هناك العديد من الإرشادات الغذائية للأطعمة، لكن ماذا عن المشروبات؟ هيئة إرشادات الأشربة تشكلت بغرض تقديم “التوصيات بشأن الفوائد الغذائية والصحية النسبية وكذلك المخاطر الصحية والغذائية لفئات المشروبات المختلفة”. وتشمل الهيئة شخصيات من كلية الصحة العامة بجامعة هارفارد. خبراء الهيئة يرتبون الأشربة على مقياس من ست درجات من الأحسن إلى الأسوأ. ولا عجب أن تأتي الصودا في المركز الأخير بالطبع. في حين جاء اللبن كامل الدسم في فئة واحدة مع البيرة، بتوصية بعدم تناول أي قدر منه. إن مبرر الهيئة لهذه التوصية أن ثمة علاقة بين اللبن وسرطان البروستاتا، كما أن له علاقة بسرطان المبيض العنيف، “ربما يعود ذلك لأثره الموثق على عامل النمو شبيه الأنسولين.” والقهوة والشاي – دون مبيضات أو محليات – جاءا كثاني أصح المشروبات، بعد الماء مباشرة، والذي يأتي على رأس قائمة المشروبات.
اشرب خمسة أكواب ماء كل يوم، وليكن ماء صنبور عاديًّا أو بنكهة بالفواكه، أو أوراق الشاي، أو الأعشاب. فإن الحفاظ على مستوى الماء في الجسم يساعد على تحسين المزاج (والحيوية!)، ويحسن تفكيرك، وقد يساعد على خفض احتمالات الإصابة بالقلب وسرطان المثانة، وغيرها من الأمراض.
أفضل مصادر المشروبات
الشاي الأسود، شاي كرك، شاي البابونج والفانيليا، القهوة، شاي إيرل غراي، الشاي الأخضر، الكركديه، الشيكولاتة الساخنة، شاي الياسمين، شاي بلسم الليمون، شاي الماتشا، شاي الأولونج بزهر اللوز، شاي النعناع، المريمية، الماء، الشاي الأبيض.
حجم الوجبة: كوب واحد (340 جراما)
المقدار اليومي: خمس مرات يوميا
الماء
الماء هو أصح مشروب على الإطلاق – لكن كم منه يكون قليلًا، وكم منه يكون أكثر من اللازم؟ وكان الماء يوصف بأنه مادة “مهملة وغير مقدرة ولا تلقى القدر الكافي من البحث”، لكن هناك العديد من الدراسات التي تكشف الحاجة لشرب الماء والتي مولتها شركات تعبئة المياه. وقد اتضح أن العبارة الشائعة التي تقول: “اشرب ثمانية أكواب من الماء على الأقل”، هي توصية لا تستند إلى دليل علمي موثوق به.
التوصية بشرب ثمانية أكواب يوميًّا تعود ربما إلى بحث علمي أجري في عام ١٩٢١ قام فيه الباحث بتقدير كمية بوله وعرقه وانتهى إلى أنه يفقد ٣٪ من وزنه ماء يوميًّا، وهو ما يعادل ثمانية أكواب تقريبًا. وعليه وطيلة هذه الفترة، اعتمدت إرشادات شرب الماء للإنسانية جمعاء على قياس بول وعرق شخص واحد فقط.
لكن لدينا الآن أدلة متواترة على أن عدم شرب ما يكفي من الماء يرتبط بعدة مشكلات، بما في ذلك السقوط والكسور وضربات الشمس واضطرابات الرئة وأمراض الكلى وحصوات الكلى وسرطان القولون والمثانة وعدوى الجهاز البولي والإمساك ومرض جفاف العين وتسوس الأسنان وضعف المناعة وإعتام العين. إلا أن المشكلة في العديد من هذه الدراسات أن قلة شرب الماء عادة ما يرتبط كذلك بالعديد من السلوكيات غير الصحية الأخرى، من ذلك قلة تناول الفاكهة والخضر، وزيادة تناول الأطعمة السريعة، وقلة استهلاك المنتجات الزراعية.
تدبر الوضع إذن – من الذي يتناول الكثير من الماء؟ أولئك الذين يكثرون من ممارسة الرياضة. فلا عجب إذن أن أكثر الناس استهلاكًا للماء هم أقل الناس إصابة بالأمراض.
والتجارب مزدوجة التعمية الكبيرة والمكلفة هي وحدها القادرة على تقديم إجابات قاطعة على هذه الأسئلة. لكن لأن أحدًا لا يمكنه الحصول على براءة اختراع بالماء، فلا أحد يرغب في إجراء هذه التجارب. ونتيجة لذلك نبقى مع التجارب التي تربط فقط بين قلة شرب الماء والأمراض لكن هل يمرض الناس من قلة شرب الماء، أم أنهم لا يشربون ما يكفي من الماء لأنهم مرضى؟ كانت هناك بضع دراسات استشرافية كبرى قامت بقياس مقدار شرب الماء قبل الإصابة بالمرض. فمثلًا، وجدت دراسة لجامعة هارفارد شملت أكثر من ثمانية وأربعين ألف رجل أن احتمالات الإصابة بسرطان المثانة تتقلص بمقدار ٧٪ مع كل كوب تضيفه إلى كمية سوائلك اليومية. شرب الماء بكميات كبيرة – لنقل ثمانية أكواب يوميًّا – قد يقلص فرص الإصابة بسرطان المثانة إلى النصف، ما يعني إمكانية إنقاذ حياة ألوف الأشخاص.
لعل أهم دليل نمتلكه على توصية محددة بكمية محددة من الماء يجب علينا شربها يوميًّا أتتنا من دراسة صحة إحدى الجمعيات العرقية؛ حيث خضع عشرون ألف رجل وامرأة للدراسة. إن أولئك الذين كانوا يشربون خمسة أكواب أو يزيد من الماء كل يوم تتقلص إلى النصف تقريبًا احتمالات وفاتهم بأمراض القلب وذلك بالمقارنة بأولئك الذين يشربون كوبين أو أقل من المياه. نصف مجموعة الدراسة تقريبًا كانوا من النباتيين الذين يحصلون على المزيد من المياه بتناولهم المكثف للخضراوات والفاكهة. وكما بينت دراسة جامعة هارفارد يبقى هذا الأثر قائمًا حتى مع الأخذ في الحسبان المؤثرات الأخرى، مثل النمط الغذائي والرياضة، ما يعني أن الماء كان هو السبب، ربما بخفضه من نسبة لزوجة الدم (أي بتحسين تدفق الدم).
بناء على أوثق الأدلة المتاحة إلى الآن، تقوم السلطات في أوروبا، وأكاديمية الطب الأمريكية، ومنظمة الصحة الدولية بالتوصية بشرب ما بين ثمانية إلى أحد عشر كوبًا من الماء يوميًّا بالنسبة للنساء وما بين عشرة أكواب إلى خمسة عشر كوبًا للرجال. وهذه التوصيات تشمل الماء من شتى المصادر، وليس من خلال المشروبات فحسب. أنت تحصل بالفعل على أربعة أكواب من خلال طعامك ومن الماء الذي ينتجه جسدك بنفسه، وعليه فإن هذه التوصية تترجم إلى ما بين أربعة وسبعة أكواب من الماء كل يوم بالنسبة للنساء، وما بين ستة إلى أحد عشر كوبًا للرجال (بافتراض القيام بنشاط رياضي متوسط في درجة حرارة معتدلة).
يمكنك كذلك الحصول على الماء من كل المشروبات الأخرى التي تتناولها، بما في ذلك المشروبات المحتوية على الكافيين، مع استثناء المشروبات الكحولية مثل المشروبات المقطرة. والقهوة، والشاي، تتركك بماء أكثر مما كان لديك قبل تناولها، لكن الخمر تقلل المياه في جسمك. لكن لاحظ، في دراسات أمراض القلب والسرطان المذكورة آنفًا، ترتبط الفوائد الصحية كلها تقريبًا باستهلاك الماء مباشرة، وليس المشروبات المختلفة.
الخلاصة: إن لم تكن لديك حالة قصور بالقلب أو فشل كلوي أو طلب منك طبيبك تقليص استهلاكك للسوائل، فأنا أوصيك بشرب خمسة أكواب من ماء الصنبور يوميًّا. أفضل مياه الصنبور ليس فقط لأنها أقل كلفة اقتصادية وبيئية بل لأنها أقل تلوثًا كيميائيًّا وبيولوجيًّا من الماء المقطر.
لكن شرب الماء، كما تعلم، أحيانًا ما يكون مملًّا. فحاول أن تضيف الفاكهة أو الخضر الطازجة كما يفعلون في المراكز الصحية الفاخرة والفنادق الفارهة. أحب إضافة الفراولة المجمدة بدلًا من مكعبات الثلج. وأحيانًا أضيف قطرات من مركز عصير قوي، مثل الكرز اللاذع أو الرمان. شرائح الخيار، قشور الزنجبيل، عود من القرفة، الخزامى، ورقة نعناع أو اثنتان يمكن كذلك استخدامها كإضافات منعشة. وأحدث وأفضل النكهات عندي تشمل خلط شرائح اليوسفي والريحان الطازج أو التوت الأسود المجمد مع المريمية الطازجة.
في تجربة مزدوجة التعمية للمقارنة بين أثر الماء الفوار والماء العادي وجد أن الماء المكربن يحسن من حالات الإمساك وسوء الهضم، وكذلك الانتفاخ والغثيان.
ماذا لو شربت الماء وأضفت له أحد البقوليات أو الخضراوات الورقية – مثلًا حبوب القهوة أو أوراق الشاي؟ ألا تكون بذلك قد حصلت على حاجتك من الماء وفوقها الإفادة من مغذيات إضافية؟ كوب من القهوة السوداء، أو الشاي، أو الشاي العشبي فقط مقابل سعرين حراريين، ما يوفر فائدة غذائية كبيرة مع كلفة قليلة من السعرات الحرارية. فكر في المشروبات الصحية في مقابل وجبات الأطعمة السريعة: حيث توفر الأطعمة السريعة سعرات حرارية كثيرة مع قيمة غذائية شحيحة، بينما المشروبات الصحية توفر قيمة غذائية كبيرة مع سعرات حرارية قليلة. لكن إلى مدى تكون الفعالية الصحية للقهوة والشاي؟
القهوة
القهوة مفيدة للكبد والعقل والمخ. فماذا عن طول العمر؟ هل صحيح أن أولئك الذين يشربون القهوة يحيون عمرًا أطول من أولئك الذين لا يشربونها؟
دراسة التغذية والصحة التي أجرتها وكالة معاهد الصحة الوطنية، وهي أوسع دراسة استشرافية أجريت على الإطلاق حول الغذاء والصحة، وضعت هذا السؤال محل البحث. صحيح، شرب الكثير من القهوة مرتبط بعمر أطول، لكن التأثير ليس كبيرًا. أولئك الذين يشربون ستة أكواب أو يزيد من القهوة كل يوم تنخفض معدلات وفياتهم بنسبة تتراوح بين ١٠ و١٥٪ لتراجع إصاباتهم بأمراض القلب والجهاز التنفسي والسكتات والإصابات والحوادث ومرض السكري وحالات العدوى. لكن حين بحثت إحدى الدراسات في حالة الأشخاص الأقل سنًّا من الخامسة والخمسين، وُجِدَ أثر مناقض للتأثير السابق: شرب أكثر من ستة أكواب من القهوة يوميًّا مرتبط بزيادة في احتمالات الوفاة. وعليه، وبحسب الباحثين: “من الأفضل بالنسبة للأشخاص الأصغر سنًّا تحديدًا أن يتجنبوا الإفراط في تناول القهوة (أقل من ٢٨ كوبًا في الأسبوع أو أقل من ٤ أكواب في اليوم)”.
الخلاصة، ووفق جميع الدراسات المتاحة إلى الآن، هي أن تناول القهوة مرتبط بانخفاض محدود في معدل الوفيات، بنسبة انخفاض في احتمالات الوفاة المبكرة تقدر بـ ٣٪ لكل كوب قهوة يتناول يوميًّا. فلا تقلق، ليس الأمر على شاكلة “إما أن تستيقظ على القهوة أو ألا تستيقظ مطلقًا” – فنتائج الأبحاث توصيفة أكثر من كونها توكيدية بالنسبة لأولئك القلقين بشأن إدمانهم القهوة.
والقهوة ليست للجميع. فمثلًا، كن حذرًا من القهوة إن كنت تعاني الارتجاع المعدي المريئي. وفي حين لم تجد إحدى الدراسات العامة علاقة محددة بين تناول القهوة والأعراض غير الموضوعية لمرض الارتجاع المعدي المريئي، مثل حرقان الصدر والارتجاع، إلا أن العلماء الذين وضعوا أنابيب في حلوق الناس لقياس مستوى الحموضة أو القاعدية وجدوا أن القهوة تثير بالفعل حالة ارتجاع حامضية قوية، بينما لا يفعل الشاي ذلك. لا يبدو أن الكافيين هو المتهم بإحداث هذه الحالة، ذلك أن الماء ذا الكافيين لا يسبب ذات المشكلة. لكن نزع الكافيين عن القهوة يقلل على ما يبدو من مستوى أي مكونات قد تكون مسئولة عن الحالة، حيث ظهر أن القهوة منزوعة الكافيين أقل تسببًا في إحداث الارتجاع. وينصح الباحثون من يعانون الارتجاع المريئي المعدي أن يتحولوا إلى القهوة منزوعة الكافيين أو – وهو الأفضل– أن ينتقلوا إلى شرب الشاي.
الاستهلاك اليومي للقهوة يرتبط كذلك بزيادة في احتمالات الإصابة بكسور العظام بين النساء، لكنه يرتبط، وللمفارقة، بانخفاض احتمالات الكسور لدى الرجال. لكن ليس ثمة ارتباط بين تناول القهوة وكسور الفخذ. وفي حين يرتبط شرب الشاي بانخفاض احتمالات كسور الفخذ لا يبدو له أثر ذو بال على احتمالات الكسور بشكل عام. وهذا فارق مهم؛ لأن كسور الفخذ مرتبطة بمعدلات مأمول حياة أقل أكثر من ارتباطها بأنواع كسور أخرى.
الأشخاص الذين يعانون المياه الزرقاء، أو حتى أولئك الذين لديهم تاريخ عائلي في الإصابة بها عليهم تحاشي القهوة بالكافيين. ويرتبط تناول القهوة بالإصابة بسلس البول عند النساء والرجال. وهناك تقارير حالات لأفراد بحالات صرع تراجعت أعداد نوباتهم بعد التوقف عن تناول القهوة؛ ولذا فإن تحاشي القهوة ربما يكون إجراء يستحق المحاولة لمن يعانون تلك النوبات. وأخيرًا، لا يفوتنا القول إن أولئك الذين يعانون اضطرابات في النوم عليهم كذلك ألا يفرطوا في شرب القهوة. كوب واحد من القهوة في أثناء الليل كفيل بإحداث تدهور كبير في جودة نومك.
واللغز في أن بعض الدراسات أظهرت أن تناول القهوة يرفع الكوليسترول، ودراسات أخرى قالت بعكس ذلك تم حله حين اكتشف أن العنصر الذي يرفع الكوليسترول في القهوة هو قابل للذوبان في الدهون. ذلك العنصر المتهم، الكافيستول، يوجد في زيوت حبوب القهوة التي تعلق الفلتر الورقي؛ ولذا فإن القهوة المقطرة لا ترفع الكوليسترول بقدر ما تفعل القهوة الفرنسية، أو المغلية، أو القهوة التركية. ولا تختلف الحال بدرجة تحميص الحبوب ولا بنزع الكافيين عنها. إن لم تكن مستويات الكوليسترول مثالية، فعليك أن تلتزم بتناول القهوة المفلترة أو الفورية، والتي لا تحتوي على هذه المكونات. إن لم تجد هذه المعالجات، ففكر بتحاشي شرب القهوة نهائيًّا، فحتى القهوة المفلترة قد ترفع مستويات الكوليسترول بنسب بسيطة.
كنا نعتقد في السابق أن الكافيين يزيد من مخاطر اضطراب نبض القلب والرجفان الأذيني، لكن ذلك الاعتقاد كان وفق تقارير حالة تضمنت حالات استهلاك كبيرة جدًّا من الكافيين (بما في ذلك حالة ألقي اللوم فيها جزئيًّا على استهلاك مفرط للشيكولاتة لدى إحدى النساء). نتيجة لذلك، أصبح القول بأن الإفراط في تناول الكافيين يؤدي إلى اضطراب في نبض القلب من “العلم العام الشائع،” وهي فرضية قادت إلى تغييرات في الممارسات الطبية. لكن مؤخرًا، أجريت دراسة كشفت عن أن تناول الكافيين لا يزيد احتمالات خفقان الأذيني. بل إن تناول “جرعة مخفضة” من الكافيين، والتي تعرف بشرب ما يقل عن ستة أكواب من القهوة يوميًّا، قد يكون له أثر وقائي على انتظام ضربات القلب.
إن الاستهلاك المعتدل للكافيين للبالغين الأصحاء من غير الحوامل ليس آمنًا فحسب بل وجد أنه يزيد الطاقة والانتباه ويحسن الأداء البدني والحركي والإدراكي. ورغم تلك المنافع، ذكرت مجلة طبية أن على الأطباء: “ألا يسرفوا في القول بأمان الكافيين… وذلك نظرًا للانتشار الكبير لمشروبات الطاقة التي تحوي نسبًا هائلة من الكافيين..”. فشرب دزينة من مشروبات الطاقة المثقلة بالكافيين قد يؤدي بلا شك إلى جرعة زائدة قاتلة من الكافيين. ما يعني أن تناول أكواب قليلة من القهوة قد يطيل قليلًا في عمرك بل قد يقلل نسبيًّا من احتمالات إصابتك بالسرطان.
لكنني لا أستطيع التوصية بشرب القهوة، فما السبب؟ لأن كل كوب من القهوة تشربه هو فرصة ضائعة لشرب مشروب أصح – مثل كوب من الشاي الأخضر.
الشاي
الشاي الأسود والأخضر والأبيض ثلاثتهم يُصنعون من أوراق ذات الشجرة دائمة الخضرة. أما الشاي العشبي فهو صب الماء الساخن على أي نبات بالعالم إلا نبات الشاي.
فما الشيء المميز جدًّا في شجرة الشاي؟ إن المغذيات النباتية في نبات الشاي يبدو أنها من القوة؛ بحيث يمكنها مواجهة المرض حتى من خلال تعريض البشرة له. فمثلًا، فالاستخدام السطحي للشاي الأخضر في شكل مرهم على الثآليل التناسلية يؤدي لنتائج رائعة بنسبة شفاء تصل إلى ١٠٠٪ في نصف الأمراض التي جرى اختبارها. فلا عجب إذن أن يضم هذا العلاج العجيب إلى قائمة الإرشادات العلاجية للأمراض المنقولة جنسيًّا والتي تصدر عن مراكز مكافحة الأمراض. وهناك تقرير حالة لافت لامرأة توقف سرطان الجلد لديها بعد الاستخدام السطحي للشاي الأخضر. فإن كان للشاي الأخضر مثل هذا الأثر الخارجي، فما بالك بما له قدرة عليه داخليًّا؟
يلعب الشاي الأخضر دوراً في اتقاء الإصابة بسرطان الثدي. إن شرب الشاي قد يحمي من الإصابة بالأورام النسائية الخبيثة، مثل سرطان المبايض وسرطان بطانة الرحم، كما يخفض الكوليسترول، وضغط الدم، وسكر الدم، والدهون ويحمي المخ من تدهور القدرات الإدراكية والسكتات الدماغية. ويرتبط تناول الشاي كذلك بانخفاض احتمالات الإصابة بالسكري، وفقدان الأسنان، ويخفض إلى النصف احتمالات الوفاة بالالتهاب الرئوي. وأولئك الذين يعانون حساسية موسمية يفيدون من شرب الشاي. وقد أظهرت التجارب مزدوجة التعمية أن شرب ثلاثة أكواب من شاي بينيفوكي الياباني الأخضر يوميًّا تبدأ قبل ما بين ستة إلى عشرة أسابيع قبل موسم اللقاح يقلل بشكل لافت من أعراض هذه الحساسية.
الشايان الأخضر والأبيض كلاهما أقل تعرضًا للمعالجة من الشاي الأسود وهما الأكثر تفضيلًا على الأغلب. إن الشاي الأبيض يصنع من أوارق الشاي الصغيرة وسمي كذلك للون الشعيرات البيضاء الفضية على سطح البراعم الصغيرة غير الناضجة؛ أما الأخضر فمن الأوراق الأكثر نضجًا. فأيهما أصح؟ يبدو أن الإجابة تتوقف على إضافة الليمون إلى الشاي من عدمه. إذا شربت الشاي من دون الليمون، فالأخضر سيكون أفضل من الأبيض. أما إن أضفت الليمون، فسيكون الشاي الأبيض أصح. والسبب أنه في حين يتميز الشاي الأبيض بمغذيات أكبر، فإنها لا تتحرر إلا في مستوى حامضي معين.
بخصوص إمكانية الوقاية من السرطان، أظهر كل من الشاي الأخضر والشاي الأبيض القدرة على الوقاية من تلف المادة الوراثية مختبريًّا في مواجهة PhIP. لكن الشاي الأبيض يظهر تفوقًا على الأخضر بإيقاف تلف المادة الوراثية بنسبة تصل إلى ١٠٠٪، حيث يوقف الشاي الأخضر ٥٠٪ فقط من حجم التلف. إن “الأثر القوي المضاد للتحور الجيني” في الشاي الأبيض مقارنة بالشاي الأخضر حصل في زمن تخمر قدرة دقيقة واحدة. وفي معظم مقادير الشاي التي تم اختبارها لا يؤدي تخمير ورق الشاي لأكثر من ذلك لأية فائدة إضافية. أما فيما يتعلق بمضادات الأكسدة، فلا ينبغي وضعه في الماء أصلًا.
النقع البارد هو طريقة شائعة لإعداد الشاي في تايوان، خاصة خلال فصول الصيف. وشاي الماء البارد ليس كالشاي المثلج الذي نعرفه، والذي تنقع فيه الشاي في الماء ثم تقوم بتبريده. لكن النقع البارد للشاي يتضمن وضع الشاي في ماء بارد ثم تركه في درجة حرارة الغرفة أو في الثلاجة لمدة ساعتين. هذه الطريقة تقلل الكافيين وتخفض درجة المرارة وتحسن النكهة. لكن ما الذي يجنيه النقع البارد على المغذيات في الشاي؟ قد تظن أن الماء البارد غير قادر على نزع العديد من مضادات الأكسدة. وعلى كل حال استخلاص المغذيات هو الهدف المفترض من نقع الشاي بالماء الساخن، أليس كذلك؟ لقد تصدت مجموعة من الباحثين للمقارنة بين نشاط مضادات الأكسدة في شاي الماء البارد وشاي الماء الساخن. حيث خلطوا بعض الكوليسترول الضار مع الجذور الكيميائية السائبة وحسبوا الوقت اللازم لتأكسد الكوليسترول في وجود شاي الماء البارد وفي وجود شاي الماء الساخن.
المدهش أن شاي الماء البارد أظهر تفوقًا لافتًا في حصار الأكسدة. (لا يوجد أثر ملحوظ للنقع الساخن على فاعلية مضادات الأكسدة). ويعتقد الباحثون أن الماء الساخن للشاي قادر على تدمير بعض أكثر مضادات الأكسدة حساسية في الشاي الأبيض. أنا لم أعد أسخن ماء الشاي؛ فقط أتركه لليلة داخل الثلاجة. إن النقع البارد للشاي يوفر الوقت والجهد، وربما يكون أصح.
ولن يكون عليك أن تشغل بالك كثيرًا بحجم ما استخلص من مغذيات من أوراق الشاي، إن أكلتها. الماتشا هو شاي أخضر مطحون، يتم إنتاجه من خلال طحن أوراق الشاي الكاملة لتكون مسحوقًا رقيقًا يمكن إضافته مباشرة إلى الماء. فلماذا نهدر هذه المغذيات بإلقاء كيس الشاي في النهاية، بينما بالإمكان تناول الأوراق ذاتها خلال شرب الشاي؟ إن شرب الشاي المنقوع أقرب إلى غَلْي حلة من أوراق الكرنب ثم رمي الأوراق وشرب ماء الطهو. صحيح أن بعض المغذيات يعلق في الماء، لكن أليس من الأفضل تناول الأوراق ذاتها؟ ولهذا أضع أوراق الشاي الكاملة بين محتويات عصائري الخضرية. فتلك طريقة رائعة لدمج الشاي في نظامك الغذائي إن كان شرب الشاي على معدة خاوية يسبب لك اضطرابًا. إذا استطعت استساغة طعم الماتشا (أراه أقرب إلى طعم الحشائش)، يمكنك حمل أكياسه معك أينما حللت لتضع البعض منه فقط في قارورة ماء ومن ثم ترجها. لغذاء خال تمامًا من السعرات الحرارية، يمكنك شرب هذه الأوراق الخضراء الداكنة طوال اليوم.
فإن كان للشاي الأخضر هذه الفائدة، فلِمَ لا تأخذ خلاصته في حبة دواء؟ لأن عشرات من تقارير الحالات أرجعت حالات تسمم الكبد إلى استخدام هذه الحبوب – بخلاف أن الأفضل دائمًا هو تناول الغذاء الكامل وليس تناول مركز “مادة فاعلة”. لكن ثمة نوعًا من الشاي أظل دائمًا بعيدًا عنه. فوفق حالات لنواتج خطرة وشبه قاتلة ارتبطت بتناول شاي الكومبوتشا، وهو نوع من الشاي المختمر، لا ينصح مطلقًا بتناول هذا النوع من الشاي، حيث انتهى الأمر بأحد الأشخاص إلى غيبوبة كاملة عقب تناوله.
هل هناك أية محاذير من التناول المنتظم للشاي؟
يبدو أن محتوى الشاي من الفلورايد هو ما يدعو لتحجيم تناوله. يأخذ نبات الشاي الفلورايد بصورة طبيعية من التربة، وهو ما يجعل تناول الشاي أحد عوامل مقاومة التسوس، لكن كثرة الفلوريد سامة. ورد تقرير حالة في دورية نيو إنجلاند جورنال أوف ميديسن ويصف حال امرأة بدأت تعاني ألمًا في العظام بعد سبع عشرة سنة من التناول المنتظم لإبريق من الشاي مصنوع من قدر يتراوح بين ١٠٠ و١٥٠ كيس شاي يوميًّا. وهذه كمية كبيرة جدًّا.
وللوقاية من تسمم الفلور الهيكلي، ينبغي على البالغين ألا يشربوا أكثر مما يعادل عشرين كيس شاي أسود يوميًّا ولعشرين سنة متصلة، أو ثلاثين كيسا يوميًّا من الشاي الأخضر، أو ثمانين كيسًا من الشاي الأبيض يوميًّا. وللوقاية من تسمم الأسنان بالفلورايد، وهو تغير غير ضار لكن بشع للون الأسنان، فعلى الأطفال أن يقيدوا شرب الشاي فيما لا يتجاوز ثلاثة أكياس شاي يوميًّا (أو أربعة أكياس من الشاي الأخصر أو اثني عشر من الشاي الأبيض), وذلك خلال فترة نمو أسنانهم، حتى الوصول إلى سن التاسعة.
أفضل تحلية
الأبحاث التي تشير إلى أن إضافة السكر قد تسلب فوائد المشروبات التي يضاف إليها، بينما إضافة المحليات الصناعية مثل الأسبارتام أو الساكرين قد يكون أسوأ. فهل هناك وجود لأية محليات صحية؟ صنفا التحلية المركزان الصحيان الوحيدان هما المولاس الأسود وسكر البلح. أما المحليات الطبيعية الأخرى مثل العسل، وسكر القصب فمحدود المعالجة، والقيقب، والآجاف، وشراب الأرز البني ليس فيها الكثير من المغذيات. سكر البلح هو غذاء كامل – مجرد بلح مجفف مطحون – ومثله معجون البلح والخوخ المجفف، والذي يمكن صنعه في المنزل أو شراؤه. وهذه كلها خيارات جيدة للمخبوزات، لكن بالنسبة لتحلية المشروبات، فربما يكون طعام المولاس بالغ الشدة، وعناصر التحلية بالأطعمة الكاملة لا تذوب تمامًا في الشراب.
فماذا عن الستيفيا؟ خلال تسعينيات القرن الماضي، انتهى بحث ياباني إلى أن الستيفيسايد، وهي المادة الفعالة في الستيفيا، غير ضارة. لكن في أمعاء الفئران، حولت بكتيريا معوية هذه المادة إلى مادة سامة تسمى ستيفويل، والذي قد يكون سببًا في تحور جيني ضخم للمادة الوراثية. وللأسف، يوجد ذات النشاط البكتيري في أمعاء البشر. لكن ما الجرعة التي تصل إلى حد السمية؟ تعتبر منظمة الصحة العالمية ما يصل إلى ١.٨ مليجرام من مركبات الستيفيا لكل رطل من الجسم حدًّا آمنًا. لكن علمًا بما لدى الأمريكيين من ميل إلى السكر، فإن تحلية كل شيء بالستيفيا، قد تجاوز بك حد الأمان. لكن تناول شرابين يوميًّا حُلِّيا بالستيفيا لن يكون ضارًّا.
إن كحوليات السكر مثل السوربيتول والإكزيلتول ليست ضارة بحد ذاتها، لكنها لا تمتص في الجسم وتنتهي بها الحال في القولون حيث تسحب السوائل وتسبب الإسهال. ولذلك تستعمل تجاريًّا في كميات صغيرة مثل التي في النعناع أو اللبان، بخلاف ما يكون في المشروبات. لكن ثمة مركبًا آخر، هو الإريثريتول، يتم امتصاصه في الجسم وهو غير ضار مثل الإكزلتول ولا يسبب الإسهال مثله.
ويوجد الإريثريتول بشكل طبيعي في الكمثرى والعنب، لكن على المستوى التصنيعي تستخدم الخميرة لإنتاجه. لا يسبب التسوس، ولا يرتبط بالفيبروميالجيا، أو الولادة المبكرة، أو ارتفاع ضغط الدم، واضطرابات المخ، أو الاضطرابات الصفائحية كما هي الحال مع غيره من المحليات. وفوق هذا، قد يكون للإريثريتول دور كمضاد للأكسدة. لكن كغيره من المواد المصنعة، يجب أن تنحصر الاستفادة منه على تكثير تناولك الأغذية الصحية. فمثلًا، لو أن السبيل الوحيد لتناول الجريب فروت هو رش بعض السكر عليه، فالأفضل بالتأكيد تناول الجريب فروت بالسكر بدلًا من عدم تناوله مطلقًا – لكن الرش بالإيرثريتول سيكون أفضل. تبعًا لهذا المنطق، أنا أستخدم الإيرثريتول لزيادة استهلاكي للعنبية، ومسحوق الكاكاو، والكركديه. لكن احذر. هناك ثلاث طرق تجعل حتى من المحليات غير الضارة نظريًّا مواد ضارة. على مدى سنوات، وفي دراسات عديدة وواسعة النطاق، وجد ارتباط بين استخدام المحليات الصناعية وزيادة الوزن. التفسير الأكثر شيوعًا لهذه النتيجة الغريبة هو معكوس السبب: لا يسمن الناس لأنهم يشربون الصودا قليلة السعرات؛ بل يشربون الصودا محدودة السعرات لأنهم بدناء.
لكن هناك ثلاثة تفسيرات بديلة أخرى أكثر شرًّا. الأول يسمى “الإفراط في التعويض لنسبة الخفض المتوقعة في السعرات”. لو بدلت سرًّا المياه الغازية بأخرى قليلة السعرات دون أن يعرف متناولها، فسوف ينخفض معدل السعرات. وهذا طبيعي لكون الشارب لا يتناول كل هذا السكر في الصودا. لكن إن أعلنت ما فعلت؟ فإن الشخص الذي يعلم فعلًا أنه يتناول مواد تحلية صناعية قد يستهلك سعرات أكثر بالنهاية؛ فقد يظن أنه بعد تناول مشروب خال من السعرات أن بإمكانه الاستمتاع بقطعة ثانية من الفطيرة. وهذا ما أوضحته الدراسات. فمثلًا، إذا أعطيت الناس حبوب إفطار محلاة بالأسبارتام، لكنك أعلمت نصفهم فقط بأن عنصر التحلية صناعي، فإنه حين يأتي الغداء، سيتناول أولئك الذين علموا بأمر الأسبارتام كمية طعام أكثر من تلك التي يتناولها الذين لم يعرفوا بأمره. أتذكر هذه القاعدة في كل مرة أرى فيها شخصًا بمطعم وجبات سريعة يطلب علبة الصودا بلا سعرات.
التفسير الثاني لارتباط زيادة الوزن بمواد التحلية الصناعية وهو يقوم على طبيعة تطور البشر: حين يسجل مخك إحساس الحلاوة على لسانك، تذكر ملايين السنوات من التطور مخك بأن يحفز شهيته لتناول أكبر قدر ممكن – وعلى كل حال الأطعمة النباتية الحلوة مثل الفاكهة أو البطاطا هي من أصح المأكولات على الإطلاق. حين تشرب علبة مياه غازية، يتصور مخك أنك على الأرجح في أكمة توت أزرق، ويرسل الإشارات اللازمة التي تفيد بالتناول السريع والكثيف قبل أن يأتي أحدهم ليستولي على خبيئتك. في الوقت ذاته يدرك جسمك أن تناول المزيد من السعرات يعني سمنة بالغة وأنك لن تصبح قادرًا على مجاراة الأنشطة؛ ولذا فحين تشعر أمعاؤك بالوصول إلى حد الكفاية من السعرات، فإنها ترسل إشارة للمخ لحثه على إيقاف الأكل. لكن حين تأكل طعامًا بمحليات ذات سعرات قليلة، تمر بتجربة تحفيز التناول السريع بفعل إحساسك بالحلاوة في لسانك، لكنك لن تمر بتجربة وقف التناول للسعرات التي تدخل أمعاءك. والنتيجة شهية مفتوحة قد تقودك إلى تناول طعام أكثر بكثير مما كنت لتأكله أصلًا. وتلك هي الطريقة الثانية التي تؤدي بالصودا لزيادة وزنك.
والطريقة الثالثة هي الاحتفاظ بميل لكل الأطعمة الحلوة والارتباط الإدماني بها. باستمرارك في تناول المحليات – ذات السعرات أو منزوعة السعرات – تفقد القدرة على التمييز بين نكهاتك المفضلة والأطعمة شديدة الحلاوة. لنقل إنك تستخدم الإريثريتول. هذا رائع، لكن ماذا عما يحدث حين تكون في عطلة ولا تجد طريقة للوصول إليه؟ يسافر معك تفضيلك للأطعمة ذات السكر القوي، وينتهي ذلك بزيادة في استهلاك أطعمة أقل صحية.
الخلاصة؟ يبدو الإريثريتول آمنًا، لكن إن لم تستخدمه كعذر لتناول المزيد من الأطعمة السريعة غير الصحية. فمع الحلاوة الكبيرة مسئولية عظيمة.