بدأت المشاكل في نطاق العمل، مجرد أشياء بسيطة: أخطاء في الملفات، نسيان أسماء بعض الزملاء، ثم نسيان الطريق إلى الكافتريا. اقترح عليها المشرف أنه ربما حان الوقت للتقاعد. من ثم، بدأت الحالة في التدهور. اعتقد طبيبها أن الأمر لا يعدو أعراضاً طبيعية نتيجة الشيخوخة. حتى أتى اليوم الذي ارتدت فيه “جون” ملابس صينية في أحد أيام الشتاء والسماء تمطر ثلجاً، وقتها أدركت عائلتها أن شيئاً خطيراً يحدث لها.
إنها حالة نمطية، يحكيها لنا طبيب الأعصاب د.جاي لومبارد وأخصائي التغذية كارل جيرمانو، مؤلف كتاب Brain Wellness Plan (مخطط صحة المخ). أي شيء أسوأ من أن تفقد عقلك، بينما جسدك لا يزال قادراً على العطاء سنوات عدة؟ لكن هذا ما يحدث لواحد من كل عشرة أشخاص فوق سن الخامسة والستين، وواحد من كل شخصين فوق سن الخامسة والثمانين. وبينما يزداد متوسط الأعمار، فإن داء ألزهايمر، وهو أحد أشهر أسباب العته، يعد حقاً داء القرن. إن القلق الذي يسببه شديد للمريض وعائلته. ويعاني كثير من المرضى في طريقهم نحوه من الاكتئاب والتوتر والارتباك والنسيان. وبدلاً من أن ننتظر حتى يزداد الوضع سوءاً فقد حان الوقت لاتباع إجراءات دفاعية.
ويعتقد الطبيب النفسي “أبرام هوفر” أن مرض ألزهايمر قديم. وأنه كأمراض الضمور الأخرى، يعد عاقبة آجلة لسوء التغذية والتعرض إلى ملوثات المخ. وكأمراض عديدة، تساهم عوامل كثيرة في نشأته وتشمل:
• استعداد جيني
• تراكم السموم في المخ
• سوء التغذية ومشاكل الهضم
• التلف بأثر المؤكسدات
• مشاكل الدورة الدموية
• الالتهابات
• العدوى الفيروسية
يمكن تجنب أياً مما سبق، عدا الاستعداد الجيني. الجين المسئول يسمى “أبوليبوبروتين E” Apolipoprotein E أو ApoE اختصاراً. ويساعد في نقل الكوليسترول وبناء جدران خلوية سليمة للخلايا المخية. أولئك الذين يورثون نوعاً خاصاً من هذا الجين، يسمى ApoE4، هم أكثر عرضة بثلاث مرات للإصابة بمرض ألزهايمر. يستخدم هذا الجين المعيب كدلالة للتنبؤ بالمرض.
بَيْد أن هذا الاستعداد لا يتحول إلى واقع ما لم تتدخل عوامل أخرى. أحدها العدوى بفيروس هيربس سيمبلكس Herps Simplex Virus، حسب بحث جرى بمعامل مانشستر للبيولوجيا العصبية الجزيئية ونشر في مجلة Lancet عام 1997م. في الواقع، يشير بحث حديث إلى قدرة الفيروسات على إتلاف الجينات والطريقة التي تتم بها ترجمتها. فيتامين “هـ”، والسيلينيوم قادران على إحباط ذلك الأثر. لذا، فمن الممكن أن يؤدي نقصهما إلى الإصابة بمرض ألزهايمر لدى المرضى المصابين بفيروس هيربس. لا يلعب فيتامين “هـ” دوراً فقط في الوقاية من المرض، بل يبطئ أيضاً من تقدمه حال حدوثه. وفي دراسة حديثة تم نشرها في صحيفة New England Journal of Medicine، شملت 341 مريض بمرض ألزهايمر، تناول بعضهم فيتامين “هـ” والبعض الآخر مواد خاملة Placebo. أظهر فيتامين “هـ” قدرة بارعة على الحد من تقدم المرض، مما خفف بعض الأحمال عن كاهل المريض وعائلته. يعتقد د.ليون ثال من جامعة كاليفورنيا، أن نتائج هذه الدراسة قد تغير السياسة العلاجية لهذا المرض في الولايات المتحدة وأجزاء أخرى من العالم.
أمراض القلب والشرايين عامل آخر يساهم في زيادة فرص الإصابة بمرض ألزهايمر. وقد اكتشف د.هوفمان بكلية طب جامعة إيراسمس بروتردام صلة بين وجود ApoE4 وتصلب الشرايين وزيادة فرص الإصابة بمرض ألزهايمر. أكثر النظريات إقناعاً تلك القائلة بأن انسداد الشرايين قد يؤدي إلى ضعف إمداد المخ بالعناصر الغذائية المهمة. وعلى سبيل المثال، تصبح خلايا المخ أكثر قابلية للتلف بأثر الشوارد الحرة إذا لم يصلها ما يكفي من مضادات الأكسدة.
هل يعد ألزهايمر مرضاً التهابياً؟
احتمال آخر، هو أن يكون تصلب الشرايين وألزهايمر ناتجين لحالة مرضية واحدة. يعتمد تشخيص ألزهايمر على وجود رقع من الخلايا الميتة ونواتج التلف داخل المخ. وجدت مادة تسمى “بيتا أميلويد” Beta-Amyloid بمركز هذه الرقع، وهي بروتين مرضي يوجد أيضاً في رواسب تصلب الشرايين. يعد البيتا أميلويد مادة سامة تنتج عندما يعلن الجسم “حالة الطوارئ” لخلل ما، فتسبب التهاباً بينما يزداد نشاط الجهاز المناعي زيادة مفرطة. إنه تسلل نمطى Typical Scenario ينشأ عندما تتجاوز الأحمال البيئية Enviromental Loads قدرة الجسد على التكيف والاحتمال. وقد أثبتت الأبحاث بالفعل أثر العقاقير المضادة للالتهاب في الحماية من ألزهايمر وهو ما يتفق والنظرية التي تعزو تلف خلايا المخ إلى التفاعل الالتهابي العام. كما يعني ذلك أيضاً أن مضادات الالتهاب الطبيعية قد تفيد من الوقاية من هذا الداء.
تعني التفاعلات الالتهابية زيادة إنتاج المؤكسدات، ومن هنا تأتي الحاجة إلى المزيد من مضادات الأكسدة مثل فيتامينات “هـ”، “أ”، “جـ”، البيتا كاروتين. تساعد أيضاً الدهون الأساسية في تهدئة حدة الالتهابات، ونخص بالذكر DHA وهو أحد أنواع دهون أوميجا-3 ويوجد في السلمون والتونا والهيرنج والماكريل. وإلى جانب كونه مضاداً للالتهاب فهو مكون أساسي من مكونات جدر الخلايا المخية ويساعد في تنظيم تدفق الكالسيوم منها وإليها. وذلك بالغ الأهمية لأن زيادة الكالسيوم داخل الخلايا المخية يساعد على إنتاج بروتين البيتا أميلويد السام. يوجد DHA في مكملات زيت السمك الغذائية بالصيدليات.
أحد العناصر المهمة الأخرى التي تدخل في تركيب غشاء الخلية يسمى الفوسفاتيديل سيرين PS، والذي يساعد أيضاً الخلايا على الاتصال. وقد أظهرت دراسات في كلية طب جامعة فاندربيلت أن تناول الـ PS يدعم الذاكرة والقدرة على التعلم ووظائف ذهنية أخرى لدى مرضى ألزهايمر.
تلوث المخ
يوجد بِرُقَعْ ألزهايمر مادة سامة أخرى ألا وهي الألومنيوم. وبينما قدمت دراسات عديدة أدلة بشأن زيادة تراكم الألومنيوم، فليس من الواضح إن كان سبباً أم نتيجة. من المعروف أن الألومنيوم يتراكم مع التقدم في العمر وأنه من الأفضل أن نتجنب التعرض له، أي علينا أن نتلافى الطبخ وتخزين الطعام في رقائق أو أواني الألومنيوم، وعدم استخدام معاجين الأسنان المعبأة في أنابيب ألومنيوم (يفضل أنابيب البلاستيك رغم أنها ليست بالمثالية للأسباب سابقة الذكر)، وعدم تناول مضادات الحموضة التي تحتوي على الألومنيوم. إلى حد ما، يوفر الزنك حماية ضد الألومينوم وغيره من المعادن السامة. لذا، يفضل تناوله بشكل جيد.
مقويات الذاكرة
أياً كان السبب في تلف الخلايا المخية، فإن المحصلة النهائية هي تراجع مستويات نواقل عصبية مهمة، تنتجها تلك الخلايا. يؤدي هذا إلى بطء الاتصال بين الخلايا وفقد الذاكرة والاضطراب الذهني. أحد النواقل الرئيسية يسمى الأسيتيل كولين. وتركز الأبحاث الحالية حول مرض ألزهايمر على إيجاد طرق لزيادة مستوياته. وكما في حالة عقار البروزاك Prozac الذي يوقف تكسير الناقل العصبي السيروتونين (الذي يؤدي نقصه إلى الاكتئاب)، فإن أحدث عقاقير علاج ألزهايمر توقف تحطيم الأسيتيل كولين.
البديل عن تلك الأدوية هو أن تمد المخ بالمكونات الغذائية التي تستخدم في تصنيع الأسيتيل كولين في المقام الأول، وهي الكولين وحامض البانتوثينيك (فيتامين “ب5”). يمتص الكولين بشكل جيد عندما يكون في هيئة فوسفاتيديل كولين. يوجد بديل وهو DMAE، مادة تمر بسهولة إلى داخل الخلايا العصبية ثم تتحول إلى الكولين. الأسماك هي أفضل المصادر الغذائية للكولين والـ DMAE، خاصة السردين الغني أيضاً بحامض أميني مهم يسمى البيروجلوتاميت.
أدى اكتشاف احتواء المخ والسائل الشوكي على كميات كبيرة من البيروجلوتاميت إلى التحقق من هذه المادة كعنصر غذائي ضروري للمخ. ويعد هذا الحامض الأميني وحدة بناء مجموعة جديدة من العقاقير الطبية تسمى النوترويكسي، أشهرها البيراسيتام. أظهرت الدراسات التي تم إجراؤها باستخدام البيراسيتام تحسناً واضحاً في الذاكرة، المزاج، القدرات الذهنية لدى الإنسان والحيوان. تفترض إحدى الدراسات، والتي تم نشرها عام 1988م قام بها د.بيلش وزملاؤه، أن النوتروبيكس قد تؤدي إلى زيادة عدد مستقبلات الأسيتيل كولين في المخ. تم إعطاء فئران متقدمة في العمر البيراسيتام، وهو أحد مشتقات البيروجلوتاميت، مدة أسبوعين. وجد بعدها الباحثون زيادة في عدد مستقبلات الأسيتيل كولين بنسبة 30-40%. يعني ذلك أن جزيئات شبيهة بالبيروجلوتاميت قد يكون لها أثر بناء على الجهاز العصبي. البديل الغذائي هو أن تتناول البيروجلوتاميت ذاته.
إن الأثر الشاحذ للأداء العقلي إثر تناول مكملات غذائية بارعة مثل الفوسفاتيديل كولين، حامض البانتوثينيك، DMAE، والبيروجلوتاميت قد يكون أعظم كثيراً إذا تم تناولها معاً بدلاً من تناولها بشكل انفرادي. وفي دراسة جرت عام 1981م، قام فريق من الباحثين بقيادة ريموند باروتس بمنح فئران تجارب متقدمة في العمر كولين والبيراسيتام. وقد وجدوا أن الفئران التي منحت كلا العنصرين قد سجلت نتائج أفضل بكثير من اختبارات الذاكرة عن الفئران التي منحت البيراسيتام وحده. كما أظهرت النتائج أيضاً أن نصف الجرعة يكفي عندما جُمع البيراسيتام والكولين معاً. بعض المكملات الغذائية الداعمة للمخ تحتوي على خليط من كل تلك المواد الشاحذة لمستويات الأسيتيل كولين، الكولين، DMAE، حامض البانتوثينيك، البيروجلوتامين.
الأكسجين – أهم العناصر
لكي تعمل أي سياسة غذائية، يجب أن تحصل الخلايا العصبية على كل ما تحتاجه من عناصر لازمة لكي تؤدي وظائفها بشكل طبيعي. لا يوجد أهم من الأكسجين. يعوق نقص فيتامين “ب12” وحامض الفوليك والنياسين والدهون الأساسية نقل الأكسجين خلال الجسم.
ولكي تحصل الخلايا على حاجتها منه، فالأمر لا يتوقف على وجود مصدر دموي جيد وحسب. أهم العناصر الضرورية لاستخدام الأكسجين في إنتاج الطاقة: فيتامينات “ب1″، “ب3″، وتلك المضادة للأكسدة فيتامينات “جـ”، “أ”، “هـ”، وعنصر السيلينيوم.
وقد عرف أن نقص فيتامين “ب1” يؤدي إلى تلف دماغي وإحدى المشاكل الخطيرة التي تنتج عن استخدام الكحول بصورة مزمنة هي ما يسببه من نقص فيتامين “ب1″، وهي حالة تسمى متلازمة ويرنيك-كورساكوف Wernicke-Korsakof Syndrome. وأعراضها تشمل التوتر، الاكتئاب، التشكك، الاضطراب، ضعف الذاكرة (خاصة تجاه الأحداث الحديثة)، عدم الإحساس بالوقت، وهو ما لا يختلف كثيراً عن ألزهايمر.
يعد فيتامين “ب3” (النياسين) ضرورياً للغاية فيما يتعلق باستخدام الأكسجين. إذ يدخل في تصنيع مساعد الإنزيم NAD Nicotinamide Adenosine Dinucleotide الذي تحتاجه العديد من التفاعلات التي يستخدم فيها الأكسجين. ودونه قد يصاب الشخص بالبلاجرا Pellagra والشيخوخة المبكرة.
التغذية المثلى – طريقك إلى الأمام
ولكن هل يحصل كبار السن على ما يكفي من هذه الفيتامينات الحيوية؟ للأسف، الإجابة وبكل ثقة “لا”. وعلى أية حال، فما نعتقد أنه يكفي قد لا يكفي، وقد أظهر د.أبرام هوفر أن الخلايا عندما تحرم هذه العناصر الغذائية تصبح في حاجة إلى مئات أضعاف الجرعات الطبيعية التي يوصى بها يومياً.
دراسة تم إجراؤها عام 1975م في الولايات المتحدة وتم فيها اختبار الحالة الغذائية لـ 93 مسناً، وفشلت في أن تجد حتى واحداً منهم في حالة غذائية طبيعية. أغلب النقص كان في فيتامينات “جـ”، “هـ”، “أ”، “ب3”. ووجدت دراسات أخرى نقصاً في حامض الفوليك، الزنك، الحديد، الكالسيوم. ولتجنب أمراض القلب والشرايين نصح كثير من الباحثين كبار السن بطعام قليل الدهن وبالابتعاد عن اللحوم ومنتجات الألبان. ولكن للأسف، قد يؤدي هذا إلى ما هو أسوأ كنقص الزنك، الحديد، الكالسيوم ما لم يتم تحديد نظام غذائي متكامل لهم ويتم منحهم مكملات غذائية.
قد يثبت أن مرض ألزهايمر هو حاصل عقود من سوء التغذية والتعرض للسموم العصبية من الطعام والبيئة. قد يجعل جين ApoE4 بعض الأشخاص أكثر استعداداً من غيرهم للتدهور العقلي، ولكن هذا الخطر لا يتحول إلى حقيقة إلا تحت ظروف معينة. وأعتقد أنه مع التغذية المثلى يمكننا تجنب أي تدهور في الذاكرة (يعاني منه 4 مليون شخص في بريطانيا) وكذلك الإصابة بمرض ألزهايمر نتيجة التقدم في السن. وكما يقول ليونارد لارسون رئيس الجمعية الطبية الأمريكية عام 1960م: “لا يوجد أمراض لكبار السن، ولكن هناك أمراضاً تصيب بعض كبار السن”.
عناصر غذائية للوقاية من مرض ألزهايمر
العناصر الغذائية | جرعة الوقاية | جرعة التدخل العلاجي |
فيتامينات ومعادن(توجد في تركيبات الفيتامينات والمعادن المتعددة) | ||
فيتامين “أ” (بيتا كاروتين) | 15000 و.د | 15000-20000 و.د |
الثيامين (فيتامين “ب1”) | 50 مجم | 250 مجم |
النياسين (فيتامين “ب3”) | 100 مجم | 500-1000 مجم |
حمض البانتوثينيك (فيتامين “ب5”) | 100 مجم | 300 مجم |
سيانوكوبالامين (فيتامين “ب12”) | 100 مكجم | 1 مجم (حقنة أسبوعياً) |
فيتامين “جـ” | 2000 مجم | 4000 مجم |
فيتامين “هـ” | 400 و.د | 1000 و.د |
الزنك | 15 مجم | 30 مجم |
السيلينيوم | 200 مكجم | 400 مكجم |
عناصر غذائية بارعة(توجد في تركيبات خاصة للمخ) | ||
فوسفاتيديل سيرين | 100 مجم | 300 مجم |
بايروجلوتامات | 250 مجم | 750 مجم |
كولين | 500 مجم | 1000 مجم |
DMAE | 100 مجم | 500 مجم |
عناصر غذائية أخرى | ||
دهون أساسية DHA | 150 مجم | 300 مجم |
حامض الليبويك | 200 مجم | 200 مجم |
إن-أسيتيل سيستين NAC | 500 مجم | 1000 مجم |
نبات الجِنْكَة | 150 مجم | 300 مجم |