فهم الهرمونات
الهرمون مادة كيميائية تصنع بشكل طبيعي في الجسم، وتتحكم في وظائف الخلايا والأعضاء. فالإنسولين على سبيل المثال، يصنع في البنكرياس. ويصل إلى عضلاتك وكبدك للتحكم في سكر الدم لديك. وبالمثل، نجد الغدة الكظرية القابعة فوق كليتيك تفرز الإبينفرين (يسمى أيضًا الأدرينالين) لتسريع معدل نبضات القلب، وتوسيع حدقة العين، ورفع سكر الدم، وتجهيزك للهرب من أي خطر أو مواجهته، كما تقتضي الحالة. والهرمونات رسائل كيميائية تخبر خلايا جسمك وأعضاءه بما تفعل.
الإستروجينات – الهرمونات الأنثوية – تفرزها أجسام الإناث، وهي مسئولة عن تكبير حجم الثديين وكثير من التغيرات التي تحدث خلال الدورة الشهرية. وبالطبع من الطبيعي أن تفرز كميات صغيرة من الإستروجينات في مجرى الدم. ولكن كما سنرى، يمكن لاختيارات الأطعمة أن تؤثر على كمية الإستروجينات في جسمك، كما أن إفراز كميات كبيرة للغاية من الإستروجين في مجرى الدم قد يعرضك للخطر، كما يظهر عندما تستخدم الهرمونات كعقاقير. في دراسة كبيرة متعلقة بالصحة أجريت بتمويل حكومي – سميت مبادرة الصحة النسائية – فإن السيدات اللاتي خضعن للعلاج بالهرمونات “البديلة” كن أكثر عرضة لتطوير سرطان الثدي مقارنة بمن لم يخضعن لمثل هذا العلاج (بنسبة 24 % تقريبًا).
إذا استعرضت مخاطر البريمارين على سبيل المثال – وهو مستحضر هرموني شائع يُستخدم لعلاج البقع الساخنة وغيرها من أعراض سن اليأس؛ على الموقع الخاص بالمُصنِّع، ستجد قائمة طويلة من التحذيرات الخاصة بسرطان الثدي، وسرطان الرحم، والسكتات الدماغية، وجلطات الدم، والنوبات القلبية، والخرف الشيخوخي. ويُصنع البرمارين من بول الخيول العشار (اسمه اختصار ل “بول المهرات العشار)، بدلًا من الأبقار، ولكن من الآمن افتراض أن الإستروجين الموجود في أجسام الأبقار العشار يحمل مخاطر مشابهة، الأمر الذي يتوقف على الجرعة.
بعض هذه المخاطر عُرفت منذ عقود. بدءًا من عام 1956 ، كان الإستروجين يستخدم لإبطاء نمو الفتيات اليافعات اللاتي ظهر أنهن ينمون بسرعة كبيرة. كانت الفكرة أن الفتيات قد يكبرن ليجدن أنفسهن “طويلات للغاية؛ ما يحول بينهن وبين إيجاد زوج مناسب، أو العمل كمضيفات طيران”. وكان الحقن بجرعات كبيرة من الإستروجين يوقف نموهن، ولكنه سبب أعراضًا جانبية خطيرة: مثل البلوغ المبكر، وزيادة الوزن، والعقم، وتجلط الدم، ومشكلات الكبد، وأنواع من السرطان متعلقة بالهرمونات.
كما أن للهرمونات الأنثوية شرورها على أجسام الرجال أيضًا. فبالطريقة نفسها التي يؤدي بها الإستروجين لتراكم الدهون في منطقة الثدي لدى الفتيات اليافعات، ينطبق الأمر نفسه على الرجال الذين ترتفع لديهم نسب الإستروجين في الدم، كما سترى على أي شاطئ بأمريكا.
خلاصة القول: إن وجود الهرمونات في أجسامنا يكون بكميات ضيلة للغاية لكي تؤدي وظائف محددة: وأي زيادة فيها ولو بسيطة قد تؤدي لمشكلات خطيرة، أما الزيادات الكبيرة فقد تسبب كوارث!.
الهرمونات في منتجات الألبان
تؤثر منتجات الألبان على وظائف الهرمونات بطرق عديدة، مباشرة وغير مباشرة. لنبدأ بالإستروجينات نفسها. توجد الإستروجينات في الحليب عندما تأخذه من الأبقار وتضعه على حبوب الإفطار الخاصة بك. وهي لا تظهر في إعلانات الحليب أو على ملصقات العبوة، لأن منظمة الغذاء والدواء لا تطلب من القائمين على صناعة الحليب ذكرها. وفيما يلي نعرض من أين تأتي:
إشارة إلى ما هو واضح، أغلب الأبقار لا تفرز الحليب بصورة أكثر مما تفعله أي سيدة، بمعنى أنها لا تنتج الحليب إلا إذا كانت عشارًا. وعليه يُلقح الفلاحون أبقارهم كل عام. ورغم أن الأمر قد يبدو غريبًا، فإن كثيرًا من الحليب الذي يدخل في منتجات الألبان التي تشتريها – ربما أغلبه – يأتي من أبقار عشار. ومن ثم، عندما تشرب كوبًا من الحليب، أو تتناول بعض المثلجات، أو تمضع قطعة من الجبن، فإنك تحصل على بقايا من الهرمونات التي توجد في الأبقار خلال عشارها.
في جامعة بنسلفانيا، اختبر باحثون عينات من حليب الأبقار للكشف عن هرمونات الإستروجين؛ والتي تتضمن الإسترون، وسلفات الإسترون، وإيستراديول. في بداية العشار، تكون نسبة الهرمونات في الحليب منخفضة، ولكن مع تقدم أشهر العشار ترتفع بسرعة. وقد وجد الباحثون بجامعة بنسلفانيا أنه على مدار شهور العشار، ترتفع نسبة الإيستراديول في الحليب 17 ضعفًا، وترتفع نسبة الإسترون إلى 45 ضعف. وكان الفارق كبيرًا للغاية لدرجة أن المعمل يمكنه بسهولة أن يحدد ما إذا كان الحليب قد جاء من بقرة في آخر عشارها أم لا. ولا يفعل القائمون على صناعة الحليب ومنتجات الألبان أي شيء لإزالة هذه الهرمونات. فتصل إليك في الحليب الذي تشربه وغيره من منتجات الألبان.
ومع ذلك، فإن نسبة الهرمونات الأنثوية في الحليب تكون، أصغر من أن تؤثر على الصحة، أليس كذلك؟ حسنًا، هذا ليس واضحًا بعد. فقد قاست مجموعة من الباحثين بجامعة ميلبورن بأستراليا نسب الهرمونات في 766 سيدة تجاوزت سن اليأس، فوجدوا أن السيدات اللائي كانت نظمهن الغذائية تتضمن منتجات ألبان احتوي على نسبة أعلى من الإستراديول تصل إلى 15 % في دمائهن، مقارنة بالسيدات اللائي كن يستهلكن أقل نسبة من منتجات الألبان.
فحص الباحثون بمؤسسة كايزر بيرمانينتي بمدينة أوكلاندا بكاليفورنيا، النظم الغذائية ل 1893 سيدة شاركت في دراسة بحثية معنية بالحياة بعد انتشار وباء السرطان، كانت جميع السيدات قد شخصت حالاتهن بأنها مرحلة مبكرة من سرطان الثدي الغزوي. وعلى مدار الاثني عشر عامًا التالية، كانت السيدات اللائي كن يتناولن حصة واحدة من منتجات ألبان غنية بالدهون بصفة يومية أكثر عرضة للوفاة جراء الإصابة بسرطان الثدي بنسبة 20 % ، مقارنة بمن لم يتناولن أية منتجات ألبان على الإطلاق أو تناولن كميات قليلة منها. وبالنسبة للسيدات اللائي استهلكن كمية أكبر قليلًا – وجبة كاملة على الأقل من منتجات الألبان الغنية بالدهون بصفة يومية – كان خطر الوفاة جراء الإصابة بسرطان الثدي أعلى بنسبة 49%.
وقد استعرض الباحثون بجامعة روشيستر آثار تناول منتجات الألبان على الرجال؛ حيث تابع الباحثون استهلاك 189 طالبًا جامعيًّا من الذكور، وأخذوا عينات من الحيوانات المنوية لكل منهم. فاتضح أن من يتناولون أكبر كمية من منتجات الألبان؛ خاصة الجبن وغيره من المنتجات الغنية بالدهون، كانوا أكثر عرضة لتكوين حيوانات منوية غير طبيعية، وتحديدًا من حيث الشكل والحركة. كما ازدادت مشكلات الخصوبة بشكل تدريجي، الأمر الذي لاحظه الباحثون.
فهل يمكن للارتفاع الموازي في استهلاك الجبن أن يكون جزءًا من السبب في ذلك؟
ثم فحص الباحثون بجامعة روشيستر الرجال الذين يترددون على عيادات الخصوبة، وركزوا بحثهم على الجبن تحديدًا؛ فاتضح أن الرجال الذين تناولوا أكثر كمية من الجبن (ما بين حصة إلى حصتين ونصف حصة يوميًّا)، انخفضت لديهم نسبة الحيوانات المنوية بنسبة 28 % ، مقارنة بالرجال الذين قللوا حصتهم اليومية من الجبن إلى النصف. كما كان شكل الحيوانات المنوية لديهم وقدرتها على الحركة أضعف.
تغيير الحالة الصحية بعد استبعاد الجبن من النظام الغذائي
لئلا تبدو هذه المشكلات مجرد افتراضات نظرية، دعني أحدثك عن سيدة انضمت لدراسة بحثية أجراها فريقنا. كنا نحاول معرفة إذا ما كان إدخال تغييرات على النظام الغذائي سيقلل التشنجات المرتبطة بالدورة الشهرية أم لا. بالطبع، تعاني كثير من السيدات التشنجات كل شهر، وبالنسبة لأغلبهن، يمكنهن السيطرة على هذه التشنجات. أما بالنسبة لبعضهن الآخر، قد يكون الألم حادًّا للغاية لدرجة تجعل تجاوز يومهن أمرًا صعبًا. فطلبنا من نصف المشاركات اتباع نظام غذائي خالٍ من جميع المنتجات الحيوانية؛ لا لحوم حمراء، لا جبن أو أي من منتجات الألبان، لا بيض، وجزء قليل للغاية من الدهون؛ لمدة شهرين، ثم العودة لنظامهن الغذائي السابق شهرين آخرين. واتبع نصفهن الآخر النظام الغذائي بترتيب معكوس؛ بمعنى أنهن اتبعن نظمهن الغذائية أولًا، ثم النظام الغذائي النباتي.
جاءت النتائج بسرعة: لم تجن السيدات اللاتي اتبعن نظمهن الغذائية المعتادة أية فوائد، وهو أمر بديهي لا حاجة لذكره. ولكنهن عندما اتبعن النظام النباتي، لاحظت كثير منهن أن آلامهن قلَّت كثيرًا أو اختفت تمامًا. وفي المجموعة التي اتبعت النظام النباتي أولًا، تحسنت حالة كثير من المشاركات كثيرًا لدرجة أنهن رفضن العودة لنظمهن الغذائية السابقة. فقد شعرن بتحسن كبير مع تغيير نظامهن الغذائي، ولم يردن العودة إلى الأطعمة التي كن يتناولنها وكانت تؤذيهن طوال سنوات عديدة.
خلال الدراسة، أردنا أن نتأكد أن المشاركات لا يتناولن أية أقراص لمنع الحمل، لأن الهرمونات الموجودة في هذه الأقراص ستؤثر على نتائج الدراسة. لذلك طلبنا منهن استخدام طريقة مختلفة لمنع الحمل – أية طريقة يخترنها. قالت إحدى المشاركات إنها لا تحتاج إلى أي أقراص لمنع الحمل لأنها عقيم، وأنها تحاول مع زوجها منذ سنوات إنجاب طفل. كانا يحاولان الإنجاب بجدية، ولم يكن زوجها يعاني أية مشكلة تمنعه من الإنجاب. كانت عقيمًا، وتقبلت هذا الوضع.
وقد شاءت الأقدار بعد وقت قصير من اتباع النظام الغذائي الجديد أن تخبرني شيئًا: “لدي نبأ طيب، وآخر سيئ”، النبأ السيئ أنني لن أستمر في الدراسة. والنبأ الطيب أنني صرت حاملًا”. لست بحاجة لذكر مدى سعادتها هي وزوجها، وواصلت اتباع النظام الغذائي الصحي، لسنوات عديدة بعد ذلك، وجاءت لمحاضرة كنت ألقيها وعرفتني على أطفالها الثلاثة.
فما الذي أحدث الفارق؟ هل بسبب استبعادها الجبن من نظامها الغذائي؟ نعم، أعتقد أن هذا جزء من السبب، ولأن نظامها الغذائي كان غنيًّا للغاية بالألياف الصحية، الأمر الذي جعل هرمونات جسمها أكثر قابلية لأن تعود لتوازنها الطبيعي.
الحليب والسرطان
تتورط منتجات الألبان أيضًا في الإصابة بالسرطان بين الرجال. فسرطان البروستاتا شائع للغاية، لحد مفزع، لدرجة أنني عندما كنت في كلية الطب، درست أن كل الرجال سيصابون بسرطان البروستاتا لو عاشوا لعمر طويل بالقدر الكافي. كان هذا من قبيل المبالغة، ولكنك فهمت المغزى.
باستعراض خريطة الإصابة بسرطان البروستاتا على مستوى العالم، يتضح بسرعة أن هذا المرض نادر في مناطق مثل الصين، وتايلاند، وهونج كونج؛ حيث منتجات الألبان ليست أطعمة شائعة (أو على الأقل كانت نادرة قبل أن تبدأ هذه البلدان في اتباع العادات الغذائية الغربية في تناول الطعام). ولكنه شائع الانتشار في البلدان التي تدخل منتجات الألبان كجزء أساسي من النظام الغذائي؛ كسويسرا، وفرنسا، والنرويج، والسويد، وكندا، والولايات المتحدة، من بين دول أخرى.
لذلك ركز الباحثون بجامعة هارفارد على معرفة ما إذا كان ذلك ينطبق على الولايات المتحدة، ولمعرفة إذا ما كان الرجال الذين لم يصابوا بعد بالسرطان أكثر عرضة للإصابة به إذا ما تناولوا منتجات الألبان. وقد تضمنت الدراسة التي أجراها أطباء الصحة 20885 رجل، جميعهم لم يصابوا بالسرطان في بداية الدراسة. وسجل الباحثون تفاصيل النظام الغذائي الذي يتبعونه، وتابعوا الرجال على مدار الأحد عشر عام التالية. فوجدوا أن الأشخاص الذين تناولوا ما لا يقل عن وجبتين إلى ثلاثة يوميًّا ارتفع خطر إصابتهم بسرطان البروستاتا بنسبة 34%.
كما وصلت دراسة أخرى أجريت بجامعة هارفارد على مجموعة أكبر – تضمنت 47781 رجل – لنتيجة مماثلة. في دراسة المتابعة التي أجراها أطباء الصحة، وُجِد أن الرجال الذي تناولوا أكثر من حصتين من الحليب يوميًّا ارتفع خطر إصابتهم بسرطان البروستاتا إلى 60 %.
لماذا ترتبط منتجات الألبان بالإصابة بالسرطان؟
حسنًا، من المفيد أن نتذكر لماذا وُجِد الحليب من الأساس. فهو يساعد على نمو الرضيع. وهو يفعل ذلك ليس من خلال تزويده بالبروتين، أو السكر ( اللاكتوز) أو الدهون، ولكنه يحفز أيضًا إنتاج مركبات تعزز النمو في جسم الطفل الرضيع.
عامل النمو الشبيه بالأنسولين – الذي يعرف اختصارًا IGF-I – مادة توجد في مجرى الدم تعزز النمو، كما يقترح اسمها. ويُنتج جزء من عامل النمو الشبيه بالأنسولين داخل جسم الطفل الرضيع بشكل طبيعي، ويحفز الحليب على زيادة المزيد منه. والأمر نفسه ينطبق على البالغين، فشرب الحليب يعزز نسبة عامل النمو الشبيه بالأنسولين في الدم. وفي جامعة كريتون، طلب الباحث ” روبرت هيني” من مجموعة من الرجال والسيدات؛ تتراوح أعمارهم بين الخامسة والخمسين إلى الخامسة والثمانين – شرب ثلاثة أكواب من الحليب يوميًّا. فارتفعت نسب عامل النمو الشبيه بالأنسولين لديهم لحوالي 10 % ، في المتوسط. وكان هذا الأمر مقلقًا، لأن دراسات المعامل أظهرت أن عامل النمو الشبيه بالأنسولين بسبب نمو الخلايا السرطانية بسرعة كبيرة.
عودة لجامعة هارفارد: أخذ الباحثون عينات دم من المشاركين في دراسة أطباء الصحة، حيث كانت الدراسة في بدايتها، واتضح أن الرجال الذين أصيبوا فيما بعد بالسرطان ارتفعت نسبة عامل النمو الشبيه بالأنسولين لديهم عما كان عليه الوضع عند بدء الدراسة قبل عشر سنوات. وكان فارق عامل النمو الشبيه بالأنسولين بين المصابين بالسرطان وغير المصابين به حوالي 10 % ، وهو ما يتناسب مع الفارق بين نسب عامل النمو الشبيه بالأنسولين بين الأشخاص المعتادين تناول منتجات الألبان وغير المعتادين ذلك. بعبارة أخرى، يقترح الدليل أن الحليب وغيره من منتجات الألبان يحفز إنتاج عامل النمو الشبيه بالأنسولين في مجرى الدم، وهذا بدوره يعزز نمو الخلايا السرطانية.
فيتامين D والسرطان
قد تزيد منتجات الألبان خطر الإصابة بالسرطان عن طريق آلية أخرى، تتعلق هذه المرة بفيتامين D . وينتج الجسم هذا الفيتامين عن طريق تعرض الجلد لأشعة الشمس. بعد ذلك ينشط في الكبد والكليتين، ومن هناك ينتشر عبر مجرى الدم.
أفضل وظيفة معروفة لفيتامين D هي مساعدة الجسم على امتصاص الكالسيوم. عندما تنخفض نسبة الكالسيوم لديك، يُنشط جسمك كمية أكبر من فيتامين D لمساعدة جهازك المعوي على امتصاص قدر أكبر من الكالسيوم من الأطعمة التي تتناولها. وعندما ترتفع نسبة الكالسيوم لديك، يُبطئ جسمك إنتاجه لفيتامين D ، وبالتالي يمتص كمية أقل من الكالسيوم.
حتى الآن، هذا جيد. ولكن لفيتامين D وظيفة أخرى أيضًا، وهي حمايتك من السرطان، كما يعتقد العلماء. وهنا تلعب منتجات الألبان دورها السيئ: إذا كنت معتادًا تناول الجبن والحليب وغيره من منتجات الألبان، فأنت تحصل على قدر أكبر من الكالسيوم عما يحتاج إليه جسمك. ومع كل كمية الكالسيوم التي تدخل مجرى دمك، يُبطئ جسمك تنشيطه لفيتامين D . وعندما تنخفض نسبة فيتامين D، يزداد خطر إصابتك بالسرطان. هذا على الأقل أحد التفسيرات الأساسية للعلاقة بين منتجات الألبان وسرطان البروستاتا.
كان الرجال في الدراسة يعانون السرطان في مرحلة مبكرة، ومن ثم كان بإمكانهم تأجيل العلاج طالما أن أطباءهم المعالجين يتابعون إصابتهم عن طريق إجراء تحليل دم يسمى المستضد النوعي للبروستاتا، أو ما يعرف اختصارًا PSA . فإذا ظلت نسب المستضد النوعي للبروستاتا منخفضة، لا تكون هناك حاجة لإجراء جراحة أو تلقي أي علاج آخر. ولكن إذا زادت نسب المستضد النوعي للبروستاتا بشكل كبير، قد تكون هناك حاجة لتلقي علاج للسرطان (مثل التدخل الجراحي لاستئصال البروستاتا).
دعا دكتور ” أورنيش” 93 رجلًا للمشاركة في الدراسة. وبدأ نصف الرجال اتباع نظام غذائي نباتي منخفض الدهون، إلى جانب ممارسة بعض التمارين الرياضية والسيطرة على الضغوط التي يتعرضون لها، بينما اتبع النصف الثاني نظمهم الغذائية المعتادة. وبالنسبة للمشاركين الذين اتبعوا نظمهم الغذائية المعتادة، ساءت نسب المستضد النوعي للبروستاتا بشكل تدريجي، وهو أمر شائع بين الرجال المصابين بسرطان البروستاتا. أما بالنسبة للمشاركين العادين، فارتفعت نسبة المستضد النوعي للبروستاتا إلى 6 % خلال عام واحد. ولكن في المجموعة التي اتبعت نظامًا نباتيًّا، لم ترتفع نسب المستضد النوعي للبروستاتا في المتوسط. في الواقع، انخفضت نسبة هذا المستضد خلال عام إلى 4 % . وبينما اضطر ستة رجال في المجموعة التي اتبعت نظمها الغذائية المعتادة لترك الدراسة لتلقي علاج سرطان، لم يحتج أي من أفراد النظام النباتي لتلقي علاج خلال مدة الدراسة.
لماذا آتى تغيير النظام الغذائي ثماره؟ من المحتمل أن يكون اتباع نظام غذائي منخفض الدهون، وغني بالألياف، وخالٍ من منتجات الألبان قد ساعد على ترويض الهرمونات التي تؤدي للإصابة بسرطان البروستاتا.
مقاومة السرطان بواسطة الأطعمة الصحية (قصة)
قد تكون قوة الطعام أكبر بكثير مما تتصور. دعني أطلعك على تجربة ” روث هيدريتش”. في سن 74 ، كانت ” روث” تعيش في هاواي، وتعمل في رسالة الدكتوراه تخصها في علم النفس. وذات يوم، بينما كانت تستحم، شعرت بشيء لا تريد أي امرأة أن تشعر به، ورم في الجانب الأيمن من ثديها.
ذهبت لطبيبها، الذي أمر على الفور بإجراء تصوير إشعاعي للثدي. فارتاحت بالًا، لأن التصوير لم يظهر أي أورام سرطانية. ولكن من باب الاطمئنان، أوصاها الطبيب بإجراء تصوير إشعاعي للثدي كل عام. وفي العام التالي، كان التصوير سلبيًّا أيضًا.
لسوء الحظ، في العام الثالث، أظهر التصوير الإشعاعي ورمًا. كان قد كبر بشكل تدريجي؛ الأمر الذي جعل ما كان يبدو ورمًا حميدًا يكشر عن أنيابه. كان سرطان ثدي، وكان موجودًا طوال الوقت.
أجرت ” روث” جراحة لاستئصال الورم من الثدي. ولكن اتضح أن السرطان قد انتشر بالفعل لعظامها، ورئتها اليسرى، وكبدها. لم تكن هناك طريقة لاستئصال السرطان المميت الذي انتشر في كل جسدها. فأوصاها طبيبها بالعلاج الكيمائي والإشعاعي. ولكنهما لم يكن فيهما الشفاء، ولكن قد يساعدانها على كسب بعض الوقت.
ولكن عندئذ حدث شيء عجيب: قرأت ” روث” عنوانًا في إحدى الصحف عن بحث معني بدور النظام الغذائي في علاج سرطان الثدي. شرح الباحث الدكتور “جون ماجدول” أنه كان يبحث فيما إذا كان اتباع نظام نباتي بالكامل – نظام غذائي خالٍ تمامًا من أي منتجات حيوانية – سيعالج سرطان الثدي بفاعلية أكبر من العلاج الكيميائي أو الإشعاعي. كانت الفكرة تكمن في أن الأطعمة تؤثر على مستويات الهرمونات، في بعض الأحيان بطريقة مضرة، وفي أحيان أخرى بطريقة مفيدة. عن طريق التخلي عن الأطعمة التي تميل لزيادة نسب الهرمونات غير المفيدة، وتفضيل الأطعمة التي تساعد الجسم على تخليص نفسه من الهرمونات، قد يستفيد مرضى السرطان من ذلك.
رفضت ” روث” أن تخضع لعلاج كيميائي أو إشعاعي، واختارت أن تجري بعض التعديلات على نظامها الغذائي. واتضح أن الأمر سهل: تكثر من الفاكهة والخضراوات والأرز البني، والخبز المصنوع من الحبوب الكاملة والشوفان، وغيره من الأطعمة الصحية.
كما أنها بدأت برنامجًا جديدًا لممارسة التمارين الرياضية. كانت لائقة على المستوى البدني، ولكنها ضغطت على نفسها أكثر.
خلال شهرين، بدأ السرطان يختفي. وقبل أن يمضي وقت طويل، عادت تحاليل وظائف الكبد لديها لمستوياتها الطبيعية. ولم تخضع لأي علاج كيميائي أو إشعاعي، كما استعادت صحتها مرة أخرى.
أصبحت ” روث” مناصرة قوية للصحة. ومن خلال اتباعها نظامًا غذائيًّا نباتيًّا تمامًا، خاضت 67 ماراثونًا، وستة سباقات ثلاثية للرجل الحديدي، وحققت الكثير من الانتصارات على مستوى العالم لمن هم في عمرها. وألفت أربعة كتب لتطلع الناس على رحلتها، وعن القوة الكامنة في الطعام. والآن، بعد أكثر من ثلاثة عقود، لا تزال محافظة على نشاطها وصحتها، ولا تزال بطلة تنصح بنظام غذائي صحي.
مثل ” روث”، أصبحت ” كاثرين” شغوفة بمشاركة ما تعلمته. أصبحت معلمة طهي، وبدأت تقيم دورات لسيدات ورجال، واجه كثير منهم مشكلات صحية ربما تتحسن كثيرًا بإجراء تعديلات على النظام الغذائي.
مفاجآت صحية
من الممكن أن نقول إن ” كاثرين” و” روث” وكثيرين غيرهما ذهلوا من القوة الكامنة في الأطعمة الصحية. كما أن الحالات المرضية المرتبطة بتناول الجبن على وجه الخصوص تتجاوز الحالات التي تناولناها حتى الآن.