لا بُد لدارس علم النفس التربوي من التعرّف على سبب نجاح بعض التلامذة في التعلّم وإخفاق بعضهم الآخر في المجال ذاته بالإضافة إلى مساعدتهم في تذليل الصعوبات التعليمية لا بل وفي طرق علاجها.
هذا هو في رأينا المنطق التربوي لجميع العاملين في الميدان التربوي التعليمي الذي هو في حد ذاته المرونة المطلوبة للتعلُّم والتطور.
إلاّ أن إزالة هذه العقبات من أمام المتعلم ليس سهلاً خاصـة في ضوء معتقداتنا وممارساتنا الروتينية السائدة نظراً لتعقد سلوك الإنسان وضعف معرفتنا العلمية بأحواله على الرغم ممّا درسه وطوّره علم النفس التربوي من مفاهيم مثل:
ـ الفروق الفردية، النضج، التعلّم، التفكير، الدافعية، النمو الإجتماعي.
لكن هذه المفاهيم ظلت غير واضحة ولا منتظمة في نموذج متكامل كي تستطيع تفسير عملية التعلم المدرسي.
لذلك وجدنا من الضروري الاضطلاع على أحدث التطورات التربوية التي انتظمت في نماذج متعددة عالجت تطور عملية التعلُّم والتعليم.
نموذج المهمة التعلُّمية
هذا النموذج هو للعالم التربوي المشهور جون ب.كارول John B.Carrol من جامعة هارفرد. يقوم هذا النموذج على الفرضية التالية:
“عندما يحقق المرء تقدماً في مجال معين يكون قد حقق تعلماً”.
إن أهم خاصيّة لهذا النموذج بأنه حاول تحديد أكبر عدد ممكن من المفاهيم والمتغيرات بشكل سمح بقياسها على أساس الوقت. وبكلمة أخرى يمكن للمتعلم أن ينجح في تعلُّم عملية معينة بمقدار ما يصرف من الوقت اللازم لتعلمها. وهذا يعني استغلال الوقت تماماً في تحقيق التعلُّم المطلوب لكنه لا يعني أبداً الوقت المنقضي، وهذا ما جعل العالم المذكور يتحدث عن العوامل التي تقودنا إلى عملية التعلُّم.
فهناك عامل القدرة المفروض تواجده لصرف الوقت اللازم للتعلُّم، وهي تعني الوقت الذي يحتاجه التلميذ ليتعلم مهمة من المهمات ضمن أفضل الظروف الممكنة. ومن الجدير ذكره أن القدرة مرتبطة ارتباطاً مباشراً بالمهمة التي يقصد المتعلم تعلمها والمقصود هنا التعلُّم السابق. فالتلميذ الذي حقق تقدماً واضحاً في إتقان مهمة تعلّمية في وقت سابق لا يحتاج إلى وقت طويل لإنجاز عملية التعلُّم.
وهناك عامل آخر وهو “القدرة على فهم عملية التعليم”. وترتبط هذه القدرة بطريقة التعليم. إذ لا بُد لكل تلميذ من أن يفهم طبيعة المهمة التي ينوي تعلمها وعبر أية طريقة يمكن فهمها واستيعابها وإلاّ انتفى الفرض المنوي تحقيقه.
وهناك عامل ثالث وهو “نوعية التعليم”. وهذا العامل مرتبط مباشرة بالمعلم الذي يقوم بتنظيم المهمات التعليمية وجعلها في متناول التلامذة حتى يتمكنوا من الإقبال عليها برغبة وشوق. ولعل في طليعة هذه المتطلبات توفير القدرة للتلامذة على فهم عملية التعلُّم. وبكلمة أخرى أن يتكيف المعلم في تعليمه مع خصائص المتعلم ومع حاجاته الشخصية. ولا يقتصر هذا العامل على المعلم فحسب بل يشمل وسائل التعليم وطرقه وأدواته.
أما العامل الرابع فهو “فرصة التعلُّم” وتعني إفساح المجال الكافي لتعلُّم مهمة من مهمات التعلّم. إن عدم إعطاء الوقت الكافي للتعلم يسبب نقصاً في هذا المجال ممّا يؤدي إلى اللامبالاة وبالتالي إلى الإعاقة في التعلُّم.
أما العامل الخامس فهو “المثابرة والاجتهاد” وهذا يعني الإصرار على الاستمرار في تحقيق مهمة من مهمات التعلُّم وهذا يعني:
ـ إقدام المتعلم على استعمال الوقت اللازم للتعلم برغبة.
ـ أن يكون المتعلم صبوراً خلال إنجاز عملية التعلُّم.
ـ أن لا يستسلم لليأس والإحباط في حال حصوله.
إن هذا النموذج للتعلُّم المدرسي يشمل معظم العناصر الأساسية التي تفسر سبب نجاح التلميذ في المدرسة أو سبب فشله. إن الإنتشار الواسع لنموذج كارول Carrol جعل العالم “بنجامين س.بلوم Benjamin S.Bloom” راغباً في تطبيقه بعد تحويله من نظام نظري إلى نظام عملي فعّال. وقال في هذا المجال:
أ ـ في ظل أوضاع التعليم العادية السائدة في الصفوف، يبدأ كل معلم عمله في مطلع كل عام دراسي مفترضاً أن جهوده التعليمية ستؤول إلى أن ثلث التلامذة تقريباً سيتعلمون بشكل كاف ممّا يعلمهم، وأن ثلثاً آخر منهم سيتعلمون بشكل متوسط أما الثلث الأخير فلن يتمكنوا من إحراز المستوى المطلوب.
وهذا يعني أن ثلث التلامذة المتواجدين في الصفوف يبقى إنجازهم التعليمي دون المستوى المطلوب.
ب ـ إن أكثر المعلمين الحاليين يعممون مقاييس التحصيل المدرسي بشكل يبين الفروق السابق ذكرها في البند (أ). لذلك درجت العادة حين نضع العلامات لتلامذتنا أن تكون النتائج وفق سلم من خمس درجات كما يلي:
ـ ينال الدرجة الأولى 20% من التلامذة.
ـ ينال الدرجة الثانية حتى الرابعة 60% من التلامذة.
ـ ينال الدرجة الخامسة 20% من التلامذة.
وإذا انحرفت النتائج عن هذا النمط ينتابنا القلق.
جـ ـ يترتب على هذا التفكير حصول نتائج سلبية لكل من المعلم والمتعلم. ففي حين يفترض المعلم أن أقلية محدودة سوف تستوعب ما عليه أن يعلمه، يفترض المتعلمون خاصة الذين يقعون دون المستوى المطلوب أنهم غير قادرين على التعلُّم ممّا يؤدي إلى الإحباط والفشل.
د ـ في الوقت الذي نشدد فيه على أهمية “التعلم الذاتي” Self-Learning والتربية المستديمة Continuos Education نرى حوالي ثلث التلامذة ليس عندهم الدافع الكافي للتعلُّم.
هـ ـ إن مهمة التربية الحقيقية هي إيجاد استراتيجيات تراعي الفروق الفردية وتساعد في نهاية المطاف على النماء المتكامل للفرد. وهذا يعني أن أكثر من 90% من التلامذة يستطيعون إتقان ما يتوجب علينا تعليمهم إياه.
وحتى نحيط بالموضوع من جميع جوانبه نجد أنفسنا وجهاً لوجه أمام عدد من الأسئلة التي هي بحاجة إلى إجابات، ومتى حصل هذا نكون قد أوفينا موضوع التعلُّم حقه، وهذه الأسئلة هي التالية:
على من تقع مسؤولية تعلم الطالب أو عدم تعلمه؟
يقول العالم “بلوك Block” ان التعلُّم الصحيح هو ذاك الذي ينقل المسؤولية المتعلقة بأداء الطالب عن عاتق الطالب نفسه ويضعها على كاهل المدرسة. يجرنا هذا القول إلى طرح التساؤل التالي:
إلى أي حد يجب على المدرسة أن تتحمل هذه المسؤولية؟ وهل يُعفى الطالب من مسؤوليته؟ لقد جرت العادة على وضع المسؤولية على عاتق الطالب نفسه دون المدرسة ودون الأهل. لكن التعلُّم حسب “بلوك Block” الذي يُفترض في المدرسة أن تتحمل المسؤولية الكبرى في هذا المجال، ولكن بعض علماء التربية وعلم النفس جاؤوا بحل توفيقي بحيث حمّلوا هذه المسؤولية في بعضها للطالب وفي بعضها الآخر على المدرسة، ففي حال التعلُّم الابتدائي تتحمل المدرسة معظم مسؤولية تعلُّم تلامذتها وإلى حد ما في المستوى الثانوي.
ولكننا نفترض في هذه الحال أن يوفّر المجتمع للفرد الحد الأدنى من الضمان المهني والاجتماعي والتربوي، مثل أن يلقي مسؤولية التعلُّم عليه، وحتى في حال توفير هذه الضمانات فمن الصعب أن تكره الطالب على تعلُّم تخصص لا يرغب في تعلمه.
إلى أي حد يُفترض في الطالب أن يتعلم مستقلاً؟
ليس المهم أن يتعلم الطالب شيئاً معيناً بل الأهم كيفية إجراء هذا التعلُّم. أي أنه يتّقن كل مهمة تعلم تالية بوقت أقصر مما صرفه على المهمة السابقة. ويظهر هذا التناقض في وقت التعلُّم بشكل واضح لدى بطيئي التعلّم، لأنهم صرفوا الوقت الأكبر في تعلُّم المهمات الأولى. ولكن السؤال المطروح: هل يُفترض أن يتعلم الطالب بشكل مستقل؟ وهذا ما يجيب عليه بعض علماء النفس والتربية “يجب أن يتعلم الطالب من خلال عمله المدرسي الاعتماد على النفس والاستقلالية”.
إلى أي حد يحتفظ الطالب في ذاكرته ما يتعلمه؟
إذا أُريد للفائدة كي تأخذ مكانها فلا بُد للمتعلم أن يستبقي كثيراً أو قليلاً ممّا يتعلمه في ذاكرته ليس فقط ليستفيد بل ليفيد أيضاً. إذْ ما نفع الجهد المبذول للتعلُّم من قِبل المعلم والمتعلم إذا كان النسيان سيد الموقف. وهكذا يشبه المتعلم في هذه الحالة بالذي يجهد نفسه دون التمكن من قطف ثمار أتعابهم، بينما يستغلهم آخرون لأغراض شتى. وهذا هو الإتهام الموجّه بالضبط إلى الأغراض التعليمية المبالَغ في تحجيمها وتصغيرها توصلاً إلى مزيد من الدقة كما هي الحال بالنسبة إلى الأغراض السلوكية التي تعتبر جزءاً لا يتجزأ من عملية التعلُّم الصحيح. فإذا كانت الأغراض التعليمية الدقيقة في محتوى مادة التعليم وفي السلوك المناسب لها، تنير سبيل الممارسة التربوية والتقييم التربوي، وتؤمن بالتالي درجة عالية من الفعاليّة في النظام التعليمي، فإنها بالمقابل تحجب الاهتمام بالأهداف التربوية الكبرى وتوقع المتعلم والمعلم في شر مستطير. فالعملية التعليمية تصبح أقرب ما تكون إلى كونها ميكانيكية مضبوطة تعمل بانتظام ولا يعرف عادة تكامل مجراها ومرساها.
هل يمكن تطبيق التعلُّم الصحيح ضمن إطار التعليم التقليدي؟ وماذا يحصل للطلاب الموهوبين خلال تطبيقه؟
إن أفضل مجال للتعلُّم الصحيح كي يأخذ مجراه أن يحصل ضمن بيئة مدرسية لا تفرض وقتاً محدداً لإنجاز مواد التعلُّم والتعليم. فما دام هناك فروقات فردية بين المتعلمين فإن الوقت اللازم لإنجاز عملية تعلُّمية معينة تتفاوت بين تلميذ وآخر، وبالتالي لا يُفترض في المعلم أن يتوقع منهم أداءً مماثلاً في مادة التعليم ذاتها ضمن الوقت الزمني نفسه. وهكذا ضمن مجال التعلّم الصحيح (النموذجي) يمكن للتلامذة الموهوبين أن يتعلموا أكثر. فلو استطعنا أن نفسح المجال للموهوبين وقتاً مماثلاً لما يصرفه التلامذة بطيئو التعلم، لأمكنهم أن يتعلموا أكثر ممّا هو مقرر لهم مسبقاً ضمن الأهداف المنشودة. وربما تعلموا في بعض الحالات مرتين أو ثلاث مرات أكثر. فإن التحديد المسبَّق لعدد متناهٍ من أغراض التعلم، وتركيز الجهد التعليمي على إيصال جميع التلامذة إلى هذا المستوى لا غير، إنَّ هذا الأمر لا يجعل نموذج التعلُّم النموذجي يفشل في توفير أقصر حد من التعلُّم للتلامذة الموهوبين فحسب، بل يجعل ذلك في الواقع أمراً مستحيلاً.
هل يجب أن نتحمّل نفقات تعلّم بطيئي التعلُّم الإضافية؟
هل نستطيع أن نوصل جميع التلامذة إلى المستوى نفسه من الأداء التربوي؟ هذا يتوقف على مستوى التلامذة بطيئي التعلُّم. فإذا كان الهدف من ذلك أن يدرس هؤلاء التلامذة أكثر مما يدرسه زملاؤهم العاديون فقد لا يتحقق الهدف المطلوب، بل علينا أن نخصص لهم قسماً كبيراً من الموارد التعليمية. فهناك العديد من الإجراءات العلاجية التي يمكن تنفيذها ليس فقط داخل الصف وإنما خارج الصف أيضاً ودون وجود المعلم مثل:
ـ التعليم الخصوصي بواسطة المعلمين.
ـ التعليم الخصوصي بواسطة الرفاق.
ـ الكتب التعليمية البديلة.
ـ دفاتر التمارين الخاصة.
ـ المواد المبرمجة.
ـ الوسائل السمعية ـ البصرية.
كل هذا يتطلب معلماً مؤهلاً لتعليم هؤلاء التلامذة بشكل يمكنهم من تحقيق أفضل النتائج.
هل يلزم الاكتفاء بالمهارات والمعارف الأساسية؟
لا يوافق العالم “مولر Mueller” على ضرورة جعل جميع الأهداف التربوية أن تكون ذاتها لجميع التلامذة بحيث يتقن التلامذة وحدات التعلُّم اتقاناً كاملاً. فهناك ظروف يُطلب فيها أن تبلغ درجة التعلُّم 90% أو 100%، كما هي الحال بالنسبة إلى تعلُّم المهارات والمعارف الأساسية اللازمة للتعلم اللاحق، أو للنجاح في الحياة. وهذا أمر معقول ولكن العديد من وحدات التعلُّم ليست كذلك.
فعلى الصعيد الابتدائي لا سيما السنوات الأولى فيه، يبدو أن الأغراض التعليمية تشمل في معظمها المهارات الأساسية الضرورية لمّا يلي من تعلُّم، أو للنجاح في الحياة. ولكن حتى على المستوى الابتدائي يتمنى “مولر Mueller” على المعلمين أن يتعدوا في تعليمهم المهارات والمعارف. أما على الصعيد الأعلى (الجامعي) فيصبح التفريق بين الأهداف التعليمية التي تؤلف “مهارات أساسية” والأهداف التي تمثل “ما وراء المهارات الأساسية” أمراً اعتباطياً في العديد من المواد الجامعية أو في معظمها.
وربما من الحكمة أن يعمد المعلمون على جميع الأصعدة التعليمية إلى ترتيب الأهداف والأغراض التعليمية، متدرجين من الأكثر أهمية إلى الأقل أهمية. ثم يشددون في تعليمهم على ما هو أكثر أهمية، ويمنحونه الموارد التعليمية الرئيسية.
وعلى الرغم من كل ما سبق فإنه يصعب علينا في كثير من الأحيان تحديد ما هو أساسي وما هو غير أساسي من المهارات والمعارف، ولا بُد أن نستقي معاييرنا بهذا الصدد من حاجات الإنسان الأساسية، ولعل مجرد العيش في أي مجتمع من المجتمعات والمشاركة فيه مشاركة فعّالة، يكفياننا مؤونة تعلم المهارات والمعارف الأساسية اللازمة للنجاح في الحياة. فلقد زاد التعلم المدرسي بعداً عن شؤون الحياة وحاجات الإنسان الأساسية إلى درجـة يجعلنا بأمسّ الحاجة إلى إعادة النظر في المناهج التربوية ومحتواها. وحتى على صعيد التعليم الابتدائي فلا زال محتوى مناهجه أكاديمياً إلى حدّ كبير، ولا تزال طرائقه ومعظم تنظيماته اصطناعية، بعيدة عن شؤون الحياة وشجونها. فلا يجوز بعد اليوم أن نلقي تبعية هذا التقصير على كاهل المعلمين ولا على كاهل الاقتصاديين وحدهم، بل نحن بحاجة إلى ورشة وطنية ـ قومية كبرى يشترك فيها الجميع دون استثناء بمن فيهم المعلمون.
هل يجوز أن ينال جميع التلامذة علامات ممتازة تقريباً؟
إن أنصار التعليم النموذجي (الإتقاني) أوصوا بأن ينال جميع التلامذة الذين يتقنون الأغراض التربوية المحددة سلفاً علامة ممتازة “A” أي أعلى علامة وهذا ما أثار حفيظة أنصار التعليم التقليدي الذي يصر على تصنيف الناس بشكل متفاوت في جميع الظروف تقريباً. فكيف السبيل إذاً لوضع تقييم سليم فاعل وشامل؟؟
لاشك أن أكثر المشاكل إلحاحاً في هذا السياق هو اختيار المعيار الصحيح “Criteria” الذي يتم على أساسه تحديد مستوى التحصيل المدرسي. وقد حلّ علم النفس التقليدي هذه المشكلة حلاً اعتباطياً، وتبنّى معايير نسبية متغيرة على حساب المتعلمين تقضي بمقارنة أدائهم بعضهم مع بعض على أساس حسابات إحصائية مختلفة، ومنها التقييم بالرجوع إلى منحني التوزيع الإعتدالي. وكل هذا يؤدي إلى سياسة تربوية انتقائية وإيجاد ناجحين وخائبين على طول خط التعلُّم والتعليم من الروضة حتى الدراسات العليا. وحتى لو بلغ القسم الأكبر من المتعلمين في بعض الحالات مستويات مقبولة اقتصادياً واجتماعياً، لا بدّ من ترسيب نسبة معينة من التلامذة للمحافظة على السمعة والمستوى الأكاديمي في الصف والمدرسة.
أما موقفنا نحن من هذا الأمر فهو خليط من هذا أو ذاك، أي لا نعتمد على التقييم الأكاديمي البحت عبر معيار معين ولا نلجأ بالتالي إلى رفض هذا المعيار التقييمي وكأنه خاطئ بل نسعى إلى دمج هذا وذاك عندها يمكن للمتعلم أن يقيِّم نفسه باستمرار حتى يصل إلى ما يريد.
هل يجب أن يتعاون المتعلمون أو يتنافسوا؟ ولماذا؟
إن نظام التعليم الحالي يقوم على المنافسة بين التلامذة لا بل يدفعهم في هذا الاتجاه فيكافئ الناجحين ويهمِّش الراسبين فينشأ بينهم روح المنافسة التي تؤدي إلى نوع من الحسد وينمِّي روح الانتقام عند البعض. إلاّ ان التعليم النموذجي (الإتقاني) ينمِّي بينهم روح التعاون ممّا يختلف اختلافاً واضحاً مع التنافس.
لذلك يتنافس التلامذة باستمرار وإصرار حتى لو أدركوا في بعض الحالات أن التعاون يمكن أن يعود عليهم بمكاسب وبمكافآت. وهكذا تكون نتيجة التنافس أن يستفيد الرابحون منها استفادة كبيرة، في حين يشعر الخاسرون بخيبة أمل مما يدفعه إلى اليأس والكسل، ممّا يفقدهم فيما بعد الرغبة في التعلُّم.
لذلك يسعى التعليم النموذجي إلى تقليص التنافس بما يعود بالفائدة على الجميع. وهنا نلفت النظر إلى أمر هام وهو أننا لا نسعى من خلال ذلك إلى إلغاء التنافس من المدارس بشكل كلِّي، بل خلق جو من التعاون. من هنا نطرح التسوية التالية:
أ ـ استبقاء المنافسة في المدارس مع تلطيفها شكلاً، شرط أن لا تتخلى المدرسة عن وظيفتها الأساسية في إعطاء الشهادات.
ب ـ إصلاح تربوي بتغليب التعاون على التنافس تدريجياً وشرح فوائدها الفردية والعامة.
جـ استبدال نظام العلامات الحالي الذي يشدد على التنافس بنظام آخر للتقييم في سبيل وصف الواقع والتشخيص فقط.
هل يحمل التعلُّم النموذجي (الاتقاني) التلامذة والمعلمين على بذل مزيد من الجهد؟
يقول القيّمون على هذا النوع من التعليم بأنه يخلق دافعاً للتعلم ممّا يجعل التلامذة مندفعين تجاه الدرس والاجتهاد، كما يولّد لديهم مستويات عليا من الميول والمواقف الإيجابية إزاء المواضيع التي يتعلمونها. وهذا ما يجعل المتعلمين يستمتعون بالتعلُّم من حبّ للمعلم وللمادة الدراسية. فضلاً عمَّا يظهره المعلمون الملتزمون حماساً للمادة التي يعلمونها وهذا من شأنه أن يدفع عملية التعلُّم والتعليم خطوة خطوة إلى الأمام فيُقبل التلامذة عليها برغبة وشوق.