في ما مضى، لم يكن لدى الأطباء الكثير ليخرجوه من حقائبهم السوداء الصغيرة ويقدموه إلى مرضاهم الذين يصارعون الإدمان ليبقوا صاحين.
هناك عقار أنتابيوز – Antabuse، الذي يعمل بشكل حرفي على إثارة غثيانك عندما تشرب الكحول، وعقار نالتريكسون – Naltrexone، الذي يؤثر في الدماغ كي يمنع الكحول أو المسكنات المخدرة من جعلك تثمل أو تصل إلى مرحلة الانتشاء. إن الأنتابيوز يعمل تماماً كما هو موصوف، لكن الأشخاص الكحوليين يشمئزون من تناوله بسبب تأثيراته المزعجة. وفي حين أن عقار النالتريكسون ذو فعالية، فمن الواجب تناوله بشكل يومي وإلا فإن تأثيره سرعان ما يزول. إن عدداً لا يحصى من المدمنين الذين يتناولون النالتريكسون يقنعون أنفسهم أنهم شُفيوا تماماً من إدمانهم لأنه بات بمقدروهم الشرب من دون الوصول إلى الانتشاء. وعليه يتوقفون عن تناول أدويتهم.
ومن ثم هنالك بالطبع الميثادون – methadone، وهو عقار لمدمني المخدرات والمسكنات. لقد أنقذ هذا الدواء أرواح الكثيرين، لكنّ حيازته يمكن أن تكون صعبة للغاية نظراً إلى المواقف الاجتماعية منه، والعقبات القانونية الموضوعة في طريق الحصول عليه.
إن عقاقير الأنتابيوز، نالتريكسون، وميثادون أدوية جيدة فعلاً، وإن كانت تتسم بمحدودية في التأثير من الناحية العملية. لحسن الحظ، فقد أتاح التقدم العلمي الحديث الفرصة إلى ظهور جيل جديد من الأدوية تقدّم إمكانيات غير مسبوقة للمعالجة والشفاء. فالأدوية التي تم إقرارها حديثاً، وأصول المعالجة الحديثة، يتيحان للناس الاستمرار في تناول أدويتهم التي تبعدهم عن الانتشاء، وتقلل من رغباتهم الملحّة، وتعينهم على إعادة الموازنة الكيميائية الحيوية لدماغهم.
دعونا نختبر الأدوية الأحدث ظهوراً، والتي تساعد الناس على البقاء في حالة الصحو، ومن ثم نراجع بعض الأدوية التي استخدمت للمساعدة على تيسير الانسحاب من تعاطي الكحول والمواد المختلفة الأخرى.
الاتصال بالمستقبِلات
بينما تمضي قُدُماً في قراءتك لهذا الفصل من الكتاب، فلتُبقِ حاضراً في ذهنك التعاريف الآتية:
– الناهِضة: شيء يرتبط بمستقبِل الخلية ويقوم بتحفيز الاستجابة. إن الناهض كمفتاح يوافق القفل ليفتح الباب. المورفين هو ناهض، يوافق مستقبِلات الخلية ليحفز الشعور بالانتشاء.
– الضادة: شيء يرتبط بمستقبِل الخلية إنما لا يحفّز الاستجابة، أو قد يفعل ولكن بتأثير ضعيف جداً. بمعنى أن الضادة مثل العلكة في قفل الباب؛ لا يمكنها أن تقفل الباب غير أنها تمنع المفتاح من الدخول، وعليه يبقى الباب مغلقاً. كما سترى في ما يلي، إن عقار النالوكسون هو ضادة نوع معيّن من المستقبِلات معيقة المورفين من التلاحم معها.
– الضادات والناهضات المختلطة: مادة تتصرف إما كضادة أو كناهضة بحسب الجرعة.
الأدوية المضادة للإدمان كعلاج للإدمان على الكحول
لقد تعززت معالجة الإدمان مؤخراً إلى درجة كبيرة بفضل الأدوية الحديثة، فيفيترول – Vivitrol، وكامبرال – Campral. يشجع فيفيترول المدمن على الاقتصاد في استهلاك الكحول، وبالتالي يقلل أو يزيل عامل الضرر المتوالي على الدماغ، فيما يساعد كامبرال بدوره على تسريع ترميم أنظمة الدماغ. بكمية قليلة من السموم وبإصلاحات تتم بمعدل أسرع، يضحي الدماغ أكثر قدرة على تقبل نماذج التفكير الصحية الجديدة، وأسرع في إتقانه لمهارات حياة الصحو. وسواء استُخدما معاً أو استُخدم كل منهما على حدة، فإن فيفيترول وكامبرال هما الثورة التي طالما انتظرها ملايين الكحوليين. فلنُلقِ نظرة أقرب على هذين العقارين، كيفية عملهما، وكيفية استخدامهما.
فيفيترول Vivitrol، ومنع الانتشاء
إن فيفيترول هو التشكيل الجديد لطريقة معروفة في معالجة الإدمان كانت تستخدم لسنوات عدة. ولكنه أكثر من مجرد إعادة تغليف لتلك الطريقة على كل حال، ففيفيترول هو عبارة عن وسيلة بسيطة، آمنة، فعالة، وطويلة الأمد للتحكّم بالرغبات الملحّة، وتقريباً لإقصاء الزلات والانتكاسات التي كانت شائعة، إلى حدٍّ كبير، عند متناولي الأدوية السابقة. لهذه الأسباب وغيرها، فإن فيفيترول هو التقدم المعرفي في عالم الأدوية الذي سيحدث ثورة في عالم معالجة إدمان الكحول.
إن المكوّن الفعال في الفيفيترول هو النالتريكسون، وهو ضادة مخدرة تستخدم لمعالجة الإدمان على الكحول والمخدرات معاً. يعمل النالتريكسون على الاشتباك مع مستقبِلات المادة المخدرة الموجودة على خلايا دماغية معينة، معيقاً بالتالي اشتباك جزيئات الكحول أو المادة المخدرة من أن تفعل الشيء نفسه. بالنتيجة، يقوم النالتريكسون بحشد جزيئات الكحول خارجاً، بوصوله قبلها وسده الطريق إلى القفل. ولعدم قدرتها على الاتصال مع المستقبِلات الدماغية تلك، فلن تستطيع جزيئات الكحول تفعيل مسالك المتعة في الدماغ، وبالتالي لن تستطيع إثارة الشعور بالنشوة. إنما لا يزال بإمكان جزيئات الكحول التشابك مع خلايا أخرى في الدماغ مسببة تثاقلاً في اللسان، وخمولاً، وأعراضاً أخرى من حالة الثمالة، لكن تلك الجزيئات تبقى محتجزة بعيداً عن الخلايا التي تثير النشوة. معنى هذا أنك خلال تناولك النالتريكسون، فستختبر الآثار غير السارة جميعها الناجمة عن السُّكر، ولكن ليس الحسنة منها، وهي النشوة التي يتوق إليها المدمنون الكحوليون.
لقد أقرت إدارة الأدوية والغذاء الأميركية، FDA استخدام النالتريكسون في معالجة الإدمان على الكحول في عام 1994، لذا، فقد تراكمت لدينا خبرات قيمة لما ينوف على عقد من الزمن مع هذا العقار. نقطة ضعفه الرئيسة كانت في وجوبِ تناوله على شكل حبة يومياً، وإلا فإن آثاره ستزول في غضون أيام.
كثيراً ما ينسى الأشخاص ممن هم في طور الشفاء، أو قد يهملون عن عمد، تناول حبوبهم اليومية. ومن دون حماية دوائهم، يشربون أو يتعاطون ثانية، فيشعرون بالنشاط، ويقعون في مهاوي الزلل والانتكاس مجدّداً. (في الحقيقة إن الفعالية العالية للنالتريكسون هي نفسها ما يسهل على المدمنين إقناع أنفسهم أن بإمكانهم تولي أمر تناولهم للكحول، وبالتالي أنهم قد شُفيوا). وغالباً ما يقوم أفراد الأسرة، والأطباء، والمستشارون الصحيون، والأصدقاء، بالإلحاح، والتوسل، وحثِّ المدمنين وتهديدهم، محاولين حملهم على تناول الدواء من جديد، إنما عادة من دون أي فائدة.
إن عقار الفيفيترول يزيل جانب الضعف الرئيس هذا لأنه نسخة من النالتروكسين طويلة الأمد، وقابلة للتناول عن طريق الحقن، ويتم حقنها مرة واحدة وحسب في الشهر في عيادة الطبيب. لقد كانت هناك حاجة إلى فتح تقني جديد يحيل حبوب النالتروكسين ذات المفعول قصير الأمد نسبياً إلى شكل قابل للحقن ذي مفعولٍ طويل الأمد. وهذا الفتح أتى في صيغة جزيئات قابلة بيولوجياً للتحليل إلى عناصرها الأولية تدعى بالميكروسفيرز. فتعمل حقنة الفيفيترول على حقن الكريات المجهرية في الأرداف، ومن هناك تهاجر ببطء وبشكل منهجي إلى مجرى الدم. وبينما تتحلل هذه الكريات على مدى ثلاثين يوماً، فإنها تبعثُ تياراً من النالتريكسون في الدم. وعليه لم يعد المدمن الكحولي مضطراً إلى تذكر تناول دوائه؛ ولن يعود بمقدوره أن يتعمَّد نسيانه. فلمدة شهر بأكمله، ما من فرصة توفّرت له كي يشرب حتى الثمالة، ولا مبرر للتذمر. هناك ميزة هامة من الناحية النفسية ينطوي عليها الفيفيترول: فكونها حقنة يعطيها الطبيب للمدمن، يجعل من السهل على المدمن تقبلها على أنها دواء يعالج مرضاً مزمناً. بدلاً من أن تكون بالنسبة إليه بمثابة عقاب على سلوك آثم، فهي بالأحرى مجرد حقنة لمعالجة مرض، كحقنة الأنسولين في حالة مرض السكري. وحين نقارب الإدمان على أنه مرض، سيساعدنا الفيفيترول على رفع الوصمة الرهيبة التي يلصقها المجتمع بالإدمان على الكحول؛ وهي حكم أخلاقي مغلوط يمنع بعضهم من تلقي المعالجة المناسبة.
تساعد حقيقة كون هذا العقار مديد التأثير، ومقبولاً من الناحية النفسية، إضافة إلى أنه آمن، على تخطي مسألة الإذعان للدواء؛ فمن الأسهل كثيراً إقناع الناس بالمواظبة على حقنة الفيفيترول الشهرية، من حملهم على ابتلاع حبوب النالتريكسون.
فلنلقِ معاً نظرة متفحصة على آلية عمل الفيفيترول، وكيفية استخدامه لتجاوز الرغبات الملحّة.
تطبيق الفيفيترول بشكل عملي:
بتشابكه مع المستقبلات العصبية لخلايا دماغية معينة لديك، وبسدّه الطريق إليها، يكون الفيفيترول قد قام بثلاثة أمور:
– إنه يقلل من رغباتك الجامحة لتناول الكحول (أو المخدر) حتى نسبة 90 بالمئة. إنها النسبة الهائلة ذاتها التي نراها عادة عند تناول النالتريكسون فموياً، وهو تحسّن ضخم إذا قورن بعدم تناول أدوية على الإطلاق من قبل. فبما أنه لا تجتاحك الرغبة لتناول الكحول، إذاً، إنك على الأرجح لن تشرب أو تتعاطى.
– أما إن شربت أو تعاطيت فعلاً، فإن الفيفيترول يحجب عنك حالة الغبطة أو النشوة التي تنتابك عادة. معنى هذا أنه ليس بمقدورك أن تثمل وأنت تتناول الفيفيترول. بإمكانك الحصول على المظاهر المزعجة لحالة السكر كلها، كأن تقود السيارة أو تسير مشتت التركيز، إنما لن تحصل على أي من الآثار السارة؛ إنه وضع محبط لدرجة تبعث على التوقف عن الشرب أو التعاطي.
– بسده الطريق أمام الوصول إلى حالة الانتشاء، يمنع الفيفيترول الكأس الأولى من التحول إلى العديد غيرها. فالكثير من الناس يخططون لتناول كأسٍ واحدةٍ من البيرة، لكن الشعور الممتع بالدوار يشجعهم على الاستمرار والاستزادة. فتضحي الكأس الواحدة ثلاثاً، عشر كؤوس، أو حتى اثنتين وعشرين! مع فيفيترول أنت لا تحصل على الشعور المبهج الأولي من كأسك الأولى، وبالتالي، يتلاشى لديك الحافز لتستزيد. بل إنك على الأرجح ستدرك أنك قد زللت، وستتصل براعيك.
بفضل هذه الآثار، استطاع الفيفيترول تخفيض متوسط عدد أيام الشرب شهرياً من 15.2 إلى 0.2 كما ذُكر في دراسة حديثة.
لا يزال بمقدورك الاستمتاع!
يخشى بعض المرضى – لكون الفيفيترول يتدخل في نظام الدوبامين والأجزاء الأخرى من الدماغ المسؤولة عن المتعة – من أن يُصابوا بالبلادة. إذ يقلقون من أن يسلبهم البهجة التي يستمدها المرء من أدائه لعمله بشكل مثالي، أو عند حصوله على درجة مدرسية جيدة، أو عند حضوره حفلة موسيقية رائعة، وهكذا. لحسن الحظ، إن هذا غير وارد. إذ هناك العديد من الوسائل التي تثير مواطن الشعور بالمتعة في الدماغ؛ يتدخل الفيفيترول فقط في النشوة التي يثيرها الكحول والمخدر. فطِب نفساً، بإمكانك أن تستمتع بمباهج الحياة العديدة وأنت تتعالج بهذا الدواء.
كيف يُعطى للمريض:
ثلاثمئة وثمانون ميلّيغراماً من الفيفيترول، تحقن في الردف، مرة في الشهر.
الوقت اللازم لإعطاء المفعول:
يبدأ تأثير الفيفيترول سريعاً، عادة في غضون يومين إلى ثلاثة.
الآثار الجانبية:
من خصائص الفيفيترول أنه آمن، جيد التحمل، ولا يسبب الإدمان عليه. إن آثاره الجانبية تتجلى بشكل رئيس في الشعور بالغثيان، والتي إن حصلت، فإنها ستظهر خلال يومين إلى أربعة أيام بعد الحقنة الأولى؛ ولا يشكل الغثيان مسألة هامة بعدها. قد يحدث أحياناً أن يعاني المريض من وجع في الرأس، شعور بالسكون، وحساسية في مكان حقن الإبرة تستمر لوقت قصير بعد حقنه بها. تكون هذه الأعراض معتدلة في معظم الأحيان، وبأي حال أقل مشقةً إلى حدٍّ كبير من الآثار الجانبية لشرب الكحول.
إن أحد الأسباب التي لا تجعل للفيفيترول آثاراً جانبية هو أن جرعته المعطاة في كل حقنة صغيرة نسبياً: 380 ميلّيغراماً. ففي حين أن الأدوية الفموية تنتقل من المعي إلى الكبد حيث تقوم الأنزيمات باستقبالها مبطلة بالتالي مفعول قسم منها، فإن الفيفيترول يحقن في العضلة متحرراً بعدها في مجرى الدم، مما يعني أنه لا يمر على الكبد حيث يتكسَّر جزء منه. ينحل الدواء في النهاية في الجسم، ولكن بما أنه يتجاوز الرحلة الأولى إلى الكبد، فيبقى جزء أكبر منه متاحاً للاستخدام، وعليه فجرعة صغيرة تصبح كافية.
إن الجرعة اليومية العادية من النالتريكسون هي 50 ميلّيغراماً، بمعنى أنك تتناول 1500 ميلّيغرامٍ شهرياً، بمعدل يكون فيه النالتريكسون آمناً وجيد التحمل. أما في حقنة الفيفيترول الشهرية فإنك تحصل فقط على 380 ميلّيغراماً من النالتريكسون، أي بنسبة نحو 70 بالمئة أقل من تلك التي تحصل عليها من الجرعة الفموية؛ غير أن جزءاً كبيراً جداً منها متاح وفعال لأنها تخطت الرحلة الأولى نحو الكبد. هذه الجرعة الأصغر كماً إنما الكافية فعلياً هي في حدود الأمان وقد تقع في المجال الأدنى للتأثيرات الجانبية التي يختبرها غالبية المرضى.
يأتي كل من الفيفيترول والنالتريكسون مع تحذير أسود، وهو عبارة عن لصاقة على العبوة تحتوي تحذيراً شديداً من الآثار الجانبية المحتملة، وضعت هناك بتوجيه من FDA. هذا التحذير الأسود يفيد بأن المرء قد تتطور لديه مشاكل طبية خطرة في حال استعمال الفيفيترول والنالتريكسون لفترة طويلة من الزمن من دون مراقبة طبيب الدم والكبد. إن هذا يبدو مقلقاً، غير أن التحذير مبنيٌّ على دراسة وحيدة أجريت على أشخاص بدينين كانوا يتناولون ستة أضعاف الجرعة اليومية الطبيعية من النالتريكسون (أي 300 ميلّيغرامٍ يومياً). يتلخص الأمر ببساطة في أنه في حالة البدانة سيتركز حِمل كبير من الدهون على الكبد، وزيادة الجرعة الطبيعية من النالتريكسون إلى ستة أضعاف هي كمن يسعى بقدميه للمشاكل؛ وهو ما حصل فعلاً لأن بعض المشاركين كانت نتائج فحوصات الكبد لديهم غير طبيعية. واعتبار الفيفيترول خطراً على أي شخص، استنتاج مبالغ فيه، لكنها فكرة حسنة أن يقوم طبيبك بطلب فحوصات الدم والكبد أربع مرات سنوياً، من باب الاطمئنان وحسب.
لا يتفاعل الفيفيترول مع غيره من الأدوية إلى درجة كبيرة، لذا، فمن الممكن إضافته تقريباً إلى أي نظام دوائي جارٍ من دون أي مخاوف. إنما على أي حال، يتوجب عليك إعلام طبيبك بجميع الأدوية التي تتناولها قبل أن تبدأ بالفيفيترول. هناك عقاران لا يمكن استخدامهما بالتزامن مع الفيفيترول: سابوكسون، وميثادون. إن تناول أيٍّ من هذين العقارين مع الفيفيترول سيؤدي إلى تراجع أثر المخدر لدى المريض.
فوائد خاصة: أثر الفيفيترول الإيجابي في العائلة
يتمتع الفيفيترول بتأثير قوي وإيجابي في عائلة المدمن الكحولي أو في نظام الدعم الخاص به. لقد أمضى هؤلاء سنوات ينهبهم الإجهاد والخوف والفوضى والشك، متسائلين عما سيُقدِم عليه لاحقاً مدمنهم الغالي، عما إذا كان سيصيب الأطفال بخيبة أمل جديدة، أو سيبعثر أموال الأسرة كلها، أو سيتم العثور عليه غارقاً في الأوحال، وهكذا دواليك. أما الآن فقد باتوا يرون بأم أعينهم أنك لم تعد تثمل أو تنتشي بالمخدر، ولا حتى تتملكك رغبات ملحة كثيرة، بفضل هذا الدواء الجديد. وهم يشهدون أنك حتى عندما تتناول مشروباً، فإنك تميل إلى التوقف بعد تناول كأسك الأولى. وعندما يدركون أنك لست خائفاً من الانتكاس حتى ما بعد ثلاثين يوماً على الأقل من كل حقنة، فسيشعرون أخيراً أنه قد بات بمقدورهم استعادة بعض النظام إلى حياتهم.
ليس من المستغرب أن يصبح أفراد الأسرة وغيرهم ممن يدعمونك حلفاء جادين لطبيبك، مشجعين لك على أخذ مواعيد لحقنك التالية من الفيفيترول، مع التزامك بالنواحي الأخرى من برنامجك للشفاء. فحماستهم لإمكانية نجاحك تدفعهم بشدة، وأكثر من أي وقت مضى، للمشاركة في مجموعات دعم للعائلة، وتعلم مهارات ترشدهم إلى كيفية مساعدتك على البقاء صاحياً.
كامبرال Campral، لترميم الدماغ
لقد كانت جيري ابنة الثلاثين عاماً قد مرت سلفاً ببرنامجي معالجة داخليين، وبرنامج آخر خارجي لمعالجة إدمانها على الكحول عندما دخلت معهدي في دالاس آملة أن يساعدها الدواء الجديد الذي سمعت عنه على حلِّ مشكلتها. ومن حديثي معها اتضح لي أنها كانت تواقة إلى الصحو، لكنها كانت تجد صعوبة في الانتباه والإدراك والاحتفاظ بالمعلومات الجديدة. وتصوغ الأمر بعباراتها قائلة: “عندما يقولون لي أمراً في البرنامج أجده منطقياً، وأرغب بالقيام به، لكنه ببساطة لا يعلق في ذهني. ومن ثم يضحي من الصعب للغاية ممارسة ما يخبروننا به بشكل عملي في الحياة الواقعية، خارج أسوار مراكز المعالجة”. وكجزء من برنامجها العلاجي الكلي وصفنا لها كامبرال (وهو العقار الجديد الذي سمعت عنه). بعد مرور ثمانية أسابيع قالت: “أخيراً تمكنت من فهم ما يقولونه. أعني، أنني بتّ قادرة على الانتباه والفهم!” وسرعان ما أتقنت جيري العديد من التقنيات التي تلزمها لتبقى صاحية، فكانت تحضر اجتماعات المدمنين المجهولين بانتظام، وذكرت أن رغباتها الملحة قد تلاشت بعيداً.
يمثل الكامبرال (واسمه العام أكامبروسيت) تقدماً حديثاً مثيراً في معالجة الإدمان لأنه يسهم في علاج الدماغ.
إن الفيفيترول يمنعك من الانتشاء في حال شربت الكحول أو تعاطيت المخدرات، مما يعني أن الكمية التي ستدخلها من هذه المواد السامة إلى جسدك ستكون أقل بكثير، مما سيعطي دماغك الفرصة ليبدأ بالتعافي. لسوء الحظ، إن عملية الشفاء تلك قد تستلزم شهوراً وربما سنوات، وهي فترة طويلة بشكل محبط، يستمر المدمن خلالها في خوض صراعات مع صعوبات في التفكير والذاكرة، مكافحاً لإتقان مهارات تكيّف صحية. وإلى حين يتم له مراده ويتقن هذه المهارات، يبقى خطر الانتكاس يتهدده باستمرار.
إن تسريع عملية تعافي الدماغ من شأنها أن تقلل خطر الانتكاس، وهذا بالضبط ما يقوم به كامبرال. إذ بإعادته التوازن إلى أجهزة نواقل عصبية معينة موجودة عميقاً داخل الدماغ، يحسّن الكامبرال مهارات المدمن الإدراكية وقدرته على تعلم مهارات جديدة لمواجهة المشكلات. وبالتالي، فهو يقلل بشكل إضافي من الرغبات الملحّة لشرب الكحول واحتمالات الانتكاس، ويسرّع من عملية الشفاء.
لنُلقِ معاً نظرة فاحصة على طريقة عمل كامبرال، وكيفية استخدامه لنستعيد للدماغ صحته.
تطبيق كامبرال بشكل عملي:
يستعمل الكامبرال في أوروبا منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي لتخفيف الرغبات الملحّة لدى شاربي الكحول الذين يعانون من المتاعب. في عام 2004، وافقت إدارة الغذاء والدواء FDA على تصنيف الدواء ضمن فئة الأدوية المعالجة للإدمان على الكحول في الولايات المتحدة الأميركية.
تذكَّر بأن الإدمان يلحق الأذى بالقشرة المخية والمنطقة الحوفية في الدماغ معاً. والمعالجة بالمحادثة تفيد في تولي إصلاح الأذى الواقع في القشرة المخية، لكنها غير قادرة على الوصول عميقاً إلى داخل الدماغ حتى المنطقة الحوفية. أما الكامبرال فبلى. إذ بمساعدته على إعادة التوازن إلى أنظمة نواقل عصبية محددة، يمكن لهذا العقار أن يسهم في ترميم الأنظمة المتضرّرة في المنطقة الحوفية. مما يقلل من الرغبات الملحّة ويجعل التركيز على المعالجة بالمحادثة التي ترتكز على القشرة المخية أكثر سهولة على الدماغ.
بالرغم من أنّ آلية العمل الدقيقة للكامبرال غير معروفة بعد، إلا أنه يستعيد التوازن في ممرات النواقل العصبية المحددة على الأرجح في نظامي غابا GABA وغلوتامات، اللذين بدّلهما الاستهلاك المزمن للكحول.
إن نظام النقل العصبي غابا مسؤول عن إبقائك هادئاً ومسترخياً. في حين يقوم نظام النقل العصبي غلوتامات بالوظيفة المعاكسة تماماً، إذ يرفع طاقتك ويثير حماستك. إنها يعملان كدواسة البنزين والمكابح بالمقابل. وللأهمية المتساوية لهذين النظامين فعليهما أن يكونا متعادلين بالقوة كذلك، وإلا، فإنك ستعاني من عدم التوازن على الدوام، إما تكون مثاراً ونشيطاً، أو هادئاً وبطيئاً أكثر مما ينبغي.
إن شرب الكحول يثير نظام الغابا – أي نظام المكابح في الدماغ – جاعلاً إياك تشعر بالاسترخاء وبالهدوء. وفي الوقت ذاته، يعوق الكحول نظام الغلوتامات. وكأن هناك من يضغط المكابح فلا تعمل. وبعدما يضمحل تأثير الكحول، يثب نظام الغلوتامات المتحفّز. يصبح الوضع الآن كمن رفع قدمه عن مكابح دماغك وضغط على دواسة البنزين، فتشعر أنك سريع الغضب، وهائج أكثر، وقد تجد صعوبة في النوم.
يطوّر معاقرو الكحول بإسراف نوعاً من الجلد على تحمله، مما يعدل نظام الغابا ويضطره إلى احتواء جرعات أكبر فأكبر من الكحول كي يضغط المكابح لتنبيه نظام الغابا بشكل كافٍ يجعلك تشعر بالهدوء والاسترخاء (أي تشعر بالانتشاء). كما يلحق الإسراف في تناول الكحول الضرر بنظام الغلوتامات، إذ يشحنه بطاقة قصوى تجعل دواسة البنزين تمس الأرض عندما يتلاشى تأثير الكحول. بالنتيجة، فإن الإسراف في شرب الكحول يطيح نظام المعالجة بأكمله بأن يسبب الاهتراء للمكابح ويجعل دواسة البنزين ترزح تحت ثقل الضغط عليها. الأمر الذي يرفع من ضغط الدم، ويسرع معدل عمل القلب، ويجعل المرء حاد الطباع، ويجد صعوبة في التركيز، وصعوبة في النوم، ويعافى من مشكلات أخرى غيرها.
يُظهر عقار الكامبرال القدرة على إعادة التوازن بين نظامي الغابا والغلوتامات، لكننا لسنا واثقين من كيفية قيامه بذلك. إنما أبلغنا المرضى أنهم بعد تناوهم هذا الدواء لأربعة أو لستة أسابيع سيصبحون أكثر هدوءاً، وأكثر قدرة على التعامل مع الضغوط، وأكثر قدرة على التركيز، وستمر بهم رغبات ملحة أقل بالكحول.
كيفية إعطائه للمريض:
لا يتم امتصاص الكامبرال فَموياً بشكل تام، إذ إن 10 بالمئة فحسب مما تتناوله يمر إلى الجسم. إنك بحاجة إلى نحو المئتي ميلّيغرام من كامبرال يومياً في مجرى دمك لتعيد التوازن إلى نظامي غابا وغلوتامات، مما يعني أنه يجب عليك أن تتناول نحو 2000 ميلّيغرامٍ من كامبرال يومياً؛ وهو المقدار الذي تحصل عليه من ست حبات.
يميل الناس عوضاً عن ابتلاعه ست حبات دفعة واحدة، إلى تناوله كحبتين ثلاث مرات يومياً. لكن قد يكون من الصعب تذكر الجرعة الوسطى، لذا، فإنني عادة ما أبدأ العلاج به بأن أصف حبتين ثلاث مرات يومياً في الأسبوعين الأولين، ثم أطلب إلى مرضاي الانتقال إلى ثلاث حبات مرتين يومياً. مزيلاً بذلك الجرعة الوسطى (في فترة الغداء) ومساعداً على تحقيق غايتنا. وفي العادة، يتناول المرضى الكامبرال لمدة سنة على الأقل. بعدها بإمكانك أنت وطبيبك دراسة إمكانية الانقطاع عنه.
الآثار الجانبية:
الكامبرال عقار غير سمّي ولا يسبب الإدمان. وآثاره الجانبية في حدودها الدنيا، أبرزها هو الإسهال. ومن حسن الحظ أن هذا الأثر الجانبي نادر فعلاً، بشكل خاص بعد اليومين الأولين من الاستخدام. أما الأعراض الجانبية الأخرى التي هي أقل وقوعاً ربما تتضمّن الغثيان، الحكة، وغازات البطن. لا يتفاعل الكامبرال عادة مع أدوية أخرى، لذا، فيمكن إضافته على أي برنامج دوائي جارٍ تقريباً من دون أي مخاوف، اعتماداً على توصيات طبيبك. وأياً كان الأمر فإنه أمر هام جداً أن تزوّد طبيبك بلائحة كاملة بالأدوية التي تتناولها.
أدوية أخرى لمعالجة الإدمان على الكحول
من الطبيعي ألا يتجاوب بعض المدمنين مع الفيفيترول، أو الكامبرال، أو مع برنامج معالجة بروميتا (انظر القسم التالي المتعلق بالمنشطات). في هذه الحالات قد ألجأ إلى عقاقير أخرى بما فيها أنتابيوز – Antabuse، توبوماكس – Topomax: لهذين العقارين استخدامهما لكنهما يعتبران صنفاً ثانياً، بمعنى أنهما في العادة لا يجرَّبان إلا بعد أن يجانب النجاح الأدوية الأخرى.
– ديسولفيرام (الاسم التجاري أنتابيوز): وهي طريقة قديمة في معالجة الإدمان، فقد تمت الموافقة على استخدام الديسولفيرام لهذا الغرض من قبل إدارة الغذاء والدواء الأميركية عام 1951. الديسولفيرام عامل مثير للحساسية ويثير ردة فعل مزعجة للغاية عند تناولك أي مقدار من الكحول مهما صغر. وهو يفعل فعله هذا من خلال تدخله بالعمليات الاستقلابية التي تحلل الكحول، مما ينجم عنه تراكم في الأسيتالدهيد في الدم. إن هذا المنتج الجانبي السمي للاستقلاب الطبيعي للكحول يُنتج مركباً ذا أعراض مزعجة للغاية، بما فيها غثيان حاد، تقيُّؤ، تعرق، بشرة متوهجة، آلام رأس، مصاعب في التنفس، رؤية غير واضحة، وتشوش.
يعمل الديسولفيرام كرادع وحسب؛ فلا يتدخل في قدرة الكحول على إثارة حالة النشوة، ولا يرفع أياً من الأذى الذي ألحقه الإدمان على الكحول.لكنه يبقى عقاراً فعالاً، ويمكن أن يكون جزءاً متمماً في برامج شفائية معينة. ومع ذلك، فإن رد الفعل السام الذي يحفزه الديسولفيرام يطرح موضوع الأمان في الاستخدام للمساءلة؛ وبالنتيجة فإنه لا يعتبر، عادة، من معالجات الصنف الأول للإدمان على الكحول بالنسبة إلى الأطباء الأساسيين (كأطباء العائلة أو الأطباء الباطنيين). وبدلاً من ذلك فبالإمكان استخدامه من قبل أخصائي معالجة الإدمان مع الفيفيترول، أو الفيفيترول مع الكامبرال، أو استخدامه بمفرده في حال أخفقت أساليب المعالجة القياسية الأخرى. إن الجرعة القياسية من الديسولفيرام هي 250 ميليغراماً يومياً. ويتوجب على طبيبك إجراء فحوصات للدم كل ربع سنة للتأكد من سلامة الكبد من الأذى.
– توبيريمات (الاسم التجاري توبوماكس): توبيريمات هو دواء مضاد للاختلاج وموازن للمزاج. وبالرغم من أن إدارة الغذاء والدواء الأميركية لم تصرح به بعد، إلا أن الأطباء يسمح لهم باستخدامه لمعالجة الإدمان على الكحول. فقد ثبت في عدة دراسات علمية أن توبيريمات يساعد على التخفيف من الرغبات الملحّة للشرب، ويجعل التراجع أسهل. لعل هذا الدواء يقلل من الرغبات الملحّة من خلال خفض مستويات النواقل العصبية للدوبامين في الدماغ، الذي يُعتقد أنه يبث الشعور الممتع الذي ينتاب المدمنين في أثناء معاقرة الكحول. كما يخفف التوبيريمات على ما يبدو من القلق، ومن المحتمل أنه يعيد تنضيد كيميائية الدماغ. من سوء الحظ أن لهذا العقار عدداً من الآثار الجانبية المزعجة، ويجب أن تتم مراقبته من قبل أخصائي في معالجة الإدمان.
– نيفازودون (اسمه التجاري سيرزون)، أوندانسيترون (اسمه التجاري زوفران)، وباكلوفين (واسمه التجاري ليوريسال): لقد تمت دراسة هذه العقاقير الثلاثة وأبدت نتائج واعدةً لتقليل الرغبات الملحة باستهلاك الكحول. وقد تلعب دوراً في بعض الأساليب المعينة لمعالجة الإدمان، لكن فعاليتها لا ترقى قط إلى مستوى الفيفيترول والكامبرال.