التصنيفات
صحة ورعاية الطفل

أسباب سوء السلوك لدى التلميذ في المدرسة ج8

بالطبع، ثمة أسباب عديدة ومعقدة خلف سوء السلوك. وعادة، تتعدد العوامل المساهمة في الحالات التي يعاني فيها التلميذ من مشاكل سلوكية خطيرة. يعرض هذا الفصل للنواحي التي يمكن للمعلم أن يملك عليها سيطرة مباشرة أو فرصة معقولة للتأثير من خلال استراتيجيات أو مقاربات معينة.

فحين تواجه سوء السلوك طيلة الوقت أو معظمه، من الممكن أن تشعر بأنه متعمد. وحين يفسد ذلك حصتك التي أعددت لها جيدا، من الطبيعي أن تصبح دفاعيا. فتتساءل لم لا يقدر تلاميذك الجهد الذي بذلته من أجلهم؟ وتعتقد من دون شك بأن الجميع تآمر مسبقا لإفشال الحصة. إن اعتقادك بأنهم قادرون على التغلب عليك سرعان ما يتطور إلى أسلوب تدريس دفاعي. صحيح أن بعض التلاميذ يتخذون قرارا متعمدا بإساءة السلوك، إلا أن معظم أشكال سوء السلوك تنشأ عن عوامل مختلفة تماما. ستجد أفكارا عن كيفية حل بعض من أكثر هذه المسائل شيوعا.

بالطبع، يرجع الأمر في بعض المدارس إلى المزاج العام، أو فريق الإدارة غير الفعال، أو سياسة سلوكية عديمة الجدوى. في مدارس أخرى، يعود السبب إلى الوزن الذي يتمتع به عدد من التلاميذ ذوي الخلفية الصعبة أو الحاجات الخاصة الخطيرة. ولسوء الحظ، لا يمكن لمعلم الصف بمفرده إحداث تغيير كبير في تلك الحالات باستثناء بذل جهده من أجل تلاميذه. يعتمد الأمر كثيرا على مدى الضغط الذي تود تحمله، وإمكانية تحقيق تحسن في المستقبل القريب. لو وجدت بأنك تعمل في أوضاع صعبة فعلا، فإن الفصل الأخير من هذا الكتاب يشتمل على بعض النصائح حول مكافحة الإجهاد.

المدرسة والتعلم

الملل

بكل بساطة، المدرسة لا تلائم بعض الأشخاص. ولو عدت بذاكرتك إلى أيام الدراسة، ستتذكر على الأرجح أوقاتا شعرت فيها بملل قاتل. في الواقع، إن كان التلميذ قد نشأ على فكرة أن المدرسة هامة والتعلم أساسي للمستقبل، سيتمكن من تخطي شعور الضجر (في معظم الأوقات) من دون اللجوء إلى سوء السلوك. أما إن تعلم الولد بأن المدرسة فخ، مكان عليه المكوث فيه رغما عنه، فسوف يسيء التصرف على الأرجح حين يجتاحه الملل، إما لتبديد هذا الشعور أو لإضافة بعض التشويق إلى وقت الدرس. فإخراج المعلم عن طوره أو إثارة الفوضى يبدوان حتما أكثر إمتاعا للأولاد من دراسة بعض المواد الجافة والمملة.

مكافحة الملل

إن الوسيلة البديهية لمكافحة الملل هي جعل المدرسة أكثر متعة! وحين كنت معلمة متمرنة، كان لدي الوقت الكافي للتخطيط لدروس مشوقة لأثير اهتمام تلاميذي. لكن الأمور ليست بهذه السهولة بالنسبة إلى المعلمين المزاولين الذين يعانون من ضغوطات كثيرة أخرى، بما في ذلك إنهاء المنهاج وتطبيق الاستراتيجيات الحكومية. وبالتالي، سيتحتم عليهم أحيانا إعطاء دروس مملة أو وضع جدول زمني يركز كثيرا على مواضيع معينة.

هنا تصبح المسألة مسألة أولويات. إن كنت تعرف بأن تركيز تلاميذك ضعيف وأنهم يستسلمون بسهولة لإغراء المشاكسة، عليك أن تجعل قضية مكافحة الملل على رأس أولوياتك. ضع جانبا مسألة المنهاج لفترة، وأعد إثارة اهتمامهم بالتعلم. وفي ما يلي بعض المقترحات حول كيفية ذلك.

–   اجعل العمل مسليا وممتعا: إن تمكنت من جعل الأولاد ينظرون إلى الدروس على أنها تسلية أكثر منها عملا، سيكونون أقل ضجرا وتململا ومشاكسة.

–   اجعل العمل يبدو حقيقيا وذا معنى: لا يشعر بعض الأولاد بأن المدرسة مرتبطة بحياتهم اليومية. أرهم كيف أن العمل الذي يقومون به في المدرسة يرتبط بالمهن التي قد يتخذونها مستقبلا أو بمواضيع تثير اهتمامهم.

–   نوع دروسك قدر ما تستطيع: يجد بعض الأولاد السريعي الملل صعوبة في التركيز على نشاط واحد لمدة طويلة. نوع دروسك تفاديا لذلك، واستعمل كثيرا من التمارين والعمل الناشط.

–   استعمل جميع الحواس: اجعل العمل أكثر متعة من خلال النشاطات الحسية. جرب استعمال عصابات للعينين لتعطيل حاسة البصر والتركيز على الحواس الأخرى، كالشم أو الذوق أو اللمس أو السمع.

–   أعطهم مهاما قصيرة ومركزة: استعمل مع التلاميذ الضعيفي التركيز كثيرا من المهام القصيرة عوضا عن مهمة أو اثنتين تحتاجان إلى وقت أطول. أثن عليهم كلما أنجزوا مهمة أو كافئهم لتشجيعهم على بذل مجهود أكبر.

–   امنحهم استراحات لتجديد النشاط: يحتاج التلاميذ الذين يتململون من العمل الطويل إلى تجديد نشاطهم، كأخذ استراحة لخمس دقائق يثرثرون فيها. فاعتماد بعض المرونة يعطي نتائج أفضل بكثير من المعاملة الصارمة.

–   اعقد معهم صفقة: حين يحصل الصف على دروس ممتعة معظم الوقت، يتحمل عن طيب خاطر فترة ضجر عابرة. بالتالي، حين تعمل معهم على موضوع جاف، اطلب منهم تحمله مقابل بعض الدروس المسلية في المستقبل. كذلك، يمكنك أن تتفق معهم على العمل بجهد كبير لعشرين دقيقة والحصول بعدها على استراحة لخمس دقائق يثرثرون ويسترخون فيها.

قلة حوافز التعلم

ثمة فرق بين التلميذ الذي تضجره المدرسة، والتلميذ الذي تنقصه الحوافز للتعلم. فبعض الأولاد يفقدون هذا الحافز لأنهم يجدون العمل صعبا جدا، نتيجة ربما لمشكلة معينة في القدرة على التعلم. وثمة آخرون يخافون من الرسوب أو يعانون من عائق ذهني تجاه مادة معينة. لو تمكنا من جعل العمل ملائما لقدرات كل تلميذ، لنجحنا ربما في إعادة تحفيزهم. ومن التلاميذ من يفتقد إلى حوافز الدراسة لأن أحدا لم يخبرهم بأهميتها أو بأنها قد تكون مسلية.

مكافحة قلة حوافز التعلم

يشتمل هذا الكتاب على كثير من الأفكار عن كيفية جعل الدروس مسلية، ممتعة ومثيرة للاهتمام، لا سيما الفصل السابع. لو تمكنت من تحقيق ذلك، ستغير نظرة التلاميذ تجاه فكرة التعلم بأكملها، وهو إنجاز عظيم لأي معلم. إليك بعض الأفكار عن كيفية التعامل مع التلميذ أو الصف الذي يفتقد إلى الحوافز.

–   اجعل عملية التعلم في كل درس واضحة تماما عبر تحديد الأهداف في بداية الحصة.

–   اجعل أسباب التعلم بديهية جدا، ربما عبر ربط ما يحدث في الصف بعمل قد يمتهنه التلميذ في المستقبل.

–   قسم الحصة إلى مهام فردية وحدد كم يجب على التلميذ إنجازه في كل قسم.

–   امنح الأولاد مكافآت عند إتمام كل جزء من الدرس ليروا بأن التعلم يعود عليهم بالفوائد.

–   شجع الأولاد على إيجاد شركاء دراسة، أي تلاميذ آخرين يعملون معهم، يحفزونهم ويشجعونهم على إتمام العمل.

–   اكتشف أين تكمن مواهب التلميذ المفتقد إلى الحوافز (مثلا في الرسم أو الكومبيوتر)، وضمن بعض هذه النشاطات في دروسك لمنحهم شعورا بالنجاح.

–   تعود المشكلة في بعض أحيانا إلى كون العمل شديد السهولة. أدخل في هذه الحالة بعض المجالات الصعبة على التلميذ أو الصف. فغالبا ما يتجاوب الأولاد جيدا مع العمل الذي يفوق سنهم صعوبة. ووضح لهم بأنك تثق في قدرتهم على إنجاز هذا العمل الصعب المخصص للكبار بجدية.

قلة الاهتمام بالمواد

في الواقع، ثمة تلاميذ لا يهتمون على الإطلاق ببعض المواد التي يتعلمونها. فهي لا تثير اهتمامهم ولا تبدو لهم مرتبطة بحياتهم، أو أن قدراتهم الذهنية لا تحدها. من الواضح أن المدارس المتخصصة تميل حاليا إلى التركيز على الأولاد الموهوبين في مواد معينة. غير أن بعض المجالات قد عكست للأسف صورة سلبية. فمن خلال لقاءاتي مع معلمي لغات أجنبية عصرية، عرفت بأن طريقة إدراك المادة قد تسبب مشاكل في ضبط السلوك.

فمن شأن معلم الصفوف الابتدائية أن يلاحظ تراجعا في سلوك التلميذ خلال حصص القراءة أو الفنون مثلا. وبما أن هذا المعلم يراقب الولد في جميع المواد، من السهل عليه إيجاد طرق لمعالجة قلة اهتمام الولد أو ضعفه في حصة معينة. أما في الصفوف الثانوية، فإن التلميذ المنضبط تماما في دروس العلوم أو الدراما قد يكون كابوسا حقيقيا في حصص اللغة العربية، والعكس بالعكس. وقد يعتبره معلم اللغة العربية تلميذا مشاكسا فعلا، ويفاجأ لمعرفة أنه ينجح في المواد العملية.

مكافحة قلة الاهتمام بالمواد

هنا أيضا، يكمن الحل البديهي في جعل التلاميذ يهتمون أكثر بالمواد التي ينظرون إليها نظرة سلبية. فإن كنت معلما ثانويا تعمل ضمن اختصاصك، لا بد أنك مولع بمادتك. ينبغي عليك بالتالي إيجاد طرق لجعل التلاميذ يرون كم يمكن لهذه المادة أن تكون ممتعة ومشوقة. إليك بعض المقترحات في سبيل ذلك.

–   اعرف ما الذي يثير اهتمام تلاميذك فعلا، واستعمل تلك المجالات من المنهاج لتدريس مادتك. فإن كنت تدرس اللغة الفرنسية مثلا وتلاميذك مولعون بالكمبيوتر، خصص جزءا من الحصة لتصميم لوائح أو بطاقات أو دفتر مرادفات على الكمبيوتر. وإن كنت تدرس التاريخ وتلاميذك يحبون الدراما، اجعلهم يؤدون المسرحيات التاريخية وقم بنشاطات كلامية وسمعية.

–   في الصفوف الثانوية، حاول معرفة التلاميذ الصعبي المراس في مختلف المواد. تحدث مع المعلمين الباقين – أو التلميذ – لمعرفة المجالات التي يبرع فيها هؤلاء التلاميذ واهتماماتهم، وضمن شيئا منها في دروسك.

–   تحقق مما إذا كانت قلة الاهتمام الظاهرة هذه عارضا لحاجة خاصة لدى التلميذ. فبعض الأولاد الذين يعانون من صعوبة في القراءة والكتابة يحاولون إخفاءها عبر ادعاء عدم اهتمامهم بالدروس.

–   في الصفوف الابتدائية، التي يعاني فيها الصف بأكمله من مشاكل مع مادة معينة، استغل حبهم لدروس أكثر إمتاعا كطعم لجعلهم يتعاونون معك. فإن كانوا يرغبون بمكافأة النشاطات المسلية، عليهم أن يعملوا بجد في جميع المواد الأخرى.

–   نظم مشاريع على صعيد المدرسة أو القسم لمضاعفة اهتمام التلاميذ بمادة معينة. على سبيل المثال، إن كان لمادة التربية البدنية سمعة غير مستحبة في المدرسة، نظم يوما تحت عنوان امرح مع التربية البدنية لتريهم كم يمكن للمادة أن تكون ممتعة.

–   وضح الروابط بين المادة ومهن الحياة الواقعية. فإن كنت تدرس الإسبانية مثلا، وعمد أحد لاعبي كرة القدم الشهيرين إلى الانتقال إلى إسبانيا، اطلب من الصف أن يحضر له كلمة ترحيب.

التلاميذ

الحاجات الخاصة

تشكل الحاجات الخاصة عاملا هاما في سوء السلوك، ولا يقتصر ذلك على الأولاد الذين يعانون من صعوبات عاطفية أو سلوكية. فحين يناضل الولد مع العمل الموكل إليه ولا يبذل المعلم جهده لإيصاله إليه، سيجد نفسه حتما أمام مشكلة سلوكية. قبل أن تلتقي بتلاميذك للمرة الأولى، اعرف من منهم لديه حاجات خاصة ومدى تأثير تلك الحاجات عليك كمعلم. فإن كان أحد التلاميذ يعاني من صعوبة خاصة مع التعلم، في القراءة والكتابة مثلا، ينبغي عليك التعرف على تلك المشكلة وأخذها بالحسبان. لن تتجلى نتائج ذلك في حصص اللغة العربية وحسب، بل في جميع المواد. فمن السهل إساءة تفسير مشاكل التعلم ونشوء سوء السلوك الذي يمكن تجنبه بفهم مشاكل التلميذ. وثمة معلومات أكثر تفصيلا عن التعامل مع الحاجات الخاصة في الفصل التالي.

ضغط الزملاء

حين نكون ضمن مجموعة كبيرة من الأشخاص، نميل بشكل طبيعي إلى اتباع القطيع والتصرف بطريقة ما كنا لنتصرف بها بمفردنا. في الواقع، يعتبر ضغط الزملاء عاملا أساسيا في سوء السلوك لدى التلاميذ، لا سيما في الصفوف التي يرتفع فيها عدد الأولاد المشاكسين. إذ يتعرض التلاميذ إلى ضغط كبير لاتباع أصدقائهم ونيل استحسان من يعملون معهم. بالمشاكسة، يمكن لهم أن يحصلوا على دعم إيجابي كبير من زملائهم. أما إن تمكنوا من جعل الصف بأكمله يضحك على المعلم، فسيحققون مكانة عظيمة ضمن المجموعة. وفي حال امتنعوا عن اتباع القطيع، فثمة خوف من أن يعتبروا كدخلاء فيستضعفون وتساء معاملتهم. لذا من الصعب على أي كان، لا سيما الأولاد، أن يجدوا الجرأة ليقفوا في وجه الجماعة. وفي حال كانت أغلبية الصف سيئة السلوك، يحتاج التلميذ إلى إرادة قوية جدا لكي لا ينجرف مع التيار.

مكافحة ضغط الزملاء

من شأن ضبط الصف أن يكون في غاية الصعوبة إن كان معظم التلاميذ سيئي السلوك. فالتعامل مع حادثة سوء سلوك أو اثنتين ضمن مجموعة منضبطة عموما، يتم على نحو مباشر، إذ يأخذ المعلم الطلبة المشاكسين جانبا ويؤدبهم. أما إن كان الصف بأكمله يثرثر ويرفض التعاون معك، فسرعان ما سيتملكك الذعر وتبدأ بالصراخ والتصرف على نحو دفاعي وتتوتر تماما. إليك بعض الأفكار للتعامل مع المشاكل التي يسببها ضغط الزملاء.

–   عاقب الصف بكامله: أظهر لتلاميذك بأن الضغط الذي يمارسه الزملاء للتصرف على نحو معين ليس مقبولا. فأنت الذي يملك زمام السيطرة ولديك فكرة محددة عن السلوك الذي ينبغي على الصف الالتزام به. وإن كان الصف كله يتكلم ويرفض الإصغاء إليك، جرب كتابة العقاب على اللوح. عندها يجب أن يرى أحد التلاميذ الأكثر انضباطا ما كتبته ويسكت الباقين.

–   ركز على الإيجابيات: حتى وإن كان الصف كله يسيء التصرف، لا بد من وجود حفنة من الأولاد ينفذون رغباتك. ركز طاقتك وانتباهك عليهم، وأثن على سلوكهم وكافئهم. ولكن إن كانت ثقافة الاستقواء سائدة في مدرستك، احذر من تمييز هؤلاء التلاميذ أمام بقية الصف، واعمد عوضا عن ذلك إلى أخذ العناصر المنضبطة جانبا بعد انتهاء الحصة واشكرها على تعاونها.

–   أعد توزيع الأماكن: في كثير من الحالات، ثمة عدد كاف من التلاميذ المنضبطين للفصل بين المشاكسين منهم. ضع المشاغبين المحتملين قرب الأولاد الذين يصعب أن يخضعوا لتأثيرهم. وعلى الرغم من أن هؤلاء الأولاد المجتهدين قد لا يعجبهم هذا الحل، إلا أنهم سيفضلونه على عدم التعلم على الإطلاق إن كان من الممكن أن يساعدك على إعطاء الدروس بشكل أفضل.

–   اكسب رأس الأفعى إلى جانبك: في معظم المجموعات، يكون المسيطر هو تلميذ أو اثنين. ومن السهل عادة تمييز رأس الأفعى في الصف. ابذل بالتالي جهدا كبيرا لكسب ذاك التلميذ إلى جانبك، وسترى كيف أن بقية التلاميذ يتبعونه بسهولة. ولا أعني بذلك التملق لتلميذ معين، بل معرفة ما يسبب سوء سلوكه وإيجاد طرق للتعامل معه.

–   قدم لهم نموذجا بديلا: إن اتبعت النصائح الواردة في هذا الكتاب، سيدرك تلاميذك لاحقا أنه ثمة بديل. وفي النهاية، سيغلب ضغط المعلم على ضغط الزملاء، فثابر على موقفك.

قلة الانضباط الذاتي

مع تقدمنا في السن، نتعلم بأن الانضباط الذاتي هو شرط حيوي للنجاح في الحياة. قد لا نرغب بالنهوض عند الساعة السابعة كل صباح للذهاب إلى العمل، ولكن إن كنا نريد نيل مكافأة الراتب علينا التكيف مع ذلك. بعض تلاميذنا لم يتعلموا بعد مهارات الانضباط الذاتي والتركيز. وقد يعود السبب إلى نشوئهم في بيئة لا تعلم أو تقدر تلك المهارات.

في الواقع، قد يكون من الصعب على الأولاد القليلي الانضباط الامتثال لأنظمة المدرسة. على سبيل المثال، إن اصطحبتهم إلى قاعة رياضية مفتوحة أو ملعب واسع في حصة التربية البدنية، فهم ربما لم يسبق لهم أن تواجدوا في مكان بهذا الاتساع. وليس من المستغرب أن يبدأوا بالركض لاختبار الحدود الجديدة التي يواجهونها.

مكافحة قلة الانضباط الذاتي

نحن بحاجة إلى تدريب تلاميذنا على فن الانضباط الذاتي لكي يتصرفوا حسب رغبتنا. ولا يمكن الفصل بين الانضباط الذاتي والتركيز، وجميع المعلمين يدركون أهمية التركيز بالنسبة إلى التعليم الناجح. وبصفتي معلمة دراما، فإن التركيز هو واحد من عدد من المهارات الأساسية التي أعلمها لتلاميذي. في ما يلي بعض التمارين التي أستعملها في نيل ذلك والتي يمكنك تكييفها مع سن تلاميذك ومادة اختصاصك. من شأن تمارين التركيز هذه أن تهدئ الصف في بداية الحصة. وإلا فيمكنك إنهاء الحصة أو اليوم المدرسي بأحد تلك التمارين لكي يغادر التلاميذ بحالة ذهنية مرتاحة. وتمارين التركيز هي تمارين تأمل، وتقوم أساسا على التركيز على شيء واحد لمدة من الوقت، وإبعاد آلاف الأمور التي تشتت الانتباه في المدرسة.

–   الإصغاء: اطلب من الأولاد إغماض أعينهم والاستماع جيدا إلى الأصوات المحيطة بهم داخل الصف وفي الرواق. عليهم الإصغاء لدقيقة أو اثنتين. وحين ينتهي الوقت ويفتحون أعينهم، اسألهم عما سمعوه.

–   العد: اطلب منهم إغماض أعينهم والعد عكسيا من الخمسين إلى الصفر. وعند الانتهاء عليهم أن يفتحوا أعينهم وينتظروا بدء الدرس.

–   التهجئة العكسية: اطلب منهم إغماض أعينهم وتهجئة بعض الكلمات عكسيا في أذهانهم. على سبيل المثال، أسماؤهم الكاملة أو مفردات أساسية من الدرس.

–   التماثيل: اطلب منهم الجلوس بشكل مريح والسكون تماما لمدة من الوقت (ابدأ بدقيقة أو اثنتين وضاعف المدة تدريجيا). يمكنك أن تحول التمرين إلى اختبار، وتتحدى تلاميذك لكي يتحسنوا مرة بعد مرة. من المثير للعجب كم يتحمس التلاميذ من جميع الأعمار للقيام بهذا التمرين.

المعلم

يساهم بعض المعلمين، وربما كلهم، في سوء تصرف تلاميذهم، وإن عن غير قصد بالطبع. ولو عدت بالذاكرة إلى أيام الدراسة، ستتذكر بعض المعلمين الذين أساء معظم التلاميذ التصرف معهم. فكر مليا بأسباب ذلك وما إذا كنت ترتكب الأخطاء نفسها التي ارتكبها معلموك.

من خلال اتباع الملاحظات في هذا الكتاب، قد تتمكن من تجنب التشجيع على سوء السلوك في أكثر الأوقات. وفي ما يلي لائحة بالكبائر التي ينبغي عليك تجنبها مهما كلف الأمر. اسأل نفسك: أي من هذه الأخطاء أميل إلى ارتكابها؟ ولو أبقيت هذه الفكرة في ذهنك، قد تتمكن من ضبط نفسك بالجرم المشهود وتجنب المشاكل لاحقا.

الكبائر

–   لا تنهك التلاميذ: هل تعطي صفك الكثير من النشاطات المتعبة في محاولة لإبقائهم منشغلين؟ هل تنتهي معظم دروسك في حالة من الفوضى وأنت مرهق تماما؟ تذكر بأن السر يكمن في الحفاظ على الهدوء، وهذا يشمل إبقاء تلاميذك هادئين هم أيضا.

–   لا تكن غامضا ومترددا: هل تشعر أحيانا بأن تلاميذك يسيطرون على الوضع أكثر منك؟ حينما يبدو المعلم بأنه يسلم زمام الأمور إلى الصف، وبأنه غير أكيد مما يريده فعلا، لا يتردد التلاميذ عندها بتجاوز الحدود.

–   لا تكن فظا: هل تخاطب تلاميذك بفظاظة؟ أتستعمل عبارات مثل اخرس أو لا تكن غبيا؟ إن تلاميذك بشر هم أيضا. بالتالي، تكلم معهم كما تفعل مع شخص بالغ، مهما بالغوا في استفزازك.

–   لا تغالي في ردة فعلك: هل يتأذى شعورك بسهولة فائقة وتتفاعل مع أقل سوء سلوك على أنه إهانة تجاه التمدن؟ لا تنس أن تلاميذك ليسوا سوى أولاد، ومن الطبيعي جدا حدوث شيء من الفوضى في صفك.

–   لا تكن ميالا للمواجهة: هل تثور على تلاميذك حين يسيئون التصرف، وتتعارك معهم لفرض إرادتك؟ أعلم في الواقع مدى سهولة الاستجابات العنيفة، إلا أن من شأن ذلك أن يشجع على المواجهات التي قد تنتهي بالعنف الجسدي.

–   لا تكن سيئ المزاج: تخيل الجلوس في صف أمام معلم سيئ المزاج على الدوام. يأتي كل يوم، يتذمر، يئن ويشتكي من أبسط الأشياء. وأنت مجبر على الجلوس والتحمل. أعتقد أنني سأسيء التصرف عندها؛ ألن تفعل أنت؟

–   لا تكن سلبيا: هل تقول عند لقاء صفك: “أرجو ألا تسيئوا التصرف بقدر ما فعلتم في المرة السابقة”؟ في هذه الحالة، أنت ترتكب خطيئة السلبية. تذكر: ضع كل ما تقوله في إطار إيجابي.

–   لا تكن مملا: هل فقدت بريقك، أي الجزء الصغير الذي جعلك حيا كمعلم؟ كن صريحا، هل تجد دروسك مملة نوعا ما وفيها كثير من التركيز على إتمام أوراق التحضير؟ في تلك الحالة، سيشاغب التلاميذ كيلا يستغرقوا في النوم.

كيف يتغير التلاميذ

يحاول التلاميذ في أول سنة لهم، وفي أية مدرسة كانوا التعرف على محيطهم، ومعرفة تصميم الأبنية، وطريقة سير المدرسة الابتدائية، المتوسطة أو الثانوية التي يتعلمون فيها. هذا النقص في معرفة أنظمة المدرسة يجعلهم أكثر طواعية بحيث تستطيع قولبتهم تبعا لطريقة تفكيرك، تصرفك وعملك. لكن، حين يبلغون السنة الدراسية الأخيرة في المدرسة، يكونون قد وصلوا إلى أعلى السلم. ونظرا إلى ارتفاع منزلتهم، سيبدأون على الأرجح باختبار الحدود، ويتزايد احتمال وقوع حوادث سوء السلوك.

إن الوصف التالي للتلاميذ من مختلف الأعمار في حياتهم المدرسية هو عبارة عن دليل موجز وعام لبعض العوامل التي قد تؤثر على تصرفاتهم. فمن المحتمل أن ننسى في بعض الأحيان ما يعني أن نكون صغارا في السن؛ أن نواجه مدرسة جديدة للمرة الأولى، أو الإرباك الحاصل من التغيرات التي تطرأ على أجسادنا وأحاسيسنا عند مرورنا بمرحلة المراهقة. لذلك فإن العودة إلى تلك الأوقات من ماضيك ستساعدك على فهم تلاميذك بشكل أفضل.

تلميذ المرحلة الابتدائية

عندما يبدأ الأولاد بارتياد المدرسة، يكونون صغارا جدا. فتراهم مأخوذين تماما بمحيطهم الجديد، وبكل الأشياء المختلفة التي ينبغي عليهم اكتشافها. ولعل هذا اللقاء هو الأطول بينهم وبين أناس ناضجين غير أهلهم أو مربيهم، ومن شأن المدرسة أن تكون مكانا مربكا ومخيفا لهم. لا عجب بالتالي أن يشاكسوا أحيانا. ففي محاولة لمعرفة السلوك المقبول في هذا الوضع الغريب والجديد، يتصرف الأولاد بطريقة غير مستحبة. إن هؤلاء الأولاد الصغار يدخلون بيئة يتوقع منهم فيها القيام بكثير من الأشياء الجديدة عليهم. وربما لم يسبق لبعضهم أن اختبر أشكال السلوك التي يطلبها المعلم، كالجلوس ساكنين على السجادة أو التركيز على تمرين معين لفترة مطولة من الزمن.

إضافة إلى إيجاد المكان الجديد غريبا ومربكا، لا يملك الأولاد في هذه السن فكرة كبيرة عما يفكر ويشعر به الآخرون، كما أن مقدرتهم على التأكيد محدودة. ولا يكتشفون إلا حين يكبرون، بأن تصرفاتهم السيئة قد تزعج الآخرين، كبارا أو صغارا. فحين مارست التعليم لأول مرة في مدرسة ابتدائية، تفاجأت بالقليل الذي يعرفه الأولاد في هذه السن. حاولت إعطاء درس جغرافيا مستعملة كرة أرضية، لكن صفي أثبت جهله التام بالعالم المحيط به. فمعرفتهم بالأماكن حتى تلك المرحلة اقتصرت على الصعيد المحلي، وهو واقع كنت أجهله. تذكر بالتالي أن المدرسة تقدم للتلاميذ الصغار مكانا غريبا ومختلفا ليتعلموا عنه.

تلميذ المدرسة المتوسطة

إن الانتقال من المدرسة الابتدائية إلى المدرسة المتوسطة هو أسهل في بعض النواحي من الانتقال من المدرسة المتوسطة إلى الثانوية. في الواقع، يبقى كثير من الأولاد في المدرسة نفسها طوال دراستهم الابتدائية. وفي هذه المرحلة، يملك التلاميذ معلما واحدا لجميع الدروس أو معظمها، وهذا ما يعطيهم الإحساس بالاستمرارية. ولكن، إن لم ينسجموا مع ذاك المعلم، فلا مفر من وقوع المشاكل. إذ يبدأ الأولاد في هذه السن بتخطي الحواجز المفروضة من قبل الكبار، ويحاولون أن يختبروا بدقة إلى أي مدى يستطيعون الذهاب في ذلك. وبما أن سن البلوغ تنخفض على نحو متزايد، يواجه معلمو المرحلة الثانوية العديد من المسائل المتعلقة بهذه التغيرات الجسدية والبيوكيميائية لدى تلاميذهم.

في المرحلة المتوسطة تبدأ أجساد الأولاد بالنمو، كما أن البعض ينمو أسرع من غيره. ومن السهل علينا أن نعتقد أن التلميذ الضخم الجثة يتمتع أيضا بالنضج الذهني والاجتماعي، وأن نتوقع منه سلوكا أفضل. غير أنه لا ينبغي علينا أن نملك توقعات ذات نمط واحد من أولادنا استنادا إلى مظهرهم الخارجي.

تلميذ المرحلة الثانوية

تفرض المرحلة الثانوية كثيرا من التحديات على الشباب. إذ ليس عليهم أن يتأقلموا مع محيط مختلف كليا وحسب، بل هم ينتقلون أيضا إلى سن المراهقة، وهي فترة تشتمل على كثير من التغيرات الجسدية، الذهنية والعاطفية. تكون المدارس الثانوية عادة أكبر بكثير من الابتدائية أو المتوسطة، من حيث الحجم وعدد التلاميذ، مما يجعل من السهل على الأولاد الضياع في مثل هذا المحيط. إضافة إلى ذلك، وقبل بلوغ المرحلة الثانوية، يكون لدى التلاميذ كثير من الأفكار المسبقة حول استقواء زملائهم الأكبر سنا، وأشياء رهيبة أخرى قد يجدونها.

لن يكون على التلاميذ التعامل مع كل هذا وحسب، بل سينتقلون فجأة من معلم واحد للمنهاج كله، إلى معلم مختلف لكل مادة. كما سيتحتم عليهم في بعض المدارس الانتقال من غرفة إلى أخرى بحسب موادهم المختلفة. وبما أن معلمي المرحلة الثانوية يتعاملون مع عدد كبير من التلاميذ، لن يجدوا فرصة كبيرة لمعرفة كل تلميذ على حدة، أو لفهم الحاجات التعليمية لكل منهم.

تأليف سو كولي