عندما نذهب إلى الطبيب للتحقق من صحتنا، فإن أول ما يحتمل أن يفحصوه هو ضغط دمنا. يبدو أن الأطباء يحبون قياس ضغط الدم. قياسه سهل، وسريع، ورخيص. لكن الأهم من ذلك كله، أنه يستحق القياس.
ارتفاع ضغط الدم هو أحد أسهل عوامل خطر الوفاة مبكرًا وقاية وعلاجًا. في الواقع، تسرد منظمة الصحة العالمية ارتفاع ضغط الدم كسبب الوفاة المبكرة الأول القابل للمنع بين البشر. وإذا كان كل أولئك الخبراء مهووسين للغاية بمنع وعلاج ارتفاع ضغط الدم، إذًا ربما يجدر بنا فعل ذلك أيضًا.
س: ما الضغط الأعلى من اللازم؟
ج: ارتفاع ضغط دمك (الانقباضي) عن 140 مم زئبق كحد أقصى يعني أنه من المرجح أن ضغط دمك مرتفع بالقدر الكافي ليستحق العلاج.
س: إذًا أنا على ما يرام طالما قل ضغط دمي الانقباضي عن 140 مم زئبق؟
ج: كلا. أي ضغط يزيد على 115 مم زئبق يتسبب في إجهاد شراييننا.
س: ما الضغط الأقل من اللازم؟
ج: ذلك يعتمد على ما اعتدت عليه.
س: هل يجب عليّ تجنب تناول الملح؟
ج: فقط إذا كان ذلك ما يمليه ذوقك.
تحت الضغط
من أجل نقل كل الدم في أرجاء جسمنا مرة واحدة كل 4-5 دقائق، يجب أن يتدفق الدم بسرعة أكبر وألا يتوقف مطلقًا. قوة تدفق دمائنا هي ضغط الدم.
ذلك الضغط ليس ضئيلًا، كما سيقدر بسهولة أي شخص رأى الكثير جدًا من أفلام الرعب أو أيًا من البرامج التليفزيونية مؤخرًا. اليوم، لا يمكننا مشاهدة مشهد معركة من القرون الوسطى أو جريمة قتل شنيعة من دون رؤية رش الدماء في هيئة سيول غزيرة.
نوع الضغط الموجود بداخل شراييننا يمكن تقديره ببساطة عن طريق الشهيق بعمق شديد ومن ثم نفخ الهواء خارجًا بأقصى قوة في إمكاننا، كما وكأننا ننفخ بالونًا. قوة ذلك النفس القصوى تعادل تقريبًا أقصى قوة مبذولة عندما يعتصر قلبنا النابض نفسه لضخ الدم خارجًا. يقضي قلبنا حوالي ثلث وقته وهو يعتصر نفسه داخلًا لضخ الدم للخارج (والمعروف بالانقباض). ويقضي ثلثي وقته الآخرين في حالة استرخاء (تعرف بالانبساط)، حيث يمتلئ بالدماء ببطء استعدادًا للنبضة التالية.
حمامات الدماء
للحفاظ على استمرارنا على قيد الحياة، يضخ قلبنا 5 لترات من الدماء (حوالي 10.5 باينت) كل دقيقة. على مدار حياتنا، ذلك يكفي ملء 100 حمام سباحة بالمقاس الأوليمبي.
في أغلب الألفية السابقة، أعتقد أن القلب ما هو سوى سخان حمام السباحة. الجثث باردة للغاية من دون قلب نابض. وبالمثل مع وجود القلب النابض، تكون الأجسام الحية دافئة. نتيجة لذلك، أعتبر القلب بذلك المنطق مصدر الحرارة الحيوي للجسم. لذلك إذا وقعنا في غرام أحدهم أو شعرنا بالإحباط، أو شعرنا بالانزعاج بعض الشيء، ليس أمامنا سوى قلبنا لتوجيه اللوم إليه. وما أولئك الأشخاص الهادئون للغاية وغير المبالين سوى أفراد قلوبهم باردة ببساطة؟
اعتقد الناس قديمًا أن الكبد صنعت الدم، وأعدته باستخدام المغذيات الضرورية الموجودة في الطعام والشراب. لذلك لم يعتبر استخدام العصير بدلًا من الدم، والخبز بدلًا من اللحم في بعض الاحتفالات الدينية من الأمور الغامضة مطلقًا. كان ذلك بالضبط هو ما صدق معظم الأشخاص حدوثه في البشر كل يوم.
بعد صنع الدم في الكبد، كان الاعتقاد أنه أثري بالحرارة (من القلب) وبغير ذلك من الأرواح المهمة للأعضاء الحيوية الأخرى، قبل أن توصله الشرايين والأوردة إلى مختلف أجزاء الجسد. كان الافتراض هو أن الجسد بعد ذلك يستهلك الدم ببساطة، ويحوله للحم وعظام. سبب تدفق الدماء كان أنه مأمور بفعل بذلك، تمامًا كما يتدفق الطعام من مطبخ المطعم بالنوع والكم الذي يطلبه العميل.
يبدو أنه كان تفسيرًا جيدًا بالنسبة لذلك الوقت، وسيطر لأكثر من 1500 سنة. لكن بالنسبة ل 100 حمام سباحة بالمقاس الأوليمبي على مدار العمر، فإن ذلك الكثير من طلبات المطعم. نعرف اليوم أن الدم يدور تحت ضغط مستمر، لذلك نحن لسنا في حاجة لإعادة ملء حمام الدماء طوال الوقت. وقلبنا بالتأكيد هو مضخة حمام السباحة، وليس سخانه.
قياس ضغط الدم
يمكن قياس ضغط الدم ببساطة عن طريق وضع أسورة ضاغطة حول العضد. عند ضخ الهواء في الأسورة، يزيد الضغط بداخلها ببطء للتضييق على ذراعنا تدريجيًا. في النهاية يصل ضغط الأسورة المضيق إلى مرحلة يكون فيها أعلى من أعلى ضغط يولده تدفق الدماء، ويتوقف الدم عن التدفق في ذراعنا. يختفي النبض في معصمنا تمامًا، ويصيب ذراعنا الخدر.
من ثم يخفض الضغط بداخل الأسورة عن طريق السماح للهواء بالنفاذ خارجًا. في النهاية، يصل الضغط في الأسورة لمرحلة يكون فيها أقل من أعلى ضغط يولده اندفاع الدماء للأمام في شرايين ذراعنا، لذلك يبدأ الدم بالتدفق مجددًا.
الشخص الذي يقيس ضغط الدم يمكنه قياس عودة تدفق الدم عن طريق جس النبض في الذراع أو الإنصات بسماعة الطبيب المضغوطة على شريان. ذلك لأن الدم عندما يبدأ بالعودة للذراع، مع كل دفقة دماء صغيرة مضطربة يمكن الإحساس بها وهي تهبط بالشريان، يمكن أيضًا سماع صوت نقر، بالتزامن مع كل نبضة. نقطة الضغط التي يصدر فيها ذلك الضجيج لأول مرة مع عودة النبض للذراع تدعى بضغط الدم الانقباضي، حيث إنها توافق أقصى ضغط يولده قلبنا النابض عندما ينقبض (في مرحلة الانقباض) لضخ الدم خارجًا.
ضغط الدم الانقباضي عادة ما يتراوح بين 120 و140 مم زئبق في معظم البالغين. ذلك يعني حرفيًا أن ضغط دمائنا كافٍ لدفع عمود من الزئبق السائل من 12 إلى 14 سنتيمتر (حوالي 5 بوصات) في الهواء. لأن الزئبق أثقل من الماء بأربع عشرة مرة، سيحتاج عمود مشابه من الماء إلى أن يكون بطولنا على الأقل (بطول يتراوح متوسطه بين 160 إلى 190 سنتيمتر، أو 5 إلى 6 أقدام) لقياس ضغط دم البشر. ذلك هو سبب استمرار الأطباء في استخدام عمود الزئبق وقياسات تستند للزئبق بدلًا من الماء لقياس ضغط دمنا. ذلك يفسر أيضًا كيف أن قلبنا يمكنه أن يولد ضغطًا كافيًا لدفع الدم طوال الطريق لأصابع أقدامنا ويعيده مرة أخرى.
دورة الحياة
فكرة أن الحياة دورة دائرية قديمة للغاية. الدائرة هي رمز التمام، والاكتمال، والأمان، والكمال المطلق، وهي دائمة ومستديمة، بلا بداية ولا نهاية.
مثل الدائرة، ينظر للطبيعة أيضًا على أنها مثالية ومستديمة، مثل دورة الفصول والشمس والقمر. كل شيء يدور وكل شيء يعود إلى البداية. في عام 1626، بدأ الطبيب ويليام هارفي في التشكك بوجهة النظر السائدة حينها والقائلة بأن تدفق الدم أحادي الاتجاه. لأنه رأى عظمة الله في الطبيعة، ولأنه آمن بشعار أن إبداع السماوات يتجلى في الأرض، بدا لويليام هارفي أنه لا بد من تحويل الطعام والشراب لقدر كبير من الدماء فورًا بحيث يمكن تفسير سرعة تدفقه. علاوة على ذلك، إذا عملت الطبيعة التي خلقها الله في دوائر وبما أن الله قد خلق الإنسان في أحسن تقويم، إذًا ربما تدفقت الدماء مكتملة وباستدامة في دوائر، تذهب بعيدًا وتعود، تدخل وتخرج، استهلاك وإثراء. أسمى هارفي ذلك النمط بالدورة الدموية وأصبح أول شخص يصف الطريقة الدائرية التي يتدفق بها الدم حول الجسد.
يعرف أقل ضغط في أي شريان باسم ضغط الدم الانبساطي، ويوافق الوقت الذي يكون فيه القلب مسترخيًا، ومنبسطًا ويمتلئ بالدم أثناء الانبساط من أجل الاستعداد لانقباضه التالي. الانبساط فترة مهمة للغاية بالنسبة للقلب حيث لا يمكن للدم دخوله إلا عندما يكون مسترخيًا.
يمكن قياس ضغط الدم الانبساطي باستخدام الأسورة أيضًا. كما ذكر أعلاه، عند نفخ الأسورة حول ذراعنا بحيث تكون ضيقة للغاية، لا يعبر الدم المتدفق سوى بشكل متقطع عندما يزيد ضغط دمنا عن الضغط بالأسورة. يمكن سماع تدفق الدم المتقطع والمضطرب كأصوات نقر باستخدام سماعة الطبيب. لكن عند السماح للمزيد من الهواء بالخروج من الأسورة، وينحسر الضغط المركز حول ذراعنا، في مرحلة ما، يقل ضغط الأسورة عن أقل ضغط في دمائنا، وهو الضغط الانبساطي، ويتراوح عادة من 70 إلى 80 مم زئبق.
أي درجة أقل من مستوى تضييق أسورة ضغط الدم هذا غير كافية لمنع تدفق الدماء السلس للذراع، ولذلك تختفي أصوات نقر تدفق الدم المضطرب والمتقطع في الأوعية الدموية. بالتالي يقاس الضغط الانبساطي عند اختفاء الضجيج من ذراعنا. لذلك السبب يعد قياسه بدقة أصعب بكثير من قياس ضغط الدم الانقباضي، خاصة في البيئات المليئة بالضوضاء كأماكن العمل الطبية أو مراكز التسوق.
عند تسجيل ضغط الدم، من الشائع بين الأطباء والممرضين الإبلاغ عن ضغط الدم في صورة ضغط الدم الانقباضي على ضغط الدم الانبساطي. لذلك عندما يقولون بأن ضغط الدم 120 على 80، فذلك يعني أن أقصى ضغط دم (انقباضي) 120 مم زئبق وأدنى ضغط (انبساطي) يبلغ 80 مم زئبق. ذلك يماثل نشرة الطقس اليومية التي توفر درجات الحرارة القصوى والدنيا، وتستخدم بنفس الطريقة لإخبارنا عن مستقبل صحتنا المحتمل.
التحكم بالضغط
يحدد عدد من العوامل المختلفة مقدار الضغط الموجود بداخل أوعيتنا الدموية بالضبط، وكلها ينظمها جسم الإنسان الصحي مباشرة. أولًا، يعد مقدار الدماء الموجودة في جسمنا عاملًا مهمًا يحدد مقدار ضغط الدم الذي يمكن توليده. تمامًا كالهواء في البالون، إذا سمحنا له كله بالخروج، إذًا سينخفض الضغط بداخله. لذلك عندما يفقد الأشخاص كميات كبيرة من الدم، كما يحدث نتيجة التعرض للحوادث، كثيرًا ما ينخفض أيضًا ضغط دمهم. يصيح المسعفون على التلفاز “أشعر بنبض ضعيف”. لكن ما يعنون قوله حقًا هو أن ضغط الدم الانقباضي الذي يولد النبض منخفض. عادة ما سيحاولون إصلاح هذا عن طريق ضخ كمية كبيرة من السوائل (فورًا) في الأوعية الدموية عن طريق التستيل (التنقيط)، مع محاولة إيقاف أي نزيف. بمجرد إعادة الدم إلى حجمه الطبيعي، كذلك سيعود نبض ضغط الدم الانقباضي.
الفصد
عبر تاريخ البشر، تمثل أحد أشهر العلاجات لأي علة تقريبًا في إحداث ثقب في وعاء دموي أو اثنين والسماح لحوالي 500 مللي (1 باينت) من الدماء بالخروج. كان سبب تصديق الأشخاص بنجاح ذلك بالفعل هو أنهم صدقوا أيضًا أن الدم الفاسد كان أصل جميع الشرور.
كان الاعتقاد أيضًا بأن الصحة الأفضل والحياة الأطول التي تمتعت بها النساء كانتا بسبب فقدانهن للدماء بانتظام أثناء الطمث وأن ذلك طهرهن من الدماء الفاسدة. وما يصلح للإوزة يصلح لذكر الإوزة.
أصبح الفصد علاجًا شهيرًا للغاية لدرجة أنه تحول لصناعة في حد ذاته، ونفذه الحلاقون المهرة بشكل مستقل عن الأطباء. العمود المخطط الكلاسيكي خارج متجر الحلاقة يمثل في الواقع خروج الدم الأحمر متبوعًا بلفة الضمادات البيضاء لإيقاف النزيف.
بالطبع، ليس للفصد فائدة بالنسبة لمن يعانون من سوء الصحة، وربما ساعد الكثير من المرضى على الانتقال لقبورهم مبكرًا. على الرغم من ذلك، أولئك الأشخاص الأصحاء الذين يتبرعون بالدماء بانتظام يتمتعون عادة بصحة أفضل وحياة أفضل. لكن ربما يحدث ذلك لأن المتبرعين بالدم عادة ما يكونون أفرادًا يؤثرون الغير على أنفسهم، والذين يفعلون العديد من الأمور الأخرى لرعاية صحتهم بخلاف التبرع بالدم.
قوة النبضة في كل مرة ينقبض فيها القلب تحدد جزئيًا أيضًا ضغط الدم في شراييننا. ذلك نوعًا ما مثل قوة كل نفس ننفخه لملء بالون بالهواء. كلما نفخنا بشكل أقوى وأسرع، ارتفع الضغط الذي يمكننا توليده. الأمر نفسه يحدث في قلبنا. بالمثل، إذا كان قلبنا مصابًا بضرر ويضخ بضعف أو ببطء، يمكن أن يكون ضغط دمنا منخفضًا، كما هو الحال في بعض الأشخاص الذين يعانون من قصور القلب.
من الأمور الأخرى التي تحدد الضغط بداخل البالون هي البالون نفسه، وخاصة، مقدار مرونته. تتميز الأوعية الدموية بجدران مرنة وقوية، والتي تنتفخ حرفيًا مثل البالون استجابة لزيادة الضغط المفاجئة التي يولدها نبض القلب. يمكننا في بعض الأحيان رؤية ذلك “الانتفاخ” بالفعل، في الأوعية الدموية الكبيرة في رقبة شخص ما أو ذراعيه.
مع انتفاخ الأوعية الدموية للخارج تحت تأثير ضغط النبض، فإنها تشكل قوة شد في الجدران المرنة. ذلك نوعًا ما مثل وضع رباط مطاطي صغير حول معصمك. عندما تستخدم بعض الضغط لإطالته وجذبه بعيدًا عن معصمك، فإن ذلك يولد قوة شد في الرباط المطاطي. كلما استخدمت مزيدًا من الضغط، زادت قوة شده. عندما تترك الرباط يعود ويرتطم بمعصمك معيدًا بذلك استخدام الضغط الذي استخدمته لإطالته للخارج. ذلك هو الارتداد المرن.
نفس الأمر يحدث تلو كل نبضة في شراييننا المرنة. عندما تنتفخ الأوعية الدموية الصحية مع مرور النبض بها، تمامًا كما يحدث عند إطالة رباط مطاطي، ستصبح الجدران مشدودة وستحاول الاستجابة بالدفع. ذلك الارتداد يولد اعتصارًا ملحوظًا للداخل. إذا لم تكن شراييننا سوى أنابيب صلبة من الرصاص، بلا أي ارتداد على الإطلاق، كان سيتوجب على تدفق الدم التوقف والبدء لأن القلب مضخة تعمل بنظام التوقف والبدء، يعتصر الدماء خارجًا في ثلث الوقت وحسب، ويسترخي ليملأ نفسه في ثلثي الوقت الآخرين. لكن لأن الارتداد المرن يضيف اعتصاره الخاص به للدماء عندما يرتد عائدًا مثل الرباط المطاطي، فإن تدفق الدماء في شراييننا لا يتوقف أبدًا.
تصلب الشرايين
نصبح أقل إذعانًا عندما نتقدم في السن، وأقل قدرة على مطاوعة إرادة العالم، وأكثر تشبثًا بطرقنا. ذلك هو الحال خاصة في شراييننا التي كانت مرنة بطبيعتها. يدعى ذلك بتصلب الشرايين.
عندما تتدفق قوة ضغط النبض في شريان، من المفترض أن ينتفخ للخارج، موفرًا بذلك مزيدًا من المساحة للدماء العابرة. يأخذ الشريان المرن أيضًا بعضًا من قوة الشد في الجدران ويحولها لارتداد مرن.
لكن الشريان العجوز والمتصلب يشبه الرباط المطاطي القديم، لا يمكنه تحمل الكثير من الضغط ولا يمكنه الارتداد لطبيعته. لذلك فإن قوة الشد في جدران الشرايين القديمة أعلى وكذلك الضغط الانقباضي.
في المتوسط، ترتفع مستويات ضغط الدم الانقباضي بحوالي 1 مم زئبق كل سنتين أو ثلاث سنوات في حياتنا كبالغين، في الأساس لأن شراييننا تصبح أكثر تصلبًا. بحلول وقت تقاعدنا، عادة ما يصبح ضغط الدم الانقباضي في المتوسط أعلى ب 20 مم زئبق على الأقل مما كان عندما كنا في العشرينات من عمرنا.
على النقيض من ذلك، لا يزيد ضغط الدم الانبساطي وربما ينخفض مع تقدمنا في العمر. ذلك لأن الارتداد المرن الذي يولده يقل في شراييننا المتصلبة بسبب التقدم في العمر.
أحد الاختلافات الأساسية بين مشكلات ضغط الهواء الساكن في البالونات والدماء في أوعيتنا الدموية هو أن دماءنا تتدفق، كالسائل في الأنبوب. ذلك يعني أن عوامل (التدفق) الهيدروليكية تؤثر أيضًا على الضغط بداخل أنابيبنا الشريانية. على سبيل المثال، تخيل صنبورًا متصلًا بخرطوم. من السهل إخراج الماء من الخرطوم إذا كان قطر الخرطوم كبيرًا. لكن جعل نفس كمية السائل تتدفق في سلسلة من الأنابيب الأصغر أكثر صعوبة بكثير، ولا يمكن تحقيقه سوى عن طريق فتح الصنبور، مما يتسبب في زيادة الضغط في النظام. يعرف الأمر الذي يصعب على السائل التدفق عبر الأنابيب الصغيرة بالمقاومة. كلما زادت المقاومة، زاد الضغط المطلوب للتغلب عليه لضمان التدفق المستمر بالمعدل الصحيح. كلما قلت المقاومة، قل الضغط الذي نحتاج إلى توليده من أجل ضمان استمرار التدفق بنفس المعدل.
يحافظ الجسم على ثبات مستويات ضغط دمنا نسبيًا في الأيام التي نكون منشغلين فيها. يحقق ذلك في الأساس عن طريق موازنة مخرج القلب (مقدار سرعته وقوته)، وحجم السائل في دمائنا ومقاومة تدفقه. تتحقق تلك الأخيرة ببساطة عن طريق تغيير قطر خراطيم أوعيتنا الدموية (والتي تعرف بأوعية المقاومة).
إذا انخفض ضغط دمائنا، ننشط مسارات تهدف لزيادة مُخرج القلب بحيث ينبض بقوة أكبر وبمعدل أسرع. تتلقى كليتانا أوامر بالاحتفاظ بالسوائل لزيادة حجم الدم. في الوقت نفسه نضيق أوعيتنا الدموية أيضًا التي تمد الأعضاء غير الضرورية بالدماء، مثل الجلد، مما يجعلنا نبدو شاحبين. ذلك يزيد المقاومة الكلية للتدفق في الأنابيب بجسمنا ويرفع ضغط الإمداد الدموي للأعضاء الضرورية. بالمثل، إذا كان ضغط دمنا في ارتفاع، تنشط مسارات معاكسة لتهدئة القلب عن طريق إزالة فائض السوائل وتوسيع أوعيتنا الدموية. فشل آليات التحكم تلك هو أكثر أسباب ارتفاع أو انخفاض ضغط الدم شيوعًا.
يعتبر ضغط الدم عامة منخفضًا أكثر من اللازم عندما يقل ضغط الدم الانقباضي عن 90 مم زئبق. لكنه يعتمد حقًا على الضغط الذي تألفه أجسادنا. بالنسبة لبعض الأشخاص، خاصة المسنين الذين يعانون من تصلب الشرايين، قد يحتاجون لضغط يزيد على 120 مم زئبق للشعور بالعافية والأمان، خاصة عند وقوفهم. على الصعيد الآخر، انخفاض ضغط الدم أمر طبيعي للغاية بالنسبة لبعض الأشخاص، ولا يشكل مشكلة على الإطلاق. بالعكس، عامة ما يتمتع أولئك الأشخاص بصحة جيدة للغاية.
انهض
ضغط دم معظم الأشخاص عند وقوفهم أقل بعض الشيء مما هو أثناء جلوسهم أو استلقائهم. ذلك لأن الدماء تتجمع في أرجلنا عندما نقف، ولذلك لا يتمكن قدر أقل بعض الشيء من الدم من العودة للقلب، وملئه، وتوفير الحجم اللازم لزيادة ضغط الدم. انخفاض الضغط هذا عادة ما يكون صغيرًا ولا يزيد على نسبة تتراوح من 5 إلى 10 في المائة. ذلك لأن الوقوف الفوري يحفز استجابات انعكاسية تتسبب في تضييق أوعية المقاومة الدموية وزيادة معدل نبضات القلب لرفع الضغط.
في بعض الأشخاص، يمكن أن ينخفض ضغط دمائهم بمعدل كبير للغاية (بما يتجاوز 20 مم زئبق) عند وقوفهم. يعرف ذلك بانخفاض ضغط الدم الوضعي وأحيانًا ما يختبرونه كنوبات دوار أو حتى إغماء.
انخفاض الضغط الكبير عند الوقوف يحدث عادة بسبب تداخل شيء ما مع الاستجابات المطلوبة للحفاظ على ارتفاع ضغط الدم. على سبيل المثال، الأشخاص الذين يعانون من الجفاف (حجم دمائهم منخفض) أو الحرارة المفرطة أكثر عرضة للشعور بالدوار عند وقوفهم، لأن الاستجابات الواقية لم يعد في وسعها فعل أي شيء. بعض الأدوية، وأمراض معينة مثل مرض السكري أو الشلل الرعاش أو حتى التقدم في العمر نفسه يمكنها التداخل مع تلك الاستجابات الواقية، وزيادة احتمال نوبات الدوار عند الوقوف.
ارتفاع قوة الشد
ارتفاع ضغط الدم عادة ما يقتل بصمت. لا توجد أعراض واضحة لفرط قوة الشد بجدران شراييننا. وعلى عكس البالونات أو الأربطة المطاطية، فإن الأوعية الدموية نادرًا ما تنكسر تحت وطأة ملئها، إلا إذا كانت في حالة غير طبيعية أصلًا. مع ذلك، من المحتم أن يتسبب كل الضغط على أوعيتنا ببعض الشد في جدرانها. ذلك الإجهاد والإرهاق يؤدي تدريجيًا إلى تلف أوعيتنا الدموية أو فقدان وظائفها، وأي أعضاء تعتمد على تدفق الدماء خلالها من أجل العمل بشكل سليم. يدعى ذلك بالأمراض الوعائية، وتنتج عن مشكلات مثل النوبات القلبية، والجلطات المخية، وضعف الدورة الدموية بالأرجل أو الكلى. ارتفاع ضغط الدم هو أكثر عوامل الخطر القابلة للتعديل شيوعًا للإصابة بالأمراض الوعائية.
المرحلة التي يكون فيها الشد/الإجهاد بجدران أوعيتنا الدموية كبيرًا للغاية ويتطلب العلاج تسمى ارتفاع ضغط الدم (زيادة قوة الشد عن اللازم حرفيًا). يمكن تعريف ذلك على نحو عام كالآتي:
– (أقصى) ضغط دم انقباضي يبلغ 140 مم زئبق أو أعلى.
– (أدنى) ضغط دم انبساطي يبلغ 90 مم زئبق أو أعلى.
وفقًا لتلك المعايير، سيعاني حوالي ثلث جميع البالغين من قوة الشد المفرطة بأوعيتهم الدموية. على مدار العمر، على الأقل ثلاثة من كل أربعة بالغين سيصابون في نهاية المطاف بفرط ضغط الدم أو سيحتاجون للأدوية لمنع الإصابة به، في الأغلب بعد أن تتجاوز أعمارهم الستين عامًا.
لا يعني ذلك أنه إذا كان ضغطنا الانقباضي 139 مم زئبق عند زيارتنا للطبيب، فإن أوعيتنا الدموية على ما يرام ولا تتعرض لأي شد مطلقًا. في الواقع، توجد علاقة مستمرة بين مستوى الضغط في دمنا/قوة الشد في شراييننا واحتمالية حدوث الأمور السيئة لأوعيتنا الدموية، مثل الإصابة بجلطة مخية. كلما زاد الضغط في أوعيتنا الدموية، زادت قوة الشد في جدرانها، وبذلك يزيد خطر الإصابة بالأمراض الوعائية.
في الواقع، خطر الإصابة بالأمراض الوعائية يكون في أقل مستوياته عندما يبلغ ضغط الدم الانقباضي حوالي 115 مم زئبق. مع ارتفاع مستويات ضغط الدم فوق ذلك، يزيد خطر تعرضنا للمشكلات بنسبة تتوافق تقريبًا مع ضغط الدم. لكن بحلول الوقت الذي يزيد فيه ضغطنا على 140 مم زئبق، فإن خطورة تعرض أوعيتنا الدموية لأمور سيئة تكون أكبر بكثير من تكلفة استخدام العلاجات لفعل شيء ما حيالها وآثارها الجانبية. لذلك عامة ما يدعى ارتفاع ضغط الدم الانقباضي عن 140 مم زئبق بارتفاع ضغط الدم، وقد يكون ضغط 150 مم زئبق مرحلة أفضل تزيد فيها منافع العلاج عن عيوبه.
لا يعني أي من مستويي تشخيص ارتفاع ضغط الدم أو علاجه دوائيًا أننا لا يجب علينا فعل أي شيء حيال ضغط دمنا قبل وصوله لذلك المستوى. توجد العديد من الأمور التي يمكننا فعلها حيال نظامنا الغذائي وأسلوب حياتنا لخفض ضغط دمنا والحفاظ على انخفاضه. ذلك على نفس القدر من الأهمية إذا لم نعانِ من ارتفاع ضغط الدم. تحدث على الأقل ثلث جميع حالات الوفاة الناتجة عن الارتفاع المفرط بضغط الدم في الأشخاص الذين لا يعانون من ارتفاع ضغط الدم.
قدر أننا إذا خفضنا جميعنا ضغط دمنا الانقباضي إلى حوالي 115 مم زئبق، فإن ذلك سيقلل النوبات القلبية والجلطات المخية حول العالم بحوالي النصف، وسيزيد متوسط العمر المتوقع بحوالي عشر سنوات. ما الذي من الممكن ألا نحبه حيال هذا؟
الأولاد والبنات
توجد العديد من الاختلافات الواضحة بين الرجال والنساء. تلك لا خلاف عليها. لكن توجد العديد من الاختلافات الأخرى غير الواضحة لتلك الدرجة، لكن على نفس القدر من الأهمية. أحد تلك الاختلافات هو ضغط الدم.
قبل انقطاع الطمث، تكون مستويات ضغط دم النساء أقل بقليل من الرجال. بعد انقطاع الطمث، تنعكس تلك التغييرات، لذلك تكون النساء المسنات أكثر عرضة للمعاناة من ارتفاع ضغط الدم من الرجال المسنين. ستصاب حوالي ثلاثة أرباع النساء فوق سن الستين بفرط ضغط الدم، مقارنة بثلثي الرجال من نفس العمر.
تلك الاختلافات في ضغط الدم بين الرجال والنساء تفسر جزئيًا كون تلف الأوعية الدموية الناتج عن ارتفاع ضغط الدم (كما يحدث عند الإصابة بجلطة مخية) أكثر شيوعًا في النساء المسنات مما هو في الرجال المسنين.
الحفاظ على السيطرة
توجد العديد من الأمور البسيطة التي يمكننا جميعًا فعلها للوقاية من ارتفاع ضغط الدم أو إبطاء تطوره. يمكن الاستدلال على نوعية الأمور التي يمكننا فعلها عن طريق فحص الأشخاص من حول العالم ومقارنة مستويات ضغط دمهم بنظامهم الغذائي وعادات أسلوب حياتهم.
على الرغم من أن ضغط دم معظم الأشخاص الانقباضي يزيد تدريجيًا مع تقدمهم في السن (في الأغلب عن طريق تصلب الشرايين)، فإن ذلك ليس حال بعض الأشخاص. على سبيل المثال، الأشخاص الذين لا يكتسبون زيادة في الوزن، والنباتيون، والأفراد غير المعرضين للتوتر، وأولئك ممن لا يتناولون قدرًا مفرطًا من الملح، عامة لا يزيد ضغط دمهم مع تقدمهم في السن إلا قليلًا أو لا يزيد مطلقًا. لذلك ربما يجب علينا فعل بعض تلك الأمور أو كلها ليتمتع ضغط دمنا ببعض مزاياها أيضًا.
زيادة محيط الخصر لها عدد من الآثار على صحتنا، بما في ذلك ارتفاع ضغط دمنا وصعوبة خفضه بلا مساعدة. ارتفاع ضغط الدم أكثر شيوعًا بمرتين في الأشخاص الذين يعانون من السمنة. زيادة محيط الخصر على الأرجح هي السبب الرئيسي لارتفاع مستويات ضغط الدم أيضًا في جميع أنحاء العالم. على النقيض من ذلك، فقدان بضعة كيلوجرامات أو أرطال قد يُحدث فارقًا حقيقيًا في العديد من جوانب صحتنا، بما في ذلك ضغط دمنا. لكل كيلوجرام (2.2 رطل) نفقده من الوزن، سينخفض ضغط دمنا الانقباضي بحوالي 1 مم زئبق في المتوسط (على سبيل المثال، تقليل الوزن بعشرة كيلوجرامات، أو 22 رطلًا، عادة ما سيقلل ضغط دمنا بما يبلغ 10 مم زئبق، وهو المقدار الذي يقلله تناول الأدوية الخافضة لضغط الدم).
ضغط الدم وأقراص تنظيم الحمل
أول مرة تقيس فيها معظم النساء ضغط دمهن هي عندما يرغبن في تناول أقراص تنظيم الحمل، وبشكل متكرر بعد ذلك عندما يرغبن في الاستمرار بتناولها.
ذلك لأن تناول تلك الأدوية يتعلق بالكامل بتقدير المخاطر. تناول أقراص تنظيم الحمل يضاعف مخاطرة الإصابة بجلطة مخية. ليست تلك زيادة كبيرة في المطلق، نظرًا لأن النساء الشابات عامة ما يكون ضغط دمهن منخفضًا وخطر إصابتهن بجلطة مخية في الأساس منخفض للغاية. لذلك حتى إذا ضاعفت خطر إصابتك عن طريق تناول أقراص تنظيم الحمل، فما زال خطرًا منخفضًا للغاية (حتى إذا ضاعفت الواحد كل ما سيكون لديك هو اثنان، على سبيل المثال). كما أن ذلك أقل بكثير من المخاطر الصحية المرتبطة بالحمل.
لأن ارتفاع ضغط الدم يزيد خطر الإصابة بجلطة مخية، فإن مضاعفة الخطر المرتفع عن طريق تناول أقراص تنظيم الحمل ليست فكرة جيدة (إذا ضاعفت الأربعة، فستكون لديك ثمانية خطيرة الآن، على سبيل المثال). ذلك هو سبب فحص الأطباء دائمًا لضغط دمك أولًا قبل وصف أقراص تنظيم الحمل، بالإضافة للتحقق من أسباب الإصابة بالجلطة المخية الأخرى مثل الوزن الزائد للغاية، والتدخين، والمعاناة من مرض السكري أو وجود تاريخ يشير للإصابة بجلطات الدم. أي امرأة يكتشف أنها تعاني من ارتفاع ضغط الدم يمكن توصيتها حينها باستخدام أقراص تنظيم الحمل التي لا تحتوي سوى على البروجسترون والذي لا تؤثر على ضغط الدم، أو استخدام وسيلة أخرى من وسائل تنظيم الحمل.
إذا كان ضغط دمنا طبيعيًا، يمكن للنشاط الجسدي المنتظم تقليل احتمال ارتفاعه مع تقدمنا في السن وكذلك الدرجة التي يرتفع بها. في أولئك الأشخاص الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم، يمكن لممارسة التمارين الرياضية بانتظام خفض ضغط دمهم وتحسين استجابتهم للأدوية الخافضة لضغط الدم. على النقيض من ذلك، فإن الأشخاص الخاملين عادة يعانون من معدلات أعلى من فرط ضغط الدم، ويكون علاجهم أصعب بكثير.
التدخين أيضًا يرفع مستويات ضغط الدم. يعمل النيكوتين الموجود في التبغ على تضييق الأوعية الدموية، لذلك أثناء تدخين كل سيجارة، ترتفع مستويات ضغط الدم بما يتراوح بين 20 و30 مم زئبق. على الرغم من أن مستويات ضغط الدم قد تنخفض مجددًا بعدها، فإن ذلك الارتفاع في ضغط الدم يضر الأوعية الدموية والقلب للغاية.
يمكن أن يساعد النظام الغذائي الغني بالفاكهة والخضراوات أيضًا على تقليل خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم. الأشخاص النباتيون طوال حياتهم يتمتعون بمستويات ضغط دم أقل. في تلك المرحلة، من غير الواضح أي الأجزاء بالضبط من الفاكهة والخضراوات التي تساعد على تقليل ضغط الدم.
ضغط دمنا عادة ما يكون أعلى أثناء توترنا. التوتر يسارع نبضات قلبنا ويزيد من قوتها، في حين تضيق أوعية المقاومة. يمكن لذلك في بعض الأحيان أن يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم تحت وطأة الصعوبات. على سبيل المثال، عادة ما يرتفع ضغط دمنا عند زيارة الطبيب إلى 5-10 مم زئبق عن مستوياته عندما نكون في حالة استرخاء بالمنزل. يمكن لذلك في بعض الأحيان أن يجعلنا نبدو أننا نعاني من ارتفاع ضغط الدم بالنسبة لطبيبنا، حتى وإن لم نعانِ من ارتفاع ضغط الدم حقًا في المنزل. تعرف تلك الظاهرة بفرط ضغط الدم الناجم عن رؤية المعطف الأبيض، على الرغم من أن معظم الأطباء توقفوا عن ارتداء المعاطف البيضاء.
يؤدي التنشيط طويل الأمد لبعض مسارات استجابة التوتر أيضًا إلى ارتفاع ضغط الدم المزمن. في أولئك الذين يعيشون في الغالب حياة خالية من التوتر (مثل الأفراد المنعزلين الذين يحيون في وحدة)، نادرًا ما نرى زيادة في ضغط دمهم مع تقدمهم في العمر. يشير ذلك إلى أن الآثار المتراكمة والناجمة عن الحياة المليئة بالتوتر قد تكون في صميم العديد من مشكلات ضغط الدم. في الواقع، يمكن لمحاولات التدخل لتقليل التوتر في حياتنا أو إدارته تقليل مستويات ضغط الدم المرتفعة لدرجة كبيرة. لا يمكن الانتقاص من أهمية إدارة التوتر لصحة ورفاهية بعض الأشخاص.
حروب الملح
في حين أنه توجد العديد من الأمور العملية التي يمكنها أن تصنع فارقًا في مستويات ضغط دمنا، فإن الأمر الوحيد الذي يتذكره معظم الأشخاص حقًا يدور حول تقليل تناول الملح. ذلك لدرجة أن خيار “الملح الخفيف” صار مرادفًا لطرق الأكل الصحي البديلة. على الرغم من أن الجميع تقريبًا قد توقفوا عن رش الملح على طعامهم، خوفًا من الظهور بمظهر غير صحي (تمامًا كما أصبح إشعال أي فرد لسيجارة أو إضافته لملاعق صغيرة من السكر إلى قهوته من قبيل الهرطقة).
معظم مبادئ الأنظمة الغذائية التوجيهية تخبرنا الآن بضرورة تقليل تناولنا للملح لما يقل عن 100 ملليمول (أو 2.3 جرام) كل يوم. ذلك حوالي نصف ما سيتناوله معظم البالغين عادة كل يوم. الأغلبية العظمى من ذلك الملح مخبأة في الأطعمة المعالجة اللذيذة التي نتناولها، مثل الخبز، والغموس، والصلصات، والجبن، والأطعمة السريعة. حتى من دون عبء الملح، فإننا نعرف أننا يجدر بنا تقليل تناول تلك الأشياء على أية حال!
المنطق وراء تقليل الملح في نظامنا الغذائي مباشر للغاية. كمية الملح التي نتناولها يوميًا ترتبط بمستويات ضغط دمنا. كلما تناولنا مزيدًا من الملح، في المتوسط، زاد ضغط دمنا. ولأن ارتفاع ضغط الدم يضر الأوعية الدموية، والذي يؤدي بدوره لأمراض القلب، والجلطات المخية، والوفاة، فإننا إذا تناولنا قدرًا أقل من الملح، سينخفض ضغط دمنا، وسيقل معه نظريًا خطر إصابتنا بالنوبات القلبية، والجلطات المخية، والوفاة.
لكن في حين أن مثل ذلك المنطق جذاب، خاصة كرسالة عقائدية قليلة التكلفة تتناول الصحة العامة، فإن آثار الملح على الجسد البشري أقل تعقيدًا بكثير، ومن المؤكد أنها تتجاوز تنظيم ضغط الدم.
في المتوسط، تقليل تناول الملح سيقلل ضغط الدم الانقباضي لدرجة منخفضة، ربما بما يتراوح بين 2 -3 مم زئبق وعلى المدى القصير وحسب. سواء كان ذلك كافيًا لإحداث أي فارق حقيقي في صحتنا مستقبلًا أو لم يكن هو موضع جدل. على الرغم من أن ضغط دم الأشخاص الذين يتناولون بانتظام المزيد من الملح أعلى بقليل من ضغط دم أولئك ممن لا يفعلون ذلك، عجزت الدراسات طويلة الأجل عن تأكيد أن أولئك الذين يتناولون الملح هم نفس الأشخاص الذين أصيبوا حقًا بارتفاع ضغط الدم أو احتاجوا لعلاجه.
سبب أن تقليل تناول الملح ليس بالحل البسيط كما يبدو في بادئ الأمر ينبع في الأغلب من تاريخ البشرية. منذ حوالي مليار سنة، خرجت أول كائنات معروفة من المحيطات المالحة. لتحقيق ذلك الخروج، احتاجت تلك الكائنات البحرية إلى أخذ المحيط معها. لذلك، في يومنا هذا، يعد البحر المالح بداخلنا وتوازنه جزءًا أساسيًا من فسيولوجيا أجسادنا. يحتل الماء المالح حوالي ثلثي وزن جسم الإنسان.
على الرغم من أننا يمكننا تناول رقائق البطاطس بالملح والخل أو شرب جالونات من الماء العذب، فإن تركيزات الملح بداخل كل إنسان بالكاد ما تتغير. لقد بقينا على قيد الحياة ونستمر في فعل ذلك عن طريق الحفاظ على ثبات الأمور.
الكلى هي من وسائل التنظيم الأساسية لذلك التوازن. ترشح دمنا باستمرار، وتسمح بخروج ما يتجاوز 5 كجم من الملح (11 رطلًا) في البول كل يوم، بجانب المواد السامة الذائبة معه، قبل إعادة امتصاص ما يتجاوز 99 في المائة من الملح انتقائيًا، وتترك السموم لتخرج في البول. في الإجمال، ينتهي الحال بخروج أقل من 0.5 في المائة من حمل الأملاح المرشح في بولنا. في الأفراد الأصحاء، تماثل تلك الكمية المفقودة تقريبًا كمية الملح التي قد نتناولها يوميًا بالضبط (5-6 جرامات).
نتيجة لذلك، إذا تناولنا عبوة من رقائق البطاطس المالحة (وذلك حوالي جرام من الملح بالمناسبة)، فإن ضبط إعادة الامتصاص وتقليله بعض الشيء وإخراج الجرام الزائد من الصوديوم في بولنا لا يتطلب مجهودًا كبيرًا. بالمثل، إذا لم نحصل على الكثير من الملح في غضون اليوم (على سبيل المثال، إذا كنا صائمين)، فإن زيادة إعادة الامتصاص بقدر صغير للغاية للحفاظ على توازن الملح والماء ليست في غاية الصعوبة.
توازن الملح بأجسادنا يخضع لسيطرة محكمة للغاية، ويشمل مجموعة من الإشارات الكيميائية بين الكلى، والقلب، والغدد الكظرية، وبالطبع، المخ. إذا قلت كمية الملح المتناولة، تشير تلك المسارات للكلى بالتشبث بالمزيد من الملح. إذا زادت كمية الملح المتناولة، تثبط تلك المسارات لزيادة إخراج الملح وموازنة الزيادة في ضغط الدم التي كانت ستحدث بخلاف هذا. لذلك لا تنتفخ أجسامنا ولا تفرغ كالبالونات.
ذرة ملح
عاش في الأزمنة القديمة ملك يدعى ميثريداتس. اشتهر بمقاومته التي لا تصدق لمحاولات تسميمه، وهي مشكلة شائعة بين حكام ذلك العصر. ربطت قوته الخارقة بكوكتيل فريد شربه والذي احتوى على أكثر من خمسين عنصرًا مختلفًا. كانت العديد من تلك العناصر سمومًا معروفة، لكنها لم تكن خطيرة بالجرعات الضئيلة التي استخدمها في ترياقه الشهير. آخر العناصر المسرودة كانت إضافة ذرة واحدة من الملح.
اقتنع الكثيرون بطول عمره، واستمرت وصفته في كونها تريقًا شهيرًا بين الصيادلة لحوالي 2000 عام. مع ذلك، تشكك البعض في القصة واعتقد أن بالفكرة مبالغة مهولة. نتيجة لذلك، الاصطلاح الإنجليزي taken with a grain of salt (تناوله مع ذرة ملح)، مثل ترياق ميثريداتس، أصبح يعني ضرورة التفكير في أمر ما بالكثير من الشك.
العديد من الأدوية التي نستخدمها في يومنا هذا أتت من جرعات السموم الصغيرة. أكثر أدوية خفض ضغط الدم شيوعًا (مثبطات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين) جاءت في الأصل من سم أفعى الحفر الأمازونية (Borthorps Jararaca). مرقق الدماء المعروف بالوارفارين يستخدم أيضًا على نطاق واسع كسم للجرذان. ربما اكتشف ميثريداتس أمرًا ما. أو ربما يجب أخذ قصته بأكملها مع ذرة ملح، تمامًا كترياقه. تلك هي المعضلة. نفس مسارات الموازنة تلك والتي تحافظ على البحر بداخل أجسادنا في حالة توازن مثالية متورطة أيضًا في الإصابة بالأمراض البشرية وتقدمها، من الأمراض القلبية الوعائية والسكر، وحتى السرطان والأمراض النفسية. بالفعل، يشهد الاستخدام المنتشر للأدوية التي تثبط تلك المسارات وفعاليتها على أهمية تلك المسارات، بما يتجاوز آثارها البسيطة على تنظيم الملح. لكن إذا كان ذلك حقيقيًا إذًا، ضمنيًا، يجب أن تكون لكمية الملح التي نتناولها آثار متعددة بخلاف آثارها على ضغط الدم.
فحصت العديد من الدراسات الصلة بين تناول الملح وأمراض القلب وخطر التعرض للوفاة المبكرة. أثبت بعضها أن التناول المرتفع للملح مرتبط بسوء الصحة، ولم يجد بعضها أي تأثير على الإطلاق، في حين أن بعضها الآخر وجد أن الأفراد قليلي التناول للملح يعانون من نتائج طبية أسوأ. ذلك على الرغم من التجارب التي تثبت بوضوح أن الحد من تناول الملح يقلل من ضغط الدم.
عدم الاتساق هذا يشكل أساس “حروب الملح” المزعومة، وهي حرب كلمات غير علمية وكثيرًا ما تكون لاذعة بين إصلاحيي الملح (الذين يريدون منع كل الملح المضاف) ومتشككي الملح (والذين يعتقدون أن هناك أمورًا أكثر أهمية يجدر بنا تغييرها في نظامنا الغذائي).
إصلاحيو الملح يجادلون بأن كل شيء آخر ثبت تقليله لضغط الدم مفيد فيما يتعلق بالنوبات القلبية والجلطات المخية. لماذا يجب أن يختلف تناول الملح على الإطلاق؟
متشككو الملح يجادلون بأن ذلك ليس حقيقيًا دائمًا. هناك أمثلة ذكرها مايكل ألدرمان ذات مرة (وهو متشكك معروف) تسير على هذا المنوال. ضغط الدم المرتفع خطير بالنسبة للنساء أثناء الحمل، لذلك ذات مرة، نصحت جميع النساء الحوامل بحد اكتسابهن للوزن من أجل تقليل مخاطر إصابتهن بفرط ضغط الدم أثناء الحمل (والمعروف باسم ما قبل تسمم الحمل). من وجهة نظر تتمحور حول ضغط الدم، ذلك نجح بشكل جيد للغاية. لكن في حين أن مخاطر ما قبل تسمم الحمل قد انخفضت وضغط الدم قد قل، زادت معدلات الوفاة بين المواليد لدرجة كبيرة. لذلك لا يوصي أي شخص الآن بقيام النساء بالحد من اكتساب الوزن أثناء الحمل.
بنفس الطريقة، متشككو الملح (مثل المؤلف) يجادلون بأنه في حين أن تقليل تناول الملح يمكنه خفض ضغط الدم، فإن ذلك ليس كل ما يفعله ويمكن أن تكون آثاره المتراكمة بعيدة كل البعد عن كونها إيجابية. في الواقع، من مشكلات اتباع نظام غذائي منخفض الملح أنه سيحفز المسارات للاحتفاظ بالمزيد من الملح، ويمكن أن يتسبب تنشيط تلك المسارات في الضرر لصحتنا. بالفعل، توجد بعض المخاوف بأن اتباع بعض الأشخاص الأصحاء لنظام غذائي منخفض الملح لن يحسن صحتهم، بل العكس.
من الواضح أن هناك سببًا جيدًا يشير إلى أن الأنظمة الغذائية المثقلة بالأملاح مضرة لبعض الأشخاص والشعوب التي عادة ما تتناول كميات كبيرة من الأملاح (أكثر من 2 ملعقة صغيرة في اليوم على سبيل المثال)، ربما كجزء من نظامهم الغذائي التقليدي (مثلًا لأنهم يستخدمون الملح لحفظ الأطعمة) أو لأنهم يتناولون كميات جنونية من الأطعمة المعالجة.
بالإضافة لذلك، يصاب بعض الأشخاص بارتفاع ضغط الدم نتيجة لجيناتهم السيئة. في الأغلب تتداخل تلك الجينات السيئة بطريقة ما مع توازن الملح بأجسادهم. على سبيل المثال، تمنع بعض الجينات السيئة الكلى من التخلص من القدر الفائض من الملح الذي يجدر بها التخلص منه. إذا ولدنا بتلك الجينات السيئة ولم نتناول كمية مفرطة من الملح في نظامنا الغذائي، إذًا فليست هناك مشكلة. ستكون مشكلة فقط إذا أكلنا الكثير جدًا منه. لذلك يبدو في تلك الحالات الخاصة أن تناول قدر مفرط من الملح يمثل مشكلة. لكن في الواقع، تناول الملح ببساطة يكشف الستار عن المشكلة الحقيقية في الجينات.
كما يفسر ذلك جزئيًا سبب زيادة الملح في النظام الغذائي لضغط الدم بدرجة أكبر بكثير في الأشخاص المسنين، أو الذين يعانون مرض السكري أو زيادة الوزن. يقال بأن الأشخاص الذين يعانون من تلك الحالات حساسون للملح ويوصى أكثر في تلك الأحوال بأن يقللوا كمية الملح التي يتناولونها.
لكن بالنسبة لبقية العالم، من المحتمل أنه ليست هناك حاجة كبيرة للحد من كمية الملح التي يتناولها معظمنا (تقريبًا ما يعادل ملعقة صغيرة يوميًا) من أجل ضغط دمنا. يجب أن تؤدي الكلى المهمة بالقدر الكافي.
الخلاصة
ارتفاع ضغط الدم سيئ لأوعيتنا الدموية، وذلك يعني أنه سيئ في نهاية المطاف لصحتنا. السيطرة على ضغط دمنا هي إحدى أكثر الطرق فعالية للحفاظ على إمداد أوعيتنا الدموية للدم المطلوب للتمتع بصحة جيدة. الكثير من الأمور التي ناقشناها ستساعد، مثل تقليل التوتر، وفقدان الوزن، والنشاط الجسدي. لكن معرفة ماهية ضغط دمنا، عن طريق قياسه بانتظام، والعمل طبقًا له، ربما يكون أبسط وأرخص الوسائل لضمان أننا على الطريق الصحيح وصولًا للمائة عام.