سوف نلقي نظرة على الأسس التي تشكل القواعد الأساسية لضبط السلوك. إنها التقنيات الجوهرية التي يجب أن تصبح حدسية إن كنت ترغب بأن يشجع أسلوبك التعليمي دوما على السلوك الحسن. أما معظم ما يلي ذلك فهو من قبيل الحس العام، ويقوم على إنتاج علاقة جيدة مع التلاميذ. ولكن من السهل جدا أن تغيب هذه المقاربات البديهية عن ذهن المعلم حين يجد نفسه أمام ثلاثين متمردا صغيرا.
إن كنت معلما متمرسا، فأنت تستعمل على الأرجح هذه الاستراتيجيات على نحو آلي بحيث أصبحت جزءا لا واعيا من أسلوبك التعليمي. أما إن كنت تواجه بعض المشاكل (ربما في مدرسة جديدة أو مع صف مشاغب على نحو خاص)، فقد ترغب بإلقاء نظرة على الأفكار المطروحة أدناه لمعرفة ما إذا كان ثمة خطب بالفعل.
إن كنت معلما متدربا أو جديدا في المهنة، ستعطيك الأسس ركيزة جيدة لتبدأ منها سعيك لكي تصبح معلما عظيما. وآمل أن أتمكن من إظهار كيفية تطبيق نظرية ضبط السلوك التي تعلمتها أثناء الدراسة على أرض الواقع. وتنطلق هذه الأسس من أفكار جمعتها من تجاربي الشخصية في التدريس ومن مراقبتي لمعلمين آخرين في عملهم، وهي:
كن واضحا “أنا أعرف ماذا أريد”.
كن مدركا “أنا أعرف ماذا سيحدث إن حصلت/لم أحصل على ما أريد”.
كن هادئا وثابتا على مبادئك “أنا مهذب وعادل تجاهكم دوما”.
أعطهم نظاما “أنا أعرف أين نتجه”.
كن إيجابيا “أنتم تبلون بلاء حسنا”.
كن مهتما “أنتم لستم تلاميذا فحسب، بل أنتم أناس أيضا”.
كن مرنا “أعرف متى ألين لكي لا أنكسر”.
كن مثابرا “أرفض الاستسلام”.
كن واضحا
“أنا أعرف ماذا أريد”.
أن نكون واضحين في طريقة تعليمنا يعني معرفة ما نتوقعه من تلاميذنا. إذ يبدو بأن التلاميذ يكشفون غريزيا هشاشة وتردد معلميهم، شأنهم في ذلك شأن الحيوانات المفترسة التي تستشعر ضعف طريدتها. وإدراك المعلم لما يريده بالضبط، يتيح له نشر جو من الثقة في الصف. عليك معرفة ما تريده تماما من تلاميذك من اللحظة الأولى التي تدخل فيها إلى الصف، فلا تتيح لهم مجالا للنقاش أو تعطيهم فرصة لتجاوز حدودهم. وإذا أساءوا التصرف فيجب معالجة هذا بمستوى مناسب من الدهشة والاستغراب. أمن الممكن أن يكون انطباعك عن كونهم أولادا منضبطين للغاية ويتمتعون بقدرات هائلة هو انطباعا خاطئا؟
حالما تحدد ما تريده في صفك، احرص على إطلاع تلاميذك عليه. عندها فقط يمكنهم محاولة فعل ما تريده منهم. كذلك احرص على أخذ قراراتك قبل إعطاء درسك الأول لتجنب أي شك من قبلك (فهذا أحد الأسباب التي تجعل ضبط السلوك أسهل مع الخبرة، إذ تكون قد اتخذت هذه القرارات المهمة في السنوات السابقة).
حين تبدأ بالتدريس للمرة الأولى، قد تميل إلى تأدية دور الصديق عوضا عن دور صاحب السلطة لاعتقادك بأنه من غير العادل إصدار الأوامر للتلاميذ. غير أن صغار السن يحتاجون في الواقع إلى الشعور بثقة البالغين في حياتهم. فهم يريدونهم أن يرسموا ويعززوا الحدود التي تعطيهم الشعور بالأمان. وهذا ما يحدث تحديدا مع التلاميذ الذين يصعب التعامل معهم، والذين يفتقدون إلى التماسك في حياتهم المنزلية، فيضعون كل البالغين الذين يلتقون بهم تحت المجهر لكي يرصدوا ردات أفعالهم.
بالطبع في بعض الحالات، وعلى الرغم من جهودك، يرفض التلاميذ الاستجابة لتوقعاتك مما قد يدفعك إلى الاستسلام وقول: “حسنا. مهما يكن”. والسماح للتلاميذ بالتصرف على هواهم. لكن حفاظك على مستوى التعليم ورفضك التخلي عن توقعاتك هما مفتاح النجاح كمعلم على المدى البعيد.
إذا، ما الذي يجب أن تكون واضحا فيه بالضبط؟ إن سياسة مدرستك السلوكية ستعطيك التوجه العام بخصوص التصرفات غير المقبولة: كمضغ العلكة، استعمال الهاتف النقال، إطلاق الشتائم، الأماكن التي يمنع التواجد فيها. كما يجب أن تعطيك قواعد التصرف أو بعض أنظمة الصف التي يمكن استعمالها لتحديد التصرفات المقبولة. أما توقعاتي الشخصية الثلاثة فهي:
■ “أتوقع أن تكونوا هادئين تماما عندما أتكلم أو عندما يتوجه أحدهم بالحديث إلى الصف”. إن تحقيق هذا التوقع أمر أساسي جدا في عملنا كمدرسين.
■ “أتوقع منكم الاحترام في كل الأوقات”. هذه طريقة مفيدة لتحديد طريقة تعامل تلاميذك معك، ومع بعضهم بعضا، ومع نفسهم ومع محيطهم.
■ “أتوقع أن تعطوا أفضل ما لديكم”. هذا يعطي توقعا عن العمل الجاد، آخذا بعين الاعتبار قدرات التلاميذ المختلفة.
بالإضافة إلى ذلك، من المفيد أن تكون محددا حول جميع أوجه السلوك في حصصك. فإن لم تعطهم تفاصيل دقيقة عما تريده، سيكون على الأولاد اكتشافه بأنفسهم (ربما عبر الفوضى إلى أن تحدد ما تريده بالضبط). في ما يلي بعض الأسئلة التي قد ترغب بالاطلاع عليها، والتي تغطي مجموعة من المسائل السلوكية في الصف. وكما سيتبين لك، ثمة مجموعة واسعة ومنوعة يمكن الاختبار منها، وفقا لما تفضله ولنوع المدرسة التي تعمل فيها.
1. كيف يجب أن يدخل التلاميذ إلى الصف؟ هل عليهم مثلا:
– الاصطفاف بهدوء في الخارج إلى حين وصول المعلم؟
– التجمع بهدوء في الخارج وانتظار المعلم ليدعوهم إلى الدخول؟
– الدخول إلى الصف بمجرد وصولهم إذا كان المعلم في الصف؟
2. ماذا يفعل التلاميذ عندما يصبحون داخل غرفة الصف؟ هل:
– يذهبون ليقفوا خلف مقاعدهم منتظرين الإشارة لهم بالجلوس؟
– يجلسون وينتظرون بصمت تأكد المعلم من الحضور، من دون أن يحضروا أغراضهم؟
– يجلسون ويحضرون أغراضهم منتظرين بدء الدرس؟
– في صفوف الحضانة والصفوف التمهيدية، هل يأخذون كتابا ويجلسون على الأرض مكتوفي الأيدي؟
– يحضرون كل ما يلزمهم ويبدأون بالعمل مباشرة؟
3. كيف سيبدأ الدرس؟
– بتسجيل الحضور؟
– بجمع الفروض المنزلية؟
– من خلال تمرين تمهيدي مكتوب على اللوح أو على ورقة أمامهم؟
– بتلخيص الدرس السابق؟
– بشرح أهداف الدرس الجديد؟
4. كيف سيقومون بعملهم؟
– بصمت تام طيلة الوقت؟
– بمحادثة هادئة مع الشخص الجالس قربهم؟
– بالتحدث إن كان العمل يشتمل على مناقشة؟
– بالتكلم كما يريدون من دون قيود؟
– بصمت لبعض الوقت ومن ثم يأخذون استراحة للتحدث؟
5. كيف ستنتهي الحصة؟
– بصرف التلاميذ في مجموعات؟
– بوقوفهم خلف مقاعدهم انتظارا لصرفهم؟
– بخروج التلاميذ عند قرع الجرس؟
كن مدركا
“أنا أعرف ماذا سيحدث إن حصلت/لم أحصل على ما أريد”.
في معظم – أو على الأقل بعض – الأحيان، سيرضي تلاميذك توقعاتك. وحين يحدث ذلك، لا تكتفي بإطلاق تنهيدة راحة صامتة وتطمئن بأن هذا الأمر سيستمر، بل عبر عن رضاك علنا وكافئهم على حسن سلوكهم لتضمن استمراره. ومن أفضل المكافآت، التي تدفع التلاميذ على احترام المعلم، هو الثناء المفصل والمحدد والسخي. (هذا رائع أيها التلاميذ، كل منكم كان يصغي جيدا اليوم. أنا مسرور منكم جميعا).
بالطبع، عليك أن تعرف ما يجب فعله حين تسوء الأمور، وهذا ما سيحدث حتما في بعض الأحيان. فحين يواجه المعلمون معدلا منخفضا من سوء السلوك، تكون ردات أفعالهم الغريزية هي اللجوء إلى القصاص مباشرة. درب نفسك عوضا عن ذلك على البحث عن الأشياء الجيدة وأبرز أمثلة السلوك الحسن. (هذا ممتاز يا طارق، أنت تنتظر بدء الدرس بصمت. لا شك بأنك تريد أخذ الاستراحة في وقتها).
مع ذلك، من البديهي أن يكون القصاص ضروريا في بعض الأحيان، حين يستدعي سوء السلوك عقابا فوريا. في هذه الحالات، عليك أن تدرك تماما الخيارات المتوفرة لديك. يجب أن تكون أنت وتلاميذك على السواء مدركين للأمر التالي: السلوك كذا سيؤدي إلى القصاص كذا في كل مرة. فكما هو الأمر بالنسبة إلى توقعاتك، من الأهمية بمكان أن تشرح للتلاميذ العلاقة الدقيقة بين سوء التصرف والعقوبة التي سيتلقونها إن استمروا به. فبهذه الطريقة، تضع الخيار بين أيديهم: إن فهموا القواعد والعقوبات، فإن احترامها أو عدمه يعود إليهم.
وإن حاول أحد التلاميذ تحدي توقعاتك، حاول اتخاذ الخطوات التالية:
■ كن محددا حيال ما تريده والتزم بطلباتك.
■ حافظ على هدوئك وتهذيبك أثناء المواجهة.
■ عبر عن توقعاتك بوضوح.
■ وضح سوء التفاهم إن وجد.
■ اشرح كيف أن سلوك التلميذ لا يرضي توقعاتك.
■ اشرح ما سيحدث إن استمر التلميذ بتحديك.
■ ارفض الابتعاد عن النقطة الأساسية (حين يحاول أحد الأولاد مثلا إلقاء اللوم على زميله).
■ لا تجعل القصاص يبدو شخصيا، بل وضح بأن التلميذ يجبرك على معاقبته وأن موقفك منه ليس شخصيا.
■ حاول أن تبدو حزينا أو خائب الأمل بسبب اضطرارك إلى فرض العقاب (فقد كنت تتوقع أن التلميذ قادر على التصرف أفضل من ذلك بكثير).
■ نفذ العقاب عند الضرورة.
■ عند الإمكان، أعط التلميذ فرصة تغيير موقفه عبر توفير مخرج.
إليك مثال على ذلك.
يصل جهاد إلى صف الدراما ويدخل من دون خلع حذائه. وكانت المعلمة قد سبق ووضعت قاعدة تنص على خلع الأحذية قبل دخول الغرفة.
المعلمة: جهاد، اخرج مجددا من فضلك، واخلع حذاءك.
جهاد: لا أستطيع، يا آنسة.
المعلمة: لدينا قاعدة في صف الدراما تنص على خلع الأحذية.
جهاد: ولكنني لويت كاحلي. أنا حقا عاجز عن خلعه.
المعلمة: هل لديك تقرير بخصوص كاحلك؟
جهاد: كلا.
المعلمة: إذا اخرج مجددا لو سمحت واخلع حذاءك.
جهاد: كلا، لن أفعل.
المعلمة: جهاد، أخشى أنك لو لم تخلع حذاءك ستجبرني على حجزك.
جهاد: هذا غير عادل.
المعلمة: جهاد، اخرج مجددا واخلع حذاءك وعندها لن أضطر لحجزك.
جهاد: كلا، لن أخلع حذائي.
المعلمة: إذا، أخشى أنك تجبرني على احتجازك لخمس دقائق بعد انتهاء الحصة.
جهاد: آه، أرجوك لا تفعلي، يا آنسة.
المعلمة: أتعرف ماذا؟ اخرج واخلع حذاءك الآن فورا، وأحسن التصرف خلال الحصة، وسأتمكن على الأرجح من نسيان أمر ذاك الحجز. حسنا؟
جهاد: حسنا إذا.
لنظهر الآن كيف كانت المواجهة لتحدث لو أن المعلمة خالفت التعليمات. فلنعد عرض المشهد…
المعلمة: جهاد، اخرج مجددا واخلع حذاءك.
جهاد: لا أستطيع، يا آنسة.
المعلمة: ماذا تعني، لا أستطيع؟ بالطبع تستطيع.
جهاد: ولكنني لويت كاحلي. أنا حقا عاجز عن خلعه.
المعلمة: لا تكن أحمق.
جهاد: لا تنعتيني بالأحمق.
المعلمة: اسمع، اخرج واخلع حذاءك. الآن!
جهاد: كلا، لن أفعل.
المعلمة: إذا أنت محتجز معي بعد المدرسة.
جهاد: هذا غير عادل. لن أحضر. افعلي ما يحلو لك!
كن هادئا وثابتا على مبادئك
“أنا مهذب وعادل تجاهكم دوما”.
جميعنا يرحب بالهدوء والثبات، فنحن نحب أن نعرف ماذا نتوقع من الناس في حياتنا، ويزعجنا أن نحصل على ردة فعل غير متوقعة. وبالنسبة إلى بعض التلاميذ السيئي السلوك، تلك هي المشكلة التي يواجهونها في منزلهم؛ فهم لا يعرفون ما ستكون ردة الفعل على تصرفهم (الحسن أو السيئ). وواجبنا المهني يحتم علينا أن نكون نموذجا للسلوك وردات الفعل التي تتسم بالهدوء والثبات والاحترام.
في الواقع، ليس من السهل على المعلم أن يكون عادلا ومهذبا طيلة الوقت؛ فالحفاظ على الهدوء أمام سوء التصرف أمر في غاية الصعوبة. هذا بسبب استجابة المواجهة أو الهرب. إذ يهاجم التلميذ أو الصف المعلم من خلال الفوضى. فيشعر المعلم بدفعة من الأدرينالين التي تجتاح جسده وتحثه على القتال. وإلا، يود المعلم الهرب من هذا الوضع. بالطبع، أي من هذين الحلين ليس خيارا بالنسبة إلينا؛ لا يمكننا رد الهجوم ولا الهرب.
على الرغم من صعوبة ذلك، إلا أنك لو حافظت على هدوئك وثباتك دائما، سيقل احتمال المواجهات الجدية. كما أنك ستتجنب التوتر غير الضروري. وتنص القاعدة الذهبية على التعامل مع الأولاد كما كنت لتتعامل مع شخص راشد، لو كنت تعمل في مكتب مثلا، مهما كان تصرفه سيئا تجاهك.
فالأولاد حساسون جدا تجاه فكرة العدل. وغالبا ما يتذمر التلاميذ لكونهم يعاملون بشكل مختلف على نحو ظالم، وأنهم ما إن يسيئوا التصرف مرة حتى يصبحوا هدفا للقصاص مرة تلو المرة. ولو أردنا أن نكون صادقين، من الطبيعي أن نحب تلاميذا معينين أكثر من غيرهم. ولكن السر بالطبع يكمن في معاملة جميع التلاميذ على أساس المساواة على الرغم من مشاعرنا الشخصية تجاههم.
في المدرسة الثانوية، يعتبر الثبات قاعدة أساسية بالنسبة إلى كبار المعلمين والإداريين، وهذا صحيح. فحين يطبق كافة الموظفين الأنظمة والمكافآت والعقوبات التي تنص عليها المدرسة، على نحو ثابت جدا، يجد التلاميذ أنفسهم أمام مجموعة واحدة من المعايير. ولكن، إن كان السلوك كذا مسموحا مع أحد المعلمين وممنوعا مع آخر، سيشعر التلاميذ بالإرباك حيال الحدود التي يجب عليهم احترامها. بالطبع، من الطبيعي أن يلين المعلم أحيانا ويكيف الأنظمة بما يناسب أسلوبه أو الحالات التي يواجهها. ولكن لا تنس بأن الثبات هو في الواقع أكثر الطرق عدالة بالنسبة إلى تلاميذك.
أعطهم نظاما
“أنا أعرف إلى أين نتجه”.
من الطبيعي أن نحاول وضع نظام في حياتنا؛ نموذج يومي يعطينا شعورا بالأمان والطمأنينة. بالنسبة إلى التلاميذ الذين يصعب تعليمهم في مدارسنا، فإن هذا النظام هو ما يفتقدون إليه في عالمهم. فربما لم يضع لهم أهلهم أو أوصياؤهم حدودا، أو أنهم يتعاملون بطرق مختلفة مع أنماط سوء السلوك نفسها. بالتالي، تشكل المدارس ملاذا بالنسبة إلى هؤلاء، ويجدون فيها أشخاصا راشدين يعطونهم إرشادات مناسبة وثابتة عن ماهية السلوك الحسن الفعلية.
في الواقع، ثمة طرق عديدة يمكن من خلالها للمعلمين أن يضعوا نظاما لتلاميذهم: من خلال وضوح محتوى الدرس، تنظيم غرفة الصف، والوسائل المستخدمة لضبط السلوك. ما إن يتكون لديك نظام واضح في ذهنك، سينعكس هذا الوضوح في الصف من خلال المستوى المرتفع للإدراك والثقة. بالإضافة إلى ذلك، أوضح لتلاميذك بدقة في كل مرحلة، كيف ولماذا تستعمل هذا النظام أو ذاك.
وإن تمكنت من بلوغ حس بالهدف والوضوح والنظام، سيكون لذلك عدد من الفوائد الهامة:
■ يعرف تلاميذك ما يتوقعونه حين يحضرون دروسك.
■ إن أرضيت توقعاتهم في كل مرة يقابلونك فيها، سيبدأون بالنظر إليك كسمة ثابتة في حياتهم.
■ هذا الحس بالاستقرار سيضاعف ثقتهم بك ويحسن علاقتكم.
■ سيبدأون بالتطلع إلى تمضية الوقت معك.
■ يصبح من الممكن أكثر التوقع بسلوكهم والسيطرة عليه.
■ ستتكرر نماذج السلوك الحسن بسبب البيئة المنظمة التي تحيطهم بها.
■ لاحقا، يتحول هذا السلوك إلى عادة أو إلى ردة فعل غريزية لا تحتاج تقريبا إلى توجيه من قبل المعلم.
■ يأخذ التلاميذ بتكرار تلك النماذج آليا، وأحيانا في غياب المعلم (على سبيل المثال، الاصطفاف في الخارج والانتظار إن اضطررت للتأخر عن الحصة).
■ يبدأ المعلم باستعمال إشارات سريعة أو غير فعلية للتعبير عن رغباته للتلاميذ (مثل إشارة يدوية في نهاية الدرس للطلب من التلاميذ الوقوف خلف مقاعدهم).
إليك بعض نواحي التعليم التي يمكن تنظيمها، وبعض الأمثلة عن المقاربات التي يمكن استعمالها:
■ طريقة بدء الدروس: يكون التلاميذ مصطفين في الخارج، المعلم يدون الحضور، الصف يقوم بنشاط قبل بداية الدرس.
■ أين يجلس التلاميذ: في صفوف أو مجموعات، وفقا لخطة جلوس.
■ ماذا يحدث خلال الدرس: مزيج من النشاطات المنوعة، كثير من الدروس العملية، البدء باختبار ذهني.
■ كيف يتم استعمال الموارد والمعدات: يحضر التلاميذ كتبهم/معداتهم بأنفسهم، ثمة أولاد معينون يوزعون الكتب، المعدات محفوظة في مكان معين من الغرفة، يتم ترتيب الموارد من قبل متطوعين.
■ السلوك المتوقع أثناء العمل: التلاميذ يعملون بهدوء، يلازمون مقاعدهم، يرفعون أيديهم لطرح الأسئلة أو للإجابة عنها.
■ طريقة انتهاء الدروس: إعطاء فرض منزلي، وقوف التلاميذ خلف مقاعدهم، الجلوس بصمت لبضع لحظات فيما يلخص المعلم الدرس، لعبة قصيرة.
كن إيجابيا
“أنتم تبلون بلاء حسنا!”
جميع المعلمين يعرفون هذه القاعدة، شدد على الناحية الإيجابية. وبصراحة، يبدو الأمر أحيانا وكأننا نمطر التلاميذ بالإطراءات على أي شيء لكي نكسبهم في صفنا. ولكن هذا الأمر خاطئ. فلو خفضنا مستوى توقعاتنا، سيسعى التلاميذ إلى بلوغ هذا المستوى. أما إن كانت مستوياتنا أعلى وتوقعنا منهم أمورا عظيمة، سيتعلمون أن يكافحوا لأجل مصلحتهم. والإيجابية لا تعني إطراء التلاميذ وحسب، بل امتلاك نظرة استشرافية إيجابية خلال الوقت الذي تمضيه معهم. فالاستخدام التمييزي للإطراء والقدرة على البقاء إيجابيا على الدوام يساعدانك كثيرا في السيطرة على السلوك. كما يجب أن يجعلك ذلك أقل عرضة للتوتر والانفعالات السلبية.
وفي ما يلي بعض النصائح حول كيفية البقاء إيجابيا مع تلاميذك:
■ رحب دوما بصفك بتوقع إيجابي، مثل: “أعرف بأنكم ستقومون اليوم بعمل رائع”.
■ توقع من تلاميذك الأفضل عوضا عن استباق الأسوأ.
■ أحط كل ما تقوله بإطار إيجابي.
■ حاول أن تتجنب توجيه الاتهامات أو الانتقادات إليهم.
■ حاول عدم استعمال السخرية مهما أغراك الأمر، فهو من أدنى أشكال الذكاء ومن شأنه أن يؤذي الأولاد أو يربكهم.
■ تعامل مع سوء السلوك عبر اقتراح بديل إيجابي.
■ استعمل إطراء الأفراد لتشجيع الصف كله.
■ استعمل المكافأة عوضا عن العقاب قدر الإمكان.
■ ضع أهدافا على الدوام لتعرض على تلاميذك طرقا إيجابية للتحسن.
■ انظر إلى إتمام الهدف كفرصة لتقديم مكافأة.
في ما يلي مثالان على الحالة نفسها، معلمة تدعو التلاميذ إلى غرفة الصف، لإظهار الفرق بين المقاربة الإيجابية والمقاربة السلبية.
المقاربة السلبية
“هيا أسرعوا، لم أنتم بطيئون بهذا الشكل؟ هيا، هيا، لدينا أعمال كثيرة علينا إنهاؤها ولن نتمكن من ذلك إن كنتم بهذا البطء. ما خطبكم؟ لم تصدرون كل هذا الضجيج؟”
أعرف معنى أن تكون مدرسا لصف كهذا، يميل إلى إساءة التصرف! لقد انتقد الأولاد على الفور لكونهم بطيئين. بعدها تنتج المعلمة شعورا سلبيا حول العمل الذي سيقومون به، عبر إلقاء اللوم على الأولاد لعدم القدرة على إتمامه. أخيرا، تستعمل سؤالين سلبيين للإيحاء بأن الأولاد هم دوما بهذا السوء. وبابتداء الدرس بهذا الإطار السلبي في الذهن، ستتحقق توقعات المعلمة.
المقاربة الإيجابية
“حسنا، هل لكم بالدخول جميعا بأسرع ما يمكن؟ فقد أحضرت لكم بعض الأشياء المثيرة حقا اليوم، وعلينا أن نبدأ على الفور لكي ننهيها جميعها. مستوى الضجة ممتاز، أحسنتم. لنرى الآن ما إذا كنتم تستطيعون أن تكونوا أكثر هدوءا أيضا”.
في هذا المثال، تخبر المعلمة تلاميذها كيف تريدهم أن يدخلوا غرفة الصف. بعد ذلك تضع لهم هدفا وتقرنه بعنصر التشويق حين ذكرت بعض الأشياء “المثيرة حقا” التي خططت لها. أخيرا، هنأتهم على قلة الضجيج ولكنها تحدتهم ليكونوا أكثر هدوءا. إن ابتدأت الحصة بهذه الطريقة، فإن جوا إيجابيا سيسود على الأرجح.
كن مهتما
“أنتم لستم تلاميذا فحسب، بل أنتم أناس أيضا”.
في جوهره، يكمن ضبط السلوك في العلاقات الجيدة بين المعلم والتلميذ. ففي النهاية، أنت دخلت سلك التعليم – جزئيا على الأقل – لأنك تحب العمل مع الأولاد أو الشباب. وإن احترمك التلاميذ وشعروا بأنك تحترمهم، سينتج ذلك حتما سلوكا أفضل في صفك. وأهم جزء في بناء هذا الاحترام هو الاهتمام بما يجعل التلاميذ يعملون؛ الاهتمام بما يجعلهم بارزين كأفراد إضافة إلى كونهم مجرد تلاميذ يعبرون نظامك التعليمي الصغير.
في الواقع، إن الاهتمام بالتلاميذ يساعد بشكل خاص إن كان المعلم يواجه مشاكل سلوكية. فإن أخذ التلاميذ يشاغبون لأنهم يجدون موضوع الدرس مملا، قد يساعد تضمين الدروس بعض العناصر المتعلقة بآخر صرعات الألعاب. (أظن بأن قلة من معلمي الرياضيات استعملوا لعبة السودوكو كوسيلة لإثارة اهتمام تلاميذهم). ولو أزعجك أحد التلاميذ، فإن الاهتمام بما قد يحفز ذلك التلميذ من شأنه أن يساعدك على وضع نظام مكافأة مناسب.
وفي ما يلي بعض الاقتراحات لإقامة علاقات أفضل مع تلاميذك:
■ اسألهم عن اهتماماتهم: في لقائك الأول مع الصف، خصص بعض الوقت لمعرفة المزيد عن اهتمامات التلاميذ، هواياتهم، ما يحبونه وما يكرهونه.
■ انخرط في نشاطات خارج إطار الدراسة: إن أمكنك توفير الوقت، شارك التلاميذ بنشاطات خارج اليوم المدرسي العادي. فهي تتيح لك فرصة عظيمة للتعرف على بعض التلاميذ بشكل أفضل، كما تعطيهم فكرة عنك كشخص فضلا عن كونك معلما. وعلى الرغم من أن هذه النشاطات تستهلك الوقت، إلا أن تجربتي أثبتت بأنها تستحق الجهد المبذول لأجلها.
■ ابق مطلعا على كل جديد: وهذا لا يعني المشاركة في آخر البدع الجنونية أو مشاهدة البرامج التلفزيونية التافهة أو قراءة آخر روايات هاري بوتر أو الاستماع إلى أحدث الأغاني. لكن إن أمكنك إظهار اهتمام عابر بالثقافة العصرية، سيمكنك ذلك من دخول جانب أساسي في حياة تلاميذك.
كن مرنا
“أعرف متى ألين لكي لا أنكسر”.
ثمة أوقات تحتاج فيها كمعلم إلى تعلم الانحناء بعض الشيء وذلك لمصلحة تلاميذك ومصلحتك على حد سواء. في الواقع، إن إقامة توازن بين هذه المرونة وبين اليقين والوضوح والثبات التي سبق ذكرها هو من أصعب مهارات التدريس التي يجب اكتسابها. ففي بعض الأحيان فقط، تحتاج إلى الاسترخاء وتقبل بأنك لن تتمكن من إنهاء كل العمل الذي أعددته. مع هذا الهامش الصغير من المرونة عند اللزوم، سيتضاعف احترام تلاميذك لك كإنسان وكمعلم على حد سواء.
فالمرونة تعني الميل إلى إيجاد سبل أكثر إبداعا وتشويقا لحل المشاكل المحتملة. فعوضا عن مواجهة مسألة ما بتصلب ورفض الليونة أو التكيف مع ظرف معين، لا تتردد في اتخاذ موقف جانبي إن كان سيعطي نتيجة أفضل. فالمرونة في التفكير وفي طريقة التعليم هي التي تساعدك على ضبط سلوك تلاميذك. على سبيل المثال، لنفترض بأن لديك صفا يشاغب دوما في نهاية يوم الخميس، بسبب التعب من جهة، ولأنهم محصورون في غرفة صغيرة لا يمكنهم مغادرتها قبل انتهاء الحصة من جهة أخرى. في هذه الحالة، قد تتصدى لهم وتفرض عليهم الكثير من العقوبات لتفسد في نهاية الأمر علاقتك بهؤلاء التلاميذ. إلا أنه بإمكانك أيضا أن تصطحبهم إلى القاعة أو الملعب لإعطاء دروس عملية عوضا عن الأعمال الخطية.
في الحقيقة، تتعلق المرونة كثيرا بالذوق الشخصي والظروف الفردية، وبمعرفة الوقت المناسب للجوء إلى التسوية. ففي بعض المدارس، يتجاوب التلاميذ كثيرا مع المعلم الذي يعرف متى يلين قليلا في مناسبات معينة، وفي مدارس أخرى، يرى التلاميذ في أي بوادر مرونة إشارة للمباشرة ببذل أقصى جهودهم. أما في الظروف الصعبة على نحو خاص، والتي يشكل سوء السلوك فيها مسألة معقدة ومتجذرة، فإن إظهار أدنى درجة من المرونة لا يترك لديك سوى حفنة صغيرة من التلاميذ لتعليمهم فعليا. في ما يلي بعض الأفكار عن كيفية إبداء المرونة لتلاميذك والوقت المناسب لذلك:
■ مع الصف: إن كان صفك ليس في مزاج للعمل بعد ظهيرة أيام الجمعة، لن يمكنك إتمام الكثير من العمل ما لم تبد بعض المرونة. تقبل فكرة كون هذه المسألة خارجة عن سيطرتك. اسع إلى تحقيق كمية معقولة من العمل مع التلاميذ، تفاوض معهم على الأهداف، وتحدث معهم عن مدى كونك عادلا. كثير من المعلمين الجدد قد يلجأون عوضا عن ذلك إلى استعمال هذا الوقت كمكافأة باعتباره آخر درس في الأسبوع لمساعدتهم على ضبط سلوك التلاميذ في الدروس الأخرى.
■ مع العمل: في مناسبات نادرة، إن كان السبب وجيها لعدم كون التلاميذ في مزاج يسمح لهم بالعمل، قد ترغب عندها بالتوصل إلى تسوية. إن تمكن التلاميذ من إتمام جزء معين من العمل، ستسمح لهم بالثرثرة بصوت منخفض لبضع دقائق في نهاية الحصة مكافأة لهم.
■ مع الفرد: بعض التلاميذ لا يريدون المجيء إلى المدرسة بكل بساطة، فهي تبدو بعيدة كل البعد عن حياتهم. في هذه الحالة، حاول إحداث توازن. ضع أهدافا صغيرة ويمكن تحقيقها، ولكن لا تجهد نفسك إن قرر أحد التلاميذ عدم المشاركة على الإطلاق. إن كان أحد المشاغبين في مواجهة دائمة معك، لا سيما عند استعمال القصاص، حاول التراجع لفترة لكي يسترح كل منكما.
كن مثابرا
“أرفض الاستسلام”.
إن الأفكار التي أقترحها ليست تركيبة سحرية تضمن النجاح الفوري. فما من شيء كهذا حين يتعلق الأمر بالتعامل مع سوء السلوك، لأنك تتعامل مع الطبيعة البشرية المعقدة. وحتى لو عمدت إلى تطبيق جميع النصائح الواردة هنا، ستظل تعاني من مشاكل سلوكية مع تلاميذك، على الأقل في البداية. هنا يأتي دور المثابرة. لا تتخل عن الاستراتيجيات لأن مفعولها لا يظهر على الفور. بل كلما عملت على مهارات ضبط السلوك، ستصبح معلما أفضل وأكثر فاعلية.
في بعض المدارس الصعبة، التي يعتبر ضبط السلوك فيها كفاحا مستمرا، قد تمر عليك أيام تشعر فيها بالرغبة بالاستسلام. وقد يغريك فعلا التخلي عن توقعاتك الأساسية لمجرد أنك لا تعرف من أين تبدأ بسبب كثرة الفوضى. ولكن حالما يدرك التلميذ أنك تفكر بالتالي، “تكلموا وأنا أتكلم، لا أهتم”، أو “لا يهمني إن لم تحترموني”، عندها أنت تعلن استسلامك فعليا.
أحيانا، قد تواجه صفا أشبه بالكابوس. صفا يضم لسبب ما عددا كبيرا من المشاغبين. في هذه الحالة، قد تجد أنه من الصعب عليك الاستمرار بمكافحة سوء السلوك والإصرار على عدم التنازل. استمر بالمحاولة على الرغم من ذلك، وسهل عليك الأمور قليلا كلما أمكن.
قد تلاحظ بأن جهودك تذهب أدراج الرياح أمام بعض التلاميذ، مهما بذلت من المحاولات. لا تنس في هذه الحالة بأن بعض الأولاد يعيشون حياة رهيبة خارج جدران المدرسة. وقد تكون الشخص الراشد الوحيد الذي يمكنهم تنفيس طاقاتهم أمامه من دون خوف. حاول بالتالي قدر الإمكان عدم التخلي عن التلميذ الذي يثير أعصابك دوما، وتعلم أن تتقبل عجزك عن تغيير العالم.
تأليف سو كولي