عندما أخبر مرضاي المعرضين لخطر إصابة عال بأنهم يجب أن يتناولوا عقارا مخفضا للكوليسترول، وأشرح لهم لماذا سيساعد في تحسين مستوياتهم من الكوليسترول، عادة يوافقون. ولكن ليس من غير المعتاد أن أواجه بعض المقاومة من مرضى غير مطلعين جيدا على الفوائد المحتملة لهذه العقاقير أو تأثيراتها الجانبية.
فيما يلي بعض ردود الفعل المعهودة من المرضى:
“لا! لا أريد أن آخذ أي أدوية. أريد أن أخفض الكوليسترول لدي بشكل طبيعي، بدون الأدوية وتأثيراتها الجانبية. ألن تؤذي العقاقير كبدي؟”
“سجل اسمي! أفضل أن أتناول حبوبا على أن أقلق بشأن غذائي أو أزعج نفسي بالتمارين الرياضية!”
هؤلاء المرضى يخدعون أنفسهم في كلتا الحالتين.
فالمرضى الذين يرفضون الأدوية لأنهم يحسبونها غير طبيعية، يتخلون عن بعض أفضل الوسائل في الوقاية العدوانية. يمكن لعقاقير الستاتين وحدها أن تخفض إلى حد كبير خطر حدوث نوبة قلبية بأكثر من 30 بالمائة؛ وبأكثر من هذه النسبة بكثير عندما يتم تناولها مع عقاقير أخرى مثل النياسين، والأسبيرين، و/أو بعض أدوية ضغط الدم.
أنا سريع في تذكير المرضى الذين يبدون ملاحظات حول عدم طبيعية العقاقير بأن ليس هناك ما هو طبيعي بتاتا بامتلاكهم لشريان مريض مثقل باللويحات. كما أخبرهم أيضا بأن عقاقير الستاتين تستطيع فعليا أن تساعد في إرجاع الشريان إلى حالته الفتية المرنة؛ إلى تلك الحالة التي أرادته الطبيعة أن يكون بها. وأذكرهم بأن مستوى الكوليسترول الطبيعي فعلا هو 3 ميلي مول/ليتر أو أقل. على الأقل، هذا هو المستوى الموجود في الشعوب التي لا تتبع النظام الغذائي الغربي المفعم بالأطعمة المعالجة.
أما المرضى الذين يحسبون بأن ابتلاع حبة دواء يجعل من الحمية والتمرين الرياضي أمرين غير ضروريين، فهم أيضا يرتكبون خطأ فادحا. فالقصد من هذه العقاقير هو أن تعمل بتآزر مع تغييرات أسلوب الحياة هذه، وليس القصد منها أن تحل محلها. حتى لو كان بإمكان مجموعة مؤتلفة من العقاقير أن تخفض خطر إصابتك بنوبة قلبية بنسبة 50 بالمائة، إلا أن نصف الناس الذين يتناولون هذه العقاقير والذين يقدر لهم أن يصابوا بنوبة قلبية لا يزالون سيصابون بها. ولهذا السبب من الأساسي جدا إحداث تغييرات بأسلوب الحياة من أجل خفض إضافي للخطر.
ورغم أنني مؤمن متحمس بقوة الحمية والتمارين الرياضية، ومع ما نعرفه اليوم عن فعالية عقاقير الستاتين وغيرها من العقاقير، فليس من المعقول أبدا أن لا يتناولها المرضى المعرضون لخطر الإصابة. لقد أكدت على هذه النقطة حديثا عندما كنت أحاضر في مركز طبي رئيسي عن منافع الدهون الجيدة والكربوهيدرات الجيدة والبروتينات القليلة الدهن أمام مجموعة من الأطباء. في نهاية حديثي وبعد أن رسخت قاعدة قوية لدور الحمية في الوقاية من اعتلال القلب، سألني أحد الأطباء عما إذا كنت مستعدا لإجراء دراسة تختبر مبادئ حمية ساوث بيتش كعلاج أوحد لمرضى الاعتلال التاجي. كنت مصرا بأنني لن أفعل. إن استخدام الحمية فقط لمعالجة اعتلال القلب سيكون معناه تجاهل 30 سنة من التطورات الطبية المنقذة للحياة.
إذا، هل يعني ذلك أن عقاقير الستاتين يجب أن يتم وصفها عالميا بطريقة شبيهة لإضافة الفلور إلى مياه الشرب لتقليل تسوس الأسنان؟ سيكون ذلك تجاوزا كبيرا للحد. ولكن عقاقير الستاتين لم يتم وصفها كما يجب بشكل عام. فبالرغم من الدراسات العديدة الممتازة التي توثق فعاليتها، إلا أن الملايين من الناس الذين يجدر بهم تناول هذه الأدوية المخفضة للكوليسترول، لا يفعلون ذلك. وهذا يعني أن الملايين من الناس معرضون لخطر مرتفع غير ضروري للمعاناة من نوبة قلبية أو سكتة دماغية أو موت مفاجئ.
تحذير
أخبر طبيبك عن كل الأدوية والمكملات الحميية التي تتناولها بانتظام، سواء أكانت موصوفة أو غير موصوفة. العديد من الأدوية التي هي آمنة عندما تؤخذ بمفردها، يمكن أن تتفاعل وهناك احتمال بأن تسبب تأثيرات جانبية خطرة عندما تؤخذ مع عقاقير أخرى. لا تتوقف أبدا عن تناول دواء للقلب بدون استشارة طبيبك.
حكاية أخوين
أنا لا أقترح هنا بأنه يجب على الجميع أن يتناولوا عقار الستاتين لمنع اعتلال القلب. ففي بعض الحالات التي يكون فيها المريض المعرض لخطر إصابة عال لا يزال فتيا، أنا أسمح بفترة زمنية تتراوح من 3 أشهر إلى سنة لأرى إن كانت الحمية والتمارين الرياضية وغير ذلك من تعديلات أسلوب الحياة الأخرى يمكنها أن تحدث فرقا كافيا لتجنب استعمال الأدوية. واليوم، بفضل تفاريس القلب واختبار الدم المتقدمين، نستطيع أن نعين بمزيد من الدقة أولئك الناس الذين سيستفيدون من تناول عقار ستاتين المخفض للكوليسترول.
دعوني أخبركم عن أخوين، تشاك البالغ من العمر 34 سنة، وستيفن الذي يكبره بعامين، واللذين حضرا إلي لأن والدهما كان قد عانى من نوبة قلبية في عمر صغير بلغ 49 عاما. أراد الأخوان أن يفعلا كل شيء ممكن ليتفاديا مصير والدهما.
أجريت تفريسة قلب واختبار دم متقدما للأخوين. أظهرت تفريسة القلب لتشاك أن شرايينه تحتوي بالفعل على لويحات. وحيث كانت نتيجة الكالسيوم لديه في العشرينات وهو لا يزال في عمر صغير، إذ كان عمره 34 سنة، فقد عنى ذلك أن خطر إصابته بنوبة قلبية في المستقبل كان كبيرا نسبة إلى عمره. وعلاوة على هذا، أظهر اختبار الدم المتقدم بأن لديه مقادير عالية من كوليسترول LDL الصغير الكثيف؛ وهو الكوليسترول الضار فعلا، ومقادير ضئيلة من كوليسترول HDL المفيد. بالمقارنة، كانت شرايين أخيه ستيفن صورة مثالية؛ وكذلك كانت نتائج اختبارات دمه. خلافا لتشاك، يبدو أن ستيفن قد ورث على الأرجح جينات أمه الأكثر صحة.
غادر تشاك عيادتي مع وصفة طبية تشتمل على الأتروفاستاتين atorvastatin (ليبيتور Lipitor)، وهو عقار ستاتين لتخفيض مستوياته من كوليسترول LDL الضار، وأيضا على النياسين الذي يساعد على تقليل إنتاج كوليسترول LDL الصغير ورفع كوليسترول HDL. كما تم إعطاء تشاك أيضا استشارة غذائية ونصيحة خاصة بممارسة الرياضة البدنية. لحسن الحظ أن ستيفن لم يكن بحاجة لأن يفعل أي شيء سوى اتباع حمية صحية للقلب ونظام تمارين رياضية.
كان تشاك عند مستوى خطر مرتفع للإصابة بنوبة قلبية، وكان هناك عنصر وراثي واضح في مشكلته، بحيث إنه استحق كل سلاح مضاد للويحات نملكه في مخزن أسلحتنا. وبالطبع، كان لا يزال بحاجة لأن يكون واعيا في ما يتعلق بنظام غذائه وتمارينه الرياضية.
حالات أخرى وثيقة الصلة بالموضوع
لدي مرضى آخرون بتاريخ عائلي سيئ جدا لاعتلال القلب المبكر والذين أتوا إلي بعد إصابة قلبية. بسبب تاريخهم العائلي، بذل هؤلاء المرضى كل جهد ممكن من أجل أن يحيوا حياة سليمة صحيا. ومع ذلك فقد أصيبوا إما بالذبحة الصدرية (خناق) أو النوبات القلبية. في الواقع، إن هذه الإصابات قد حدثت لهم في عمر متأخر أكثر من أفراد العائلة الآخرين، ما يعني أن أنماط حياتهم المثالية قد أبطأت بالفعل تقدم التصلب العصيدي لديهم؛ ولكنها لم تمنعه.
قبل سنوات، وفي فترة الثمانينيات السابقة لظهور عقاقير الستاتين، سمعت عرضا لحالة طبية قام به الدكتور بيل روبرتس، وهو اختصاصي شهير بالأمراض القلبية. عرض الطبيب تشريح الشرايين لعضو كونغرس كان قد مات بشكل مأساوي بينما كان يهرول في عمر الخامسة والخمسين. كان هناك تراكم لويحات واسع الانتشار في كل الشرايين التاجية الرئيسية لرجل السياسة. علق الدكتور روبرتس بأن عضو الكونغرس كان عداء منتظما لمسافات طويلة وقد عاش أكثر من إخوته بعشر سنوات كاملة بسبب روتينه الرياضي المنتظم النشيط ونظامه الغذائي الصارم. ولكن رغم جهوده القصوى لمحاربة جيناته بتغييرات أسلوب الحياة وحده، إلا أن ذلك لم يكن كافيا. لو كان قد تلقى منافع التشخيص المبكر وأفضل ما لدينا من الأدوية الحالية لتكملة أسلوب حياته المثالي، فأنا واثق بأنه كان سيعيش حتى عمر كبير متقدم.
لكن هل ستنفع عقاقير الستاتين فعلا؟
بداية، كان هناك بعض الشك بشأن إمكانية استفادة أي شخص من عقاقير الستاتين باستثناء عدد قليل من المرضى الذين هم مهيأون وراثيا لمستويات عالية جدا من الكوليسترول.
مع ذلك، قدمت الدراسات التي أجريت في أوائل التسعينيات من القرن الماضي بعض النتائج المثيرة جدا. على سبيل المثال، كانت إحدى هذه الدراسات بمثابة نقطة تحول وهي دراسة البقاء الإسكندنافية الخمسية على عقار السيمفاستاتين (Scandinavian Simvastatin Survival Study (4S)) والتي أجريت على 4444 مريض قلب إسكندنافيا كانوا يتناولون السمفاستاتين (زوكور). تبين من هذه الدراسة أن خطر موت هؤلاء المرضى من أسباب متعلقة بالقلب قد انخفض بنسبة 34 بالمائة، وأن احتمال خضوعهم لرأب الوعاء أو جراحة المجازة قد انخفض بنسبة 37 بالمائة. كانت تلك دراسة هامة جدا لأنها أوضحت للمرة الأولى بأن عقار تخفيض الكوليسترول قد قلل الحاجة إلى الجراحة وأنقذ عددا هاما من الأرواح. لم تعد عقاقير الستاتين تبشر بالخير فقط؛ بل أصبحت مبرهنة المفعول.
ومنذ ذلك الحين تمت دراسة عقاقير الستاتين في العشرات من التجارب السريرية الأخرى الصغيرة والكبيرة المشتملة على آلاف الناس. تفيد إحدى أحدث النتائج بأن استخدام عقاقير الستاتين بجرعات كبيرة لخفض كوليسترول LDL إلى مستويات قليلة جدا – 1.8 ميلي مول/ليتر أو أقل – يؤدي، كما يبدو، إلى انخفاض أكبر في عدد النوبات القلبية والسكتات الدماغية والموت المفاجئ.
هناك المزيد من الأخبار السارة بشأن عقاقير الستاتين. فبالإضافة إلى تقليل الكوليسترول، تهاجم هذه العقاقير اعتلال القلب والأوعية الدموية على جبهات أخرى أيضا، وذلك بتهدئة الالتهاب، ومقاومة الجذور الحرة المتلفة للخلايا، والأهم من هذا كله، بجعل اللويحات الطرية الحساسة تنكفئ وتصبح أقل احتمالا للتمزق. وكما تعرف مما ذكرته في الفصول السابقة، يعتبر تمزق اللويحات هو الحدث الذي يستحث معظم النوبات القلبية والسكتات الدماغية. وحقيقة أن عقاقير الستاتين تقوم بما هو أكثر بكثير من مجرد خفض الكوليسترول يشرح السبب وراء وصف هذه الأدوية على الفور بعد إصابة تاجية. في الحقيقة، تتم الآن توصية مرضى النوبات القلبية بأن يبدأوا بتناول عقار ستاتين بينما لا يزالون في المستشفى. والخلاصة هي أن عقاقير الستاتين أكثر فاعلية في تدبر التصلب العصيدي ومنع النوبة القلبية والسكتة الدماغية والموت المفاجئ من جميع أصناف الأدوية الأخرى.
ولكن هل عقاقير الستاتين آمنة؟
خلافا لما يحتمل أنك سمعت به، تعتبر أدوية الستاتين اليوم آمنة تماما. التأثير الجانبي الخطير الوحيد الذي رأيته كان تداعيا حادا في العضل يمكن أن يؤدي إلى قصور كلوي ومن ثم إلى الموت، وهو ما حدث من جراء تناول عقار سيريفاستاتين cerivastatin (بيكول Baycol) الذي تم سحبه من الأسواق في العام 2001. في حين أن هذا التأثير الجانبي قد أخبر عنه في عقاقير ستاتين أخرى، إلا أنه نادر على نحو متزايد، وإذا تم تمييزه في وقت مبكر، فهو قابل للعكس كليا. لم ألاحظ شخصيا هذه المضاعفة أبدا مع أي من عقاقير الستاتين التي أصفها حاليا.
في الواقع، إن الدراسات الخمس الرئيسية المشتملة على 30,817 مريضا وصفت لهم عقاقير الستاتين، لم يعان فيها سوى مريض واحد من مضاعفة عضلية وخيمة، ولم تكن هناك حالات للاعتلال الكبدي الخطير، وهو تأثير جانبي محتمل آخر. المشاكل الوحيدة مع عقاقير الستاتين والتي أراها فعليا على نحو شائع إلى حد ما هي الأوجاع والآلام العضلية وأحيانا التشنجات العضلية، وخاصة في أصابع القدمين. وقد وجدت أن تبديل عقار الستاتين إلى شكل آخر منه أو تغيير الجرعة المقترحة منه غالبا ما يساعد المريض. لا تعتبر هذه الأوجاع والآلام العديمة الأذى دلالة على المضاعفة العضلية الخطيرة الموصوفة أعلاه. ومع ذلك، عليك أن تخبر طبيبك إذا عانيت من أي ألم عضلي.
الكوليسترول؛ ما الحد الأدنى له؟
إذا كنت قد أصبت فعليا باعتلال القلب، أو عند خطر عال للإصابة به، فإن الخفض الجسور للكوليسترول مفيد لك بغض النظر عن مستوياتك من الكوليسترول. هناك عدد من الدراسات يوضح ذلك.
في الحقيقة، إن إحدى دراسات الستاتين الخمس المشار إليها أعلاه، وهي دراسة الأسطول الجوي الحربي/تكساس للوقاية من التصلب العصيدي التاجي Air force/Texas Atherosclerosis Coronary Prevention Study والتي أجريت في العام 1998، كانت مختلفة عن الدراسات الاستقصائية السابقة لعقاقير الستاتين. ففي هذه الدراسة بدأ المشاركون بمستويات طبيعية من الكوليسترول الإجمالي وكوليسترول LDL الضار وبدون أية علامات واضحة لاعتلال القلب والأوعية الدموية. لا غرو أن العديد من الناس حسبوا بأن إعطاء عقاقير الستاتين لناس بمستويات طبيعية من كوليسترول LDL كان قتلا مفرطا. وقد تبين في الحقيقة أنه منقذ للحياة. فمقارنة بالناس الذين تم إعطاؤهم حبوب سكر (علاج إرضائي)، كان خطر الإصابة بنوبة قلبية أو ذبحة صدرية (خناق) أو موت قلبي مفاجئ لأولئك الذين تناولوا الستاتين أقل بنسبة 37 بالمائة.
أما دراسة حماية القلب الخمسية التي نشرت في العام 2002 فقد ساندت هذه النتائج. ففي هذه الدراسة، تم إعطاء عقار ستاتين لنصف الـ 20,536 مشاركا والذين كانت لديهم عوامل خطرة لاعتلال القلب غير مستوى كوليسترول LDL الضار. في الحقيقة، إن بعض المتطوعين للدراسة كان لديهم بداية مستوى جيد نسبيا من كوليسترول LDL (أقل من 3 ميلي مول/ليتر). أظهرت النتائج بأن علاج الستاتين المخفض للكوليسترول قد قلل النوبات القلبية بقدر مماثل سواء لدى أولئك الذين بدأوا بمستوى LDL أقل من 3 ميلي مول/ليتر أو أولئك الذين كان لديهم مستوى أولي أعلى من الـ LDL.
في دراسة أخرى نشرت في العام 2005 وعرفت بتجربة البرهان، تم إعطاء واحد من عقاري ستاتين لأكثر من 4000 مريض ذوي مستوى عال من كوليسترول LDL والذين كانوا قد دخلوا المستشفى إما بسبب نوبة قلبية أو ذبحة صدرية (خناق) غير مستقرة، وتمت متابعتهم لسنتين. نقصت مستويات LDL في إحدى المجموعتين إلى أقل من 1.8 ميلي مول/ليتر، مقارنة بـ 2.6 ميلي مول/ليتر في المجموعة الأخرى. كانت الحوادث القلبية لأولئك الذين نقص مستوى الكوليسترول لديهم إلى 1.8 ميلي مول/ليتر أقل بشكل ملحوظ، كما كانت هناك فائدة تدريجية إضافية عندما خفض الـ LDL إلى أقل من 1.5 ميلي مول/ليتر.
بالرغم من هذه الدراسات، يعتقد بعض الأطباء والباحثين بأن استعمال الأدوية لتخفيض الكوليسترول إلى مستويات متدنية جدا قد يكون خطيرا. في رأيي، هناك خطر بالفعل، ولكنه من المستويات العالية من الكوليسترول التي يتسبب بها أسلوب الحياة الحديث، وليس من المستويات المنخفضة التي نحصل عليها من استعمال العقاقير المخفضة للكوليسترول. يملك المواليد الجدد والناس الذين يعيشون في معظم المجتمعات غير الصناعية مستوى طبيعي من الكوليسترول الإجمالي يبلغ 3.1 ميلي مول/ليتر أو أقل. المستوى الطبيعي في الولايات المتحدة هو 5.2 ميلي مول/ليتر. وفي المملكة المتحدة يبلغ معدل الكوليسترول الإجمالي 5.7 ميلي مول/ليتر. من وجهة نظري، يمكن القول بأن علاج الستاتين العدواني (الجسور) يخفض ببساطة مستويات الكوليسترول إلى الحد الطبيعي.
هل ستستفيد من تناول عقار ستاتين؟
كيف تعرف إذا كنت ستستفيد من تناول عقار ستاتين أو دواء آخر مخفض للكوليسترول؟ هذا أمر ستحتاج لمناقشته مع طبيبك. أنا أعمل في مهنتي على تخفيض مستويات الكوليسترول لمرضاي إلى أن أعتقد بأنني قد أوقفت أو عكست المرض التحتي. يختلف المستوى النهائي بالطبع من مريض إلى مريض. فمريض بمستوى كوليسترول LDL مساو لـ 4.1 ميلي مول/ليتر قد يكون لديه مقدار ضئيل أو معدوم من اللويحات لا يحتاج معه إلى تناول دواء ستاتين. بينما قد يملك مريض آخر نفس المستوى السابق من الكوليسترول ولكن مع مقدار أكبر بشكل ملحوظ من اللويحات وقد ينتفع بالتالي من علاج الستاتين العدواني.
مع ذلك، يمكنك أن تكون فكرة عما قد ينصحك به طبيبك بالرجوع إلى الإرشادات الخاصة بكوليسترول LDL على الصفحتين 78-79. كما يمكنك أن ترى، كلما ارتفعت مستوياتك من الـ LDL، كلما زاد خطر إصابتك بنوبة قلبية أو سكتة دماغية (أنت عند خطر أقصى إذا كنت مصابا بداء السكر أو باعتلال قلبي معروف).
الصيدلية المتعددة: وصف أدوية متعددة
قبل سنوات عديدة وخلال تدريبـي كطبيب، سمعت قصة عن استعمال أدوية متعددة لمعالجة مريض مصاب باعتلال القلب. شملت القصة الدكتور سام ليفاين، وهو واحد من أشهر أطباء القلب في خمسينيات القرن الماضي ومستشار طبي لأطباء الرئيس إيزنهاور. وكما تمضي القصة، كان الدكتور ليفاين يقوم بدوراته التدريسية في أحد الأيام مع بطانته المعتادة. وبعد أن أنهى طبيب مقيم عرض حالة مريض كان يتناول أدوية متعددة، استدار الدكتور ليفاين ليغادر وهو يقول: “أوقف كل الأدوية ما عدا واحدا”. لحقه الطبيب المقيم وهو يسأله: “ولكن أي منها يا دكتور؟” وهو ما أجاب عليه ليفاين قائلا: “أي واحد تريده”. هذا الشك تجاه استعمال عقاقير متعددة كان شائعا في ذلك الحين، ولسبب وجيه. كان من شأن الأدوية القليلة التي كانت متوفرة لدينا لمعالجة اعتلال القلب (والعديد من الأمراض الأخرى أيضا) أن تكون ذات قيمة محدودة. كان للعديد من العقاقير تأثيرات جانبية خطيرة، وخاصة في الجرعات القصوى التي كانت تعطى غالبا. وعندما كانت تستخدم معا كمجموعة مؤتلفة، كان احتمال اختبار تلك التأثيرات الجانبية يتضاعف فقط. ولكنها كانت الخيارات الوحيدة في ذلك الوقت.
أستطيع اليوم أن أختار فعليا من أعداد كبيرة جدا من الأدوية والتي هي آمنة وفعالة على نحو رائع على حد سواء. نحن غالبا ما نستخدمها في مجموعات مؤتلفة كي يتسنى للمريض أن يتناول جرعات أقل من كل عقار تكون أكثر أمنا وأفضل احتمالا. إن معظم الناس المعرضين لخطر عال للإصابة بنوبة قلبية أو سكتة دماغية يتناولون بالفعل أكثر من دواء واحد. في الحقيقة، إن البعض قد يتناول خمسة أدوية أو ستة أو أكثر. يسرع الناقدون لتسمية هذا بالمداواة المفرطة وثمة داع بالفعل لهذا القلق.
مع ذلك، عندما يتم وصف الأدوية على نحو سديد وتتم مراقبتها بعناية، فإن مقاربة الصيدلية المتعددة يمكن أن تنقذ الأرواح. وهذا صحيح تحديدا عندما يتعلق الأمر بمعالجة التصلب العصيدي. كما أصبحت تدرك الآن، التصلب العصيدي هو مرض معقد يتأثر بحشد من العوامل بما فيها الوراثة والنظام الغذائي وممارسة الرياضة البدنية والإجهاد. وهذا واحد من الأسباب وراء استغراق فهم كيفية معالجة المرض هذه الفترة الطويلة. ولكن حقيقة كونه معقدا إلى هذه الدرجة كان له منحى إيجابي. فهو يعطينا الكثير من الأهداف للمعالجة، من خفض كوليسترول LDL إلى إبطاء تكون جلطات الدم.
عندما يأخذ الناس أدوية تهاجم التصلب العصيدي على عدد من الجبهات المختلفة، فإن احتمال بقائهم ومحافظتهم على وظيفة قلبية جيدة يتحسن على نحو عظيم. وضحت دراسة البقاء الإسكندنافية على عقار سيمفاستاتين (4S)، والتي ذكرتها سابقا، هذه النقطة. ووفقا لدراسة عامة نشرت في مجلة كليفلاند السريرية للطب Cleveland Clinic Journal of Medicine، تم إعطاء المشاركين في الدراسة والمصابين بالاعتلال التاجي تشكيلة من العلاجات. وجد الباحثون بأن المشاركين الذين لم يعطوا أي أدوية على الإطلاق، كانت نسبة الخطر لموتهم أو إصابتهم بنوبة قلبية أو سكتة دماغية أو أي إصابة رئيسية أخرى خلال خمس سنوات مساوية لـ 29 بالمائة؛ ليست بالنسبة الجيدة جدا. أما أولئك الذين تم إعطاؤهم أدوية الستاتين فقد كانت نسبة خطرهم المحتمل أقل بكثير حيث بلغت 18.6 بالمائة. أما نسبة الخطر للمرضى الذين أعطوا دواء ستاتين وأسبيرين فقد انخفضت أكثر إلى 11.2 بالمائة. المحظوظون من بين المشاركين كانوا أولئك الذين أعطوا دواء ستاتين وأسبيرين ودواء آخر يدعى محصر بيتا لخفض ضغط الدم، حيث بلغت نسبة خطرهم المحتمل لإصابة قلبية رئيسية 8.6 بالمائة فقط. أظهرت دراسة لاحقة بأن إضافة عقار آخر، هو مثبط ACE، إلى الخليط السابق من الأدوية قد أدى أيضا إلى انخفاض أكبر. وفي دراسة نقدية لهذه البيانات نشرت في مجلة كليفلاند السريرية للطب، قدر أن الانخفاض الجمعي سيكون 70 بالمائة.
الفائدة الأخرى للعلاج المتعدد الأدوية تتمثل في القدرة على إبقاء جرعة كل دواء أقل من المستوى الذي يمكن أن تحدث عنده تأثيرات جانبية. لم تكن لدينا دوما هذه الرفاهية. في أيامي الأولى خلال تدريبـي كطبيب، كان لدينا نسبة صغيرة من الخيارات الصيدلانية التي نملكها اليوم. كنا نضطر غالبا لأن نصف الأدوية بجرعات قصوى من أجل التحكم بضغط الدم أو معالجة مشاكل أخرى. على سبيل المثال، غالبا ما كان يتم وصف محصرات بيتا بجرعات كبيرة لعلاج ضغط الدم أو الذبحة الصدرية (الخناق) أو اضطراب نظم القلب. وغالبا ما كان المرضى يشعرون بالإعياء الشديد من جراء هذه الجرعات المستخدمة. نستطيع اليوم أن نستفيد من التأثيرات العلاجية لمحصرات بيتا ولكن مع تفادي تأثيراتها الجانبية وذلك بجمعها مع أدوية أخرى.
أنا مدرك تماما بأن تناول أدوية متعددة يمكن أن يكون مكلفا ماديا. وأعرف أيضا أن الاحتفاظ بوصفات طبية متعددة وتذكر تناول الدواء في الوقت الملائم يمكن أن يكونا مزعجين. ولكن عندما تكون الأدوية ضرورية طبيا، فإن المكافأة يمكن أن تكون الحياة نفسها.
حيث إن تناول أدوية متعددة يمكن أن يكون له فوائد عديدة، فقد قام باحثان من إنكلترا ونيوزيلندا بتقديم اقتراح جريء في المجلة الطبية البريطانية في العام 2003. اقترح الباحثان بأن يتم ابتكار حبة دواء متعددة والتوصية بها لكل من هو فوق سن الخامسة والخمسين. ستجمع هذه الحبة المتعددة ستة أدوية قلب أجناسية، والتي ثبت أن كلا منها يخفض خطر الإصابة باعتلال القلب والسكتة الدماغية. ووفقا لحساباتهم، “ستؤدي استراتيجية الحبة المتعددة والمرتكزة على حبة واحدة يومية تحتوي على ستة مكونات كما هو محدد، إلى منع 88 بالمائة من النوبات القلبية و80 بالمائة من السكتات الدماغية. ومن بين كل ثلاثة أشخاص، سينتفع شخص واحد تقريبا حيث سيكتسب ما معدله 11 إلى 12 سنة من الحياة بدون نوبة قلبية أو سكتة دماغية (20 سنة لدى أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 55 – 64)”. قدر الباحثان بأن حبة الدواء المتعددة ستنقذ أرواح نحو 200,000 شخص في السنة الواحدة في بريطانيا وحدها.
لا أظن بأن الحبة المتعددة هي فكرة سيئة، ولكنني أرى بأننا نستطيع أن نقوم بما هو أفضل من ذلك بتكييف الأدوية وفقا لصيغة الخطر لكل فرد.
لا تستطيع أن تنقذ حياتك إذا لم تتناولها
في كل يوم تقريبا أجد نفسي أتحدث إلى مريض عن أهمية تناول الأدوية التي أوصيت بها تماما كما وصفتها له. لا يلتزم بعض المرضى أبدا بوصفاتهم الطبية. ويتناول الآخرون أدويتهم ولكنهم متحمسون لتركها لأن لديهم الأمنية المفهومة بأن يكونوا معافين قلبيا وليسوا بحاجة لتناول أي عقاقير.
مؤخرا، رأيت مريضا جديدا كان يتعافى من نوبة قلبية. أخبرني أن طبيبه السابق قد وصف له أربعة أدوية مختلفة. قال: “لقد أعطاني دواء ستاتين، ونوعين من أدوية ضغط الدم المرتفع، ومرقق دم هو سم بالفعل”. وأضاف بنبرة فيها شيء من الفخر: “حسنا، لقد توقفت عن تناولها جميعا منذ شهرين. وأنا أشعر الآن بأنني أفضل حالا مما كنت عليه أثناء تناولي لها”. شرحت له بأنه بتوقفه عن تناول الأدوية فهو الآن قد عاد مباشرة إلى الحالة التي كان عليها قبل النوبة القلبية.
في حين أن هذا السيناريو هو شائع، إلا أن السبب الأكثر إزعاجا ربما في عدم رغبة الناس في تناول أدويتهم هو أنهم لا يدركون بأن التصلب العصيدي هو حالة مزمنة. إنهم يظنون أنه بمجرد أن يتعافوا من نوبة قلبية أو سكتة دماغية أو جراحة مجازة تاجية أو من وضع إستنت (قالب)، فإن المشكلة التحتية قد اختفت. في استطلاع حديث لضحايا النوبات القلبية، لم يكن 41 بالمائة يعرفون بأنهم يصارعون مشكلة تمتد طوال العمر. ولم يفهموا أيضا بأنهم عند خطر كبير جدا لأن يعانوا من إصابة قلبية أخرى. بدون العلاج الطبي العدواني (الجسور)، فإن معظم الناس الذين يعانون من التصلب العصيدي يموتون في النهاية بسببه. ولكن عندما تتم معالجة المرضى عدوانيا – وبالنسبة للكثير منهم، هذا يعني تناول أدوية متعددة – فهم يملكون فرصة جيدة لأن يعيشوا حتى عمر متقدم.
كان لدي بضعة مرضى معرضين لخطر إصابة عال والذين كانوا معارضين تماما لتناول أدوية موصوفة من أي نوع كان، رغم محاولاتي الجاهدة لأن أشرح لهم سبب اعتقادي بضرورتها. سكوت كان واحدا منهم. كان لسكوت تاريخ عائلي قوي بمرض القلب. فوالده وجده واثنان من أعمامه ماتوا جميعا نتيجة مشاكل قلبية قبل عمر الخمسين. كان سكوت في الثالثة والخمسين من عمره عندما رأيته للمرة الأولى، أي أنه قد تدبر أن يعيش أكثر من كل أقاربه بعدة سنوات. كان هذا بدون شك بسبب حرصه الشديد على الاهتمام بغذائه ولأنه كان يركض مسافة 35 ميلا في الأسبوع منذ أن كان في أواسط العقد الثالث من عمره.
من أجل أن أرى إن كانت حملته الصحية تنجح بالفعل، طلبت إجراء اختبار دم متقدم وتفريسة CT. لسوء الحظ، أظهرت التفريسة أن جيناته كانت تحمل تقليد العائلة: فبالرغم من جهوده القصوى، كانت نتيجة الكالسيوم مرتفعة بالنسبة لعمره. وساعدت اختبارات الدم في تفسير السبب وراء إخفاق عاداته الصحية في حمايته. أولا: كان لديه مستويات عالية من البروتين الشحمي (أ)، أو Lp(a)، وهو عامل خطر موروث لا يستجيب للحمية أو ممارسة الرياضة البدنية، LPA هو المادة التي تساعد جسيمات LDL على الحفر في جدران الأوعية الدموية، مهيئة الأجواء بذلك لنوبة قلبية).
تمثلت المشكلة الثانية في أن مستوى كوليسترول HDL المفيد لدى سكوت كان فقط 1.1 ميلي مول/ليتر. وحيث إنه كان عداء متحمسا، فقد كان يجب أن يكون 1.6 ميلي مول/ليتر أو أكثر. كانت تلك إشارة أخرى بأن جيناته كانت تهزم جهوده القصوى. وأخيرا، كانت لديه أيضا مستويات عالية من البروتين التفاعلي – C (CRP)، وهو عامل خطر آخر لاعتلال القلب. من أجل تقليل العوامل الخطرة هذه، أوصيت بأن يأخذ نياسين لتخفيض مستوى Lp(a) وأن يأخذ أيضا دواء ستاتين لتخفيض مستوى الـ LDL أكثر ولتقليل الالتهاب الذي دلت عليه المستويات العالية من الـ CRP.
رفض سكوت أن يأخذ دواء الستاتين. كان مصمما على أن يبقى سليما معافى من خلال وسائل طبيعية فقط. وقد وافق على تجربة النياسين فقط لأنه كما عبر بكلماته، ليس دواء. حذرته بأن النياسين قد يتسبب باحمرار الجلد، وهو رد فعل شائع، ولكنه سيقل مع الوقت. جرب النياسين لبضعة أيام ومن ثم توقف عن تناوله. قال لي أثناء زيارته التالية: “لا أحب الطريقة التي يجعلني أشعر بها”.
بوسعي أن أنصح مرضاي بما يجب عليهم فعله، ولكنني لا أستطيع أن أجعلهم يذعنون. في النهاية، كان اختيار طريقة العلاج يعود لسكوت نفسه، وقد كان خياره أن يكون كل شيء طبيعيا. قمت بآخر محاولة لي وحذرته قائلا: “بالنظر إلى كل ما تتصارع معه، ستكون العاقبة الطبيعية للاعتماد على طرق العلاج الطبيعية بالكامل هي الموت المبكر”. أخبرني بأنه سيكون حتى أكثر احتراسا في ما يتعلق بطعامه وأنه سيركض 40 ميلا في الأسبوع. سيكون لائقا جدا بحيث لا يمكن للموت أن يدركه.
كنت قلقا ولكن غير مندهش عندما تلقيت اتصالا هاتفيا من مستشفى ماونت سيناي بعد نحو سنتين يعلمني بأن سكوت قد أدخل إلى قسم الحوادث والطوارئ. كان يقوم بعدوه الوئيد كالمعتاد عندما اختبر آلاما في الصدر. تم نقله إلى المستشفى وشخصت حالته بأنها ذبحة صدرية (خناق) غير مستقرة، وهي إشارة على إمكانية حدوث نوبة قلبية وشيكة. وفي وقت لاحق من ذلك اليوم خضع لعملية رأب الوعاء. الأخبار السارة هي أنه لم يعان من نوبة قلبية حقيقية. ما حدث معه كان مثالا تقليديا للمتلازمة التاجية الحادة والتي يؤدي فيها تمزق لويحة إلى ألم صدري حاد ولكن ليس إلى نوبة قلبية فعلية. كان سكوت واحدا من أولئك الناس المحظوظين الذين يتلقون إشارة تحذير قبل أن تنتابهم نوبة قلبية.
أقنع الفزع سكوت بأنه محتاج بالفعل لأن يأخذ أدوية للتغلب على جيناته السيئة. واليوم هو يتناول النياسين مع الستاتين، ويسعدني أن أخبركم بأنه يستمر في عادات أسلوب حياته الصحي. هناك احتمال جيد بأنه سيكون الذكر الأول في عائلته الذي سيعيش حتى عمر متقدم منذ عدة أجيال. يرجع الكثير من الفضل إلى جهوده الشخصية، ولكن الفضل أيضا يرجع للأدوية التي تعتني بعوامله الخطرة التي لا يمكنه تغييرها. عندما يتم الجمع بين أسلوب حياة صحي وتشخيص تقني حديث جدا وأدوية ملائمة، فحتى التاريخ العائلي القوي لاعتلال القلب يمكن التغلب عليه.
تأليف الدكتور آرثر أغاتستون