إن أعراض التوحد تظهر من خلال خليط واسع تتمايز من حيث الشدة أو البساطة؛ أي مع أن هناك أعراضاً شبه ثابتة وواضحة تميز التوحد من غيره من الاضطرابات، إلا أن المصابين بالتوحد قد يظهرون أي خليط من السلوك وبأي درجة من الحدّة؛ بمعنى أن أطفال التوحد وعلى الرغم من إصابتهم بأعراض التوحد إلاّ أنهم قد يظهرون سلوكات مختلفة عن بعض، لهذا يعتبر البعض بأن أعراض التوحد تتسع على شكل طيف (spectrum) يختلف من حيث الشدة (أو الحدَّة) ومن حيث السلوك. لذلك يطلق البعض على اضطراب التوحد اسم الاضطراب الطيفي (Spectrum disorder).
لقد أكَّد الباحثون حول التوحد بأن هذا الاضطراب تظهر بعض أعراضه في المراحل الباكرة من النمو، وأن الأطفال المصابين بالتوحد يحملون هذا الاضطراب من فترة قبل الولادة، وتتضح أعراض هذا الاضطراب بين عمر (16 – 20) شهراً من حياة الطفل، إلاّ أنه يصعب الكشف عن هذه الأعراض قبل عمر الثانية، ويكون التشخيص صعباً وذلك بسبب عدم وجود نضج معرفي، ونضج لغوي لدى الطفل، إلا أن الاضطراب في التواصل الاجتماعي وخاصة مع الأم والأسرة يمكن ملاحظة بوادره في عمر السنتين فما دون، وحتى في عمر المهد.
ولهذا فإن التشخيص الصحيح لحالات التوحد لا يكون دقيقاً إلا بعد عمر الرابعة أو الرابعة والنصف من العمر، والاعتماد الكلي أو شبه الكلي في تشخيص التوحد على التقارير الذاتية للوالدين لا يكون كافياً، كما أن استخدام الاستبانات والاختبارات التي تعتمد على معلومات الأسرة، وخاصة الأم، لا يكون دقيقاً أو كافياً، عدا الصعوبات التي تحيط بتطبيق مثل هذه الاستبانات وتأثير العوامل الذاتية في ذلك.
هناك اتجاهات علمية حديثة تعتمد في تشخيص أعراض التوحد على تحليل الأفلام والصور المأخوذة لهؤلاء الأطفال خلال مراحل حياتهم الأولى، كما أن الاختبارات الهادفة لتشخيص التوحد أصبحت الآن أكثر صدقاً وثباتاً ويمكن الوثوق بها لحد ما، وتساعد الأبوين والأسرة على الكشف عن علامات الاضطراب لدى ولدهم. بالإضافة إلى المتابعة، وفائدة الدراسات الطولية في هذا المجال، وكذلك الملاحظة السريرية للطفل. هذا، ويمكن للأم وهي تحمل طفلها أن تشعر بأن طفلها لا يشعر بوجودها، أو غير منتبه لها، كما أن الأم لا تشعر بأي تواصل عاطفي بينها وبين طفلها، فهو في الغالب ينظر إلى مكان آخر ولا ينظر إلى أمه بالرغم من النداءات المتكررة من قبل الأم، وكأنه لم يسمع شيئاً، وبهذا الشكل تصبح تغذيته صعبة، كما تبدو عليه علامات الاهتمام بنوع واحد من الطعام، أو يركز على نوع واحد من الألعاب، أو يقضي ساعات ينظر إلى حركة أصابعه، أو يقوم بتحريك جسمه ورأسه إلى الأمام والخلف دون هدف، وبسبب الضعف الشديد في اللغة وضعف التواصل الكلامي الهادف، وحتى التواصل غير اللفظي عن طريق الصراخ والمناغاة والإيماءات يعتقد الأهل بأن الطفل لا يسمع، فهو لا ينتبه إلى الأصوات العالية والمفاجئة ولكنه ينتبه إلى الأصوات العادية مثل صوت جهاز التكييف أو الغسالة.
والفحص الطبي لجهاز السمع يؤكد سلامة هذا الجهاز عند الطفل. وفي دراسة لدى العالم (كانر) على عينة من أحد عشر طفلاً في مرحلة المهد، قام بمتابعتهم، تبيّن له من خلالها أن أطفال التوحد يفشلون في تكييف جسمهم ليتناسب مع وضع الوالدين وحركتهما، ولذلك قرر (كانر) أن أهم مظاهر أطفال التوحد في مرحلة الرضاعة وخلال الأسابيع الأولى بعد الولادة هي افتقاد هؤلاء الأطفال لعملية الاحتضان من قبل الأم (أو الوالدين)، وكذلك الكسل في عملية مص الثدي أو زجاجة الحليب، وغياب الابتسامة، وتعبيرات الوجه التي تدل على السرور، وعدم الاستجابة لأصوات الأم أو الناس من حوله.
لقد درس العالم كوبسك العلاقة بين الأم وأحد ولديها التوائم فوجده يعاني أعراض التوحد في مراحل تالية، وقام كوبسك بتحليل الأفلام التي صورت للطفلين حين كانت أعمارهم أربعة أشهر، وتبين وجود فروق دالة في العديد من المظاهر السلوكية بين الولدين، وقد كتب كوبسك بأن التوائم التوحديين يظهر عليهم عدم التواصل البصري بالتحديق، وعدم النظر إلى عيني الأم، مع تعبيرات وجه حيادية، أو خالية المعنى، وكذلك وضعيات جسمية نمطية وغير مرنة، وهذا يستمر خلال السنوات الثلاث الأولى من العمر، يضاف إلى ذلك التأخر الواضح في التواصل الاستقبالي والتعبيري أو الاستجابي. هذا علماً بأن الطفل التوحدي يكون عادي النمو والصحة ويمكنه تعلم الجلوس والوقوف والمشي بنفس سرعة الأطفال الآخرين وفي الوقت الطبيعي.
ويجب الانتباه أنه ليس كل الأطفال الذين يظهرون ضعفاً في التواصل في مرحلة المهد يتوقع أن يكونوا توحّديين فيما بعد، إلا أن ضعف الاستجابة الانفعالية والعاطفية للأم وعدم النظر بالعين، وعدم الابتسامة، مع تعبيرات صامتة وجامدة تشير إلى احتمال أن يكون الطفل توحدياً، وقد تبين من تحليل بعض الأفلام أن هذه الأعراض التوحدية غالباً ما تظهر بشكل واضح في نهاية السنة الأولى من العمر، أو بعد ذلك بقليل.
أما دراسة جلبرغ (Gillberg. C) فقد انتهت إلى أن الطفل التوحدي غالباً ما تظهر لديه أعراض التوحد خلال السنة الأولى من العمر؛ حيث لوحظ الانعزال عن الناس المحيطين بالطفل، وصعوبة تقليد الحركات (المحاكاة)، وتجنب المواجهة عن طريق النظر، وعدم القدرة على التعبير عن الرغبات، وعدم فهم ما يقوله الآخرون، كما يظهر اللعب غير العادي، واللعب بأمور تافهة أو محددة، أو صلبة، مع ضعف القدرة على الانتباه بشكل عام (مدى ومدة الانتباه قصير جداً) عدا الانتباه إلى الأشياء المتحركة، مع بلادة انفعالية، والتجاهل، وصعوبة بلوغ الأشياء، وعدم وعي غياب الأم.
إلا أن العالم (Ornitz. R) لم يجد فروقاً فردية دالة بين الأطفال التوحديين وغيرهم من حيث سلوك الاحتضان والحمل من قبل الوالدين، أو الانشغال بالألعاب الاجتماعية البسيطة، أما اضطراب التواصل والترديد النمطي للكلمات (Echolalia) فقد كانت أكثر وضوحاً لدى أطفال التوحد، مع اضطراب في الإدراك الحسي السمعي والإخفاق في الاستجابة للأصوات. والسلوكيات المتكررة المتركزة على أشياء معينة، وغير هادفة، كانت أيضاً أكثر وضوحاً لدى الأطفال التوحديين بالنسبة إلى غيرهم من الأطفال في نفس المرحلة العمرية.
وفي دراسة مقارنة بين عينتين من أطفال توحديين، وأطفال عاديين في نموهم، وذلك خلال الأشهر الأولى بعد الولادة، وبالاستعانة بتاريخ حالة الأطفال، ومقابلة الأم، وتحليل بعض صور الأفلام، مع التركيز على الفروق السلوكية المتعلقة بالعمر الزمني، تبين من النتيجة أن الأطفال التوحديين يظهرون تأخراً في النمو اللغوي والمعرفي والعقلي بالمقارنة بالأطفال العاديين، وقد أشار العالم كوهين (Cohen, D) إلى أن بعض هذه الفروق قد تعزى إلى تأخر في النمو لدى الأطفال التوحديين، أكثر مما يعزى ذلك إلى اضطراب التوحد في حد ذاته. والجدول التالي (نقلاً عن كوهين) يبين لنا التشخيص الفارقي بين حالات التوحد، وحالات تأخر النمو لدى الأطفال.
أعراض التوحد خلال مرحلة المهد والرضاعة (الأطفال دون عمر السنتين أو السنتين ونصف السنة)
1 – ضعف القدرة على الاستجابة.
2 – تجاهل الآخرين.
3 – ضعف في عملية التقليد أو المحاكاة.
4 – اضطراب العلاقات والتفاعل.
5 – تفضيل البقاء وحيداً.
6 – لا يهتم بالألعاب.
7 – تعبيرات وجه ضعيفة.
8 – لا يبتسم.
9 – لا يهتم إذا حملته الأم أو احتضنته.
10 – متأخر في الكلام والنطق مع غياب المناغاة، والتنغيم (Tone).
11 – لا يحتفظ بالانتباه إلى الأنشطة.
12 – قليل الإيماءات والحركات المعبِّرة.
13 – حركات نمطية متكررة.
14 – الميل إلى موضوعات وأشياء غير عادية.
15 – استعمال غير طبيعي للأشياء.
16 – استجابة غير عادية للأصوات.
17 – يبدو كأنه طفل أصم.
18 – غير حساس للألم، أو البرد.
19 – غير حساس لكراهية الآخرين له.
20 – اضطراب في عملية التحديق أو النظر بالعين.
21 – ترديد آخر كلمة من السؤال والخلط بين الضمائر (Echolalia).
22 – أصوات عشوائية عديمة المعنى وغير هادفة.
وقد لوحظ بأن الطفل خلال عاميه الثاني والثالث يظهر حركة زائدة، بالإضافة إلى صعوبات بالتواصل اللغوي، وكذلك الانفعالات الشاذة التي لا تتناسب مع الموقف، والطفل المتوحد لا يفرح في مواقف الفرح، ولا يحزن في مواقف الحزن، ولا يشعر بمحبة الآخرين أو كراهيتهم له، مع بلادة انفعالية، يضاف إلى ذلك صعوبة في اللعب مع الآخرين، وخاصة اللعب التخيلي (الذي أشرنا إليه سابقاً)، وهو يتأثر بأي تغيير يطرأ على البيئة المحيطة به، ونادراً ما يستمر في نومه لأكثر من ثلاث ساعات حتى أثناء الليل، ويكون نومه على شكل فترات متقطعة.
ومع تقدم عمر الطفل ونموه تزداد هذه الأعراض وضوحاً، وفي عمر ثلاث سنوات نجد ترديداً لبعض الكلمات عديمة المعنى، مع عدم وضوح الحديث، وعدم قبوله اجتماعياً، وينظر الطفل المتوحد لوالديه باعتبارهم أشياء أو أدوات تشبع الحاجات الأساسية لديه، والطفل لا يظهر أي نوع من التواصل العاطفي، أو المودة أو الحب بينه وبين والديه، ويبدي بعض الأطفال المتوحدين استمتاعاً شديداً بالأغاني وتكرارها بشكل نمطي، ويمكن للطفل أن يتمايل مع أنغام الأغنية. كما أن بعض الدراسات أشارت إلى وجود ذاكرة قوية عند هؤلاء الأطفال بحيث يمكن للطفل ترديد كلمات أغنية سمعها لمرة واحدة، أو إعادة قطعة معينة من لعبة تركيبية شاهدها لمرة واحدة.
هذا بالإضافة إلى ضعف التفاعل الاجتماعي، والضعف اللغوي، والسلوك النمطي مع وجود عدد قليل من أطفال التوحد في عمر دون المدرسة الابتدائية ذوي قدرة عقلية عادية (Normal IQ) نحو نسبة (15 – 20%) منهم، بينما (80%) من حالات التوحد تكون القدرة العقلية العامة لديهم ضعيفة. وفي دراسة أجراها ستون وآخرون (Ston. W.) تم فيها دراسة عينة من أطفال التوحد، وتبين من خلالها أن أكثر أعراض الاضطراب التي ظهرت على الحالات وبنسبة (94%) كانت تأخر النطق والكلام، ثم المشكلات الاجتماعية والتفاعل الاجتماعي بنسبة (60%) منها، ونسبة (40%) ضعف العلاقات الاجتماعية مع الأقران.
وفي دراسة أخرى تم مقارنة سلوكيات أطفال توحد في أعمار بين (2 – 5) سنوات، مع أطفال أسوياء، وأطفال تخلف عقلي، وأطفال يعانون الحبسةَ الكلامية (أفازيا) (Aphasia) وتبين أن أطفال التوحد كانوا أكثر وضوحاً في اضطراب العلاقات الاجتماعية والتفاعل الاجتماعي، بالمقارنة بالأطفال الآخرين. كما أن التشخيص الدقيق لحالات التوحد قبل المدرسة الابتدائية يتطلب الانتباه إلى المظاهر السريرية الأخرى والتي قد تتداخل مع تلك التي تظهر لدى الأطفال الذين يعانون أشكالاً أخرى من الإعاقة أو من الاضطراب. ويمكن أن نلخص أهم أعراض حالات التوحد في عمر المدرسة قبل الابتدائية بين (3 – 5) سنوات بما يلي:
أعراض التوحد في مرحلة الطفولة المبكرة – (قبل المدرسة) (3 – 5) سنوات
1 – عدم مبادلة النظر أو التواصل بالبصر – (Eye to Eye contact) – وهذا السلوك مرتبط بعوامل موقفية ونمائية، حيث يبدي الراشدون من أطفال التوحد تواصلاً بالبصر تجاه الراشدين الذين يلعبون ألعاباً خفيفة وناعمة.
2 – عدم القدرة على مشاركة الآخرين انتباههم، أو تغيير الانتباه بين الشخص والشيء موضع الاهتمام.
3 – ضعف في فهم الانفعالات والتعبير عنها واستعمالها، وخاصة تعبيرات الوجه.
4 – الطفل التوحدي أقل ابتساماً لأمه ولآخرين.
5 – ضعف التقليد الحركي بسبب العجز المعرفي أو العقلي، وقد تبين أن الأطفال التوحديين الذين يظهرون درجة عالية من القدرة على التقليد مقارنة بأقرانهم يميلون إلى أن يكونوا أكثر تفاعلاً وتواصلاً اجتماعياً، وأفضل حالاً بالنسبة إلى اللغة الاستقبالية.
6 – أقل طولاً من أقرانهم العاديين في نفس العمر (2 – 7) سنوات.
7 – عدم الثبات في استخدام يد معينة (اليمنى، اليسرى) فهم يترددون، ويتبادلون استعمال اليدين مما يشير إلى وجود اضطراب وظيفي في نصفي كرة المخ.
8 – أكثر عرضة في صغرهم لأمراض الجهاز التنفسي وحالات الربو والحساسية، وضيق التنفس والسعال، واضطرابات معوية، وإمساك، بالمقارنة بالأطفال العاديين.
9 – يختلفون عن العاديين من حيث بصمات الأصابع (Finger prints) وخصائص الجلد مع خلل في نمو طبقة الجلد المغطية للجسم (Neuroectodermal). – ولا ترتفع درجة الحرارة بسبب الحمى أو مرض معدٍ، كما هو الحال لدى الطفل السليم، مع عدم الشكوى من الألم والتعبير عن ذلك بحركة الجسم، ويكون الطفل أكثر هدوءاً أثناء المرض أو الألم وما يستدل عليه من هذا أن الطفل مريض.
مرحلة النمو بين عمر (6 – 12)
وفي مرحلة النمو بين عمر (6 – 12) سنة أي في مرحلة المدرسة الابتدائية، ينتقل الطفل المتوحد من بيئته الأسرية إلى البيئة المدرسية المنظمة والهادفة والتي فيها يتعلم الطفل بعض المهارات والمبادئ في القراءة والكتابة والحساب، ويتفاعل مع أصدقاء جدد وعادات جديدة، وعلى الطفل التكيف مع هذه البيئة الجديدة ومطالبها وظروفها، وعليه أن يتعلم مهارات جديدة، وأن يكتسب خبرات عليه الاستفادة منها، وأن يتواصل اجتماعياً بشكل أفضل من ذي قبل، وقد ثبت أن أطفال التوحد تتحسن حالتهم ويكتسبون خبرات ومهارات جديدة إلا أن ذوي الأداء المنخفض يحتاجون إلى مساعدة موجهة وخاصة في العديد من المجالات، وهؤلاء يكونون من ذوي القدرات والمهارات اللغوية الضعيفة أو في المستوى المتوسط ويواجهون صعوبات كبيرة. ولسوء الحظ فإن معظم الأنشطة المدرسية تتطلب القراءة، والمحادثة، والاستماع، والانتباه، لذلك فإن الضعاف لغوياً يعانون صعوبات بالمقارنة بمن هم في مستوى أعلى حيث لا يظهر لديهم تأخر واضح في مهارات القراءة والكتابة والتهجئة والحساب.
وقد تم مقارنة حالات التوحد، بالأطفال الذين يعانون اضطراب الديسلاكسيا (Dyslexia) أي من صعوبة في التعلم، (وعدم فهم ما يقرؤه الطفل)، فتبين أن أطفال الديسلاكسيا لديهم مهارات أفضل في الفهم والاستيعاب، وفي استعمال اللغة، أما أطفال التوحد فقد كانوا يعانون صعوبات في الفهم والاستيعاب، وفي استعمال اللغة. وهناك دراسات لم تؤكد هذه النتيجة (لفلاند) (Loveland, K). وهناك توجهات نفسية وتربوية حديثة تشدد على أهمية المنهج الشامل وتدريب المعلم، وتوفير بيئة تربوية نموذجية، والدروس الصفية مثل التضمينات (Inclusion)، والتعلم في المواقف الطبيعية، والعلاج المستمر، وبما يتناسب مع مستوى النمو ومظاهره، وبشكل عام إن تعليم أطفال التوحد – بغض النظر عن مستوياتهم ضعيفة أو متوسطة؛ يصعب في الصف لأنهم لا يتعلمون ولا يتحسنون كما هو الحال لدى الأطفال الآخرين، وخاصة أن الطفل المتوحد تصدر عنه أشكال من السلوك غير العادي مثل السلوك التخريبي (destructive. B) فقد يلجأ الطفل المتوحد إلى العدوان على الآخرين أو على ذاته، مثل عض يديه لدرجة النزيف، أو شد شعر رأسه، أو عض الآخرين… مع درجة من التشنج، وشد الأيدي والأرجل أو الرقبة… مع ضعف الدافعية (Lack of motivation)، وعدم الاهتمام بالحوافز والمكافآت، والتركيز على أمور غير هامة، وتكرارها بشكل نمطي، وعدم القدرة على نقل أثر التعلم أو التدريب وعلى تعميم الأداء أو الإنجاز (Lack of generalization)؛ أي نقل ما يتعلمه داخل الصف إلى البيئة الخارجية، حتى ولو كان ذلك بسيطاً مثل تعلم كيفية دخول الحمام، أو غسل اليدين.
وقد ثبت أن السلوك العدواني يمثل مشكلة لدى المراهقين أو الراشدين من أطفال التوحّد، ونسبة (50%) منهم يعانون حالات عدوانية في فترة المراهقة، وخاصة لدى الحالات التي لديها تدهور في المهارات الأخرى، مع محاولات الضرب، والكسر، والعض، وشد الشعر، وضرب الرأس بالجدار، وإحداث جروح، أو خدوش، وغير ذلك. وكما أشرنا في السابق هم أطفال متلبدو الوجدان والتعبيرات الانفعالية، فهم لا يتأثرون عندما تفارقهم أمهاتهم أو آباؤهم، أو إخوانهم، أو رفاقهم… حتى إنهم إذا تركوا وسط أناس غرباء فإنهم لا يعرفونهم، وعند الالتحاق بالمدرسة تخف هذه الأعراض، ومع ذلك يبقى عزوفهم عن اللعب، وعدم فهمهم لمشاعر الآخرين. وتدريجياً ومع تقدم العمر تتحسن أعراض الطفل وخاصة في مرحلة المراهقة المتأخرة من (17 – 21) سنة، عدا مشاركة الآخرين في اللعب أو الترفيه، وهم لا ينتظرون محاولات الآخرين للتقارب والمشاركة معهم، ويبدو أن المشكلة في عجزهم عن الفهم والتجاوب مع انفعالات الآخرين ومشاعرهم، مما يشكل عقبة في وجه الاندماج أو في وجه التفاعل الاجتماعي، أو تكوين صداقات (حتى لو كانت لديهم الرغبة في ذلك).
أعراض التوحد العامة
لقد حاول بعض الباحثين البريطانيين تلخيص أعراض التوحد بالنقاط التالية:
1 – نقص كبير في اللغة وفي التواصل اللغوي، مع ترديد بعض الكلمات.
2 – مقارنة أي تغيير في البيئة، الأثاث، المواصلات… تحريك كرسي، إغلاق باب، إطفاء النور.
3 – عدم القدرة على القيام بالمهمات التي يجب أن يقوم بها، والانشغال المرضي بأمور محددة.
4 – عدم الشعور بالهوية الذاتية، وهو لا يميز بين ذاته وذات الآخرين.
5 – ضعف شديد في التواصل والتفاعل الاجتماعي وإظهار الانفعالات المختلفة وعدم فهم تفكير الآخرين.
6 – استمرار حدوث انفعالات التوتر والقلق غير العادية والمفرطة في الشدة وتكرارها. (يصرخ، يبكي، يضحك دون سبب).
7 – وجود استجابات إدراكية شاذة ودون وجود خلل عضوي.
8 – أنماط حركية غير عادية ومتنوعة، كالدوران والتأرجح، والرفرفة باليدين…
9 – انخفاض واضح في مستوى القدرات العقلية والوظيفية مقارنة بالآخرين.
10 – الطفل المتوحد لا يطلب المساعدة من الآخرين أو الوالدين؛ لأنه يتعامل معهم كأشياء فقط؛ إنه يدير ظهره لأمه وهي تتحدث معه وكأنه أعمى أو أصم، وليس لديه قدرة على اللعب الخيالي، أو التقليد، وهو يستعمل الإشارة إلى الأشياء عوضاً عن استخدام أسمائها..
والطفل المتوحد ليس له أصدقاء، ولا يستجيب لابتسامة أمه وصوتها، وقد تصدر الابتسامة بشكل عشوائي وفي مواقف لا تستدعي الابتسامة وفي غير وقتها، ولا يظهر على الطفل أي استجابة أو رد فعل إذا حاولت الأم (مثلاً) مد يديها لحمله كما هو الحال لدى الأطفال العاديين. كما لا يظهر عليه بوادر التواصل اللفظي وغير اللفظي، مع صعوبات في الفهم، وترديد كلمات دون فهم معناها، وضعف شديد في اللغة التعبيرية التي تكون غير مقبولة اجتماعية، مع ترديد أواخر الكلمات في الجمل التي تقال له، كما أنه يردد بعض الكلمات في غير موضعها، وهو طفل لا يعي المجردات والموضوعات غير الحسية، مع قلب الضمائر أحياناً؛ مثلاً عندما يقول (أنا) فإن ذلك إشارة إلى الآخرين، ويصعب على الطفل التوحدي فهم مضمون الجمل لذلك يتم التعامل معه من خلال كلمات مفردة مثل نعم، لا، خذ،…. ومعظم استجابات الطفل التوحدي تكون غير مناسبة للمواقف، وخاصة الاستجابات الانفعالية مثل: (الفرح، الابتسامة، الضحك، الغضب، الخوف) مع المبالغة في هذه الاستجابات، فقد يضحك لساعات دون سبب، أو يصرخ، أو يخاف دون سبب. ويظهر طفل التوحد كأنه لا يسمع أو لا يرى، ولكنه في نفس الوقت يظهر استجابات سريعة لبعض المثيرات مثل اللمس، أو الضوء المفاجئ، وهو طفل لا يستطيع التعبير عن المرض أو عن الألم، فقد يضرب رأسه بالحائط للتعبير عن ألم الأسنان، ولا يشعر بالحرارة أو البرودة المفرطة. ويلاحظ السلوك النمطي (stereotype) المتكرر دون هدف ودون سيطرة، وهو يلعب بأمور محددة مثل اللعب بأوراق الشجر، أو بالماء، أو التراب، مع بعثرة ألعابه، أو كسرها دون قصد، ولا يهتم بالألعاب الجديدة، ولا تظهر لديه أي ردود فعل نحوها.
يضاف إلى ذلك أن الطفل التوحّدي يعاني مشاكل في النوم، وفي الطعام، وفي الشراب؛ فهو قد يتناول كميات كبيرة دون الإحساس بالشبع، وهم لا يرغبون في تنويع الأطعمة، ويفضّلون استخدام نفس الأدوات (الكأس، الملعقة، الصحن، الفنجان…)، وهناك مشاكل الأمن والسلامة؛ فهُم (أي أطفال التوحّد) لا يدركون تماماً الأمور الخطرة مثل عبور الشارع، أو إشعال أسطوانة غاز، أو العبث بأدوات الكهرباء، أو إشعال الحرائق أو الغرق في الماء… إلخ. ويمكن لطفل التوحد أن يؤذي نفسه كما قد يؤذي الآخرين.
أعراض مشاكل اللغة والكلام لدى طفل التوحد
ثبت من الدراسات اللغوية أن الطفل الذي لم يكتسب بعض مفردات اللغة وهو في عمر الرابعة أو الخامسة… فإن نمو قدراته اللغوية في المستقبل يكون محدوداً، وأن هناك أفراداً قليلين من حالات التوحد نحو (5 – 10%) هم الذين ينجحون في التحدّث بلغة مفهومة في هذا العمر، ولكن معظم حالات التوحد لا تبدأ تكتسب اللغة إلا في سن متأخرة عند البلوغ والمراهقة تقريباً، ومن بين الذين تعلموا اللغة نسبة (30 – 40%) لا يستطيعون استخدام اللغة بشكل مفيد وواضح، كما أن نحو (33%) من الحالات بدأت تتدهور اللغة لديهم بعد اكتسابها. وأطفال التوحد قد يكون لديهم لغة ظاهرية منطوقة، إلا أنهم غالباً ما يعانون مشاكل في التعبير أو في الإنشاء، وبما يتناسب مع الموقف الاجتماعي والتعبير عنه، ويظهر ذلك في اختبار اللغة والقدرات اللغوية الخاصة، وبسبب سوء توظيف اللغة تكون هناك صعوبات في التواصل مع أطفال التوحد، وكذلك بسبب فهمهم المحدود لمعنى الكلمات والألفاظ المستخدمة في اللغة، كما تكون هناك صعوبات في التفاعل الاجتماعي. كما أن أطفال التوحد يعانون مشاكلَ في الكتابة الإنشائية، وتستمر هذه الصعوبات مع تقدم العمر، وكثيراً ما يحدث تفاوت بين اللغة المنطوقة واللغة المكتوبة، حيث تكون اللغة المنطوقة أفضل من المكتوبة. ولدى أطفال التوحد ميل إلى تفسير كل ما يقال لهم حرفياً، مما يسيء إلى عملية التفاعل الاجتماعي، (حدث أن أحد أولياء طفل توحدي أعطى تعليمات لابنه بألاّ يتدخل بشؤون أخيه الأصغر، وحدث أن تشاجر الأخ الأصغر مع عدد من تلاميذ المدرسة الذين ضربوه ضرباً مبرحاً، وجرحوا رأسه، وكان شقيقه المتوحد ينظر إليه من بُعْد، ولم يتدخل في شؤون أخيه نهائياً، وذلك حسب تعليمات والده له بألاَّ يتدخل في شؤون أخيه). يضاف إلى ذلك أن أطفال التوحد لا يستطيعون تعميم المفاهيم التي يستخدمونها أو يتلقونها من الآخرين، لدرجة يبدو حديثهم غريباً عن الموقف أو الموضوع الذي يتم الحديث عنه. وهناك غرابة أو اضطراب في استخدام الكلمات في التحدّث، ومعظم أطفال التوحد يتحدثون بالكوميدية، والصوت المرتفع… مع تطاول على الآخرين.
أما عن ترديد الكلام فهو صفة مشتركة لدى أطفال التوحد، وهي تسبب مشكلة في التواصل. وتشير بعض الدراسات ريدل (P. J. Rydell) وآخرون إلى أن ترديد الكلمات لدى أفراد التوحد الأكبر سناً يشير إلى رغبة هؤلاء الأفراد في التعبير عن أنفسهم وحاجاتهم في وقت معين، ورغبة للتواصل مع الآخرين، إلا أن ضعف القدرة على التعبير يعوق ذلك. كما أن ترديد الكلام يمكن أن يحدث بسبب الإثارة الزائدة، أو عدم الإحساس بالأمن. وقد يوصف كلام المتوحد بالفظاظة، أو يفسَّر بسبب التبلّد الذهني، لذلك فإن هذا يولّد عدم التقبل الاجتماعي، ويقلل من فرص النضج أو التحسن. ويصعب على طفل التوحد فهم المفاهيم المتعلقة بالزمن والمستقبل، فعبارات مثل (قريباً، أو من الممكن، سأفكِّر، فيما بعد…) تغضب أطفال التوحد؛ بسبب عدم قدرتهم على الاستدلال أو استنتاج معلومات حول أين سيحدث ذلك الحدث ومتى. وليس لديهم القدرة على وضع خطط مستقبلية، وإذا تمكنوا وبمساعدة الآخرين فإنهم لا يستطيعون الاستمرار في التنفيذ. إن عدم فهم المفاهيم يجعل أطفال التوحد غير قادرين على التحدث عن مشاعرهم، أو حتى التحدث عن الألم الجسمي. ويلاحظ أن الدعابة، والفكاهات، والألعاب، والألغاز تجعل أطفال التوحد يستمتعون بها، لهذا استخدمت هذه الأساليب في المداخلات العلاجية الإيجابية ذات المعنى الاجتماعي. يضاف إلى ذلك وجود نقص لدى طفل التوحد في القدرة على تبادلية الحديث بمعنى الفشل في الربط أو التنسيق بين الحديث الصادر عنه وسماع كلام الأفراد الآخرين، وتزداد المشكلة حدة مع تقدم العمر، فقد يصبح حديثهم مملاً، أو يعطّلون النقاش، أو يسيطرون على المحادثة وبشكل مزعج وغير صحيح، وبغض النظر عن الإجابة التي يحصلون عليها. لذلك ينصح دائماً بما يلي:
العمل على زيادة الفهم وتقليل التعبير اللفظي غير المناسب. ويتم ذلك عن طريق تعديل أسلوب التواصل الذي يقوم به الآخرون مع أطفال التوحد. مثلاً إذا حدثت استجابة غير مناسبة من طفل التوحد فإن ذلك يعني عدم وصول الرسالة أو عدم فهمها وأنها بحاجة إلى إعادة صياغة أو توضيح. وإن نقص عملية الفهم قد تكون السبب في تكرار طرح الأسئلة عدة مرات، وما دامت الاستجابات غير مفهومة فإنه يتم تكرار طرح الأسئلة، لذلك يمكن تعديل الأسلوب كما ذكرنا سابقاً، أو الاستعانة ببعض الأساليب غير اللفظية وكوسائل مساعدة للفهم، حيث إن تقديم معلومات مع صور مرئية تكون أكثر فاعلية من الرسائل اللفظية. مثلاً صور عن الأماكن التي سيزورها، وصور الأشخاص الذين سوف يقابلهم، والأنشطة الواجب اتباعها، ويمكن تقليل عملية الاهتمام أو لفت الانتباه في حالة الأحاديث غير المناسبة، ويفضل – وخاصة في العمر المبكر – وضع قواعد للتفاعلات الاجتماعية لأطفال التوحد، مثل (أين، متى، كم مرة، مع من،…)، وهذا يتطلب وقتاً وجهداً، ولكن يكون فعالاً إذا ما قورن بتدريب الأطفال على هذه القواعد في عمر متأخر. ولا بد من التأكيد أن أشكال الاتصال المقبولة في الطفولة قد تصبح غير مقبولة مع تقدم العمر.
وعملية تدريب طفل التوحد على مهارات بديلة تساعد الأطفال وتمدّهم بحصيلة لغوية جديدة، كما في حالة أداء الأدوار الاجتماعية من خلال إشراك الطفل في أنشطة اجتماعية مثل تأدية دور في مسرحية، أو كما في حالات الإعاقة الشديدة التي يتمّ تدريبها على عملية المصافحة باليد، وقول كلمة (أهلاً) وتقديم أنفسهم للآخرين، وكذلك التدريب على مهارة الاستماع، وتطوير خطط الحوار مع الآخرين حول أحداث عامة مثل البرامج التلفازية، أو الأخبار الرياضية، أو الموسيقا… والتدريب على التعبير عن المشاعر والتعامل مع المفاهيم المعنوية، مع الاستعانة بالصور الملونة، والصور المرئية لحالات نفسية انفعالية، وسنشير فيما بعد إلى بعض الصور المفيدة في التدريب على الانفعالات النفسية والتعبيرات الجسمية المصاحبة لها «وهذا يذكرنا بما يسمى قديماً بعلم الفراسة (Phrenology).
والمشكلة الأهم لدى أطفال التوحد ليست في سلوكياتهم غير المألوفة وإنما في صعوبة تنفيذ ما يدور في أذهانهم في صمت كما يفعل العاديون (التصور والتخيل والتجريد).
أخيراً، لا بدَّ من الانتباه في عمليات التدريب إلى استخدام الوسائل الآمنة، والتي تسمح بتكرار الاستخدام، وكذلك الوسائل التي تتضمن التفاعل الاجتماعي مع الآخرين، مع سهولة الاستخدام، ويفيد في ذلك وسائل التقييم لمعرفة كيف يعبِّر طفل التوحد عن حاجاته مثل (الجلوس، تناول الطعام، الاعتراض على شيء ما…) إلخ.
أعراض مشاكل التفاعل الاجتماعي لدى طفل التوحد
ذكرنا سابقاً أن من بين عيوب حالات التوحد عدم القدرة على فهم وإصدار الاستجابة المناسبة لمشاعر الآخرين وأحاسيسهم؛ أي مشاركة الآخرين مشاعرهم، ومثل هذه الحالات غالباً ما تستمر مع تقدم العمر، وكلما اقترب طفل التوحد من البلوغ زاد الاضطراب في التفاعلات الاجتماعية، وليس من المستبعد أن ينسحب الطفل من المجتمع ويمتنع عن أي شكل من أشكال التواصل الاجتماعي التي تتناقص تدريجياً. إن الزحام، والضوضاء، والوجود أو العمل داخل تجمعات وبالقرب من الناس، يسبب لأطفال التوحد الكثير من الإزعاج أو الألم، ويمكن أن ينجم عن ذلك سلوكيات عدوانية أو مضطربة. إن طفل التوحد لا يستطيع الاندماج في اللعب الجماعي، أو الأنشطة الجماعية مع أقرانه، أو تكوين صداقات حميمة، والأطفال الأصغر سناً قد يظهر لديهم بعض السلوكيات العدوانية تجاه الأطفال الآخرين. وفي بعض الحالات يكون لدى هؤلاء الأطفال بعض المهارات البسيطة في الاتصال بالآخرين عن طريق ضربهم أو أخذ أشيائهم… وطفل التوحد لا يفهم معنى الصداقة (Friendship) أي المشاركة، والتعاون والتعاطف، والتفاعل… إلخ، ومع ذلك فإن الفهم الصحيح لمعاني الصداقة قد يكون مستحيلاً، وبعض الحالات تدرك بأنه يجب أن يكون لديهم أصدقاء، ولكن دون سعي أو محاولات تجاه ذلك. ولو أن أحداً ما تكلّم بودّ وببساطة يمكن أن يفسّروا ذلك على أنه علامة صداقة، ولو طلب منهم أداء عمل ما لإنسان آخر يشعرون بالالتزام نحو ذلك… إن مثل هذه التفسيرات الساذجة تجعل أطفال التوحد حساسين لرغبات الآخرين. ومحاولات البحث عن صديق عن طريق تقديم الحلوى، أو النقود أو أي شيء آخر، مألوفة لدى بعض حالات التوحد (أسبرجر).
وطفل التوحد لا يميّز بين الفرد الذي يجب أن يتحفظ نحوه، والشخص الذي يعانقه،… فهم يفتقدون المقدرة الطبيعية على الاستجابة المناسبة والفهم المناسب. ولا يفسّرون التلميحات العاطفية والاجتماعية، إلا أن أطفال التوحد من ذوي القدرات العقلية العادية يدركون أن الابتسامة ولغة الجسد، واللمس، وتعبيرات الوجه، والتواصل بالعين تمثل دوراً هاماً في التفاعل الاجتماعي. والتوحّدي يتمسك وبشدة بالتعليمات المحددة (الصواب والخطأ)، ويمكن استغلال براءة طفل التوحد وأمانته من جانب الآخرين، وخداع هذا الطفل. ولتحسين كل هذه المشاكل لا بدَّ من تعليم الطفل وبصورة مبكرة ما هو المقبول، وما هو غير المقبول من سلوكيات، ومن ثم تعديل سلوكياتهم في ضوء هذا المعيار الاجتماعي، وقد يصعب ذلك على أطفال التوحد؛ لأن أشكال السلوك يجب تدعيمها منذ الصغر حتى تستمر إلى ما بعد ذلك. إن طفل التوحد يستمتع بلمس أجسام النساء وأرجلهن، أو وضع يديه على نهاية ملابسهن؛ وذلك لأنه يشعر بالدفء والنعومة… مثل هذه الأعمال تكون مقبولة في عمر (3 – 4) سنوات، ولكن ذلك يكون غير مقبولاً لدى طفل توحدي في عمر (14) سنة، وطفل التوحد لديه مقدرة بسيطة جداً على معرفة لماذا هذا السلوك كان مقبولاً، ثم فجأة أصبح مرفوضاً من الآخرين. وهنا تبدأ سلوكيات المقاومة للتغيير المفاجئ في السلوك. لهذا يجب على الآباء التطلع للمستقبل وعدم مدح الطفل وتشجيعه عندما يبدأ في عناق كل من يقابله أو تقبيله… ومن المشاكل الاجتماعية لأطفال التوحد أنهم يحاولون تنفيذ كل ما يطلب منهم، ويجدون صعوبة في رفض طلب المساعدة أو قول (لا)، ويمكن تدريبهم على قول (لا)، وتأكيد الذات بطريقة مهذبة، وذلك إذا شعروا بأن المطلب سيؤدي بهم إلى مشاكل مع الآخرين. لهذا يمكن وضع خطة مناسبة ومنظمة للتفاعلات الاجتماعية، مع تعديل مطالب البيئة الاجتماعية (توقعات الآخرين وسلوكياتهم)، والتعلم من الأخطاء؛ لأن الخطأ دليل على عدم فهم المعاني التي تخص الأفكار أو المشاعر أو السلوك، مع الأخذ بعين الاعتبار ضعف الدافعية إلى المشاركة لدى أطفال التوحد.
أعراض المشاكل السلوكية لدى أطفال التوحد
يظهر العديد من أطفال التوحد سلوكيات يمكن القول عنها بأنها سلوكيات وسواسية – قهرية، فردية (Obsessional)، وكأن كل طفل معزول عن الآخر، هذا يضع قطع الطوب بعضها فوق بعض، وذاك يفك عجلات العربة، وآخر يرمي الأشياء تحت الكرسي، أو يهتم بجمع العملات، أو ورق الشجر… إلخ. ومع تقدم العمر، ولدى حالات القدرات العقلية العالية تصبح السلوكات أكثر تعبيراً عن الأنانية، ويصعب تفسير ذلك لأن طفل التوحد على حد تعبير (سيرث جوليفي) هو كتلة متداخلة يصعب فهمها، وكلما كان الفرد أقل في قدراته وإدراكاته زادت مخاوفه، وأشكال سلوكه الأناني والوسواسي، ومن ثم يزداد معدل ظهور هذه الأنماط من السلوك، ونتيجة لخصائص التفكير الوسواسي نجد أن كثيراً من حالات التوحد تهتم بجمع معلومات عن الأغنيات الشهيرة، أو الأسطوانات، أو برامج الألعاب، أو الميداليات، أو الأفلام، أو أبطال الرياضة، أو الأحداث الرياضية، أو التنجيم، أو البرامج الفكاهية،… ومنهم من يكون لديه ثروة من المعلومات يحتفظ بها في ذاكرته، وهم غالباً ما يشترون مجلات وكتباً وأفلاماً تتعلق باهتماماتهم الخاصة، ومن المؤسف أن بعض أسر أطفال التوحد تفسّر هذه الاهتمامات برفض تشخيص التوحد، وبأن الطفل ذكي جداً، وقد يرقى إلى درجة المبتكرين، أو حالات الإبداع وما شابه ذلك، وهذا ما يجعل الأهل يهملون مشكلة طفلهم، وينتظرون من الطفل الكثير، إلى أن تخفق توقعاتهم بسبب الإخفاق الدراسي في المدرسة، أو بسبب السلوكيات المضطربة المصاحبة للتوحد.
إن طفل التوحد يقاوم التغيير ويحبط إذا وقع في بيئته تغيير غير مسبوق، كما أنه يميل إلى جمع الأشياء وخاصة في عمر البلوغ، والتمسك بالروتين الشديد، والقيام بحركات متكررة مثل النقر، أو التصفيق، وهي دليل على الإحباط والإزعاج أو الإثارة، هذا بالإضافة إلى المخاوف المرضية (phobias)، وينصح عادة بمعرفة الأسباب وراء حدوث السلوك، وإحداث تغييرات متدرجة في برامج التغيير، وإدخال سلوكيات بديلة، وصياغة عقود للتغيير، حيث إن الأهل غالباً ما يطلبون المساعدة بعد أن تكون الأعراض قد استفحلت أو انتشرت، لذلك يجب التغيير ببطء وحذر، حتى الوصول إلى الهدف، وهذا قد يستغرق أشهراً أو سنوات… مع الاستفادة من مساعدة الآخرين، وبرامج التحكم بالذات، وتعديل السلوك بطريقة الكف المتبادل (Reciprocal inhibition)، والاسترخاء، والموسيقى، وغير ذلك.