تحدث عدة تغيرات في الجسم مع التقدم بالعمر؛ ويمكن لهذه التغيرات أن تزيد فرصة حدوث سلس البول، وتشتمل هذه التغيرات على:
● نقص سعة المثانة.
● نقص مرونة جدران المثانة.
● زيادة البول المتبقي بعد الانتهاء من التبول (زيادة الثمالة البولية).
● ضعف عضلات قاع الحوض، لاسيما عند النساء.
● تزايد فرط فعالية المثانة.
● ضخامة البروستات عند الرجال.
ولكن، لا يعني مجرد حدوث هذه التغيرات أن سلس البول سوف يحدث لا محالة، حيث يتعرض بعض المسنين لكل هذه التغيرات، ومع ذلك يحافظون على استمساك البول؛ فالتقدم بالعمر بحد ذاته ليس سببا مباشرا للسلس، بل هو يزيد خطورة أو فرصة حدوثه. ومن الضروري الانتباه لهذا الأمر، حيث يشعر كثير من المسنين أن سلس البول هو جزء أساسي أو محتوم من التقدم بالعمر، لذلك يستسلمون لفكرة أنه لا يمكن إجراء أي شيء بخصوصه. وفي الواقع، تشير الأبحاث إلى أن أقل من نصف المسنين الذين يعانون من سلس البول يطلبون المساعدة أو يبحثون عن حل. ولكن في معظم الحالات، تجري معالجة سلس البول عند المسنين بالمعالجة نفسها المطبقة عند الناس الأصغر سنا.
يعد فرط فعالية المثانة الشكل الأكثر شيوعا لسلس البول عند المسنين؛ وبالإضافة إلى ذلك، يعاني كثير من الناس من إلحاح البول، ويكون لديهم تقلصات مثانية ضعيفة (فرط فعالية النافصة “العضلة المثانية الدافعة” مع اضطراب القلوصية Detrusor hyperactivity with impaired contractility DHIC، مما يجعل الإفراغ بشكل كامل صعبا، وهذا ما يؤدي إلى بقاء كمية من البول (ثمالة بولية)؛ ويحدث سلس البول الفيضي في الحالات الشديدة. ويشيع حدوث سلس الإجهاد عند النساء المسنات؛ ويعد السلس المختلط من الأشكال الشائعة أيضا عند النساء المسنات، ويمكن أن يشمل سلس الإجهاد وفرط فعالية المثانة.
يختلف سلس البول عند كبار السن عنه عند الأصغر سنا بفارق أساسي، وهو أنه يمكن أن يوجد عند كبار السن عدد من الحالات الأخرى التي تزيد خطورة حدوث السلس، بعضها يمكن علاجه مثل العدوى أو تقيد الحركة، وبعضها الآخر لا يمكن علاجه مثل الخرف Dementia.
لذلك، إذا كان المريض مسنا يعاني من سلس البول، يجب أن يأخذ الطبيب والمريض بعين الاعتبار في أثناء وضع الخطة العلاجية العوامل المتعلقة أو المسببة لظهور السلس، مثل المهارات العقلية والحركة (قدرة المريض على الحركة) والمهارات اليدوية والأشياء الطبية، بما فيها عادات التغوط، والدافع، إلى جانب المشاكل الفعلية في السبيل البولي، حيث إن تحديد بعض من عوامل الخطورة هذه منذ البداية قد يساعد على تدبير أو تخفيف حدوث السلس. وفي الحقيقة، يمكن أن يمنع التدبير أو العلاج المبكر لبعض عوامل الخطورة ظهور السلس.
البوال الليلي Nocturia
يجد العديد من البالغين أن حاجتهم للاستيقاظ من أجل الذهاب إلى المرحاض تتكرر بشكل أكثر كلما تقدموا بالعمر. كما يجد معظم الناس أن الاستيقاظ للتبول مرة واحدة في أثناء الليل أمر مقبول، بينما يمكن أن يؤدي تعدد مرات الاستيقاظ في أثناء الليل إلى سلسلة نتائج تشتمل على تقطع النوم، والنعاس في أثناء النهار، وزيادة خطر حدوث السقوط. وقد يؤدي البوال الليلي إلى السلس وحدوث بلل الفراش.
تشتمل الأسباب الرئيسية للبوال الليلي على نقص سعة المثانة أو قدرتها على احتواء البول وزيادة إنتاج البول أو تشارك الاثنين معا. وينجم نقص حجم المثانة بشكل عام عن التقدم بالعمر؛ بينما يكون سبب زيادة إنتاج البول حالات طبية أو أمراض، مثل داء السكر أو فشل القلب الاحتقاني أو الأمراض الكلوية. وقد تؤدي – إضافة إلى ذلك – زيادة تناول السوائل في آخر النهار، أو استعمال المدرات لفترة طويلة، أو تغيير الوضعية بين الليل والنهار الذي يسبب تحول السوائل من القدمين واليدين المتورمتين (المتوذمتين) إلى الكليتين ومن ثم إلى المثانة، إلى زيادة النتاج البولي. كما يمكن أيضا أن يؤدي نقص إنتاج الهرمون المضاد للإدرار ADH في أثناء الليل إلى زيادة التبول.
يخطئ بعض الناس بين الأرق Insomnia والاستيقاظ نتيجة انقطاع النفس النومي Sleep apnea أو الشخير، ويعتقدون أن ذلك بسبب الحاجة للذهاب إلى المرحاض. ويمكن أن يؤدي هذا بدوره إلى البوال الليلي. وتقود معالجة اضطراب النوم إلى معالجة البوال الليلي غالبا.
يمكن أن تساعد بعض التدابير البسيطة على التخلص من أعراض البوال الليلي، وتشتمل على ما يلي:
● تقليل تناول السوائل، لاسيما الكحول والكافئين، في فترة ما بعد الظهر والمساء، وليس اجمالي السوائل المتناولة في أثناء النهار.
● ارتداء جوارب ضاغطة لإنقاص تورم أو توذم الساقين والقدمين.
● رفع القدمين في نهاية النهار لإنقاص التورم، وتشجيع حدوث التبول قبل الذهاب إلى الفراش.
● تغيير مواعيد تناول الأدوية.
إذا لم تفلح هذه الأمور، قد يصف الطبيب دواء مدرا يؤخذ في فترة ما بعد الظهر لمنع احتباس السوائل. وقد قامت بعض الدراسات باختبار دور الدسموبرسين Desmopressin (DDAVP) الذي يستعمل بشكل رئيسي لمعالجة سلس البول الليلي عند الأطفال وعلاج البوال الليلي عند المسنين. فرغم أن الدواء قد يكون نافعا عند بعض الناس، فإنه يمكن أن يسبب احتباس السوائل، الأمر الذي قد يكون خطيرا عند الذين لديهم مرض قلبي أو ارتفاع في الضغط الشرياني.
رعاية البالغين المضطربين والمصابين بسلس البول
يمكن للأمراض التي تضر بالجهاز العصبي، مثل التصلب المتعدد وداء باركنسون والسكتة، أن تؤثر في السيطرة على المثانة مؤدية إلى السلس. ويمكن أن تؤدي الأمراض المسببة للخرف، مثل داء آلزهايمر، إلى السلس نتيجة الاضطراب الوظيفي.
في المراحل الباكرة من الأمراض المزمنة، يمكن لمعظم المرضى أن يعتنوا بأنفسهم ويدبروا أمورهم مع القليل من المساعدة؛ ولكن مع تقدم المرض، يصبح وجود شخص للعناية بالمريض وتقديم الرعاية له ضروريا لمساعدته على الفعاليات الحياتية اليومية. وفي حال حدوث السكتة الدماغية، يحتاج المريض إلى العناية مباشرة بعد تعرضه لها. وتعد العناية بشخص يعاني من السلس بسبب حالة عصبية مهمة صعبة، وتتطلب مقاربة خلاقة غالبا.
وإليك بعض المقترحات التي يمكن أن تساعد على ذلك:
● تأكد من أن الشخص الذي يعاني من سلس البول قد جرى تقييمه من قبل الطبيب، حيث يمكن أن تكون حالته قابلة للشفاء، مثل حالة العدوى أو استعمال الأدوية. وقد تؤدي معالجة المشكلة المستبطنة أو الخفية إلى تحسن سلس البول.
● عليك أن تذكر المريض بالذهاب إلى المرحاض بشكل متكرر، ويفيد التذكير كل ساعة أو ساعتين عادة. ويمكن أن تحتاج إلى أخذ الشخص إلى الحمام، وتقوم بمساعدته على خلع ثيابه وارتدائها والجلوس على كرسي الحمام.
● عليك الانتباه للعلامات غير اللفظية، مثل كثرة الحركة، والتي تشير إلى أن الشخص بحاجة للذهاب إلى المرحاض؛ حيث يمكن أن لا يكون المريض قادرا على تمييز الإحساس بامتلاء المثانة، أو قد لا يملك المهارات اللفظية (أو الشفهية) ليعبر عن هذه الحاجة.
● تجنب إلباس المريض ألبسة ذات مثبتات معقدة، مثل الجنز ذي الأزرار. ويفضل استعمال ألبسة ذات مطاط حول الخصر.
● دع باب الحمام مفتوحا والضوء مضاء ليتمكن الشخص من تحديد مكانه بسهولة، لاسيما في أثناء الليل. ويستخدم البعض شريطا عاكسا يوضع على الأرض بشكل أسهم ليشير إلى موقع الحمام.
● بالنسبة للأشخاص المصابين بالخرف، ضع صورة للمرحاض وإشارة تقرأ على أنها مرحاض Toilet على باب الحمام؛ وتجنب استعمال كلمات أخرى، مثل غرفة الراحة Restroom أو الحمام Bathroom، يمكن أن تفهم بشكل حرفي (أي لا يفهم القصد منها).
● يشيع حدوث التجفاف Dehydration نسبيا عند المسنين؛ لذلك، لا تنقص إعطاء السوائل إلا في حال كان المريض يتناول أكثر من 10 أكواب من الماء في اليوم؛ فتقليل تناول السوائل يمكن أن يؤدي عمليا إلى زيادة السلس بأن يجعل البول أكثر تركيزا، مما يسبب تخريشا أو تهييجا للمثانة، ويؤدي إلى زيادة تواتر البول وإلحاحه. ومهما يكن من أمر، يجب أن لا تشجع تناول أكثر من شراب واحد بعد العشاء لإنقاص حدوث السلس في أثناء الليل.
التقييم وتحديد المشكلة
يكون التقييم الشامل أساسيا في معالجة أي شخص يعاني من السلس. ونظرا إلى أنه يمكن أن تساهم عوامل عديدة مختلفة في حدوث السلس عند كبار السن، بما فيها عوامل لا تتعلق مباشرة بالسبيل البولي السفلي، يجرى فحص سريري كامل وتقييم لاستمساك البول بشكل نموذجي، بالإضافة إلى ذلك تؤخذ بعين الاعتبار الأمور التالية:
● مهارات التفكير والمحاكمة (قدرات الإدراك أو القدرات الاستعرافية Cognitive abilities).
● القدرة على التحرك في المحيط أو التنقل.
● البيئة المحيطة، بما فيها سهولة الوصول إلى المرحاض.
● درجة الاستقلالية (الاعتماد على الذات) من حيث القيام بالفعاليات الحياتية اليومية.
● مستوى الدعم والرعاية المتوفرة.
● العوامل المساهمة في سلس البول التي يمكن الشفاء منها (العكوسة Reversible).
● الأدوية التي يتناولها المريض، حيث إن كثيرا من الأدوية يمكن أن يؤدي إلى تفاقم السلس.
يجب، عند الأشخاص الضعاف أو المنهكين، الأخذ بعين الاعتبار العوامل الأخرى، مثل مدى الانزعاج الذي تسببه الحالة للشخص نفسه أو للشخص الذي يقوم برعايته، ومستوى الدافع عند الشخص المصاب وقدرته على التعاون مع العلاج، والحالات الطبية الأخرى التي تترافق مع الحالة.
المعالجة
يجب ألا يحول التقدم بالعمر أو الإعاقة أو الضعف الجسمي دون تلقي المريض معالجة لسلس البول، ويعالج المسنون بشكل عام بالمعالجة نفسها المتوفرة للأشخاص الأصغر سنا، مع الانتباه إلى بعض المحاذير.
المعالجة السلوكية
يمكن أن يمثل تدريب عضلات قاع الحوض، والارتجاع الحيوي، والتنبيه الكهربائي، وتدريب المثانة أشكالا فعالة من المعالجات لكبار السن الملائمين والمتوجهين والذين يملكون الدافع (مؤهلين) للمشاركة في معالجة أنفسهم. أما بالنسبة للأشخاص الذين لديهم إعاقة أو ضعف أو قصور في الإدراك (اضطراب استعرافي)، فيمكن اللجوء معهم إلى التبول بالمساعدة أو تشجيع التبول – حيث يقوم الشخص الذي يرعى هؤلاء المرضى بتنبيه المريض لكي يتبول – وهذا ما يمكن أن يقي من حدوث التبول اللاإرادي ويفيد في حالة السلس.
الأدوية. توصف أدوية السلس بحذر للأشخاص المسنين بشكل عام، بسبب إمكانية حدوث تأثيرات جانبية بشكل أكبر. ويمكن لمضادات الكولين، مثل الأكسيبوتينين Oxybutynin، أن تحسن فعالية المعالجة السلوكية في حالة فرط فعالية المثانة، كما يمكن استعمالها بالمشاركة مع تدريب المثانة أو تشجيع التبول. وقد تستعمل محصرات ألفا للمساعدة على تفريغ المثانة عند الرجال الذين لديهم ضخامة في البروستات.
ولكن، قبل وصف الأدوية، يكون من الحكمة أن تخبر طبيبك عن جميع أنماط الأدوية الأخرى التي تتناولها للتأكد من أنه لا علاقة مباشرة أو غير مباشرة لهذه الأدوية مع حدوث السلس؛ فإذا كان الأمر كذلك (كان هناك أدوية تساهم في سلس البول)، يمكن أن يجري طبيبك تعديلا للتقليل من خطر حدوث السلس. وعند وصف الأدوية الجديدة، يجري البدء عادة بجرعة منخفضة ترفع تدريجيا حسب الضرورة والى الحد الكافي للتخلص من الأعراض مع بقاء الأعراض الجانبية في الحد الأدنى.
قد يكون للأدوية في بعض الأحيان تأثيرات غير مرغوب بها؛ فعلى سبيل المثال، يعاني الكثير من المصابين بفرط فعالية النافصة “العضلة المثانية الدافعة” مع اضطراب القلوصية من مثانة مفرطة الفعالية، ولكنهم يعانون أيضا من علامات احتباس البول وأعراضه؛ ويمكن أن تؤدي هذه الحالة إلى سلس البول الفيضي. كما يمكن أن تساعد الأدوية المضادة للكولين على إرخاء عضلات فرط فعالية المثانة، ولكنها يمكن أن تسبب إفراغا غير تام للمثانة واحتباسا للبول، الأمر الذي يفاقم سلس البول الفيضي.
بما أنه يمكن أن يكون للأدوية تأثيرات مختلطة، فهي تعد بشكل نموذجي شكلا ثانويا للعلاج، وتستخدم بالمشاركة مع المعالجة السلوكية عادة.
الجراحة
لا يعد التقدم بالسن، بحد ذاته، إذا كان موجودا وحده، سببا لعدم إجراء الجراحة، حيث إنه يستجيب المسنون الأصحاء للجراحة المجراة لمعالجة سلس البول بشكل جيد عادة؛ ويمكن أن يعالجوا بالطريقة نفسها التي يعالج بها الناس الأصغر سنا. ولكن، هناك خطر لحدوث مضاعفات بعد الجراحة بشكل شائع عند المسنين، مثل التجفاف والعدوى والهذيان والسقوط.
يقوم الأطباء بشكل نموذجي بإجراء تقييم كامل للسلس عند المسنين بسبب طبيعته المعقدة عندهم، وبسبب زيادة الأخطار المترافقة مع الجراحة. ويتضمن التقييم إجراء اختبار لديناميكية البول Urodynamic للتأكد من تحديد أي مسبب قابل للعلاج قبل الجراحة. وبالإضافة إلى ذلك، يستحق الأمر محاولة لتطبيق معالجة محافظة في البداية، ثم يعاد تقييم الحاجة إلى الجراحة بعدها.