تلعب الخبرات التي يتلقاها الطفل في سنين حياته الأولى في أحضان أسرته دوراً رئيسياً وراسخاً في حياته المقبلة، لأنه ما زال قليل الخبرة سهل التشكيل طيع الجسم. حيث إن مصير كل طفل يتوقف على مدى قدرات الأسرة على تكوين الشخصية المتكاملة المستقلة التي تتفق مع قدراته الجسمية والعقلية والمعنوية. والأسرة هي التربة الأولى التي ينشأ فيها الطفل ويترعرع، وفيها تتم أولى خطوات أهم عملية تربوية في حياة الإنسان، إلا وهي عملية التنشئة الاجتماعية، ولذلك فإن الأسلوب الذي نتبعه أثناء معاملتنا لأطفالنا، وكذلك كيفية معالجة مشاكلاتهم لها الأثر الكبير والفعال في بناء علاقاتنا معهم في رسم خط حياتهم في المستقبل.
تختلف التنشئة الاجتماعية من مجتمع لآخر، ومن عصر إلى آخر، كما تختلف داخل المجتمع الواحد. هذا وتؤكد الدراسات الحديثة على تأثر شخصية الطفل وصحته النفسية بطبيعة التنشئة الوالدية، واتجاهات التربية السائدة في المنزل.
وهذا ما يدعونا للتركيز على أنماط التنشئة الاجتماعية، والاهتمام بأساليبها بشكل كبير.
تعريف التنشئة الاجتماعية
هي عملية تعليم وتعلم وتربية تقوم على التفاعل الاجتماعي، وتهدف إلى اكتساب الطفل سلوكاً ومعايير واتجاهات مناسبة لأدوار اجتماعية مناسبة ومعينة تمكنه من مسايرة جماعته، والتوافق الاجتماعي معها.
خصائص التنشئة الاجتماعية
1. يولد الطفل بخصائص فطرية أولية، ويكون لديه من الحساسية الكافية ما يمكنه من الاستجابة بفاعلية.
2. إن التنشئة الاجتماعية هي عملية تحول متنامية للفرد من كائن فطري إلى راشد اجتماعي قادر على التكيف مع المجتمع الذي يعيش فيه.
3. يكتسب الطفل عن طريق التنشئة الاجتماعية القيم الأساسية والدعامات الأولى اللازمة لبناء شخصيته.
4. التنشئة الاجتماعية هي عملية مستمرة مدى الحياة، ولكن سنوات الطفولة الأولى من حياة الفرد أكثرها دقة وحرجاً وحساسية، وكذلك أكثرها تأثيراً في شخصية الفرد.
5. تتولى عملية التنشئة الاجتماعية مؤسسات عدة “الأسرة – المدرسة – جماعة الأقران” ولكن الأسرة تعتبر أهم مؤسسة من مؤسسات التنشئة الاجتماعية.
المناخ النفسي للعائلة
ينشأ الأطفال مستبشرين ودودين في العائلات التي يوجد فيها بين الأب والأم تفاهم متبادل تام وشعور بالمسؤولية إزاء تربية الطفل. أما في العائلات التي ليس فيها تفاهم متبادل بين الكبار، وتسودها الشجارات والمشاحنات فليس من الممكن تربية الأطفال بصورة صحيحة، وأوضاع النزاع تؤذي نفسية الطفل وتؤثر سلباً في صحته وتؤثر على دراسته، وإن خلق جو عاطفي جيد في العائلة شرط لا بد منه لتكوين الشخصية المتزنة والفاعلة.
أسلوب معاملة الوالدين هو عبارة عن الإجراءات والأساليب التي يتبعها الوالدان في تنشئة أو تطبيع أبنائهما اجتماعياً.
صور من الأساليب السلبية في تنشئة الأطفال
أولاً. نبذ الطفل انفعالياً
النبذ: سلوك ظاهر نحو الطفل يجعله يعتقد بأنه ليس محبوباً ولا ذي قيمة. وهو سلوك يهدد أمان الطفل، ويتركه فريسة الشعور بالشك، وبأنه وحيد. وقد وضع “جيلسون” قائمة لبعض الصور المختلفة لنبذ الوالدين للطفل:
.1 تكرار الإشارة إلى نواحي النقص، والنظام الصارم.
.2 هجر الطفل وطرده والعقاب الشديد.
.3 التفرقة في المعاملة بينه وبين أخوته، ومعايرة الطفل المستمرة، ومقارنته بالأطفال الآخرين المفضلين عليه.
.4 التهديد بالعقاب البدني بقصد تعويد الأطفال النظام والطاعة.
.5 التهديد بالطرد من المنزل، والحرمان من نزهة أسبوعية، وإرساله إلى مدرسة داخلية إذا ما ارتكب ذنباًَ ما في محيط أسرته.
الأسباب التي تدعو الطفل للشعور بأنه غير مرغوب فيه
1. عصبية الأم الزائدة.
2. انفصال الطفل عن والديه، فالطفل الصغير حساس جداً لبُعد أمه عنه، حتى ولو كان ذلك لفترات قصيرة.
3. حرمانه من اللعب مع أخوته الكبار.
ثانياً. سيطرة الوالدين على الطفل
إن سيطرة الوالدين تعتبر مصدراً من مصادر سوء التكيف عند الأطفال، ومن النادر وجود آباء يعاملون أطفالهم باعتبارهم شخصيات لها أفكار وعواطف ومشاعر. وهناك أشكال متعددة لهذه السيطرة، نذكر منها:
.1 الحماية المفرطة للأطفال.
.2 التمادي في الإشراف على الأطفال إلى حد كبير، وفرض نماذج للسلوك عليهم.
.3 الإشراف على اختيار أوجه النشاطات للأطفال.
.4 القلق عليهم بسبب أمور تافهة.
ويجدر بالذكر أن التمادي في إشراف الوالدين على الأطفال قد يمتد إلى التدخل في خصوصياتهم واختيار أصدقائهم وأقرانهم وحتى أصغر أمورهم، لدرجة تجعل الطفل شديد الاتكالية على الأهل.
آثار اتباع الوالدين لهذا النوع من الأساليب
1. تعريض الطفل للفشل والإحباط نتيجة دفعه لعمل من الأعمال دون مراعاة لقدراته وميوله.
2. إصابة بعض الأبناء بنوع من البلادة الانفعالية، فالذي يحدث هو امتناع الأطفال عن تحمل المسؤوليات.
ثالثاً. التفريق وعدم المساواة في التعامل مع الأبناء
النفس البشرية قوة ليس من السهل التحكم فيها، بل هي تحكم سائر تصرفاتنا واتجاهاتنا وانفعالاتنا. وليس غريباً أن نجد الآباء لا يقدرون على ضبط أنفسهم وأهوائهم، وألا تتساوى المعاملة التي يلقاها أبناؤهم منهم، ولا يتكافأ مقدار الحب والعطف الذي يناله ابن من الأبناء في الأسرة مع ذلك المقدار الذي يناله أخوه، فقد يفضل أحد الوالدين أحد أبنائه لأي سبب من الأسباب، فيخصه بالحب والرعاية والعناية، عندئذٍ يشعر أخوته بالغيرة والجور والظلم. فمثلاً يفضل بعض الآباء الولد على البنت، أو الصغير على الكبير، وكذلك المريض على الصحيح مما ينمي الغيرة بين الأخوة، ويفسد العلاقة بينهما.
يؤثر هذا الأسلوب على النمو المتكامل للطفل من النواحي التالية
1. شعور الطفل بالظلم والقسوة.
2. تكوين اتجاهات سلبية نحو الوالدين.
3. فقدان الثقة بالنفس.
4. شعور الطفل بالحقد والغيرة.
5. كره بقية الأخوة والأخوات والحقد عليهم.
6. تقمص الظلم والقسوة في السلوك مع الأشخاص الآخرين.
رابعاً. تحكم الآباء في مستقبل الأبناء
إن المستقبل المهني الذي سوف يتخذه الابن مسألة يحددها تكوين الابن نفسه بما يتضمنه هذا التكوين من قدرات واستعدادات وميول، ولا يمكن لهذا المستقبل أن يخضع لضغط وتوجيه لا يتفق مع هذه المكونات، لأن ذلك يعني من ناحية أخرى زيادة في احتمال فشل الفرد في تحقيق مستقبل مهني ناجح.
إن الأب الواعي المدرك لأصول الحياة هو الذي يعمل على توجيه ابنه إلى نوع التعليم والمهنة التي تناسب ميله واهتمامه وتطلعاته. ولكن أن يخضع هذا التوجيه لرغبات الأب نفسه أو الأم بغرض تحقيق آمال معينة فإننا بذلك نكون قد أنكرنا على الابن حقه في الاستمتاع بنوع الحياة الذي يتفق وتكوينه الطبيعي.
أسباب الطموح الزائد
1. الحفاظ على مستوى الأسرة اللائق علمياً وعمليا. ً فيحاول الآباء دفع أبنائهم إلى الجد والاجتهاد.
2. هناك من الآباء من حرم من مواصلة تعليمه في الكليات الجامعية. وهم لذلك يحلمون باليوم الذي يكون لهم أبناء تعطى لهم فرصة لمواصلة التعليم الجامعي. فهم بذلك يعبرون عن رغباتهم المكبوتة وأمانيهم غير المحققة، وبذلك هم يسقطون طموحاتهم غير المحققة على أطفالهم.
النمط المثالي للتنشئة الاجتماعية للطفولة
يتضمن هذا النمط التوسط بين الشدة واللين والتدليل والقسوة والمساواة والعدل. بشكل عام فإن المقومات الأساسية للنمط المثالي للتنشئة الاجتماعية للطفولة هي:
.1 التوسط والاعتدال في معاملة الطفل، وتحاشي التذبذب بين الشدة واللين.
.2 معرفة قدرات الطفل الطبيعية، وعدم تكليفه بما لا طاقة له به.
.3 وجود التفاهم بين الأب والأم على كيفية تربية الطفل، وعدم التشاجر أمامه، والإيمان بما يوجد لدى الأطفال من فروق فردية في النواحي الجسمية والعقلية والنفسية والانفعالية.