التصنيفات
صحة المخ والجهاز العصبي

أنواع الصداع

يحدث الصداع بأشكال وأحجام مختلفة. قد تكون النوبات عرضية، لكن بعض الأشخاص يصابون بالصداع كل يوم. بالإضافة إلى ذلك، ثمة أعراض مثل الغثيان قد ترافق أو لا ترافق ألم الرأس.

كيف يميز الأطباء والباحثون إذاَ بين نوع صداع وآخر؟
استناداً إلى سنوات من الخبرة المشتركة في الممارسة والأبحاث الطبية، تعرّف الاختصاصيون إلى أشكال الصداع المختلفة وصنفوا مختلف أنواع الصداع ضمن نظام مفهوم. والواقع أن هذا التصنيف هو أساس التشخيص السريري الذي قد تلقاه من طبيبك.

تصنيف أنواع الصداع

بذلت الجمعية الدولية للصداع (IHS) جهداً لتصنيف وتعريف مختلف أنواع الصداع وذلك في الثمانينات من القرن العشرين. وقد جمعت هذه الجمعية اختصاصيي الصداع من كل أنحاء العالم لمساعدتها في إنشاء التصنيف الدولي للصداع. وتم نشر تصنيف منقح عام 2003. يعتبر هذا النظام المعيار الذهبي لوصف أنواع الصداع وهو يستخدم في الأبحاث كما في بعض حالات الممارسة السريرية.

يوزع هذا التصنيف كل أنواع الصداع إلى 14 مجموعة أساسية. يطلق على المجموعات 1 إلى 4 اسم أنواع الصداع الأساسية، استناداً إلى علاماتها وأعراضها. أما المجموعات 5 إلى 12 فتعرف بأنواع الصداع الثانوية، وقد تم تصنيفها وفقاً لأسبابها المختلفة. وأخيراً، تضم المجموعتان 13 و 14 أشكالاً من الآلام العصبية – ألم مرتبط بالألياف العصبية – وألم الوجه إضافة إلى أشكال نادرة من الصداع لا ترتبط بالمجموعات السابقة.
وتتوزع كل مجموعة صداع إلى أنواع وأنواع فرعية. وثمة شرح مرافق لكل نوع صداع إضافة إلى لائحة من المعايير، بلغة دقيقة وغير غامضة، يحتاجها الطبيب لإجراء التشخيص. وقد تم تعيين الأسماء الموجودة في كل مستوى من نظام التصنيف – مجموعة ونوع ونوع فرعي – برقم أو رمز، يشير إلى مكان انتماء كل صداع محدد ضمن هذا النظام. بهذه الطريقة، تم تحديد مختلف أنواع الصداع العديدة بشكل واضح.

مجموعات الصداع الرئيسية وفق التصنيف الدولي لاضطرابات الصداع

اضطرابات الصداع الأساسية
– صداع الشقيقة
– صداع التوتر
– الصداع العنقودي وآلام الرأس المستقلة المثلثة التوائم
– أنواع أخرى من الصداع الأساسي

اضطرابات الصداع الثانوية
– الصداع المرتبط بضربة على الرأس والعنق
– الصداع المرتبط باضطراب وعائي في الجمجمة أو العنق
– الصداع المرتبط باضطراب غير وعائي داخل الجمجمة
– الصداع المرتبط بمادة أو بالتوقف عنها
– الصداع المرتبط بالالتهاب
– الصداع المرتبط باضطراب الاستقرار المتجانس
– الصداع أو ألم الوجه المرتبط باضطراب في الجمجمة أو العنق أو العينين أو الأذنين أو الأنف أو الجيوب الأنفية أو الأسنان أو الفم أو بنى أخرى في الوجه أو الجمجمة
– الصداع المرتبط باضطراب نفسي

آلام الأعصاب الجمجمية وآلام الوجه الرئيسية وأنواع أخرى من الصداع
– آلام الأعصاب الجمجمية والأسباب الأخرى الأساسية لألم الوجه
– أنواع أخرى من الصداع وآلام الأعصاب الجمجمية وألم الوجه المركزي أو الأساسي

كيف يستعمل نظام تصنيف الصداع؟

إنه يوفر مصطلحات شائعة يمكن أن يستعملها الأطباء والباحثون حول العالم، بصرف النظر عن طبيعة اختصاصهم ومكان عملهم ولغتهم المستخدمة. كما أن لائحة المعايير الخاصة المرافقة لكل نوع من الصداع تجعل التشخيصات موحدة ومفهومة عالمياً. وقد جرى تطوير العديد من العلاجات للصداع استناداً إلى هذا التصنيف. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يساعدك النظام في فهم صداعك ووصف العلامات والأعراض التي تعاني منها.

أنواع الصداع الأساسية

إن أنواع الصداع الأساسية هي تلك التي لا تنجم عن مشاكل صحية كامنة. فما من مصدر واضح للألم. والمؤسف أن أغلبية أنواع الصداع التي يعاني منها الناس هي أنواع أساسية. ورغم أن أسبابها غير مفهومة جيداً، يبدو أن هناك ميلاً لتطوير بعضها. والمجموعات الأربعة الرئيسية لأنواع الصداع الأساسية هي:

صداع الشقيقة

يمتاز صداع الشقيقة بألم معتدل إلى وخيم. واللافت أن 60 في المئة تقريباً من المصابين بصداع الشقيقة يواجهون الألم في جهة واحدة من الرأس، فيما يعاني ال 40 في المئة الآخرون من الألم في جهتيّ الرأس. وقد يدوم صداع الشقيقة عند الشخص الراشد بين 4 ساعات و72 ساعة، لكن تواتر النوبات يختلف بين فرد وآخر. فقد يعاني بعض الأشخاص من نوبة الشقيقة مرتين كل سنة، فيما يعاني منها أشخاص آخرون مرات عدة خلال الشهر الواحد.

وألم الرأس هو في أغلب الأحيان جزء مما يعرف بالمركّب المتعدد الأعراض، لأن أعراضاً أخرى قد تكون موجودة أيضاً خلال صداع الشقيقة مثل الغثيان والحساسية للضوء والصوت. ويشعر بعض المرضى بحسّ شخصي يسبق النوبة. وهذا الحس الشخصي هو مجموعة من المشاعر تشمل بقعاً سوداء وأضواءً براقة في المجال البصري، إضافة إلى الدوار والخدر أو الإحساس بالوخز.

صداع التوتر

هذا الصداع هو الأكثر شيوعاً بين أشكال الصداع الأساسية. وهو يولّد عادة ألماً كليلاً، وضيقاً أو ضغطاً في الجبين وفروة الرأس أو في الجهة الخلفية للعنق. وقد يحدث صداع التوتر بين الحين والآخر أو بشكل يومي تقريباً. ويمكن أن تدوم النوبة الواحدة بين 30 دقيقة وأسبوع كامل.
وإذا كانت النوبات متواترة بأكثر من 15 يوماً في الشهر لمدة ثلاثة أشهر على الأقل، يعتبر هذا الشكل مزمناً. يعاني بعض الأشخاص من صداع يكشف عن مزايا صداع الشقيقة وصداع التوتر في الوقت نفسه. ويطلق أحياناً على هذا الصداع اسم الصداع المشترك أو صداع الشقيقة والتوتر.

الصداع العنقودي

يمتاز هذا الصداع الأساسي بألم وخيم وحاد داخل عين واحدة وحولها أو في جهة واحدة من رأسك. تحدث سلسلة من هذه الأوجاع الكثيفة في مجموعات عنقودية من النوبات – ومن هنا جاء الاسم. يمكن أن يحدث الصداع العنقودي كل يوم على مدى أيام أو أسابيع أو أشهر دفعة واحدة ثم يختفي تماماً لأشهر أو حتى لسنوات. وتزداد حدة الألم مبدئياً خلال 5 إلى 10 دقائق لتصل إلى الذروة التي قد تدوم من 15 دقيقة إلى ثلاث ساعات.

أنواع أخرى من الصداع الأساسي

تتألف هذه المجموعة من أشكال مختلفة من الصداع الأساسي لا تنطبق على المجموعات الثلاث السابقة. والعديد من هذه الأنواع هي أشكال صداع قصيرة الأمد لها علامات وأعراض مميزة. من الأمثلة على ذلك نذكر الصداع الناجم عن السعال أو العطاس أو التمارين الجسدية المطولة. وثمة أنواع أخرى تشمل الصداع المعروف بصداع الرعد وكذلك صداع النوم الذي يصيب مبدئياً الكبار في السن.

أنواع الصداع الثانوية

يطلق على أنواع الصداع التي تعتبر عارضاً لمرض أو حالة أخرى اسم الصداع الثانوي. فألم الرأس ليس المشكلة الرئيسية وإنما نتيجة للمشكلة الرئيسية. وتتوزع أنواع الصداع الثانوية على ثماني مجموعات أساسية، وفقاً للأسباب المختلفة. تم ذكر هذه المجموعات فيما يلي – ولكن تذكر دوماً أن هناك مئات الأسباب الأخرى لأنواع الصداع الثانوية.
● ضربة على الرأس أو العنق. يمكن أن يكون الصداع نتيجة ضربة خفيفة إلى معتدلة على الرأس أو العنق أو إصابة فيهما، حتى لو لم يحدث أي فقدان للوعي. ويعتبر الوثء العنقي الذي يلي حادث السيارة مثلاً نموذجياً على هذا النوع من الإصابة.

● الاضطرابات الوعائية في الجمجمة. إن اضطرابات الأوعية الدموية التي قد تسبب الصداع تشمل السكتة، وارتفاع ضغط الدم، والتهاب الشرايين أو تمزق الأوعية الدموية في الأغشية بين الجمجمة والدماغ.

● الاضطرابات غير الوعائية في الجمجمة. يمكن أن ينجم الصداع عن ضغط غير اعتيادي في نسيج الدماغ نتيجة أورام أو زيادة في ضغط السائل المخي الشوكي (السائل الذي يحيط بدماغك ويحميه).

● إساءة استعمال مواد مثل العقاقير أو التبغ. نعرف جميعاً خصائص التبغ والكحول المسببة للإدمان. وفي بعض الأحيان، قد يعاني الأشخاص الذين يفرطون في استعمال مسكنات الألم للصداع من الصداع بسبب الأدوية المسكنة لألمهم (صداع ارتدادي).

● الالتهابات الفيروسية والجرثومية. هناك العديد من الالتهابات داخل الجمجمة، مثل التهاب السحايا والتهاب الدماغ، التي قد تسبب الصداع. والواقع أن الصداع هو أحد أول الأعراض التي تظهر. وفي الالتهابات الجهازية، التي تصيب الجسم عموماً، يكون الصداع موجوداً غالباً وإنما على نحو أقل وضوحاً. وتعتبر الانفلونزا مثلاً شائعاً على الالتهاب الجهازي.

● اضطرابات الاستقرار المتجانس. ثمة عمليات تبقي الأشياء الفيزيولوجية، مثل حرارة الجسم، مستقرة نوعاً ما أو في حالة من الاستقرار المتجانس. وبات معروفاً أن الاضطرابات التي تعيق هذه العمليات تسبب الصداع. وهي تشمل مشاكل في الغدة الدرقية التي تساعد على تنظيم النمو ونقص الأوكسيجين الحاصل في المرتفعات العالية.

● اضطرابات العنق، والعينين، والأذنين، والأنف، والجيوب الأنفية، والأسنان والبنى الأخرى في الجمجمة. قد يكون الصداع مرافقاً، ولكن ليس بالضرورة النتيجة المباشرة، لاضطراب في بنية محددة من الجمجمة. وثمة مثل على ذلك هو الصداع المرتبط بمرض المفصل الفكي الصدغي حيث يقع الخلل في المفصل الذي يربط بين الفك السفلي والجمجمة.

● الاضطرابات النفسية. قد يرتبط الصداع، وإن في حالات نادرة، بمشاكل نفسية مثل اضطراب تجسيد الاختبارات النفسية، حيث تتحول الحالة العقلية إلى عارض جسدي واضطراب هوسي منطوٍ على اعتقادات راسخة لا أساس لها من الصحة.

تختفي أنواع الصداع الثانوية عادة عند معالجة المشكلة الرئيسية. وتختلف المعالجة حسب نوع المشكلة الطبية التي تعاني منها.

آلام الأعصاب الجمجمية وآلام الوجه الرئيسية وأنواع أخرى من الصداع
قد ينجم الألم في العنق أو الوجه عن أعصاب معرضة للضغط أو الإصابة الجسدية أو معرضة للبرد أو أشكال أخرى من التهيج. وهناك 12 زوجاً من الأعصاب الجمجمية النابعة من دماغك والممتدة إلى وجهك وعنقك وأنحاء أخرى من جسمك. يتولى العصب المثلث التوائم، وهو الخامس في الأزواج الاثني عشر، نقل الأحاسيس من وجهك إلى دماغك. لذا، فإن الخلل في الوظيفة العادية للعصب المثلث التوائم قد يسبب ألماً معروفاً بألم الأعصاب المثلث التوائم.

يعتبر نظام تصنيف أشكال الصداع المجموعة الأخيرة بمثابة المكان المتاح لإضافة الشروحات لما قد يكون أنواعاً جديدة وفريدة من الصداع. وتضم هذه المجموعة أيضاً أشكال الصداع غير المحددة التي جرى الإبلاغ عنها وإنما لا توجد ببساطة معلومات كافية للتمكن من تصنيفها.

ما هو الألم؟

الألم هو تجربة عالمية، وألم الصداع هو أحد المشاكل الأكثر شيوعاً. لكن كيفية إدراك عقلك وجسمك للألم هي مسألة لا يزال العلماء يدرسونها.

في الإجمال، يبدو أن الألم يبدأ بسلسلة من التبادلات في جهازك العصبي. يتألف جهازك العصبي من خلايا عصبية تنقل الرسائل وتتلقاها في شكل تيارات كهربائية وتفاعلات كيميائية. والواقع أن دماغك يتصل مع باقي جسمك عبر هذه الشبكة المعقّدة من الخلايا.

أما المكونان الرئيسيان لجهازك العصبي فهما الجهاز العصبي المركزي، الذي يشمل دماغك وحبلك الشوكي، وجهازك العصبي المحيطي المؤلف من الأعصاب التي تمتد في باقي جسمك. وتملك بعض الأعصاب المحيطية أطرافاً عصبية خاصة، اسمها متقبلات منبهات الأذى وناقلاتها، التي تستطيع تحسس حافز مزعج، مثل الجرح أو الحرق أو الالتهاب. وحين تكشف متقبلات منبهات الأذى وناقلاتها حافزاً مؤذياً، فإنها تنقل رسائل الألم في شكل نبضات كهربائية عبر شبكة الأعصاب المحيطية إلى حبلك الشوكي ودماغك.

وحين تبلغ رسائل الألم دماغك، فإنها تصل إلى المهاد، أي مركز تصفية المعلومات التي تحتاج إلى الترحيل إلى أنحاء أخرى من الدماغ. يقوم المهاد بترجمة رسائل الألم ويمررها إلى ثلاث مناطق متخصصة في الإحساس الجسدي (القشرة الحسّية الجسدية) والعواطف (الجهاز الحوفي) والتفكير (القشرة الأمامية). هكذا فإن إدراكك للألم هو تجربة معقّدة من الإحساس والشعور والتفكير.

ما الذي يسبب ألم الصداع؟

من المؤكد أن نسيج الدماغ لا يستطيع التألم لأنه لا توجد أعصاب في نسيج الدماغ. فقده أجريت عمليات للدماغ فيما كان الأشخاص واعين ولم يشعروا بأي ألم. فهناك أنحاء محددة من رأسك حساسة للألم. وبين هذه الأنحاء نذكر عينيك، وأسنانك، وجيوبك الأنفية، والأوعية الدموية الكبيرة، والأغشية التي تغلّف دماغك، والأغشية التي تغلّف العظام، والأعصاب المتصلة بالجمجمة والحبل الشوكي.

الألم الحاد والمزمن والعرضي

تستخدم كلمات حاد ومزمن وعرضي في أغلب الأحيان لتمييز نوع من الصداع عن آخر. وقد تصف إحدى هذه الكلمات حالتك بالتحديد. ورغم أنك تملك ربما فكرة شاملة عما تعنيه، من المجدي تخصيص الوقت لفهم معنى كل كلمة فيما يتعلق بالصداع.

الألم الحاد
تصف هذه الكلمة صداعاً وخيماً يدوم لوقت قصير. قد تكون النوبة مفاجئة. وتعتبر العديد من أنواع الصداع الثانوية حالات حادة.

الألم المزمن
تصف هذه الكلمة صداعاً يحدث على نحو متواتر على مدى فترة طويلة من الوقت. فإذا كان صداع التوتر، مثلاً، يحدث لأكثر من 15 يوماً في الشهر، طوال ثلاثة أشهر على الأقل، فإن هذه الحالة تعتبر مزمنة. وبالنسبة إلى بعض أنواع الصداع المزمنة، يصبح تواتر النوبات أسوأ تدريجياً.

الألم العرضي
تصف هذه الكلمة صداعاً يشكل حدثاً منفصلاً وإنما يشكل في الوقت نفسه جزءًا من سلسلة أكبر. فإذا كان صداع التوتر، مثلاً، يحدث في 15 يوماً أو أقل من الشهر – ما يعني أن كل نوبة صداع لها بداية ونهاية محددة تفصلها فترات متميزة من الوقت – تعرف الحالة عندئذ بالصداع العرضي.
تجدر الإشارة إلى أن المعايير المستخدمة لهذه الكلمات قد تختلف بين نوع صداع وآخر. فالصداع العنقودي مثلاً يكون مزمناً إذا كانت النوبات تحدث يومياً على مدى أكثر من سنة مع فترات خالية من الألم تدوم أقل من شهر واحد. إلا أن الصداع العنقودي يصبح عرضياً إذا كانت النوبات تحدث يومياً على مدى أسبوع إلى سنة واحدة، تفصل بينها فترات خالية من الألم تمتد على شهر واحد أو أكثر.

لا بد من الإشارة أيضاً إلى أن الصداع الحاد قد يكشف عن خصائص عرضية. فعلى سبيل المثال، يحدث صداع الشقيقة الحاد في فترات فاصلة مختلفة، بمعدل مرة كل سنة أو مرات عدة في الشهر الواحد.

ما الذي يحصل إذاً حين يؤلمك رأسك؟

لا تزال أسباب العديد من أنواع الصداع الأولية غير واضحة، لكن الأبحاث التي أجريت حول صداع الشقيقة توفر بعض الأجوبة الأولية لهذا النوع من الصداع. تشير الدراسات إلى أن صداع الشقيقة يرتبط بتغيرات في مستويات بعض المواد الكيميائية في الدماغ المعروفة باسم الناقلات العصبية. وبين هذه المواد الكيميائية هناك السيروتونين الذي ينظم رسائل الألم إلى الدماغ. كما أن مستوى الأندورفينات – أي مسكنات الألم الطبيعية – قد يتغير أيضاً.

يبدو أن مثل هذه التغيرات في كيميائية دماغك تنشط العصب المثلث التوائم – أحد أزواج الأعصاب الاثني عشر في الجمجمة ومساراً رئيسياً لوصول الألم إلى دماغك – ما يؤدي إلى توسع الأوعية الدموية في رأسك والتهابها. هكذا، تقوم الأطراف العصبية الخاصة التي تستجيب للألم (متقبلات منبهات الأذى وناقلاتها) ضمن هذه الأوعية الدموية بتنبيه الدماغ، وتسجيل صداع شقيقة بشكل رسمي.

الاستعداد الوراثي

يوافق معظم العلماء على أن أنواع الصداع الأساسية تملك مكوناً وراثياً. بمعنى آخر، إذا كنت تواجه المشاكل مع الصداع، فإنك ورثت ربما كيمياء جسدية من أهلك تجعلك عرضة للصداع. ومع الاستعداد الوراثي، تصبح بعض العوامل التي قد لا تزعج الآخرين – مثل التوتر أو الهرمونات أو الخل الأحمر – قادرة على تسبيب الصداع لك.

ثمة رابط وراثي بالصداع يظهر في شكل نادر من صداع الشقيقة معروف بصداع الشقيقة الفالجي العائلي. يمتاز هذا النوع من الصداع بمجموعة منوعة من العلامات والأعراض التي قد تشمل الحس الشخصي المسبق، والشلل المؤقت في جهة واحدة من الجسم (فالج)، والغيبوبة، ومشاكل في العين والخلل العقلي. وعند نصف العائلات تقريباً التي تعاني من صداع الشقيقة الفالجي العائلي، تم ربط الحالة بعيب وراثي في الكروموزوم 19 – واحد من مجموعات DNA الثلاثة والعشرين الموجودة في كل خلية بشرية تقريباً. وعند 15 في المئة من عائلات أخرى مصابة بصداع الشقيقة الفالجي العائلي، تم ربط المشكلة بتحول في الكروموزوم 1. إلا أنه لم يتم العثور بعد على تحول وراثي لدى بقية العائلات. لكن هذه النتائج قد توفر معلومات موثوقة حول العناصر الوراثية المسؤولة عن أنواع أخرى من صداع الشقيقة وكذلك صداع الشقيقة الفالجي العائلي.

غير أن التكوين الوراثي الكامن وراء الصداع ليس مجرد مسألة بسيطة تنطوي على جينة واحدها فيها خلل. فالعلماء مقتنعون بأن ثمة جينات عديدة متورطة. بالإضافة إلى ذلك، يعرف العلماء أن الجينات ليست القصة كلها. فالعوامل البيئية تسهم أيضاً في نشوء الصداع. بالفعل، يعتقد أن الجينات تدخل في 40 إلى 50 في المئة تقريباً من حالات الصداع.

نظريات حول صداع الشقيقة

تمت دراسة صداع الشقيقة أكثر من كل أنواع الصداع الأخرى، وهناك عدد من النظريات المتنافسة حول السبب الفعلي لهذا الصداع. إلا أن بعض هذه النظريات أصبح قديماً جداً. فعلى سبيل المثال، ظن العلماء طوال أعوام عدة أن صداع الشقيقة ينجم عن خلل في الأوعية الدموية الكبيرة في رأسك. ومع مرور الوقت، تبيَّن أن هذه النظرية بسيطة جداً لشرح التعقيدات الموجودة في أنواع الصداع هذه.

وثمة نظريات أخرى قيد النشوء. فيما يأتي مثلين عليها:

التهيج المفرط للدماغ
تفترض هذه النظرية أن عيباً وراثياً يسبب إطلاقاً شاذاً للناقلات العصبية في دماغك. يفضي ذلك إلى ما يعرف بحالة من التهيج المفرط في دماغك واستجابة شاذة لواحد أو أكثر من العوامل المحفزة.

مولّد صداع الشقيقة
ثمة نظرية حالية أخرى تتحدث عن الآليات في دماغك التي تتحكم في الألم وتدفق الدم. فهذه الآليات قد تتعرض للخلل، ما يجعل الخلايا العصبية فائقة الحساسية ويولّد ما سمّاه أحد العلماء “عاصفة أعصاب” في رأسك. في هذه الحالة، يمكن اعتبار دماغك بمثابة مولّد لصداع الشقيقة يتم تنشيطه بمأخوذ طبيعي من البيئة، مثل الأصوات أو الروائح.

منبّهات الصداع

مهما كانت الآلية في دماغك التي تعتبر مسؤولة عن الصداع، فإن شيئاً في البيئة هو الذي ينبهها في أغلب الأحيان. ويمكن أن تكون المنبهات أي شيء تقريباً. فصداع الشقيقة قد ينجم عن أطعمة معينة أو تغيرات في الطقس أو أنماط النوم أو التعرض لأضواء ساطعة أو روائح غير اعتيادية أو حذف وجبة طعام أو ممارسة الجنس أو احتمالات أخرى. وبالنسبة إلى النساء اللواتي يعانين من صداع الشقيقة، يبدو المسبب غالباً انخفاضاً في مستويات هرمون الاستروجين. أما صداع التوتر فقد تسببه وضعية سيئة أو العمل في وضعيات غريبة أو التوتر أو الاكتئاب أو القلق.

ورغم أن ميل التعرض للصداع قد يكون موروثاً لدى عدة أفراد في عائلة واحدة، يبدو أن منبهات الصداع فريدة لدى كل شخص. فعلى سبيل المثال قد ينجم صداع الشقيقة لديك عن روائح محددة لا تؤثر في أمك. يحدث ذلك لأن كل شخص، حتى ضمن العائلة نفسها، يصبح حساساً لعوامل بيئية مختلفة.

غالباً ما يكون اكتشاف مسببات الصداع لديك مفيداً في ضبط حالتك. لكن يجدر بك الإدراك أن التعرف إلى المسبب ليس أمراً سهلاً مثلما يبدو. ويجد بعض الأشخاص فائدة في الاحتفاظ بسجل للصداع قد يكشف، مع مرور الوقت، الأنماط والعوامل التي يبدو أنها تسبب الصداع.