يعتبر النمو مقياساً له أهميته في طب الأطفال لمراقبة النمو الجسدي الطبيعي. تشمل هذه المراقبة الدورية والدائمة عدة عوامل لها علاقة مباشرة بهذا النمو وهي: الطول، الوزن، محيط الرأس ومحيط البطن (هذا الأخير نادراً ما يراقب في طب الأطفال، إلا في حالات خاصة)، ووسيلة المراقبة تكون بواسطة رسومات خاصة ومهيأة بالنسبة إلى المعدل العام لنمو الطفل الطبيعي، وتحوي في الخط الأفقي عمر الطفل وفي الخط العامودي الطول والوزن، ما يمكن الطبيب من معرفة أكان نمو الطفل هو ضمن القياسات الطبيعية، ناقصاً أم زائداً، ما تساعد مراقبة هذا النمو على الرسم واكتشاف الفترة التي بدأ فيها الخلل من اعتماد نتائج الفحص السريري والعلامات المرضية التي بدأت، رافقت أو تلت تلك الفترة من توقف النمو.
تطور نمو الوزن
إذا اعتبرنا أن المعدل العام الطبيعي للوزن لدى الطفل المولود حديثاً، وفي أوانه (بين 38 و42 أسبوع حمل)، نجد أنه يتراوح بين 2500 و4000 غرام، أي بمعدل وسطي 3300 غرام.
ويلاحظ أطباء الأطفال من خلال مراقبتهم الشهرية لحديثي الولادة والرضع أن نمو وزنهم يمر بمرحلة سريعة في السنوات الثلاث الأولى، هم يكسبون ما بين 25 و30 غراماً بالوزن يومياً في الأشهر الثلاثة الأولى، 20 غراماً يومياً في الفترة بين 3 و6 أشهر وبين 10 و12 غراماً يومياً من عمر 6 أشهر لغاية بلوغهم 12 شهراً؛ لذا فإن الطفل يضاعف وزن ولادته في عمر 4 إلى 5 أشهر وليصبح وزنه ثلاثة أضعاف وزن الولادة وقد بلغ عامه الأول، وأربعة أضعاف في عمر السنتين إلى ثلاث سنوات.
من هنا نجد أن مراقبة الوزن تشكل عنصراً هاماً في متابعة الوضع الصحي للطفل، هو يمثل انعكاساً للنظام الغذائي المتأقلم وأي انكسار في رسم النمو يكون بمثابة علامة إنذار لحالة مرضية ينبغي أخذها في الاعتبار.
تطور نمو الطول أو القامة
يعتبر قياس 50 سم هو المعدل الوسطي للطفل المولود حديثاً، مع بعض الفروق بالنسبة للمولودة الأنثى (47 إلى 49 سم). في هذا لمجال نلاحظ أن الطول يمر بمرحلة نمو سريعة في الأشهر الثلاثة الأولى، ليستقر بطيئاً فيما بعد (55 إلى 57 سم عند اكتمال الشهر الثالث، 65 إلى 67 سم في مرحلة 8 أشهر وليصل إلى حدود 75 إلى 77 سم عند بلوغ الطفل العام الأول).
ابتداء من العام الرابع تقريباً يتجاوز طول الطفل 100 سم، ونلاحظ أن الفتيات يكسبن طولاً أسرع من الصبيان وتستمر هذه الوتيرة حتى بلوغهن سن المراهقة، وعند بلوغ الفتيات سن 17 ربيعاً يتوقف نمو القامة لديهن، بينما يواصل الصبيان هذا النمو حتى سن 19 إلى 20 عاماً.
من هنا يمكننا الاستنتاج أن تطور الطول لدى الإنسان المعاصر قد اكتسب رقماً هائلاً بالنسبة للإنسان البدائي الذي لم يتجاوز طوله 120 سم في عصور خلت، منذ آلاف السنين، ويصل طوله إلى 160 سم في العصور الوسطى؛ لنرى أنه في القرن 21 يبلغ الطول الوسطي للإنسان 176 سم ولم يعد نادراً وجود إنسان يبلغ من الطول 190 سم.
تطور نمو الدماغ من خلال مراقبة محيط الرأس
إن تطور محيط الرأس وزيادته مع الوقت، لدى الطفل حديث الولادة، يعبر عن نمو الدماغ داخل الجمجمة العظمية، هذه الأخيرة تتكون من عدة عظام تتباعد فيما بينها على شكل تعرجات ودون أن تلتحم، مفسحة في المجال للدماغ كي ينمو نموه الطبيعي داخلها، لتلتئم نهائياً عند وصول هذا الأخير إلى حجمه الطبيعي في عمر السنتين، وهذا ما يفسر من ناحية أخرى وجود يافوخين (أمامي وخلفي) على مستوى الجمجمة ويلعبان الدور نفسه فيما يخص نمو الدماغ، ويسمحان للطبيب بجسهما أولاً للمراقبة ومن ثم اكتشاف عدة أمراض عضوية أو تداعيات لعلل أو مخالطات على مستوى الدماغ.
عند الولادة يبلغ قياس محيط الرأس بين 33 إلى 35 سم، لينمو ويكبر سريعاً في الأشهر الثلاثة الأولى لنجده 42 إلى 44 سم في الشهر الخامس وثم إلى 46 سم في الشهر الثامن، يمر بعدها الدماغ في فترة نمو بطيئة ويصل إلى حدود حجمه الطبيعي (52 سم) عند بلوغ الطفل عمر السنتين.
ماذا عن قياس محيط البطن؟
يشكل هذا القياس عاملاً مهما خلال فترة الحمل، لمراقبة نمو الجنين داخل بيت الرحم، ولكن بعد الولادة لا يعتبر هذا المقياس ذا فائدة إلا في حال مراقبة بعض أمراض نذكر منها: سوء التغذية أو مراقبة واكتشاف وجود أورام داخل البطن.
ما هي أهم الأسباب التي تؤدي إلى تأخر النمو لدى الأطفال؟
يشكل تأخر النمو عند الأطفال والأولاد حالة ليست نادرة الحدوث، لاسيما عندما نعلم وجود هذا الخلل في مرحلة التكوين داخل بيت الرحم، وهذا ما يسمى بتأخر النمو داخل الرحم، ما يمثل جزءاً من كل وليس السبب الأساسي في نقص أو تأخر النمو. لذا وحين نفتش عن الأسباب المؤدية لهذا الخلل، يتوجب علينا إجراء دراسة شاملة دون التركيز على مصدر واحد إلى هذا النقص حيث تتبين لنا العوامل أو الأسباب المتعددة التي يمكن أن توصل إلى نقص النمو، وكلما كان التشخيص باكراً استطعنا التعويض عن هذا الخلل في كثير من الحالات مع الاستعانة بالتحاليل المخبرية (دم، بول..) والصور الشعاعية اللازمة (نمو العظم، الجمجمة لدراسة الغدة النخامية التي تفرز هرمون النمو، دراسة وضع الكلى…)، إلى جانب دراسة شاملة للنمو الجسدي تأخذ في الاعتبار تطور الوزن والطول ونمو الدماغ (صغر الرأس من خلال الفحص السريري لمحيطه يؤشر لضمور الدماغ داخل الجمجمة)، إلى التفتيش عن سبب وراثي خلقي وعدم الاكتفاء بالبحث عن الأسباب المكتسبة.
من هنا يمكن أن نورد الأسباب المؤدية إلى التأخر في النمو لدى الأطفال والأولاد على الشكل الآتي:
1. أسباب وراثية حيث توجد عائلات قصيرة القامة، أو أسباب تكوينية تصيب العظم على مستوى العمود الفقري؛ أو ظاهرة تورنير (Turner): خلل في الصبغيات يمكن اكتشافه باكراً في مرحلة الجنين من خلال دراسة الكروموزوم حيث تتسم هذه الظاهرة بوجود كروموزوم x واحد ويكون مجموع الصبغيات 45 زائد xo بدل التكوين الطبيعي 45 زوج من الكروموزوم وزوج آخر يحدد الجنس (xy ذكر، xx أنثى)، ما يؤدي إلى ولادة فتاة ليس لديها مبيض طبيعي إلى قصر في القامة لا يتجاوز 140 سم عند البلوغ، إلى علامات سريرية تكوينية غير طبيعية (نقص نمو يزداد تدريجاً مع مرور السنين، مسافة شاسعة بين الحاجبين، قصر الرقبة، تشوه في عظمة الساعد، ابتعاد حلمتي الثديين عن مكانهما العادي، انتفاخ في القفص الصدري، خلل في إنبات شعر الرأس، تورم لمفاوي في الأطراف وعدم نضوج الأعضاء التناسلية في فترة البلوغ ناتج في أغلب الأحيان عن خلل في تكون الغدة التناسلية الأم التي تتحول فيما بعد إلى مبيض. تؤدي هذه الظاهرة إلى ولادة طفلة كهذه بين 2500 ولادة.
2. خلل في الغدد الصماء: يأتي في المقدمة النقص في إفراز الغدة الدرقية بواسطة هرموني T3، T4 (وهو خلل يكتشف باكراً وبعد الولادة بساعات من خلال تحليل مخبري للدم بقياس نسبة TSH) نقص أو غياب إفراز هرمون النمو على مستوى الغدة النخامية الموجودة داخل الجمجمة التي تنتج هورمون النمو GH والهرمون المنظم له STH؛ ونذكر أخيراً الاضطرابات، زيادة أو نقصاناً، في إفرازات الغدة الكظرية أو ما فوق الكلية. (نشير إلى إمكانية الاطلاع تفصيلياً على وظائف هذه الغدد في مقالة الغدد الصماء ضمن هذا الكتاب).
3. أسباب غذائية وعضوية: أهمها سوء التغذية وسوء امتصاص الغذاء على مستوى الأمعاء، ويتبين ذلك من خلال الانكسار الحاد لزيادة الوزن على الرسم بعد فترة نمو طبيعي، ما ينم عن حالات: إسهال حاد، استفراغ متكرر، التهاب إنتاني متعدد الأسباب، نقص في الإمداد الغذائي (سوء تغذية، غياب الشهية لسبب نفسي، قزم نفسي…)، تجفاف مزمن.
ونورد هنا من أسباب سوء الامتصاص:
• الداء الزلاقي أو البطني Coeliac disease وهو داء يتميز بالنقص في النمو إلى جانب علامات سريرية تلفت الانتباه وتؤدي إلى التشخيص: غياب الشهية للطعام، إسهال وانتفاخ البطن، وهو ناتج عن عدم احتمال مادة بروتينية تدعى الغلوتين الموجودة بشكل أساسي في القمح (الخبز) ومواد طبيعية أخرى والكثير من المواد الغذائية المصنعة، ما يؤدي إلى ضمور وغياب الطبقة الأكثر فاعلية لامتصاص الغذاء على مستوى أغشية الأمعاء الدقيقة.
• التليف الكيسي للبنكرياس أو اللزاج المخاطي (Cystic fibrosis)، هو مرض وراثي ناتج عن خلل على مستوى الكروكوزوم 7، ويصيب الأغشية التي تبطن الغدد في الكثير من أعضاء الجسم، ما يحدث إفراطاً في إفراز مادة المخاط وخصوصاً في الجهازين التنفسي والهضمي، ناتج عن خلل في تحويل مادة الكلور ويترافق مع تأخر في النمو. علامات المرض غنية يأتي في مقدمها الإسهال المزمن ونوعية براز غير طبيعي يحوي كمية كبيرة من المواد الدهنية، انتفاخ في البطن مع احتفاظ بشهية طبيعية للطعام لا تتواءم والنقص الحاد في النمو (في الوزن أولاً ثم الطول)؛ ويتميز هذا الخلل بنقص حاد في الفيتامينات التي تحتاج المواد الدهنية لعملية امتصاصها (A، D، E، K) وهذا ما يفسر من ناحية، النقص الحاد لهذه المواد التي تذهب هدراً عبر البراز، ومن ناحية أخرى تداعيات هذا العوز على النمو.
مخالطات المرض كثيرة نذكر منها: الالتهابات المتكررة والمزمنة في الجهازين التنفسي والهضمي وعلى عدة مستويات: مرض الكساح وكسور العظم، تأخر البلوغ، فقر الدم، انسداد المصران، هبوط الشرج..؛ يتم تشخيص المرض عند الطفل المصاب بواسطة اختبار العرق الذي يظهر احتواءه على نسبة عالية من مادة الكلور.
• مرض كرون (Crohn’s disease). وهو مرض التهابي مزمن للمصران ويتمركز بخاصة عند التقاء خاتمة الأمعاء الدقيقة مع المصران الغليظ (على مستوى المصران الأعور)، ويمكن للإصابة أن تتواجد في أي مكان من الجهاز الهضمي (من الفم حتى الشرج). يتميز هذا الداء بنوبات ألم باطنية حادة مع إسهال حاد، ويمكن أن تدوم أسابيع أو أشهراً عديدة، وتترافق مع تعب عام، نقص في الوزن مع قلة شهية للأكل. وفي بعض الحالات مع خسارة كمية من الدم داخل البراز وعلى شكل نزف حاد أحياناً، أو وجود مادة مخاطية لها شكل زلال البيض. وفي حالات أخرى يظهر المرض على شكل تقيؤ واستفراغ حاد مع ارتفاع في الحرارة، أو يترافق مع أوجاع في المفاصل.
4. الأمراض المزمنة التي تعيق النمو: نذكر أهمها أمراض القلب التكوينية أو المكتسبة، أمراض الكلى، الرئتان، أشكال فقر الدم المزمن، إصابات الكبد المزمنة؛ أمراض الاستقلاب (أو الأيض) وغيرها..