كانت أدوية الإدمان القديمة ذات فائدة إنما لدرجة محدودة، لأنها لم تكن تصلح الضرر الذي أصيب به الدماغ، وكثيراً ما كان الأشخاص المتماثلون للشفاء ينسون تناولها، أو أنهم عن عمد يهملونها.
ولكن أضحى بإمكاننا الآن، بفضل الفتوحات العلمية الحديثة، أن نقدم إلى الناس دواءً ذا أثر طويل الأمد، يمكن تطبيقه لمرة واحدة فقط في الشهر، ودواءً آخر بمقدوره المساعدة على ترميم الدماغ، وهناك المزيد منها والتي تسهم في التخفيف من الرغبات الملحّة وتشجع المدمن على المواظبة على العلاج. وباتت احتمالات أن يعيش المدمن حياة سعيدة منتجة أكثر من أي وقت مضى، بالاستخدام الحذر للأدوية الحديثة، بالإضافة إلى القديمة المجرّبة التي أثبتت أنها ناجعة.
أدوية لاستقرار طور التراجع (إزالة السم)
كثيراً ما يتحمّس المدمنون وأسرهم بشأن تناول الأدوية الحديثة التي تعين الأشخاص ممن هم في طور الشفاء، لدرجة ينسون معها أن هذه الأدوية هي أدوات بالغة الأهمية – بل وحيوية في بعض الحالات – في مساعدة المدمنين على تخطي مرحلة التراجع. وسأستعرض وإياكم مرحلة التراجع مما سيعرفكم على أعراضها والأدوية المتوفرة لها، كي تتمكن من مناقشتها مع طبيبك المعالج.
سأبدأ بملاحظة سريعة حول المصطلح. إذ يميل معظم الناس إلى استخدام مصطلح إزالة السم للتعبير عن عملية فصل المدمنين عن المادة التي يدمنونها. في حين ينحو كثير من أخصائيي المعالجة إلى تسمية هذه العملية باستقرار طور التراجع، لذا، فإنه هو المصطلح الذي سأستخدمه في مناقشتي هذه. فالهدف من العمل على استقرار طور التراجع هو تقليل الأعراض ومساعدتك على تخطي ما يمكن له أن يشكل فترة قاسية جداً ريثما يعتاد الدماغ على الحياة من دون أن ينتقع باستمرار في المادة الإدمانية.
ما هو التراجع؟
إن كل مادة إدمانية تعمل إما بشكل مباشر أو غير مباشر على مركز المتعة في الدماغ (نواة أكمبنس؛ the nucleus accumbens). فهي إما أن تحفز على إطلاق الدوبامين أو أنها تعزز من نشاطه، مثيرة بالتالي مشاعر مكثفة من المتعة. إنما هناك ثمن يتوجب دفعه مقابل تلك المشاعر الرائعة، إذ إن المادة الإدمانية تسبب تغييرات في الدماغ تؤدي مع مرور الزمن إلى خفض تأثيرات الكحول والمخدرات. وبالنتيجة، فإن تعاطي تلك المادة مرة إثر مرة يؤدي إلى التدني المستمر للقدرة على تنبيه نواة أكمبنس. وتفقد المادة تدريجياً قدرتها على إحداث التأثيرات الممتعة إلى أن تصل مرحلة لا تحصل فيها على أي متعة قط ما لم تزد من الجرعة. ففي حين أن كأسين من البيرة كانتا كافيتين في الأصل لتولّدا شعوراً بالإثارة، سيستلزم الأمر بعد أمد ليس ببعيد خمس كؤوس، وفي النهاية ستحتاج إلى تسع أو عشر كؤوس لتُحدث التأثير المرغوب. يطلق على هذه الظاهرة اسم قدرة التحمل. عليك تخيل الوضع كما لو كان لزاماً عليك أن تشبع وحش المتعة أكثر فأكثر كي تحافظ على رضاه وتتقي شره.
تظهر الأعراض الجسدية والعاطفية للتراجع عندما ينقطع الإمداد بالمادة الإدمانية أو تنخفض جرعته بشكل مفاجئ. وتأخذ الأعراض عادة شكلاً معاكساً للتأثير الذي تحدثه المادة الإدمانية. فمثلاً، يؤدي استهلاك الكحول إلى تثبيط مراكز الجهاز العصبي، مما يشعرك بالاسترخاء، والرغبة بالنوم، ويهيمن عليك السلام والهدوء، إذ إنه يكبح النشاط الدماغي. أما أعراض تراجع الكحول فتتمثل بتحفيز مراكز الجهاز العصبي، مسبباً شعوراً بالإثارة، وهياجاً، ونقصاً في النوم، وحتى نوَباً. يتوقف ظهور أعراض التراجع وقوّته على المادة التي كنت تتعاطاها، والفترة الزمنية التي تمضيها في الجسم، فقد تظهر خلال ساعات أو أيام أو حتى أسابيع من توقفك عن تعاطيها أو تخفيفك لاستخدامها.
تختلف مظاهر التراجع بشكل كبير من شخص إلى آخر، إنما تبقى هناك نماذج مرتبطة بحقيقة أن نواة أكمبنس قد اعتادت على تلقي كميات كبيرة من المادة الإدمانية، وبالتالي، الكثير من المثيرات. والآن بعد أن غابت المادة الإدمانية وتأثيراتها المنبهة بعيداً، يخيم صمت مطبق على مراكز المتعة. وتتباطأ نواة أكمبنس وتهدأ، مسببة شعوراً بالاكتئاب، والقلق، والرغبة الملحّة بتعاطي الكحول أو المخدرات.
فإن كانت مظاهر التراجع شديدة التطرّف للغاية، فبإمكانها أن تسهم في دفعك لمعادوة تعاطي الكحول أو المخدر بغضّ النظر عن الأذى؛ وهذا ما يضع تعريفاً للإدمان.
أدوية لاستقرار مرحلة التراجع عن تناول الكحول
يهدّئ الكحولُ الدماغَ بتدخله في العمليات الطبيعية التي تخبر الخلايا عن الأوان الذي يجب أن تثور فيه أو تهدأ وتسكن. فتأثيره الإجمالي يتجلى في إبطاء نشاط الجهاز العصبي المركزي. ويحدث العكس تماماً خلال مرحلة التراجع عن تناول الكحول، حيث يلقي النقص المفاجئ للكحول بالجهاز العصبي في دوامة من النشاط المفرط. أما أعراض التراجع متوسطة الشدة فيمكن أن تسبب إنتاجاً متزايداً من هرموني الأدرينالين، الكورتيزول والنوريبيفيرين، السامين للخلايا العصبية. فضلاً عن أن الكورتيزول يمكن أن يلحق الضرر بالعصبونات في حُصين الدماغ، وهو جزء من الدماغ، يعتقد أنه مهم بشكل خاص للذاكرة وللتحكّم بالحالة العاطفية. وبالتالي، فإن التراجع عن تناول الكحول غير المعالج، يمكن أن يفضي إلى ضرر مباشر في الحصين، مما ينجم عنه مشكلات في الذاكرة وفي الانفعالات، إضافة إلى حدوث النوب.
تظهر علامات وأعراض التراجع عن الكحول عادة في غضون أربع وعشرين ساعة إلى ثمانٍ وأربعين ساعةً بعد التوقف عن احتساء الكحول بإسراف لفترة طويلة. وتتفاوت مظاهر التراجع بحسب كمية الشرب وتواتره ومدته. إذ يمكن أن تسبّب ألماً في المعدة، قلقاً، هياجاً، رجفاناً، تعرقاً، آلاماً في الرأس، ضعفاً، صعوبة في التفكير، حمى، نوباً، وهلوسات. وفي الحالات شديدة الوطأة يمكن أن يعاني المرء من الهذيان الارتعاشي؛ DTs، وهو متلازمة تنطوي على الهذيان، تشويش عميق، هلوسة، جنون الارتياب، وارتفاع حاد لضغط الدم ومعدل ضربات القلب الذي يتهدد الحياة.
قد لا يمر بعض المرضى بأي من هذه الأعراض المذكورة آنفاً، وقد يعاني بعضهم الآخر من بعضها، أو منها كلها، في أوقات مختلفة بعد تناولهم الكأس الأخيرة. فبصورة عامة تصل أعراض التراجع عن الكحول إلى ذروتها في الساعات الست والثلاثين إلى الثماني والأربعين بعد آخر كأس تناولتها، ثم تنحسر عادة في غضون خمسة إلى سبعة أيام من آخر مشروب احتسيته.
الهذيان الارتعاشي DTs
إن المتلازمة الأكثر شدة وخطورة والناجمة عن تراجع الكحول، تعرف باسم الهذيان الارتعاشي (DTs). وتتضمن ما يلي:
– صعوبة في الحفاظ على الانتباه.
– تشوّش عميق.
– غشاوة في الوعي (إرباك في الحسّ الزماني والمكاني، فلا يدرك المرء هويته أو مكان تواجده).
– اضطرابات في إدراك المرء للعالم من حوله (تتجلى في الهلوسات وجنون الارتياب).
– ارتفاع حادّ وخطير في معدلات النبض وضغط الدم، فالجهاز القلبي الوعائي بمجمله يضحي غير مستقر بصورة خطرة.
لحسن الحظ فإن الهذيان الارتعاشي يحدث فقط في حال كان تعاطي الكحول قد استمر لفترة طويلة جداً وبشكل مفرط ومزمن.
وتظهر الأعراض بصورة عامة خلال الساعات الثماني والأربعين إلى الست والتسعين الأولى بعد التوقف الكلي عن التعاطي، أو بعد خفض الاستهلاك اليومي بشكل حادّ (على الأقل بنسبة خمسين بالمئة). يشكل الهذيان الارتعاشي الأثر المميت الوحيد لتراجع الكحول – بالرغم من أن النوب، وكذلك القلب الضعيف يمكن أن يؤديا إلى الموت؛ لذا، فينبغي التعامل معه على الدوام كحالة طبية طارئة. فإن أخذ التشوّش أو التوهان يظهر على أحدهم فيجب أن يتلقى على الفور عناية طبية في غرفة العناية. وبما أن هذه المتلازمة قابلة للعلاج بشكل جيد إن تم إسعافها في بدايتها، لذا، فإن 10 بالمئة فقط من المرضى يفضي بهم الهذيان الارتعاشي إلى حتفهم.
يجب على مدمن الكحول المزمن أن يتوقف عن الشرب فقط تحت إشراف طبيب متمرس ومدرب على نحو كافٍ يمكنه من التعرّف إلى الهذيان الارتعاشي ومعالجته. إن أولئك الأشخاص – الذين سبق لهم أن تعرّضوا للهذيان الارتعاشي جراء تراجع الكحول أو البينزوديازيبين؛ benzodiazepine (الدواء المهدئ والمضاد للاكتئاب)، وكذلك الحال مع الأشخاص الذين لديهم أمراض حادة كمرض معدٍ – هم أكثر قابلية للوقوع في براثن الهذيان الارتعاشي، لذا، ينبغي مراقبتهم بانتباه أكبر.
يمكن معالجة أغلب المرضى المارين بطور تراجع الكحول خارجياً. وعادة ما يستخدم الدواء المهدئ بينزوديازيبين لإقرار التوازن في مستقبلات دماغية عصبية محددة؛ سواء أكان ذلك بشكله ذي المفعول طويل الأمد نحو: ليبريوم (اسمه العام كلوراديازيبوكسايد) أو الفاليوم (اسمه العام ديازيبام)، أو الشكل ذو المفعول قصير الأمد مثل سيراكس (واسمه العام أوكسايبام) أو أتيفان (اسمه العام لورازيبام).
وكذلك يمكن أن تستخدم الأدوية المضادة للنوب كالنويرونتين (اسمه العام غابابينتين) أو تريلبتال (اسمه العام أوكسكاربازيبين)، لتجعل من طور التراجع أكثر راحة حيث تخفّض من القلق وتزيد من القدرة على النوم، وأيضاً أكثر أماناً باختصارها لخطر حدوث النوب.
هناك فيتامينات محددة ضرورية للمساعدة على ترميم الدماغ، غير أن الكحوليين بصورة شائعة تعوزهم الفيتامينات. لذا، يمكن وصف مركبات فيتامين ب الثيامين وفوليت (أي أسيد الفوليك)، إضافة إلى الفيتامينات المتعددة، للمساعدة على علاج الدماغ ومنع التقدم المستقبلي للأذى الدماغي والجسدي معاً الذي يتسبب بهما نقصها. لطبيبك أن يقرر الجرعة المحددة وتواتر استخدام الدواء والفيتامينات، آخذاً في الاعتبار المدة الزمنية التي تعاطيت خلالها الكحول، والمقدار الذي كنت تستهلكه يومياً، أعراض التراجع السابقة لديك، وضعك الصحي الحالي، وزنك، الأدوية الأخرى التي تتناولها، وحالتك النفسية الراهنة.
أدوية لاستقرار طور التراجع عن المخدرات
تعتمد علامات ومظاهر التراجع في تعاطي المخدرات على نوعية المخدرات المستخدمة ومدة تعاطيها، إنَّها تتضمن القلق، والتململ، وحدة في الطبع، والتعرق، والرجفة، والعطاس، وفقدان الشهية، والغثيان، والإسهال، والتشنجات المعوية، ومتاعب في النوم، ومستوىً متبدلاً في الوعي، وانهياراً في الجهاز الوعائي القلبي. وتختلف هذه المشكلات في الشدة والديمومة وفقاً لجرعة المادة المخدرة وطول أمد التعاطي. كما يتفاوت الزمن الذي تستلزمه أعراض التراجع هذه للظهور؛ فعلى سبيل المثال، في حالة المدمنين على الهيروين، تظهر هذه الأعراض بصورة نمطية بعد ست إلى عشر ساعات من آخر حقنة.
بصورة عامة، تماثل إجراءات استقرار طور التراجع في المخدرات، تلك المستخدمة في التراجع عن المسكّنات: فالمخدرات طويلة الفعالية تستبدل بأخرى ذات فعالية قصيرة الأمد، ويصل المريض مرحلة الاستقرار بالأدوية المخدرة طويلة الأمد كالسابوكسون على مدى أيام وحتى أسابيع، ومن ثم تتناقص المخدرات طويلة الأمد على مدى أيام أو أسابيع. يصل المريض إلى أقصى درجات عدم الارتياح خلال الأيام الثلاثة الأولى من طور التراجع عن المخدرات، لذا، فإن مركباً يتكون من كلونيداين (وهي ناهضة أدرينيّة ألفاوية)، وبينزوديازيبين كالأتيفان (الاسم العام لورازيبام)، ومضاد التهاب غير ستيروئيدي كالموترين (اسمه العام إيبوبروفين) يتم تركيبها باستمرار مع المخدرات طويلة الأمد للمساعدة على إراحة المريض خلال الأيام الثلاثة الأولى من الانتقال إلى العلاج بالسابوكسون. وعليه فبعد مرور ثلاثة أيام من تناول الجرعة الصحيحة من السابوكسون، تتنحى بشكل كلي تقريباً أعراض التراجع لدى المريض، وكذلك الرغبات الملحّة لتعاطي المخدرات.
أدوية لاستقرار طور التراجع عن المنشطات
تتنوع علامات التراجع عن المنشّطات ومظاهره في الشدة والمدة الزمنية بحسب نوع المادة الإدمانية المحددة، وأمد تعاطيها. وعادة ما تبدأ بالظهور في غضون أربع وعشرين ساعة من الجرعة الأخيرة من المنشّط. تتمثّل الأعراض المحتملة بما يلي: التوتر، التعب المزمن، التهيج، الاكتئاب، الصعوبة في التركيز، الغثيان، الإسهال، الجوع المفرط، النوام، ومشاكل جمة في الذاكرة والتفكير.
بما أن طور التراجع عن المنشطات لا ينطوي على مشاكل نفسية تتهدّد حياة المدمن، فإن برنامج معالجة داعماً وإحالة للانتظام داخل مجموعة محلية من مدمني المخدرات أو مدمني الكحول المجهولين (NA)/(AA) تكون في العادة كافية. ولا حاجة إلى الأدوية والمعالجة الداخلية في المشفى.
قد يصف الطبيب لمريضه برفيجيل (اسمه العام مودافينيل) لمرة أو مرتين يومياً لمساعدته في ناحية النوام المترافق مع التراجع عن المنشطات.
أدوية لاستقرار التراجع عن البينزوديازيبين (دواء مهدئ ومضاد للاكتئاب)، والباربيتشوريت (نوع من المخدرات)
تماثل أعراض التراجع عن البينزوديازيبين والباربيتشوريت تلك التي نراها في التراجع عن الكحول. وتتجلى هذه الأعراض المحتملة في الآلام والأوجاع، الشعور بالخدر والوخز، الهياج، التسارع في التنفس وفي ضربات القلب، الأرق، الرجفة، النوب، والتغيرات في الموجات الدماغية. هناك أيضاً خطورة في أن يعاني المدمن من الذُّهان السمّي، وهي متلازمة مشابهة للهذيان الارتعاشي. إن متلازمة التراجع للبينزوديازيبين المهدئ مثل الفاليوم، والباربيتشوريت المخدر مثل فينوباربيتال قد لا تبدأ قبل مضي عدة أيام على توقف استخدام العقار، لأن هذه الأدوية تستلزم وقتاً قبل أن يفرغ منها جسمك.
تشهد في التراجع معتدل الشدة للبينزوديازيبين/الباربيتشوريت تململاً، قلقاً، تزعزعاً، وضعفاً متقطعاً؛ إنما كثيراً ما تترافق هذه الأعراض بالدوار عند الوقوف، الغثيان، التشنجات، والتقيّؤ. قد تتطابق هذه المظاهر مع أعراض القلق الأولية التي وصفت أدوية البينزوديازيبين والباربيتشوريت لأجلها في الأساس. وكثيراً ما تسبِّب هجمة مرتدة للقلق خلال مرحلة التراجع لمدمني المسكنات انتكاساً مبكّراً.
إن الهدف من طور التراجع في حالة الإدمان على المسكنات هو في الوصول بأعراض التراجع إلى الاستقرار، وذلك بإعطاء المريض مسكناً طويل المفعول بجرعة مدروسة بدقة، ومن ثم تخفيض هذه الجرعة تدريجياً بهدف فطم المدمن عن العقار. فعلى سبيل المثال، إن كنت مدمناً على إكساناكس، قد يجدر إعطاؤك جرعة من الكلونوبين طويل الأمد لتلطيف فترة التراجع وتخفيف الأعراض. ويترك لطبيبك حرية التصرف في اختيار أي من الأدوية يفضل استخدامه وفي أي جرعة.
أدوية لاستقرار مرحلة التراجع عن تعاطي المهلوسات (العقاقير المسببة للهلوسة)
إن المهلوسات شائعة الإدمان مثل الحشيش (الماريجوانا)، LSD، ميسكالين، PCP، ليس لها أعراض تراجع علنية وواضحة بشكل ثابت، لذا، فليست هناك ضرورة لمعالجة استقرار التراجع.
بالرغم من أن الحشيش (الماريجوانا) يعد من قبل الكثيرين غير مسبّب للإدمان، إلا أن له نصيباً من أعراض التراجع، تحدث هذه الأعراض تقريباً لمن كان يتعاطاها بشكل يومي في غضون واحد وعشرين إلى اثنين وعشرين يوماً بعد آخر لفافة ماريجوانا تم تدخينها. وتتضمن تلك الأعراض اهتياجاً، وحدة في الطبع، وأرقاً، وقلقاً، وتعرقاً. وبالرغم من عدم وجود أدوية خاصة لاستقرار تراجع الحشيش (الماريجوانا)، فإنني غالباً ما أصف سيروكويل (اسمه العام كويشيبين)، وهو دواء يوصف لعلاج الانفصام والاضطراب ثنائي القطب لما له من قدرة على خفض الشعور بالقلق والرغبات الملحة. كما سبق واقترحت مضادات الاكتئاب مثل ليكسابرو وزولوفت للتقليل من القلق والاكتئاب.
ما الذي ينبغي فعله إن لم يصف لك طبيبك أحدث الأدوية:
إن هذه المعلومات الجديدة التي تتعلق بأدوية الإدمان واستقرار مرحلة التراجع مثيرةٌ وقيّمة على حدّ سواء. غير أن العديد من الأطباء، وجميع القائمين على عملية الشفاء، وكذلك المجتمع، لا يزالون جميعاً ينحون إلى مقاومة دمج الاكتشافات العلمية الحديثة في الممارسات الطبية السائدة. فهم ينظرون باستخفاف إلى فكرة معالجة الإدمان على العقاقير بالأدوية. فعلاً هناك من الأطباء من يرفضون بتعنت حتى التفكير في إعطاء مرضاهم من المدمنين أي نوع من الأدوية. فإن كان القائم على رعايتك الصحية، أو مستشارك الصحي، راعيك، أو أحد أفراد أسرتك مناهضاً لفكرة استخدام الأدوية لعلاج إدمانك، فلعله بإمكانك أن تحاول نقاشهم بالنقاط التالية:
1. تثبت الأبحاث العلمية الحديثة التي أجريت خلال عشرين السنة الماضية بوضوح وبشكل متعاظم أن الإدمان ليس ضعفاً أو نقيصة أخلاقية. بل إنه، بدلاً من ذلك، مرض طبي مزمن يحمل الكثير من أوجه الشبه مع الأمراض المزمنة الأخرى، مثل مرض السكر، وارتفاع ضغط الدم، والربو. ويلحق مرض الإدمان هذا أذية بالدماغ ينجم عنها تغيرات يمكن توثيقها من خلال التصوير بالرنين المغناطيسي وغيره من أدوات التصوير الحديثة. وهي تغيرات تتسبب بشكل مؤكد ولا مفرّ منه بتغيير الأفكار والسلوك.
2. يسبب الإدمان على الكحول والمواد المخدرة تبدلاً فيزيولوجياً وبالتالي ضرراً للدماغ، تماماً كما يبدّل الكوليسترول المفرط بطانة الشرايين ويتسبب بأذيتها. معنى هذا ببساطة أنه ليس كافياً التحدث إلى الأشخاص المدمنين وإقناعهم بالعدول عن سلوكياتهم الإدمانية. فمعظمهم تعوزهم القدرة على فعل ذلك، مهما رغبوا به بشدة، إلى أن ترمِّم أجسادهم الأذى البدني الذي لحق بأدمغتهم.
3. إن الفهم المطوّر للآلية العصبية البيولوجية (الدماغ)، التي تحافظ على بقاء حالة الإدمان، قد أتاحت للأطباء أن يبتكروا تركيبات أكثر فاعلية من الأدوية والمعالجات الاجتماعية النفسية لأجل تحسين حصيلة المعالجة. وبفضل آخر البحوث العلمية، بات هناك الآن أدوية مضادة للإدمان تزودنا بمكون جوهري لمعالجة فعّالة حقيقية من خلال إعادة التوازن إلى كيميائية الدماغ بطرائق تجعل من المستحيل على المدمنين أن يختبروا حالة نشوة مهما بلغ مقدار جرعة المادة الإدمانية التي ابتلعوها، أو حقنوها أو استنشقوها.
4. إن تضافر جهود الأدوية المضادة للإدمان مع المعالجة بالمحادثة يعود بنتائج أفضل بشكل واضح من المعالجة بالمحادثة وحدها. فالآن، وقد تنامى وعينا حيال الإدمان على أنه مرض مزمن، وبما أنه قد أصبح في متناولنا أدوية تساعد على تصحيح العطل الذي أصاب الدماغ جراء هذا الإدمان، فقد بتنا مزودين بطريقة تفكير حديثة تماماً حيال الإدمان وطرائق معالجته. فبالاستخدام الحكيم للأدوية الحديثة، أضحى بإمكان المدمنين الآن التركيز بشكل أكبر على أسلوبي المعالجة الجماعية والفردية والإفادة منهما على نحو أكبر، وكذلك الالتزام ببرنامج الخطوات الاثنتي عشرة على نحو فاعل إلى حدٍّ أبعد بكثير.
5. إن هذا التحول في فهم الإدمان ومعالجته مماثل لما شهدناه في أمراض مزمنة أخرى بما فيها مرض السكر، وضغط الدم، والربو. فما إن قام العلماء العاكفون على دراسة هذه الأمراض التي كانت تتهدد حياة المرضى باختراع أدوية مثلت فتحاً جديداً في هذا المجال المعرفي من قبيل: الأنسولين، لاسيكس، أوثيوفيللين، حتى بات من الممكن قهر هذه الأمراض غير القابلة للعلاج قبلاً. ففي عصرنا الراهن، نكاد لا نستطيع تخيل معالجة مرض السكر من دون الأنسولين، أو معالجة ضغط الدم العالي أو الربو من دون واحد على الأقل، ولربما اثنين، من آخر ما توصل إليه العلم في مجال الأدوية الثابتة المتوفرة اليوم لهذه الأمراض. وإنه لمن سوء التصرف في يومنا هذا أن يقوم طبيب بمعالجة واحد من هذه الأمراض بوصف تغييرات سلوكية وتغييرات في نمط حياة المريض وحسب، بدلاً من رفدها بآخر الأدوية المطوّرة حديثاً في هذا المضمار.
كلمة أخيرة
الإدمان مرض مزمن يستمر طيلة العمر، وما من معالجة دوائية متفردة يمكن أن تفي كعلاج. ولكن عندما تتضافر المعالجة بهذه الأدوية مع أساليب المعالجة السلوكية والنفسية يصبح للمداواة بالعقاقير آثارها المدهشة في الرد على الآثار المدمّرة للمواد المخدّرة في الدماغ والسلوك، وفي التهوين من أعراض التراجع، والتقليل من الرغبات الملحّة. بالنسبة إلى بعض المرضى إن الفرج الذي يشعرون به بعد أن استراحوا من هجمات الرغبات الملحّة سيشحذهم بقوة دفع كبيرة لمباشرة برنامجهم على طريق الشفاء، ويتيح لهم الفرصة للتركيز على تعلم مهارات جديدة للتكيف ومواجهة المتاعب.
نقاط رئيسة للمراجعة
– إن التقدم العلمي الحديث قد أفضى إلى الوصول إلى أدوية جديدة تساعد المدمنين على مقاومة رغباتهم الملحّة، وتسرّع من عملية الترميم في أجزاء الدماغ المتأذية من جراء المادة الإدمانية.
– لأجل الارتقاء إلى أعلى مستويات النجاح يجب أن يجمع برنامج المعالجة بين الاستخدام الحكيم لأدوية مختارة بعناية من جهة، وبرنامج الاثنتي عشرة خطوة، ومعالجة بالمحادثة من جهة أخرى، بالإضافة إلى أدوات علاجية تساعد المدمن على ابتكار مسار تفكير ومهارات حياة صحية أيضاً.
– يملك الأطباء عقاقير متعددة لمساعدة مرضاهم على الانسحاب بأمان من تعاطيهم للكحول والمخدرات.
– كذلك لدى الأطباء أساليب معالجة جديدة وقواعد تساعد الناس على البقاء صاحين.
– إن عقار الفيفيترول الذي يعطى على شكل حقنة شهرية، يخفّض من الرغبات الملحّة، ويجعل من المستحيل على الشخص الكحولي أن يستمتع بحالة الانتشاء التي كان يستمدها من الشرب سابقاً.
– لعقار الفيفيترول القدرة على خفض عدد أيام احتساء الكحول من خمسة عشر يوماً شهرياً إلى أقل من يوم واحد!
– يساعد عقار كامبرال على استعادة التوازن بين أجهزة نواقل عصبية محددة في الدماغ، وبالتالي يساعد على ترميم الدماغ المتضرر من جراء الكحول.
– تلعب أدوية أخرى عديدة أدواراً في عملية العلاج، من ضمنها أنتابيوز وتوبوماكس.
– يتخذ برنامج بروميتا العلاجي الحديث هدفَ التغييرات الحاصلة في كيميائية الدماغ وفي أدائه، وهي التي تلعب دوراً هاماً في الأعراض الجسدية والسلوكية وفي الإدمان بشكل خاص على الكحول والكوكايين والميثامفيتامين.
– بالرغم من أن الأدوية الحديثة تحمل في جعبتها الأمل لملايين المدمنين، إلا أنها تبقى جزءاً فقط من عملية معالجة الإدمان، ذاك المرض المزمن المستمر طيلة الحياة، والذي يمكن التعامل معه بنجاح، إنما لا يمكن قط إزالته نهائياً من الوجود.