثبات .
وكان الدكتور"ديمنت" المفتون بنظريات فرويد عن الأحلام قد قام بدراسة ظاهرة حركة العين أثناء النوم em ولقد اكتشف أن تلك الحركة عامة وتحدث على فترات أثناء الليل بالتبادل مع الحالات الأخرى . و أعطاها أسماء: المراحل 3 و 4 أو حالة النوم العميق عندما تتحرك الموجات الكهربية ببطء كما يرتفع وسط المحيط وتلك هي المرحلة الثالثة أما المرحلة الثانية فهي مرحلة متوسطة بين حركة العين السريعة والنوم العميق أما المرحلة الأولي فهي النوم الخفيف.
وقد رأى كل من الدكتور"ديمنت" و "هوبسون" وآخرون من خلال تلك الدراسات أن هناك دليل ضئيل على أن الأحلام هي الرغبات الخفية والممنوعة كما قال فرويد.
وهم وجدوا بدلاً من ذلك مجموعة متشابكة من القلق والخيالات ومجموعة من الأحداث الحية التافهة التي أوضحت قليلاً من النماذج قليلة التحقق أو الوظيفة التي يصعب قياسها.
وقد وجد العالمان الان هوبسون وروبرت مكارلي ان الحلم ليس الا اشارات كهربائية عشوائية يمر بها المخ حال النوم , ويقوم نتيجة لذلك بعرض مجموعة من الصور والمواقف المختزنة في الذاكرة ولكن بشكل عشوائي , ويأتي دور العقل الواعي الذي لا يقتنع بهذه العشوائية فيحاول وضعها في صورة منطقية عبر عرضها كقصة وهو ما نسميه الحلم , وتأتي محاولات العقل الواعي دون ان نعي به !!
وتعتبر النظرية الأخيرة هي الأقوى في مجال شرح الكيفية التي يتم بها الحلم !
ويعتقد الدكتور "ويلسون" في وجود نوع من المحادثة الخفية بين الجهاز العصبي الخارجي المنهمك في عملية التعلم الواعي أثناء اليقظة وقاع المخ وقال تعبيرًا عن ذلك ... " إن ما نلاحظه هو أن الضوء يمر في الجهاز العصبي الخارجي في أقل من الثانية قبل أن يمر إلى قاع المخ كما لو كان الغلاف الخارجي يطلب المعلومات".
وأحد الأسباب التي يطمئن إليها بعض علماء الأعصاب هي أن المخ يعمل بنشاط أثناء النوم على شريط المعلومات الذي تم تحصيله طوال النهار وكأنهم رأوا ذلك بأعينهم أو سمعوه بآذانهم على الأقل .
وفي معمله في معهد ماساشوتس للتكنولوجيا يجري "ماتيو ويلسون" دراساته على الفئران التي ترتدي ما يشبه قبعات "كارمن ميراندا". تلك هي الأضواء الراسخة في ذهن الباحثون والتي شكلت سلوكًا يمكن من خلالها تسجيل نشاط الخلايا المنفردة في أعماق المخ في كلا الفصين الأيسر والأيمن حيث يتم اختزان ذكريات النهار.
ولقد أثبتت البحوث الماضية أن فص المخ حساس للفراغ: فهو يبدو على أنه يؤلف بين الأعصاب الفردية المستثارة و المواقع خارج الجسم. ويعتقد أن تلك الأجهزة تعمل بطرق مشابهة في الإنسان والقوارض.
وقال إن تلك العملية من المحتمل أن تكون مشابهة لما يحدث عندما يأخذ الأشخاص لحظة لكي يستجيب دون تشويه والذي يتغير حسب خبرات اليوم حيث يسجل التفاصيل المهمة ويعيد تشغيل الحوادث. ويقول الدكتور "ويسلون" إن السؤال هو إذا ما كان هناك شيء يحدث أثناء تلك العملية الفريدة أثناء النوم.
ويعتقد ذلك عالم الأعصاب "صبيمال داتا" من مدرسة الطب في جامعة بوسطن. حيث أنه في دراساته عن الحيوانات أثبت أنه أثناء النوم يأخذ المخ حمامًا كيميائيًا عكس ما يحدث له أثناء اليقظة. حيث أن مستوى توقف أجهزة الإرسال يزيد بشكل كبير ويقل مستوى نشاط العديد من أجهزة إرسال الرسائل أو تتوقف تمامًا.
ويقول الدكتور "داتا" إنه حتى قبل اكتشاف حركة العين السريعة فهناك مجموعة من الخلايا الصغيرة التي توجد في قاع المخ تقذف سائل كيميائي منشط يؤدي إلى تكوين البروتين والتغيرات الأخرى التي تدعم قدرة الذاكرة على التخزين لفترة طويلة. فأثناء اليقظة تكون لدينا آلاف من الأشياء التي تحدث في وقت واحد وتكون مكتبة معلوماتنا ممتلئة ونقوم بمعالجتها حيث انه أثناء اليقظة يقوم المخ أيضًا بجمع كثيرًا من المعلومات القيمة بشكل غير واعٍ أي دون أن يكون الشخص واع لذلك.
وأثناء النوم نكون في تلك الحالة الخاصة للتخلص من تلك الشحنات وعمليات حركة العين السريعة تساعد في تخزين الأشياء الهامة . وتصبح اللغة الخاصة بهذا المجال أكثر شدة حيث تتطور من الإشارة إلى الضوضاء العالية. حيث يتم إيقاظ أثر الأمور البسيطة والتفاصيل الهامة يتم إعادة استعراضها وتعزيزها.
ومازالت الأحلام تتحدى محاولة العلماء لقياسها ولكنها تحوز مكانة لها في نظرية التعلم المستقل أثناء النوم وهي نظرية في تطور مستمر . ويقول العلماء إنه من المحتمل أثناء حركة العين السريعة أثناء النوم إن المخ يقوم بمزج وربط ما قامت الذاكرة باختزانه بحثا عن العلاقات الخفية التي يمكن أن تساعد في إعطاء معنى لها من خلال العالم . إن خبرة الحياة تقطع وتسجل وتتحول ثم يعاد استخلاصها مرة أخرى. ويمكن أن تشير تلك العملية إلى المشاهد غير المترابطة التي قد تحدث أثناء الأحلام: عملية تحريك وترشيح الخبرات التي تحولت. وربما يشير ذلك إلى النتيجة الرائعة التي تساهم في النوم ليلا وما يحدث فيه من إلهامات , وكثيراً ما سمعنا أناس يقولون بأن نومنهم ليلا غير عالمهم . حيث قال أحد العلماء الروس ويسمى "ديمتري ميندلييف" بأنه أثناء نومه اكتشف الجدول الدوري للعناصر الكيميائية. كما قيل أن الكيميائي "فريدريك أوغست كيكولي" في القرن التاسع عشر قال بأنه وصل إلى التركيب الكيميائي للبنزين أثناء نومه وهو اكنشاف عظيم حيث كان يحلم بثعبان يعض مؤخرته. أما الرياضيون ومنهم"جاك نيكلاوس " فقد تحدثوا أيضًا عن عمليات الاستبصار التي حدثت لهم أثناء النوم ليلاً . فأثناء النوم ليلاً حدثت الكثير من الأعمال المهمة حيث تم تصحيح العديد من الأساليب وأزيل العديد من الغموض عن أشياء كثيرة. ويقول الدكتور "والكر" ... :" إن ظهور مثل تلك الرؤى أثناء حركة العين السريعة خلال النوم يعني شيئا أعنى ما هو أفضل وقت يمكن أن تتم فيه كل تلك الأحداث والحلول والأفكار بشكل أفضل دون تتابع؟" ويقول هو وآخرون بأن المشكلة هي كيف يمكن دراسة ذلك. ويتفق أغلب علماء الأعصاب على أنهم سوف يكتشفون بذلك التفكير الإبداعي أثناء اليقظة وأثناء النوم.
ويقول عدد من علماء الأعصاب الآن بأن أحد وظائف النوم الأساسية ترتبط بالتعلم والذاكرة. وإن سيلاً جديدًا من النتائج عن الحيوان والإنسان تفترض أن النوم يشكل دورًا حاسمًا في جمع وتصنيف الذكريات المهمة العقلية والجسدية، وربما الكشف عن الارتباطات الدقيقة بينها والتي قد لا ترى أثناء اليقظة وهي طريقة جديدة لحل مسائل الرياضيات أو الألعاب المعقدة التي تتطلب درجة عالية من التركيز الذهني، وحتى السبب غير الخفي الذي قد يسبب التوتر في الحياة الزوجية.
إن تلك النظرية تثير الجدل ويرى بعض العلماء أنه لم يتضح بعد إذا ما كان العقل يعمل أثناء النوم في معالجة بعض الذكريات التي لا يستطيع معالجتها أثناء اليقظة وذلك في لحظات التأمل الفكري الهادئ. ومع ذلك فإن البحث الجديد قد وضع خطًا تحت عملية تحول كبيرة في الطريقة التي يفهم بها العلماء العقل أثناء النوم. ففي الوقت الذي ينظر إليه فيه على أنه شاشة بيضاء أثناء النوم كإشارة إلى الموت فقد نظر إليه على أنه آلة نشطة وذات هدف وتعمل من خلال ذكاء خفي يعمل فقط أثناء الليل كما يعمل أثناء فترات الحلم وهاويات العالم السفلي المعروفة بالنوم العميق.
وأيضاً قال الدكتور كلاوديو باسيتي الذي أشرف على البحث الذي نشرته دورية كلية الطب بجامعة زيورخ:
"لا تزال كيفية نشأة الأحلام والهدف الذي تنشأ من أجلة أسئلة مفتوحة بلا إجابة" مشيرا إلى أن نتائج أبحاثه "تصف لأول مرة وبالتفصيل مدى الضرر الذي يتعين وقوعه لفقدان الاحلام في غياب أي قصور آخر للأعصاب".
وأكد الباحث أن هذه النتائج تطرح هدفا جديدا هو إجراء مزيد من الدراسات لتحديد مكان نشأة الأحلام بدقة وسوف يتعين للحصول على نتائج حول طبيعة هذه المنطقة من الدماغ ودورها في الأحلام، مزيدا من الدراسات وتحليل التغيرات التي تطرأ على أحلام الأشخاص الذين يتعرضون لإصابات وتلف بالدماغ.
الأساس البيولوجي للأحلام
يقسم النوم في كل ليلة إلى عدة مراحل من النوم الحالم «الذي تحدث فيه أحلام» والنوم غير الحالم «الذي لا تحدث فيه أحلام» وقد ظهر اكتشاف النوم الحالم مصادفة أثناء التجارب على النوم سنة 1953 حيث لوحظ أن بعض أوقات النوم تظهر فيها حركة العين السريعة em مع موجة متميزة (ثيتا) في التخطيط الكهربائي للدماغ مع ارتفاع في سرعة النبض والتنفس وارتفاع قليل في ضغط الدم وارتخاء شديد في العضلات، وثبت أن 90% من الأحلام تحدث في هذه الأوقات التي سميت بفترات النوم الحالم، وهذا الاكتشاف يربط حدوث الأحلام بالتغيرات الفسيولوجية والتي أثبتت أن المحرك الأول للأحلام هو نشاطات بيولوجية عصبية، وهذا يثبت أن للأحلام وظيفة بيولوجية فضلاً عن الوظيفة النفسية التي اكتشفها فرويد ومن جاء بعده أي وظيفة الأحلام (سيكوبيولوجية). ويبقى هناك السؤال الصعب عن وظيفة الأحلام الرئيسة وعن دورها في الكشف عن المستقبل كوسيلة للاتصال بالقوى الخارقة للطبيعة وهذا السؤال يحتاج إلى تفكير علمي دون الدخول بجدلية فلسفية.
لقد ثبت بالتجربة أننا لا نتذكر 90% من أحلامنا والبقية غالبًا مشوشة وغير مترابطة وما دامت الأحلام وجدت لتنسى وما دام الطفل الرضيع يحلم منذ يوم ولادته فإن هذا يرجح الجانب البيولوجي على حساب الجانب النفسي، ومازالت الأسئلة مطروحة هل وظيفة الأحلام بيولوجية سيكولوجية كصمام أمان للصراعات النفسية؟ أم أن وظيفة بيولوجية مصفاة للذاكرة للتخلص من نفايات الفكر وعملية لغسل الدماغ لاستعادة النشاط العصبي والمحافظة على التوازن العقلي؟
أم أن وظيفتها عبثية وفائضة عن الحاجة كما يقول العلميون الماديون في الغرب بأن وظيفة الأحلام أصبحت أثرية مثل الزائدة الدودية.
وبهذه الجدلية فإن كل فرد يتحمس لرأيه بافتراض وظيفة واحدة فقط للأحلام إلا أن الوظيفة السايكولوجية والوظيفة البيولوجية هما الأساس على ترجيح الفائدة البيولوجية، وأن الحكمة الألهية في الأحلام هي استخدام الحلم لأغراض التبشير بالخير أو الإنذار من الشر أو التوجيه نحو طريق كوظيفة ثانوية فضلاً عن وظيفتها السايكوبيولوجية الأصلية، أي أن الحلم هو فكر متعدد الأغراض كالإناء الذي يستعمل لعدة أغراض.
وجدير بنا ألا نفصل بين ما هو نفسي وما هو بيولوجي في السبب والنتيجة لأن النفس حالة بيولوجية تترابط مع الجسم والعقل برابطة حديثة بمعنى أن كلاً منهما يكمل الآخر وأن أي خلل في أحدهما يؤدي بالضرورة إلى خلل في البقية.
لقد رأت بعض الدراسات الأنثروبولوجية : أن هناك أحلامًا لبعض الملوك والقادة قد صدقت وتحققت، لكن فرويد وكثير من الباحثين لا يؤيدون ذلك ، غير أن بعض العلماء مثل (تولاس) و(اولمان) و(دن) يرون أن الأحلام يمكن أن تكون وسيلة للاتصال وتوقع المستقبل بواسطة التخاطر والإيحاء والمشاطرة وهي طرق محيرة لا يمكن فهمها إلا على أسس الباراسايكولوجي ونظرياته الحديثة.
ومن تجربة الكاتبة عما يزيد على (100) حلم خلال عدة سنوات تبين أن أكثر من نصفها متسلسلة ومترابطة وكانت فيها عشرة أحلام فقط جاءت متطابقة بالمعنى والرمز مع الواقع وكانت تشير إلى الماضي والحاضر والمستقبل الغريب، وما تبقى من هذه الأحلام ربما يؤدي وظيفة سايكوبيولوجية.
أما الأحلام المبعثرة الباقية والتي ينعدم فيها الترابط والمنطق فهي أضغاث أحلام لا تشير إلى رغبات مكبوتة أو حالة نفسية معينة.
هذا جزء يسير مما ذكر عن الأحلام .
في رأيي يجب أولاً أن نفسر ونفهم كيف يحدث وعينا بشكل عام إن كان أثناء اليقظة أو أثناء الحلم , ثم نحاول أن نفهم كيف يحدث الوعي أثناء الحلم .
يمكننا أن نعرف الوعي الذاتي بأنه ما يحصل في الدماغ الفرد أثناء اليقظة أو أثناء الأحلام , من شعور وإحساس وإدراك . ويطلق على المنطقة التي يحدث فيها الوعي ساحة الشعور أو سبورة الوعي أو الذاكرة العاملة , أو النفس أو الروح , أو الأنا الواعية .
ويحدث الوعي بكف كل واردات الحواس و ما يرد من اللحاء وباقي أقسام دماغية , و منعها من دخول ساحة الشعور فيما عدا المتعلق بناحية معينة , وهذه الناحية هي ما يمكن أن نسميه بسلسة أو قطار وعي الأحاسيس والأفكار .
فالوعي هو عبارة عن مصباح كشاف يضيئ ذلك الموضع في اللحاء أو بعض واردات الحواس , بنشاط هام ذي قيمة للبقاء على قيد الحياة . وبشكل عام يضيء الوعي فكرة أو مجموعة أحاسيس معينة , في وقت واحد . ولا يعني هذا أن العمليات اللا واعية ليست غير ذات أهمية , ولكن معالجة المعلومات المرتبط بالوعي , يبدو أنه عملية متعاقبة , فلا يمكن متبعة سوى نشاط واحد في الوقت الواحد . إلا أنه يحدث أحياناً أن تكون العمليات أو الإشارات اللا واعية قوية الشدة , فتجتاز مفتاح التحكم بالدخول وتندفع إلى الوعي .
وتنشأ الأحاسيس أو الأفكار الواعية , لأنها تتكرر خلال زمن قصير أو طويل ولا تكون لحظية تجري لمرة واحدة وتنتهي فوراً , وهي تنتشر في أغلب بنيات الدماغ . فالذي ينتج الوعي الذاتي هو تكرار جريان التيارات العصبية في بنيات الدماغ , بين التشكيل الشبكي والمهاد واللحاء والدماغ القديم وأحياناً المخيخ .
فتكرر جريان هذه التيارات هو الذي يخلق " زمن الوعي الذاتي" وبالتالي الزمن البشري الذاتي . فإذا لم يحدث هذا التكرار, فلا يمكن أن يحدث الوعي , لأنه سوف يحدث في زمن قصير جداً ولمرة واحدة وينتهي بعدها , فتكرار وجوده خلال زمن هو الذي يسمح بحدوث الجدل الفكري الذاتي بين الأفكار والأحاسيس الواعية , والتي تجري مترابطة معاً و في نفس الوقت , وبالتالي نشوء زمن الوعي أو الديمومة .
ودور المهاد في إدارة وبث الوعي هام جداً, فهو يقوم بالتعاون مع التشكيل الشبكي والدماغ القديم واللحاء في إنشاء الوعي وبثه.
والوعي هو وعي بطنينات حسية أو بأفكار على شكل طنينات حسية , فهو طنين لطنينات حسية , أو طنين يتم تكرار بثه وانتشاره , فيصبح شامل أغلب بنيات الدماغ . وهذا يماثل البث لإذاعي أو التلفزيوني .
والوعي لأنه طنين حسي يمكن إحداثه في العقل ويمكن نقله من عقل لآخر .
إن النغمات الحسية تنتج عن عمل مستقبلات الحواس واللحاء , أما النغمات الواعية فتحدث أو تطن أو تقرع في بنيات دماغية متعددة . والنغمات التي يمكن أن تصدر من اللحاء ذات كم هائل , ولا يمكن للتنظيم الشبكي استقبال وإذاعة إلا جزءاً صغيراً جداً ومحدوداً في نفس الوقت( الذاكرة العاملة أو سبورة الوعي) .
ويمكن للتنظيم الشبكي وضع واردات من اللحاء أو من الحواس تكون ذات أهمية , في الانتظار ريثما ينتهي من معالجة الموجود لديه.
والتشكيل الشبكي ليس منتج الوعي , والوعي لا يحدث فيه , فهو المتحكم و المفتاح للوعي , فالوعي يحدث في الدماغ كله .
وبالنسبة لوعي الأحلام فعلى الأغلب يقوم بناءً على عمل المهاد والتشكيل الشبكي والدماغ القديم , ولكن هنا نجد أن التيارات الآتية من المستقبلات الحسية قد تم كفها , وكذلك أغلب مسارات التشكيل الشبكي والمهاد مع اللحاء كفت أيضاً .
والوعي في هذه الحالة يتم تشكيله , بناءً على التيارات العصبية المرتدة , الآتية من الدماغ القديم عن طريق اللحاء , ويقوم المهاد بالتعامل معها وإدارتها , ويرسل تياراته إلى اللحاء والدماغ القديم أيضاً , وهنا تتداخل(تتفاعل) الدارات التي ينشؤها المهاد مع الدارات التي تكون عاملة قبلها , بين الدماغ القديم واللحاء والمهاد نفسه , نتيجة إضرامها الذاتي , أو نتيجة وصول بعض التيارات الآتية من المستقبلات الحسية .
وتعقيد آلية تشكل الأحلام , ناتج عن عدم سيطرت المهاد الكاملة على إدارة هذا البث , نتيجة التدخل الكبير للدماغ القديم , الذي يصبح تأثيره كبير .
لذلك نلاحظ وجود ازدواجية أو ثنائية أثناء الحلم .
فهناك صانع ومخرج للحلم ( وهو غالباً عشوائي ) .
وهناك المشاهد والمعلق على ذلك .
فالدماغ القديم باستخدامه مخزون اللحاء يصنع ويخرج حوادث الحلم . والمهاد مع مشاركة محدودة من للحاء(جزء صغير من الذاكرة) يقوم بالمراقبة والتعليق والتدخل الضعيف بحوادث الحلم . لذلك كان فهم الحلم أصعب بكثير مما تصوره فرويد .
فأعقد عمليات الدماغ تكون أثناء الحلم وليس أثناء الصحو . صحيح أن الدماغ القديم يتدخل في الإدارة أثناء وعي اليقظة ولكن تأثيره يكون محدود وضعيف , وهو الممثل باللا وعي .
كيف يتم استدعاء الأحاسيس والأفكار المخزنة في الذاكرة إلى سبورة الوعي
إن آلية الاستدعاء تشبه كثيراً طريقة البحث في أجهزة الراديو أو التلفزيون عن إذاعة أو محطة تلفزيونية , فالذي يحدث هو توليف تردد دارات الاستقبال على تردد المحطة المطلوب استقبالها , فعندها يتم اختيار محطة من بين كل المحطات التي تبث في الفضاء , ويذاع فقط ما تبثه هذه المحطة .
أما الذي يحدث في العقل , فهو يشبه هذا كثيراً , فهناك في الدماغ ما يشبه مفاتيح التوليف في أجهزة الاستقبال اللاسلكي , وعن طريق التحكم بهذه المفاتيح يتم فتح مسرات أحاسيس أو أفكار معينة لكي تستدعى إلى سبورة الوعي . هذا يحدث في حالة الاستدعاء الإرادي لبعض ما هو مخزن في الذاكرة .
إن عملية الدخول إلى سبورة الوعي تجري في الدماغ بطرق متنوعة وبعضها معقد منها :
1ً - من مراكز الوضع بالانتظار , وطلب الذكريات من قبل هذه المراكز .
2ً - من واردات الحواس الهامة التي تدخل إلى سبورة الوعي .
3ً - من الذكريات التي تستدعى نتيجة الترابط مع بعضها .
4ً - نتيجة طلب الذكريات من قبل سبورة الوعي , أثناء التفكير .
5ً - الاستدعاء العشوائي للذكريات من مراكز الذاكرة أثناء الحلم . وفي هذه الحالة تتشارك سبورة الوعي مع مركز آخر في إضاءة ساحة الشعور , وفي هذه الحالة تحدث أعقد عمليات الوعي فالشعور و اللاشعور يعملان على نفس المستوى . أما في حالة الصحو فالشعور يكون هو المسيطر على إدارة ما يعرض على سبورة الوعي ويكون تأثير اللاشعور ضعيف .
إن الفرق الأساسي بين الوعي أثناء الصحو والوعي أثناء الحلم هو :
1 - واردات الحواس إلى سبورة الوعي يغلق مسارها أثناء النوم وأثناء الحلم .
2 – أثناء الحلم اتصالات سبورة الوعي مع اللحاء يضعف كثيراً , ويصبح هذا الاتصال تابع لتوجيهات الدماغ القديم .
3 – أثناء الحلم ينشط كثيراً الدماغ القديم ويصبح هو المدير والمخرج لما يدخل إلى سبورة الوعي . فيقوم باستدعاء مكونات الحلم من اللحاء عن طريق اتصالات خاصة به , تختلف عن الاتصالات سبورة الوعي أثناء وعي الصحو .
4 – في حالة اليقظة الذي يقرر ما يدخل إلى سبورة الوعي يحدده التالي :
أ – واردات الحواس وما تنتج من معاني وذكريات وتداعيات إن كان في اللحاء أو الدماغ القديم .
ب – تقييمات وتوجيهات الدماغ الحوفي والدماغ القديم . أي يظل المدير والمتحكم في ما يدخل إلى سبورة الوعي هو الدماغ القديم و الدماغ الحوفي , ولكن تأثير مشاركة اللحاء الفعالة و واردات الحواس هو الذي يحدث الفروق الكبيرة بين الوعي أثناء اليقظة والوعي أثناء الحلم .
ج - مدير ( مكتب ) الدخول إلى سبورة الوعي أثناء اليقظة يستخدم 5 – 7 غرف ذاكرة هم بمثابة مساعدين له , وهذا غير موجود لدى مدير مكتب الدخول أثناء الحلم .
فالمهم من يكون هو المدير والمسئول عن ما يدخل إلى سبورة الوعي , فهذا هو الذي يحدث الفروق الكبيرة بين الوعي أثناء الحلم والوعي أثناء الصحو .
فهناك مدير منطقي ويستخدم السببية ومنظم وفعال , ويستطيع استخدام أرشيف معلومات واسع وذاكرة دقيقة و واسعة , ويملك قدرات معالجة متطورة . هو الذي يكون عامل أثناء وعي اليقظة .
وهناك مدير غير منظم وغير منطقي ولا يعتمد كثيراً السببية . هو الذي يكون عامل أثناء الحلم .
بالنسبة للوعي أثناء التنويم المغناطيسي يكون الذي يقوم بالتنويم هو من يتحكم بما يدخل لوعي من ينومه
وبالنسبة لأحلام اليقظة يغلق جزء كبير من واردات الحواس مع بقاء اللحاء والدماغ الحوفي عاملان بفاعلية , ويقوم الدماغ الحوفي في التحكم في ما يدخل إلى سبورة الوعي باستخدام مخزون اللحاء . وهذا ما يجعل أحلام اليقظة تختلف بشكل أساسي عن الأحلام أثناء النوم .