إن “الأعراض الأولية” هي مفهوم جديد نسبيًّا في الطب، أتاح فرصة تسويق جديدة لكبرى الشركات المصنعة للأدوية، وزاد بدرجة ضخمة من عدد الأشخاص الذين يتعاطون العقاقير، ويعتمد تشخيص الأعراض الأولية على النتائج غير الطبيعية للاختبارات الطبية التي يُفترض أنها تتنبأ بالتطور المستقبلي للحالات الصحية الخطيرة ما لم يتم بدء علاجها – بالأدوية طبعًا. ويتعاطى العديد من الأشخاص الآن العقاقير الموصوفة لعلاج حالة ما قبل ارتفاع ضغط الدم، ومقدمات السكري، وقلة النسيج العظمي (وهو المصطلح الجديد لوصف “حالة ما قبل هشاشة العظام”)؛ لكن ما مدى صحة هذه التشخيصات وافتراض أن هذه الأعراض الأولية سوف تتطور لا محالة دون التدخل الدوائي؟
أعراض أولية شائعة تعالج بالأدوية
قد يصاب مرضى قلة النسيج العظمي بخسارة إضافية في العظام، فتتطور حالتهم، ويصابون بهشاشة العظام، وهي حالة مرضية فعلية تتسم بقلة الكثافة العظمية بدرجة كبيرة؛ أي انحراف معياري بمقدار 2.5 تحت المعدل لدى البالغين الشباب، ويعاني مرضى هشاشة العظام الذين يفوق عددهم ال 10 ملايين أمريكي من العظام الهشة المعرضة للكسور، التي تؤدي إلى الشعور بآلام معيقة، وبنية منكمشة، وخطر التعرض للوفاة في سن مبكرة.
وتُعرف كل من قلة النسيج العظمي وهشاشة العظام بكثافة الكتلة العظمية، التي تشير إلى المحتوى المعدني للعظام، لكن تعرض العظام الفعلي للكسر لا يحدد عن طريق المحتوى المعدني وحده، بل أيضًا عن طريق قوة وليونة العظام وعوامل أخرى. وهناك قياس آخر ذو صلة، وهو أداة تقييم مخاطر الكسور واختصاره بالإنجليزية FRAX (shef .ac.uk/frax) الذي ابتكرته منظمة الصحة العالمية لقياس معامل خطر تعرض الفرد للكسر خلال عشر سنوات، وبالإضافة إلى كثافة الكتلة العظمية، يأخذ هذا المقياس في الاعتبار أيضًا العمر، والجنس، والوزن، والتاريخ الأسري مع المرض، والتدخين، وتعاطي الكحول، والعقاقير، وما إن كانت هناك كسور سابقة، وغيرها من الحالات الصحية.
وعلى عكس مرضى هشاشة العظام، عادة ما يشير تقييم مرضى قلة النسيج العظمي عن طريق أداة تقييم مخاطر الكسور إلى وجود نسبة ضئيلة من خطر الكسور لديهم، وعدم وجود دليل على خسارة العظم، وعلى الرغم من ذلك فهم غالبًا ما يتعاطون أدوية قوية ذات آثار جانبية خطيرة محتملة، فلماذا؟ هذا سؤال جيد، خاصة في ظل وجود بدائل أخرى أكثر أمانًا وفاعلية.
ولا تعتبر قلة النسيج العظمي حالة متفردة في ذلك.
يشيع استخدام الأدوية القوية بوصفها علاجًا أوليًّا لعدد من الأعراض الأولية الأخرى، وتتضمن القائمة حالة ما قبل ارتفاع ضغط الدم، وهي حالة من فرط ضغط الدم الحدي يشخَّص بها الآن ثلث البالغين في الولايات المتحدة، وكثيرًا ما يتم علاجه في البداية بالعقاقير الخافضة لضغط الدم، وحالة مقدمات السكري، التي يشخَّص بها 79 مليون مواطن أمريكي؛ نظرًا إلى ارتفاع مستوى سكر الدم لديهم على المستوى الطبيعي، على الرغم من أنه لا يكون بالارتفاع الذي يكون عليه حال الإصابة بداء السكري، وكذلك حالات القصور المعرفي الطفيفة – كحالة ما قبل ألزهايمر – أصبحت الآن سببًا للعلاج الدوائي، ولهذا يتعين علينا السؤال مرة أخرى: هل نفرط في تعاطي العقاقير الطبية؟
للإجابة عن هذا السؤال، دعنا نلقِ نظرة متفحصة على الأدوية المستخدمة في علاج قلة النسيج العظمي.
علاج قلة النسيج العظمي بالبيسفوسفونات
يُوصف العديد من العقاقير لعلاج قلة الكثافة العظمية والوقاية من هشاشة العظام، وتعتبر البيسفوسفونات علاجًا أوليًّا فعالًا بعيدًا عن العقاقير التي تشيع التوصية بها لعلاج هذه الحالة، ومن بين الأدوية الأخرى الحاصلة على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية مغيرات مستقبلات الإستروجين الانتقائية وكذلك الإستروجين نفسه.
تم تخليق البيسفوسفونات للمرة الأولى في السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر؛ عندما درس العلماء أحدها – إتيدرونيت (ديدرونيل) – لمعرفة ما إن كان سيمنع تكون الجير على الأسنان، إذ كانت هذه المادة تستخدم في البداية لتصنيع المنسوجات، ومعالجة الماء، ومنع تكون رواسب الكالسيوم في شبكات المياه؛ لكن لم ينتشر استخدامها بوصفها أدوية طبية حتى ستينيات القرن العشرين، وبينما لم تستخدم البيسفوسفونات قط على نطاق واسع لهذا الغرض، سرعان ما اكتشفت إمكانية استخدامها لأغراض أخرى؛ إذ أوضحت الأبحاث كون البيسفوسفونات فعالة في علاج عدد من أمراض العظام، وبدأ استخدامها علاجًا لداء باجيت، والورم النخاعي المتعدد، وسرطانات النقائل العظمية. وفي منتصف ثمانينيات القرن العشرين، تم اختبار البيسفوسفونات بوصفها علاجًا لهشاشة العظام لدى النساء اللاتي انقطع عنهن الطمث، ووُجد أنها تزيد من كثافة العظام، وتقلل من خطر الكسور لدى هذه الحالات، ومع تطوير المزيد من البيسفوسفونات، توسع نطاق استخدامها ليشمل مرضى هشاشة العظام من الرجال، ومرضى ارتفاع مستوى الكالسيوم في الدم، وأولئك الذين يتعاطون عقاقير كورتيكوستيرويدية لترقيق العظام، واليوم أصبحت هذه الأدوية تعطى للأطفال ذوي الاضطرابات الهيكلية الوراثية مثل اضطراب تكون العظم الناقص.
إن العامل المشترك بين هذه الحالات كلها هو فرط تكسر العظام؛ حيث تحتوي عظامنا على خلايا متخصصة تدعى الخلايا بانية العظم، وهي التي تبني العظام الجديدة، كما تحتوي على خلايا أخرى تدعى الخلايا الناقضة للعظم، وهي التي تكسر العظام القديمة وتعيد ارتشافها لتُشكل أخرى جديدة. وكي يتمتع المرء بعظام مثالية؛ لا بد من أن يكون هناك توازن بين عمل الخلايا البانية للعظم والخلايا الناقضة للعظم، وقد كشفت عقود من البحث أن البيسفوسفونات تعمل في الجسم عمل الأدوية التي تبطئ نقض العظام، ولدى مرضى فرط ارتشاف العظام، فإنها تعمل على تثبيط عمل الخلايا الناقضة للعظم عن طريق الالتصاق بمواضع الغشاء على العظمة؛ فعندما يحاول الجسم تكسير عظمة تحتوي على الدواء، تنساب البيسفوسفونات منها، وتعوق قدرة الخلايا الناقضة للعظم على مواصلة ارتشاف العظمة.
توصف البيسفوسفونات الآن بشكل مكثف باعتبارها علاجًا أوليًّا لقلة النسيج العظمي وهشاشة العظام، وقد ثبتت قدرة دواءي أليندرونيت (فوزاماكس) وريسيدرونيت (أكتونيل) – عند تعاطيهما عن طريق الفم يوميًّا، أو أسبوعيًّا، أو شهريًّا – على تقليل كسور الأرداف والعمود الفقري في دراسات عديدة، وعلى النقيض ثبت أن دواء آيباندرونيت (بونيفا)، عندما يتم تعاطيه عن طريق الفم يوميًّا أو شهريًّا، أو يؤخذ وريديًّا كل ثلاثة أشهر، يقلل من كسور العمود الفقري وحده، ومن بين أدوية البيسفوسفونات الأخرى دواء زوليدرونيك أسيد (زوميتا) الذي يؤخذ وريديًّا من سنة إلى سنتين للوقاية من كسور الأرداف والعمود الفقري. وتتراوح التكلفة ما بين 600 و 2400 دولار سنويًّا للعقاقير التي تؤخذ عن طريق الفم، وما بين 1000 و 2000 دولار للعقاقير التي تؤخذ وريديًّا.
مشكلة البيسفوسفونات
تعتبر الآثار الجانبية لهذه الأدوية مشكلة كبيرة؛ فكثيرًا ما تتكرر إصابة متعاطي الأنواع الفموية من البيسفوسفونات بمشكلات الجهاز الهضمي، مثل الغثيان، وآلام البطن، وعسر الهضم، وحرقة المعدة، والتهاب المريء أو تقرحاته. ولتجنب الآثار السلبية لهذه الأدوية ينبغي تناولها مع كوب كامل من الماء على معدة خاوية، ولا يجوز للمريض الاستلقاء أو تناول أي شيء آخر طيلة ثلاثين دقيقة، وأحيانًا ما تعطى هذه الأدوية فمويًّا أسبوعيًّا أو شهريًّا، أو في شكل حقن وريدية للمساعدة على تقليل احتمالية الإصابة بهذه المشكلات. ومن بين الآثار الجانبية المحتملة الأخرى لهذه الأدوية انخفاض مستوى الكالسيوم في الدم، وأمراض الكلى، وتشوش الرؤية أو آلام العيون، وقد تحدث آلام العظام أو العضلات دون أن تتلاشى في الغالب، وبالإضافة إلى ذلك، يصاب بعض المرضى بأعراض مشابهة لأعراض الحمى ونزلات البرد عدة أيام بعد تعاطي البيسفوسفونات وريديًّا، كما ارتبطت هذه الأدوية بزيادة محتملة في خطر الإصابة بسرطان المريء والرجفان الأذيني، وهو حالة من اضطراب ضربات القلب.
ومن بين ردود الفعل السلبية العديدة لهذه الأدوية إصابة عظام الفخذين بكسور غير عادية، نعم هذا صحيح: يمكن للبيسفوسفونات أن تسبب الكسور نفسها التي يفترض بها منع الإصابة بها؛ لكن كيف يحدث هذا؟ لقد أوضحت الدراسات أن الاستخدام طويل المدى للعلاج بالبيسفوسفونات يمكن أن يؤدي إلى قلة تكون العظم، وتكون ” العظام المتجمدة”. وفي المعتاد، يرتبط تكون العظام في الجسم بارتشاف العظام؛ لذلك فإن ما يقلل من ارتشاف العظم، أيًّا كان، يمكن أيضًا أن يؤدي إلى تثبيط تكوّن العظم، وهذا هو عمل البيسفوسفونات: فهي تقلل من ارتشاف العظم لكن في الوقت نفسه تقلل من تكوُّن العظام بوصف هذا أثرًا جانبيًّا، ولا يعود بإمكان العظمة إصلاح نفسها تلقائيًّا بطريقة سليمة، وتصبح تالفة وضعيفة، مع زيادة قابليتها للإصابة بالهشاشة، وارتفاع احتمالية خطر التكسر. وعادة ما تجري هذه الكسور بشكل أفقي على امتداد عظام الفخذين في مناطق العظام القشرية السميكة (أي القشرة الخارجية للعظمة)؛ وهي سمة تميز الكسور التي تحدث بفعل استخدام البيسفوسفونات، ولا توجد في أي نوع آخر من أنواع الكسور، وقد يتأخر التعافي من هذه الكسور غير النمطية، أو لا يحدث على الإطلاق، وكثيرًا ما يتطلب الأمر علاجًا جراحيًّا.
يمكن أيضًا أن يؤدي سيناريو ” العظام المتجمدة” المذكور سابقًا إلى حالة مخيفة حقًّا: تعفن عظام الفك، حيث يبدأ جزء من عظام الفك في التحلل – وما يتلو ذلك من آلام وتورم واحتمالية الإصابة بعدوى وتكسّر عظام الفك. وتميل هذه المشكلات العنيدة إلى مقاومة العلاج، وبينما ينخفض معدل إصابة متعاطي البيسفوسفونات عن طريق الفم بهذه المضاعفات المدمرة، يمكن أن تصيب هذه المضاعفات 10 % من مرضى السرطان الذين يتم علاجهم فترة مطولة بجرعات وريدية عالية من البيسفوسفونات. ومن بين العوامل الأخرى التي تزيد من خطر إصابة الفك بالنخر أمراض الأسنان، وقلع السن، والعلاج بالزراعة، وأطقم الأسنان غير الملائمة، والعقاقير الكورتيكوستيرويدية، والتدخين.
وفي ضوء هذه الآثار الجانبية الخطيرة المحتملة، يوصي العديد من السلطات بتقليص مدة العلاج بالبيسفوسفونات على أن تتراوح ما بين ثلاث وخمس سنوات كحد أقصى. وبالنسبة إلى أي ممن يتعاطون البيسفوسفونات، من المهم أخذ الحذر من التفاعلات الدوائية؛ إذ يمكن للبيسفوسفونات أن تتفاعل سلبيًّا مع الكثير من العقاقير الموصوفة، والفيتامينات المتعددة، والمكملات التي تحتوي على الكالسيوم، أو الماغنسيوم، أو الحديد، بالإضافة إلى الكثير من الأطعمة والمشروبات.
أخيرًا؛ لمفهوم “العدد اللازم للعلاج” دلالته؛ فهو يشير إلى العدد اللازم من المرضى لتلقي العلاج مدة محددة لتحقيق نتيجة معينة، وعند مقارنة استراتيجيات الوقاية من الكسور، كان عدد مرضى هشاشة العظام ممن هم في حاجة إلى تلقي العلاج مدة ثلاث سنوات للوقاية من الإصابة بكسر واحد في الأرداف هو خمسة وأربعين مريضًا لفيتامين D ، وثمانية وأربعين مريضًا لرانيلات السترونتيوم، وواحدًا وتسعين مريضًا للبيسفوسفونات، ويعني العدد الأقل علاجًا أكثر فاعلية، ولعلاج حالة قلة النسيج العظمي التمهيدية بالبيسفوسفونات، فإن العدد اللازم لعلاجه يعد مرتفعًا جدًّا؛ ما يعني أن هذه الأدوية ليست فعالة للغاية.
مستحضرات دوائية أخرى لعلاج قلة النسيج العظمي
إضافة إلى البيسفوسفونات، هناك القليل من الأنواع الأخرى التي توصف لعلاج حالة قلة النسيج العظمي؛ فمغيرات مستقبل الإستروجين الانتقائية تقلل من خطر الإصابة بكسور العمود الفقري، لكنها لا تفعل الأمر نفسه بالنسبة إلى كسور الأرداف. وللدواء الأكثر استخدامًا من بين أدوية هذا الصنف دواء رالوكسيفين (إيفيستا) الذي يؤخذ عن طريق الفم آثار شبه هرمونية تقلل من خسارة العظام، كما أن له فائدة إضافية، وهي تقليل خطر إصابة النساء بسرطان الثدي. وتتضمن آثاره الجانبية الشعور بهبات ساخنة، والجلطات الدموية، وزيادة خطر الإصابة بالسكتات الدماغية. وتعد تكلفة العلاج بالدواء رالوكسيفين مساوية للعلاج بأدوية البيسفوسفونات. أيضًا يوصف الهرمون الأنثوي الإستروجين طيلة سنوات عديدة للوقاية من الإصابة بهشاشة العظام، وبينما يقلل الإستروجين من احتمالية الإصابة بكسور الأرداف والعمود الفقري، توصل بحث أجرته مبادرة الصحة النسائية إلى أن أضرار هذا الهرمون – وبخاصة الخطر المتزايد للإصابة بالجلطات الدموية والسكتات الدماغية – تفوق فوائده، ونتيجة ذلك لا يصف العديد من الأطباء الإستروجين بمفرده لعلاج قلة النسيج العظمي، بل ربما يستخدمونه فقط إن كانت السيدة تعاني أعراضًا إضافية من أعراض انقطاع الطمث، كالشعور بالهبات الساخنة. وعندما ينصح باستخدام الهرمونات، فإن استخدام مستحضرات البدائل الحيوية على الجلد (تلك المستحضرات التي لها التركيب الكيميائي نفسه الذي للهرمونات التي يفرزها الجسم) قد يسبب آثارًا جانبية أقل، وأخطارًا أقل من التي يسببها الإستروجين.
منهجيات الطب التكاملي لعلاج قلة النسيج العظمي
نظرًا إلى أن حالة قلة النسيج العظمي تسبق الإصابة بالمرض الحقيقي، وقد لا تؤدي إلى المزيد من خسارة العظام؛ لا يلجأ الأطباء المتدربون على ممارسة الطب التكاملي بشكل تلقائي إلى الأدوية في بداية الحالة؛ إذ إن هناك عددًا من الخيارات – من بينها تغيير نمط الحياة وتناول المكملات الغذائية – التي تعتبر أداة فعالة في الوقاية من تفاقم الحالة، وصولًا إلى الإصابة بهشاشة العظام.
ويعتبر اتباع نظام غذائي متزن أمرًا أساسيًّا فيما يتعلق بتجنب خسارة العظام؛ لذا تناول من أربع إلى خمس وجبات من الخضراوات، ومن ثلاث إلى أربع حصص من الفاكهة كل يوم؛ حيث تزخر المزروعات بالعناصر الغذائية المعززة والمقوية للعظام مثل الكالسيوم، والماغنسيوم، والبوتاسيوم، وفيتامينات B ، وC ، وK . كذلك تحتاج عظامك إلى كمية مناسبة من البروتين للقوة والسلامة الهيكلية، ويمكنك أن تستمد البروتين من مزيج المصادر الحيوانية كالدواجن، والبيض، ومنتجات الألبان، والأسماك، واللحوم الحمراء، بالإضافة إلى مصادر الخضراوات، مثل الأطعمة التي تحتوي على الصويا، والبقوليات، والمكسرات، والبذور، والحبوب الكاملة، وتتمتع الأطعمة المعدة من حبوب الصويا الكاملة بتأثير إيجابي معروف على كثافة العظام.
ويعتبر الكالسيوم من الأملاح المعدنية المهمة لصحة العظام؛ لذلك يمكن لتدني مستوياته التعجيل بخسارة العظام. فحاول أن تستمد ما تحتاج إليه من الكالسيوم من الطعام إن أمكن؛ ولعل أفضل المصادر هي منتجات الألبان، والخضراوات الورقية، والأعشاب البحرية، والأسماك المعلبة غير المخلية، والمكسرات، والبذور، والبقوليات. واستشر طبيبك قبل تعاطي المكملات الغذائية، وتعتبر سترات الكالسيوم هي النوع الأفضل امتصاصًا خاصة لدى كبار السن، ومن تفرز معدتهم كمًّا ضئيلًا من الحمض، أو من يتعاطون أدوية تثبيط إفراز الحمض، وينبغي أن يكون مستوى فيتامين D في الدم مثاليًّا من أجل أن يتم امتصاص الكالسيوم الغذائي والانتفاع منه بالشكل الأمثل.
ولا تنسَ أمر الماغنسيوم؛ إذ يعتبر هذا النوع من الأملاح المعدنية مكونًا أساسيًّا للعظام، وعلى الرغم من ذلك لا يحصل الكثير من الناس على القدر الكافي منه، أيضًا تلعب الأملاح المعدنية النادرة مثل البورون، والزنك، والمنجنيز، والسيلينيوم، والسيليكون دورًا محوريًّا في صحة العظام، ويمكنك الحصول عليها عن طريق تناول الخضراوات الورقية، والحبوب الكاملة، والمكسرات، والبذور، والبقوليات، وكذلك عن طريق تعاطي المكملات. وتشير الأبحاث إلى أن العنصر النادر السترونشيوم يحفز تكوين العظام، وإلى كونه فعالًا في الوقاية من خسارة العظام. وقد تم الربط بين أكثر أشكاله خضوعًا للدراسة وهو رانيلات السترونشيوم، وزيادة طفيفة في خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. ولا يتوافر هذا الشكل منه في الولايات المتحدة؛ لكن هناك أشكالًا أخرى منه متوافرة، على الرغم من أنها لم تخضع للبحث فيما يتعلق بمدى أمانها وكفاءتها.
وكثيرًا ما تتدنى مستويات العديد من الفيتامينات لدى من يعانون قلة النسيج العظمي، ويساعد فيتامين C الموجود في الليمون والطماطم على تصنيع بروتين الكولاجين الذي يوفر إطار العمل للعظام، وقد وثقت الكثير من الدراسات أن الدور الأساسي الذي يقوم به فيتامين D يرتبط بصحة العظام، ولا بد من حصول الجسم على الكميات المناسبة منه لامتصاص الكالسيوم عبر جدار الأمعاء. وتساعد المغذيات الدقيقة أيضًا على الوقاية من ذلك لدى كبار السن شريطة ألا يتم الإفراط في تناولها بجرعات كبيرة. ويعتبر اختبار الدم هو الطريقة المثلى لفحص مستوى فيتامين D لديك، فإن كان به قصور، فاسأل طبيبك ما إن كنت بحاجة إلى مكمل فيتامين D3 ، المعروف أيضًا باسم كوليكالسيفيرول، كذلك يمكن للتعرض للشمس دون واقٍ شمسي مدة خمس عشرة دقيقة يوميًّا أن يمدك ببعض من الكوليكالسيفيرول. ويوجه فيتامين K2 (ميناكينون) الكالسيوم ليبتعد عن شرايينك ويستقر في داخل عظامك، وبينما تنتج ميكروباتنا المعوية بعضًا من فيتامين K2 ، يقل معدل هذا الإنتاج مع تقدمنا في العمر، ولعل أفضل المصادر للحصول على هذا الفيتامين هي منتجات الألبان المخمرة، ومنتجات حبوب الصويا الكاملة، وكذلك المكملات الغذائية.
إضافة إلى التغذية الجيدة، تحتاج عظامك إلى النشاط البدني؛ فقد كشفت الأبحاث أن تمرينات تحمل الوزن، مثل المشي، فعَّالة في زيادة كثافة عظام الأرداف والعمود الفقري، كذلك تحفِّز تمرينات المقاومة، مثل رفع الأوزان أو ألعاب الجمباز، بناء العظام، أيضًا يمكن لإزالة مصادر المخاطر في المنزل وممارسة أنشطة التوازن، مثل التاي تشي، أو اليوجا، أو ببساطة الوقوف على قدم واحدة التقليل من خطر السقوط.
بالإضافة إلى ذلك، انتبه إلى السموم التي تتسبب في تآكل عظامك في المنزل والبيئة المحيطة، ويعتبر تدخين التبغ هو الجاني الأول بين هذه السموم؛ فلو كنت مدخنًا، ناقش طبيبك بشأن كيفية الإقلاع عن التدخين. أيضًا يعتبر تناول الكحول مضرًّا جدًّا بصحة العظام؛ إذ يعاني مدمنو الكحول جراء زيادة خطر الإصابة بالكسور الناتجة عن هشاشة العظام، وتعتبر مشروبات الكافيين تحديًا آخر؛ فشرب أكثر من فنجانين ونصف الفنجان من القهوة أو خمسة فناجين من الشاي كل يوم قد يزيد من الخطر. وأخيرًا وليس آخرًا، العقاقير الموصوفة؛ تحدث إلى طبيبك بشأن البدائل إن كنت تتعاطى أية أدوية تُعرف بتعزيزها خسارة العظام، ومن بين الأنواع المشهورة من هذه العقاقير الكورتيكوستيرويدات، مثل فينيتوين (ديلانتين)، وليثيوم، ومثبطات مضخة البروتون، وتاموكسيفين (نولفاديكس)، وفرط إفراز هرمون الغدة الدرقية.
منهجيات الطب التكاملي لعلاج الأعراض الأولية الأخرى للأمراض
يقدم الطب التكاملي حلولًا لحالات تمهيدية أخرى غير قلة النسيج العظمي؛ فلحالة ما قبل ارتفاع ضغط الدم مثلًا، وهي حالة من فرط ضغط الدم الحدي، تصيب ملايين المواطنين الأمريكيين، يمكن لخسارة الوزن، وممارسة التمرينات الرياضية متوسطة الشدة مع تعديل النمط الغذائي جنبًا إلى جنب، وممارسة آليات الاسترخاء، وأنواع معينة من المكملات أن تُجدي نفعًا. أما بالنسبة إلى مرضى حالة ما قبل السكري، فيكون سكر الدم مرتفعًا على النسبة الطبيعية، لكن ليس بالدرجة التي يكون عليها لدى مريض داء السكري، وقد كشفت الأبحاث عن أن اتباع الحمية الغذائية وممارسة التمرينات يجديان ضعف المنفعة التي يحققها دواء ميتفورمين (جلوكوفاج، وجلوميتزا) لتقليل تفاقم الحالة وتحولها إلى السكري (إذ يخفض تغيير نمط الحياة نسبة السكر في الدم بمقدار 58 % مقارنة ب 31 % يحققها تناول الأدوية). وقد تكون المكملات الغذائية كالكروم، والماغنسيوم، والبربارين، وحمض ألفا ليبويك، مفيدة كما قد تكون الأعشاب الخافضة لسكر الدم، مثل القرع المر والتين الشوكي.
الخلاصة
يتبنى نظام رعايتنا الصحي منهجية دوائية بحتة في علاج الأمراض أيًّا ما كانت، وتوصف الأدوية للأمراض الواضحة الجلية، وكذلك للحالات التي لا يمكن بعد تسميتها بالأمراض لكن ربما، وربما لا، تصبح مرضًا يومًا ما. وقد عززت شركات الأدوية على نطاق واسع فكرة الأعراض الأولية للمرضى والأطباء على حد سواء لبيع المزيد من الأدوية.
وتشير نتيجة تقييم مخاطر الكسور لمعظم مرضى قلة النسيج العظمي إلى انخفاض معامل خطر الكسور؛ ومن ثم فهم ليسوا بحاجة إلى علاج دوائي؛ ذلك لأن مخاطر هذا العلاج تفوق فوائده. ولهذا أرى أن يقتصر العلاج الدوائي فقط على مرضى قلة النسيج العظمي الذين يواجهون خطر التعرض للكسر باحتمالية كبيرة، كأولئك الحاصلين على نتيجة عالية جدًّا فيما يتعلق بتقييم مخاطر الكسور، أو من لهم تاريخ مع كسور سابقة.
أخيرًا وليس آخرًا، يمكن لتشخيص الأفراد بالأعراض الأولية أن يثير قلقًا لا داعي له؛ فأنا أقابل العديد من المرضى الذين يغمرهم القلق نتيجة تشخيص حالاتهم ب”قلة النسيج العظمي”، أو “حالة ما قبل السكري” بينما يمكنهم التركيز بشكل مثمر أكثر على تحسين صحتهم. ومن أجل تحقيق أهداف السلامة، أنصح بالتعاون مع طبيب متدرب على أساليب الوقاية. وضع في حسبانك أن تشخيص حالتك بحالة تمهيدية لا يعني بالضرورة تطور حالتك وإصابتك بمرض يتطلب علاجًا مدى الحياة، بل يمكن للكثير من أصحاب الأعراض الأولية النجاح في تعديل أو عكس حالاتهم عن طريق إجراء تعديل بسيط على نمط الحياةالخاص بهم.