التصنيفات
صحة ورعاية الطفل

أساليب سلبية شائعة في التربية يجب تجنبها

الهدف من التربية هو إيجاد أبناء يتمتعون بالصحة النفسية والعقلية والجسمية وتربطهم بوالديهم علاقة مودة واحترام، وهذا ما تسعى إليه أساليب التربية الإيجابية (المذكورة سابقاً). بالمقابل هناك مجموعة من الأساليب السلبية التي يجب على الآباء والأمهات تجنبها، لأن تأثيرها مدمرعلى على صحة الطفل وعلاقته بوالديه. أذكر منها: العقاب البدني والصراخ والتسلط والحماية الزائدة والتساهل والانتقاد والتهديد والسخرية والتفرقة في المعاملة والتلاعب بالحب..

العقاب البدني

يعد العقاب البدني من أسهل الطرق التي يمكنك استعمالها مع طفلك في حالة ارتكابه خطأ ما، لأنه على المدى القصير يجعل الطفل يتوقف عن السلوك السيء الذي يُعاقب من أجله. لكن هذا الأسلوب يعتبر من أسوأ الأساليب التربوية ومع ذلك يميل الكثير من المربين إلى استعماله، ومن أهم مساوئه ما يلي:

– العقاب البدني أو الضرب يخلق شعوراً بالعداء لدى الطفل والرغبة في الانتقام، فيقول لنفسه «أنا ولد سيء وغير مقبول من قبل والديَ»، وتنعكس مشاعره تلك على نفسه والآخرين، وتكثر مشكلاته السلوكية ككثرة الحركة ونقص التركيز والميل للعنف والمشاجرة مع الإخوة، ويشعر بضعف الثقة بالنفس، وتزيد مشكلاته عبر مراحل نموه.

– يتهم عادة المربي العنيف طفله المعنف بقوله: طفلي صعب أو سيء. فعلاً يكون الطفل الذي تميل أنت لضربه ذا طباع صعبة، لماذا؟ لأن هذا الطفل عندما كان رضيعاً كان سلوكه يميل للسلبية (ككثرة البكاء والتوتر)، وبما أن الأباء قد ينزعجون من مثل تلك السلوكيات، لذا فإن استجابتهم تميل للسلبية أيضاً (كالصراخ والضرب والتذبذب)، فالطفل يلعب دوراً مهماً في تشكيل سلوك والديه، فالطفل يساهم في عنف والديه، كما أن سلوك والدي هذا الطفل غالباً غير مستقر وغير ناضج ومحبطاً لأطفاله. ويتصاعد العنف كدائرة إلزامية بينهما.. لكن عندما يكون لدى الآباء وعياً بأساليب التربية الإيجابية، فإنهم سيدركون مدى الضرر الذي سيقع للطفل بسبب القسوة والضرب. فالمربي هو المسئول، وبالحكمة تتحول صعوبة الطفل إلى ليونة.

– أنت نموذج لطفلك فهو يعمل على تقليدك، وعندما تستعمل أساليب القسوة والعنف فإن طفلك سيتعلمها، ويفهم أنها الأساليب الأفضل لحل مواقف الصراع مع الآخرين.

– عندما تستعمل أساليب القسوة والضرب فإنك تكون متوتراً وفي حالة غضب وعدم اتزان، وبالتالي تصرفاتك لا تعبر عن رغبتك في تأديب طفلك، بل تعبر عن استيائك وانزعاجك ربما من ضغوط معينة تمر بها. وتصرفاتك تلك تجعل الطفل غير مدرك للسلوكيات المقبولة المطلوبة منه، وأيضاً تزيد من رغبته في التصرف بطريقة سيئة.

– لا تعتبر القسوة رادعاً للسلوكيات غير المقبولة للطفل، بل قد تجعله يميل إلى تعلم الكذب والمراوغة لإخفاء أفعاله غير المقبولة خوفاً منك.

أسلوب التهديد

أسلوب التهديد كقولك للطفل، إن لم تذهب للنوم حالاً سأضربك أو أفعل بك شيئاً، هذا الأسلوب وما يتضمنه من صراخ وعبارات غير منطقية و غير عادلة، تثير مخاوف الطفل، وتجعله لا يشعر بالأمان والقبول.

ومن أمثلة مواقف التهديد، الأسئلة التقليدية التي تميل إلى استعمالها مع أبنائك عند حصول أذى ما في البيت، تحطيم زجاج الباب أو تمزيق ورقة من كتاب، فتسأل بلهجة حادة: من فعل ذلك؟. هذا السؤال يثير قلقاً لدى الأطفال، لأنه في هذه الحالة إما أن يكذبوا بقولهم لا أحد أو لا نعرف، وإما أن يعترف أحدهم بفعلته فيتوقع منك التوبيخ والعقاب، والأسوأ أن تسأل لماذا فعلت ذلك؟. فيتوقع الاتهامات التي لا يمكنه تبريرها، ولسان حاله يقول: لأنني سيء وبليد..

أسلوب الصراخ

يعتبر الصراخ من الأساليب المخيفة للأطفال والكبار كذلك، فأولى مخاوف الأطفال بعد الميلاد هي: الخوف من الصوت العالي.

الصراخ المستمر على الطفل لن يعمل على تعديل سلوكه نحو الأفضل، بل سيعمل على إزعاجك وإزعاج طفلك، ويفسد التواصل بينكما، وتدخلان في دائرة من التفاعل السلبي الذي من أهم نتائجه مشاكل سلوكية ونفسية لدى الطفل.

أسلوب التسلط

إنه أسلوب غير عادل لأنه لا يراعي احتياجات الطفل النفسية والعاطفية، فأنت في هذه الحالة تفرض على الطفل قواعد بشكل صارم لا مرونة فيها وتتنكر لمشاعره. إنه أسلوب يحمل في طياته معاني القسوة والخوف والخنوع، ولا يساعد على تطوير قدرة الطفل على تعلم كيفية تحمل مسئولية ما يقوم به من نشاط وواجبات يومية، نظراً لأن هناك من يفكر في ذلك نيابة عنه.

أسلوب التساهل

وضع الحدود من الأمور الأساسية في تربية الطفل، ويتصف أسلوب التساهل بنقص أو عدم وجود قواعد واضحة تنظم الحدود التي يجب أن لا يتعداها الطفل.

ويعتبر كل من التسلط والتساهل طرفي نقيض للأساليب السلبية، فكل منهما عكس الآخر  ومؤذ للطفل. وعندما تقرر أن تعاقب طفلك يجب أن لا تعطيه فرصة للإفلات من العقاب، لأن ذلك يجعله لا يحترم القانون ويتصرف بشكل لا يراعي فيه حدود الآخرين. المطلوب هو السلطة الحازمة حيث القواعد واضحة ومحددة، وتتصف طريقة تطبيقها بالاحترام والمرونة التي تراعي مشاعر الطفل ونوعية شخصيته وفي نفس الوقت لا تسمح للطفل بالتجاوز.

ويعطي أسلوب التساهل الآباء شعوراً وهمياً بالاطمئنان لحب أطفالهم الدائم لهم، لأنهم يلبون جميع مطالبهم. منطقياً هذا الأسلوب يجعل من السهل على الطفل تجاوز حدود والديه والتلاعب بهما، وبالتالي هذا يزيد من احتمال نموه مفتقداً لحب واحترام الآخرين، فالعالم الذي نعيشه ليس عالم لطف ومرح. كما أن التساهل لا يشعر الطفل بالآمان، ويجعل الأجواء الأسرية مليئة بالصراع والخلافات.

أسلوب الحماية الزائدة

يقصد بالحماية الزائدة، القيام نيابة عن الطفل بالأمور التي يمكنه عملها بمفرده، إذا أردنا له أن يكون شخصية مستقلة ومسئولة. على سبيل المثال: طفل في سن 4 سنوات يمكنه تناول الطعام بمفرده، لكن والدته تمنعه من ذلك وتصر على أن تطعمه بنفسها خوفاً من أن لا يستطيع تناول الكمية التي حددتها له إن أكل بمفرده، أو خوفاً من أن يوسخ المكان حفاظاً على النظافة. عندما تقدم لطفلك مساعدة ولا تعطيه فرصة المحاولة، فإنك بذلك تبلغه رسالة تقول له فيها: أنت غير قادر على التفكير السليم ولا تستطيع الاعتماد على نفسك، فتقلل من قدرته على التعامل مع المشاكل وحلها، كما أنك تولد لديه المخاوف.

وفي بعض الحالات التي يكون فيها الطفل سريع التعرض للمرض، تميل الكثير من الأمهات إلى المبالغة في حماية ذلك الطفل خوفاً عليه. في مثل هذه الحالات، قد يميل أحد أو بعض إخوة هذا الطفل للغيرة منه، لأنه ينال اهتمام والديه أكثر منهم. كما أن هذا الأسلوب يشعر الطفل بالهشاشة والضعف، فيتعرض لنقص الثقة بالنفس وعدم القدرة على تحمل المسئولية، لأنه من المهم أن يعيش الطفل تجارب يومية من الخطأ والصواب حتى يتقن ما يقوم به فيشعر بالكفاءة والنجاح، كمحاولاته لارتداء ملابسه أو حذائه دون مساعدة أو عمل الواجبات المدرسية، أو محاولاته الاعتماد على نفسه في تناول الطعام أو اتقان ألعاب معينة.. التوجيه والدعم مهم، لكن ليس القيام بمهماته نيابة عنه.

كما أن تعاطفك المبالغ فيه لإساءة تعرض لها طفلك، تقوي لديه مشاعر الإحباط والألم وتؤثر على ثقته بنفسه، على سبيل المثال: أم تسير في الشارع بصحبة طفلها الذي يبلغ من العمر 3 سنوات، وقع على الأرض فخدشت ركبته، صرخت الأم قائلة: هل أنت على ما يرام، أعتقد أنك متألم، هل أنت بخير؟ ثم أخذت تبكي، وزاد بكاء الطفل طبعاً..

المقارنات السلبية والإيجابية

مقارنة الطفل بالأقران، سواء أكانوا إخوة أو أطفال آخرين، تعتبر من الأخطاء الشائعة التي يقوم بها الآباء بنية حسنة لتشجيع أبنائهم. عبارات تتضمن مقارنة سلبية من قبيل: «انظر إلى أخيك كم هو هادئ ويسمع الكلام، لما لا تكون مثله؟» أو «يالك من ولد متعب، ألا ترى صديقك كم هو مجتهد ألا يمكنك أن تتعلم منه».. إنها عبارات لا تحفز الطفل على التغيير، بل تزعزع ثقته بنفسه وتشعره بالدونية أمام الآخرين.

كما أن المقارنة الإيجابية لا تساعد الطفل على بناء تقدير ذاته واحترامها، بل تُشكل ضغطاً نفسياً عليه. على سبيل المثال: «أنت الأحسن في قسمك». أو «أريدك أن تكون أفضل من جميع أولاد العائلة»..

من الأهمية مراعاة الفروق الفردية بين الأطفال، فكل منهم شخص متفرد بإمكانياته وقدراته وخصائصه، هناك العنيد والهادئ والنشيط والذكي والمتوسط والفنان.. وليس معنى التربية ووضع الحدود أن نجعل جميع الأطفال متشابهين أو أن نمحو شخصياتهم، المعنى هو أن نسمح لهم بالتعبير عن أنفسهم ضمن حدود السلوك المقبول اجتماعياً، ودون الإساءة للآخرين.

وأشير هنا إلى نقطة مهمة والتي قد تحدث مع كل من لديه عدة أطفال، في حالة تشاجر الإخوة فيما بينهم، من الخطأ أن تدافع عن أحدهم أو أن تعاقب نفس الطفل دائماً، لأن ذلك يعزز فهمهم في أنك تفضل أحدهم عليهم، وهذا الفهم يزيد من حدة الصراع والمشاجرة بينهم بسبب الغيرة. كما أن إعطاء مساحة للأبناء دون تدخلك فيما يحدث بينهم من صراعات، إلا في الحالات التي يحدث فيها ضرب وتعدي، مهم من أجل علاقات أخوية بناءة وجيدة.

يتضح مما سبق مدى أهمية مراعاة خصائص كل طفل من أطفالك، وفهم أن لكل منهم سيكولوجية خاصة، فالأول يختلف عن الثاني، والبنت تختلف عن الولد، والوحيد يختلف عن من لديه إخوة.. كل واحد من أطفالك منذ ميلاده كان مختلفاً، فلا تقارن فيما بينهم، وراعي تميز كل واحد منهم واختلافه.

أسلوب التلاعب بالحب

أساس العلاقة بين الوالدين والأبناء هو الحب، وبالحب ينمو الطفل نفسياً واجتماعياً وعقلياً وجسمياً بشكل متوازن. فالتعبيرات العاطفية، كاللمس والربت والنظرة الحنونة والكلمة الطيبة والابتسامة.. مهمة ليدرك الطفل أنك تحبه وتتقبله. فهو متعلق بك، وأي تصرف موجه منك إليه، سواء أكان لفظياً أو غير لفظي، يؤثر فيه ويتفاعل معه بكليته، ويأخذ كل ما تفعله معه بشكل شخصي. أنت كمرب عندما تتصرف بشكل سلبي بدافع وضع حد لسلوك طفلك السيئ، فإنه رغم نيتك الحسنة، قد يفهم أنك ترفضه، وهذا الفهم يؤثر عليه سلبياً. وهنا تكمن خطورة الأساليب السلبية في التربية، ومن أخطر تلك الأساليب، أسلوب التلاعب بالحب، عبارات من قبيل: «قلت لك اجمع ألعابك وإلا لن أحبك» أو «أنت لست ولدي» أو «أنت تزعجني كثيراً سأرمي بك في الشارع» أو «أنت كسول وأنا لا أحب الأولاد الكسولين»…

العبارات السابقة يأخذها الأطفال كحقائق مسلم بها، فهم يصدقون ما يقوله الوالدان لهم، وهنا تكمن خطورة تلك العبارات، ويشعرون بالخوف والذنب والرفض، إن هذه العبارات ذات تأثير كارثي عندما تُستعمل باستمرار كوسيلة لتأديب الأطفال ووضع الحدود لهم.

أسلوب الإهمال

يحتاج الطفل إلى اهتمام والديه به، وأية مبالغة في الاهتمام، أو بالعكس أي نقص في الاهتمام يؤدي إلى نتائج سلبية، سواء على مستوى شخصية الطفل أو على مستوى توازن العلاقات داخل الأسرة. ويعتبر أسلوب الإهمال من الأساليب المسيئة لشخصية الطفل بشكل كبير، لأن الطفل يُترك دونما تشجيع أو توجيه لما ينبغي عليه أن يفعله أو يتجنبه من سلوكيات.

إن إهمال الأم للطفل في مرحلة الرضاعة ونقص مواقف التفاعل بينهما، ونقص استجابتها لإشاراته، يؤدي إلى نموه في اتجاه سلبي. وقد يصل الأمر في حالة الإهمال الشديد إلى الاضطراب العقلي والاجتماعي والانفعالي.

وتلعب الخلافات الزوجية وعدم نضج الأم ونقص وعيها بأساليب التربية الإيجابية، دوراً كبيراً في ميلها لإهمال أطفالها، فقد تكون موجودة جسدياً لكنها غائبة عاطفياً بسبب قلقها واضطرابها.

أسلوب التذبذب في المعاملة

يقصد بالتذبذب في المعاملة، عدم اتفاق الوالدين على أساليب التعامل مع الطفل في المواقف المختلفة. على سبيل المثال: يعاقب الأب ابنه على تصرف ما، وتأتي الأم في صف ابنها لتحميه من أبيه، قائلة له: لا تخف تعال حبيبي إليَ وتعانقه وتلبي له طلبه الذي منعه الأب عنه. أو قد تعاقب الأم تارة طفلها على تصرف ما ثم تسمح له به تارة أخرى.

يجد الأطفال صعوبة في التكيف مع مطالب متغيرة وغير متوقعة، لذلك يعتبر هذا الأسلوب من أسوأ الأساليب التربوية، لأنه يساعد الطفل على الانحراف والتمرد والعدوانية، فالتناغم ضروري لإعطاء الأطفال رسالة واضحة عن السلوك المقبول أو المرفوض.

تجنب الرسائل المتناقضة

يتحدث الكثير من الآباء بلغة متناقضة مع أطفالهم في مواقف معينة، على سبيل المثال: يحاول طفل (3 سنوات) ارتداء ملابسه بنفسه، ويبدي انزعاجه نظراً لمحاولاته المتكررة فيطلب المساعدة، تقول له والدته بقلق: يمكنك ارتداء ملابسك بنفسك ولن أساعدك، وفي نفس الوقت تتجه نحوه لتساعده في ذلك.. أو يلح عليها من أجل شراء لعبة وهما في المتجر، فتقول له لن أشتريها لك، وبعد قليل تقوم بشرائها.. التعامل مع الطفل بطريقة متناقضة (أرغب ولا أرغب، أريد ولا أريد، أثق بك ولا أثق) لا تشعره بالأمان وتربكه، ولا تُمكنه من فهم الحدود التي يجب أن يقف عندها. فكلامك الظاهر يتناقض مع سلوكك، نظراً لتناقض أفكارك تجاه تربية طفلك، من ناحية تبالغ في الشعور بالذنب تجاهه فتلبي طلبه، ومن ناحية أخرى على المستوى الكلامي ترى ضرورة وضع الحدود وقول كلمة (لا)، تقولها ولا تعمل على تنفيذها.

تكرار نفس المواقف اليومية الخاطئة التي لم تؤدي إلى نتائج جيدة

يسقط الكثير من الآباء في شرك عادات خاطئة في معاملة أبنائهم رغم نيتهم الحسنة، ويستجيبون لأطفالهم المزعجين دون خطة مدروسة وبطريقة انفعالية. على سبيل المثال: يومياً وأثناء اجتماع أفراد العائلة لتناول الطعام، يأكل هشام طعامه بطريقة تستفز أبوه، فينتقده بقوله: كل مما يليك ولا تتسرع في الأكل، فجأة يغضب هشام ويتوقف عن الطعام، فتغضب الأم وتلتفت للأب قائلة له: ألا تكف عن هذا الأسلوب الذي تستعمله يومياً مع ابنك فيتوقف عن الأكل وتُفسد علينا الجلسة، يستنكر الأب كلامها ويصرخ قائلاً لا تعرفين كيف تربين ابنك.. إنها عادة سيئة تتكرر يومياً، نفس الأفعال وردود الأفعال، إنها عادة تعكس الخلل داخل العلاقات الأسرية وتتجسد في عدة مواقف يومية. ورغم ما تسببه من إزعاج للوالدين وهذا الابن وباقي الأبناء، إلا أنها تتكرر يومياً بشكل اعتباطي وقهري.

أسلوب السخرية

عبارات السخرية، على سبيل المثال: يالك من ولد فوضوي، أو ألا تكف عن رمي الألعاب هنا وهناك كطفل معتوه، أو توقف عن الكلام بهذه الطريقة الطفولية، أو ابتعد عني واغسل فمك رائحته كريهة…

تثير العبارات السابقة عدائية الطفل وخوفه، وتشعره بالخزي، وتزعزع ثقته واحترامه لنفسه، كما أنها تفسد العلاقة بينه وبين والديه. إنها عبارات تعطي الطفل رسائل غامضة بأسلوب استنكاري وغير مهذب، ولسان حاله يقول له: لابد أنني طفل سيء لأستحق هذا الكلام.

لاحظ الفرق بين العبارتين التاليتين:

– هل تعتقد يا رامي أنها فكرة جيدة أن ترتدي هذه الملابس.

– ماهذا اللباس غير المتناسق اخلعه حالاً.

العبارة الأولى، منطقية وتتطلب تفكيراً منطقياً وتدل على احترامك لطفلك.

العبارة الثانية، جافة وغير منطقية، وتحط من قيمة الطفل، لأنها تتضمن سخرية واستهزاء بذوقه وقراره في اللباس.

الدخول في مواقف صراع وتحدي مع الطفل

تحدث مواقف الصراع والتحدي غالباً بينك وبين طفلك العنيد، بسبب أمور من المفترض أنها بسيطة، لكن طريقة تعاملك معها تجعلها أموراً في غاية التعقيد والإساءة للطفل. على سبيل المثال: أحمد عمره 3 سنوات، رفض ارتداء ملابس من اختيار والدته، فانتابته نوبة غضب نظراً لإصرار أمه على ارتدائه لتلك الملابس. وتحول الموقف إلى حرب بين الطرفين.. صراخ وضرب وتهديد وعنف من قبل الأم.

من السهل أن تتحول المواقف البسيطة إلى ساحة حرب، في حالة غياب هدوء وحكمة الوالدين. وتعمل تلك المواقف على تحطيم شخصية الطفل، رغم أن سلوكه تم دون قصد منه.

لا يدل عناد الطفل على رغبته في تحديك أو الإساءة إليك، بل يدل على قوة شخصيته وميله إلى تأكيدها، لذلك إن أنت تعاملت بحكمة في مثل تلك المواقف، فكلاكما سيربح (الطفل وأنت). وأفضل أسلوب للتعامل مع الطفل في مثل هذه الحالات هو طرح الخيارات، هل تفضل ارتداء البنطلون الأسود أو الأحمر.. ليشعر بتقديرك واحترامك له، دون أن تحاول كسر شخصيته بعنفك وغضبك..

الحديث مع الطفل بطريقة سلبية

عندما تتحدث مع طفلك بطريقة سلبية فإنه يأخذ كلامك كحقيقة مسلَم بها، ويدركه كما تقوله. على سبيل المثال: عندما تقول له، لا تجري في الشارع أو لا تتشاجر مع أختك أو لا تصرخ. يتخيل الطفل في العبارة الأولى، أنه يجري في الشارع. ويتخيل في العبارة الثانية، أنه يتشاجر مع أخته. ويتخيل في العبارة الثالثة، أنه يصرخ. وبالتالي هو يميل للقيام بتلك الأفعال. لذلك من الأفضل أن تقول له: امسك بيدي لنقطع الشارع معاً، تعاون مع أختك، من فضلك تكلم بهدوء، فيتخيل ما ينبغي عليه عمله، كما وأنك تكون قد علمته كيف يفكر بطريقة إيجابية.

يجب أن تستعمل مع الطفل عبارات واضحة ودقيقة بصيغة إيجابية، تبين له التصرف المقبول وما يجب عليه فعله، وتساعده ليفكر ويعمل بطريقة إيجابية. عبارات لا تتضمن نفي السلوك الذي لا ترغب فيه، لأن النفي يتضمن مخاوفك وتوترك فتنقلهما إليه، تخاف أن يقطع الشارع وتخاف أن يتشاجر مع أخته وتخاف أن يصرخ..

أسلوب الاتهامات

يُستخدم عادة في أسلوب الاتهامات عبارات تبدأ بكلمة أنت، وهي عبارات تعوق التواصل بينك وبين طفلك. على سبيل المثال: أنت طفل سيء، أنت سريع الغضب، أنت ولد عنيد، أنت مهمل انظر الفوضى، أنت لا تحسن اللعب مع أخيك… يجب أن تحاسب طفلك على تصرفاته وليس على شخصيته. فالعبارات التي تبدأ بكلمة أنت تتضمن تقييماً للشخصية، وهذا النوع من الحديث يضع الطفل في تصنيفات معينة فيحد من إمكانياته وقدراته، كما وأنه يربكه ويخيفه ويخلق لديه مقاومة. وعندما تستمر في استعمال تلك الاتهامات فإن الطفل سوف يتبرمج عليها وتصبح من خصائص شخصيته، يصبح سيئاً وسريع الغضب وعنيداً وفوضياً.. فالذي لا ترغب فيه هو الذي تعززه وتؤكده بهذه الطريقة.

أسلوب توجيه اللوم

يعمل أسلوب توجيه اللوم على إشعار الطفل بالذنب والندم لأنه لم يُحسن التصرف أو آداء ما طُلب منه. على سبيل المثال: لماذا لم تكمل واجباتك إلى الآن، منذ ساعة وأنا أقول لك اذهب للنوم لماذا لم تدخل غرفتك إلى الآن، لماذا لم تجمع ألعابك لقد قلت لك ذلك مراراً وتكراراً، انظر ماذا فعلت ألم أقل لك توقف عن عنادك..

يعطي أسلوب توجيه اللوم للأطفال انطباعاً بأنك ضعيف ولا تستطيع أن تكون حازماً وجاداً، كما أنه يُقوي شعوره بالذنب فهو يفهم من ذلك أنه طفل مقصر في آدائه، ويتسبب في إزعاجك واستيائك.

أسلوب الاستجواب

يشعر الطفل بالخوف والقلق عندما تستجوبه، سواء أكان الاستجواب عن مشاعره أو عن تصرف قام به، أسئلة من قبيل: ماذا كان شعورك؟ وكيف تشعر الآن؟ هل أنت منزعج؟ وهل تشعر بالخوف؟.. يدفعه هذا النوع من الأسئلة إلى الانغلاق على نفسه بدلاً من التحدث معك بعفوية. فالطفل يرغب في أن تقدر مشاعره وتفهم أحاسيسه، لكن عندما تطالبه بتبرير أو شرح ما يشعر به فإنك تربكه لأنه لا يدرك سبب شعوره هذا.

وعندما تستجوبه عن تصرفه، على سبيل المثال: لماذا مزقت ورقة من كتابي؟ وما الذي دفعك إلى فعل ذلك؟ وما هو قصدك؟ ألم تفكر في تصرفك قبل أن تقوم به؟.. هذا النوع من الاستجواب يُشعره بالقلق وبفداحة ما قام به، ولا يعطيه البديل المناسب الذي يجعله لا يكرر نفس التصرف مرة أخرى، كما أنه أسلوب متعب لك ولا يدل على حزمك وقوتك.

أسلوب التعميم

يقصد بأسلوب التعميم استخدام عبارات تبدأ بكلمات من قبيل: دائماً وأبداً، على سبيل المثال: دائماً تترك ألعابك مشتتة في كل مكان، دائماً أناديك ولا تسمعني، تبدو منزعجاً دائماً لا أراك مبتسماً.. إنها عبارات تعطي تصوراً للطفل أنه لا أمل في أن يتغير أو أن يتحسن تصرفه.. إنها عبارات تعسفية وتزيد من إصرار الطفل على تكرار نفس السلوكيات التي تشير أنت إليها.

التوسل للطفل

أسلوب التوسل للطفل يؤكد له ضعفك وعدم قدرتك على وضع الحدود، عبارات من قبيل: أرجوك اذهب للنوم حالاً، وأتوسل إليك كف عن الصراخ، أرجوك أرجوك ابتعد عني..

يحتاج الطفل إلى آباء وأمهات أقوياء، فهم أصحاب السلطة وهم من يضع الحدود ويوجه. لذلك هذا النوع من الأساليب يخيف الطفل ولا يُشعره بالأمان الذي يتطلب منك استعمال الأساليب الإيجابية في التربية والتي أساسها هو استعمال اللغة التي تعبر عن السلطة الحازمة.

أسلوب المساومة

لا تستخدم أسلوب المساومة مع الأطفال الصغار لأن مستوى إدراكهم لم يصل بعد إلى فهم تلك المعاني. على سبيل المثال: إن أكملت تناول وجبتك سأعطيك قطعة من الشوكولا، أو سأشتري لك لعبة إن بقيت هادئاً خلال تسوقي في السوبر ماركت.. لا يفهم الطفل في مثل تلك المواقف معنى التأجيل فالعرض مغري، قطعة من الشوكولا ولعبة، لذلك قبل أن يكمل أكله أو يحافظ على هدوئه قد يطالب بما عرضته عليه، وقد يصل إلى حالة الغضب الشديد من أجل أن يأخذ ما يريده إن أنت قلت له: لن أعطيك ما وعدتك به حتى تنفذ الشرط. وعندما يكون في حالة غضب ابتعد تماماً عن مساومته، مثلاً: إن لزمت الهدوء سأعطيك البسكويت الذي تحبه، إنها طريقة تشعره بضعفك في قدرتك على وضع حد لتصرفه المزعج.

الطفل الصغير محدود الإدراك، لا يفهم معنى الأشياء المؤجلة ولا يستطيع أن يفهم مسببات الأشياء، إلا أنه يستطيع فهم ما بين السطور والتقاط أحاسيسك ومدى قوتك من خلال نبرة صوتك ولغة جسدك.

أسلوب التخويف

يجعل أسلوب التخويف المباشر الطفل في حالة من القلق والهشاشة، فهو يصدق كل ما تقوله له ويأخذه بشكل شخصي، على سبيل المثال عندما تقول له: ستصبح هزيلاً إن لم تأكل كل ما أقدمه لك، أو امسك بيدي كي لا تصدمك سيارة، أو لا تخرج للشارع وإلا سيأتي اللص ليخطفك، أو اسمع الكلام قبل أن يأتي الشيطان ويؤذيك.. تلك نماذج من العبارات التي قد تستخدمها لتدفع طفلك لالتزام الهدوء ويستمع لما تطالبه به، لكنها عبارات تحمل معاني غير واقعية وصور وهمية تعطي انطباعاً للطفل بأن العالم مخيف وغير آمن، فيزداد تعلقه بك خوفاً من العالم ومنك أيضاً.

أسلوب تمثيل دور الضحية

الهدف من استعمالك لأسلوب تمثيل دور الضحية هو جعل الطفل يشعر بالذنب تجاهك ليتوقف عن سلوكه المزعج، فعبارات من قبيل: الذنب ذنبي أنا الذي سمحت لك باللعب في غرفتي، يارب خذني إليك لأرتاح، أنا أضحي بحياتي من أجلكم.. تلك العبارات تشعر الطفل بالخوف من فقدانك والانفصال عنك، وتشعره بأنه السبب في معاناتك، وفي نفس الوقت تبين له عدم قدرتك على وضع الحدود لسلوكياته المزعجة.

تجنب الرسائل الطويلة وغير المحددة

عندما ترغب في تأديب الطفل وتوجيهه يجب أن تستعمل عبارات واضحة ومحددة ومختصرة، لذلك فإن الرسائل الطويلة وغير المحددة لا تصلح مع الطفل لأنها تضيع المعنى الذي ترغب في إيصاله له. فمثلاً، عندما تقول له: لقد قلت لك مراراً وتكراراً أن تهتم بتنظيف أسنانك هل تعتقد أنني أتكلم فقط لمجرد الكلام. إنها عبارة مملة بالنسبة للطفل وغير حازمة، ولو استبدلتها بعبارة «أسنانك من فضلك»، سيدرك تماماً ما تطلبه منه..

الحديث عن الطفل بشكل سلبي على مسمع منه

الطفل شديد الحساسية لما تقوله وتشعر به نحوه، إنه يراقب تصرفاتك وكلامك وأنت في غفلة عنه، فأنت بالنسبة له العالم والأمان، منك يستمد قوته ويدرك من هو. لذلك فإن ابتسامتك وحديثك الإيجابي عنه ينمي ثقته بنفسه، بينما عبوسك وحديثك السلبي عنه يؤذيه سواء أكان الحديث موجهاً إليه أو على مسمع منه، فلا تنسى أنك محور اهتمام طفلك الصغير.

تجاهل الطفل وهو يتحدث إليك

من الأهمية حسن الإصغاء للطفل وهو يتحدث إليك ليشعر بحبك واحترامك له، ويشعر بأهميته بالنسبة لك. فإن أنت تجاهلت حديثه معك، سيفهم أنك ترفضه رغم حسن نيتك. لا تحاول أثناء حديثه إليك تقديم نصائح أو حلول لمشكلته، لا تقاطعه فيشعر بالإحباط، بل استمع إليه إلى أن يكمل ما يريد أن يعبر عنه، وبعدها يمكنك مساعدته على إيجاد الحلول المناسبة لمعاناته.

الحديث مع الطفل بأسلوب غير منطقي

الأطفال بطبيعتهم الفطرية يميلون للصدق والمنطق، لذلك إن أنت تحدثت مع طفلك بلغة بدائية، عبارات من قبيل: دح ومبو وباح.. أو حاولت تقليد طريقته في الكلام.. فإنك تكون غير مقنع أو غير جدي بالنسبة له، من المهم الحديث معه بلغة واضحة سليمة كي يتعلم الكلام منك. كما أن أساليب المراوغة والكذب وعدم الوفاء بالعهود كلها طرق مؤذية لسلامة الطفل العقلية والنفسية.

وضحت مجموعة من الأساليب السلبية في التعامل مع الطفل، والتي تؤدي إلى تأثيرات سيئة على صحته النفسية والعقلية والاجتماعية، كما أنها تعوق التواصل السليم بين الطفل ووالديه. وهي: العقاب البدني، التهديد،الصراخ، التسلط، التساهل، الحماية الزائدة، المقارنات السلبية والإيجابية، التلاعب بالحب، الإهمال، التذبذب في المعاملة، الرسائل المتناقضة، تكرار نفس المواقف اليومية الخاطئة، السخرية، الدخول في مواقف صراع وتحدي مع الطفل، الحديث مع الطفل بطريقة سلبية، الاتهامات، توجيه اللوم، الاستجواب، التعميم، التوسل للطفل، المساومة، التخويف، تمثيل دور الضحية، الرسائل الطويلة وغير المحددة، الحديث عن الطفل بشكل سلبي على مسمع منه، تجاهل الطفل وهو يتحدث إليك، وأخيراً الحديث مع الطفل بأسلوب غير منطقي.

تأليف: د. فاطمة الكتاني