تظهر الإحصائيات العالمية الحديثة أن واحدة من اصل ثماني سيدات سوف تصاب بسرطان الثدي بعدما أن كانت النسبة واحدة من 13 سيدة في أوائل النصف الثاني من القرن العشرين. أن القراءة الصحيحة لهذه الإحصائيات لنسبة حدوث سرطان الثدي لدى أي إمرأة هي أن واحدة من 8 سيدات سوف تصاب بسرطان الثدي في وقت ما خلال فترة حياتها الكاملة. وللتوضيح أكثر، فحسب إحصائيات المعهد الأميركي للسرطان تختلف نسبة احتمال الإصابة حسب العمر كما يلي:
لكل سيدة عمرها أقل من 30 سنة: واحدة من 2212
لكل سيدة عمرها أقل من 40 سنة: واحدة من 235
لكل سيدة عمرها أقل من 50 سنة: واحدة من 54
لكل سيدة عمرها أقل من 60 سنة: واحدة من 23
لكل سيدة عمرها أقل من 70 سنة: واحدة من 14
لكل سيدة عمرها أقل من 80 سنة: واحدة من 10
لكل سيدة مدى حياتها كلها: واحدة من 8
هكذا يتبين لنا ان نسبة حدوث الإصابة جدية وتتوضح أهمية الكشف المبكر الذي سوف نتحدث عنه لاحقاً.
إحصائيات حول سرطان الثدي في الدول العربية والعالم
سرطان الثدي هو أكثر السرطانات انتشاراً في العالم عند النساء وذلك بنسبة 22% من كل الحالات. في سنة 2000 قدر عدد الحالات 597000 في البلدان المتقدمة و471000 حالة في البلدان النامية أو في طور النمو. ومع إن هذه الأرقام ليست ببعيدة عن بعضها إلا إن هنالك اختلافات بين البلدان خاصة من حيث عمر المريضة ومرحلة المرض عند اكتشافه.
لقد ازداد عدد حالات سرطان الثدي من حوالي 700000 حالة سنة 1980 إلى 1600000 حالة سنة 2010 وذلك بمعدل 3% كل سنة. أما بالنسبة للوفاة من سرطان الثدي فأصبحت حوالي 425000 في سنة 2010 منها 68000 عند السيدات دون سن الخمسين في الدول النامية مما يؤكد أهمية الموضوع وأهمية التخطيط لتخفيف وطأته في السنوات القادمة خاصة في الدول النامية حيث يزيد عدد السكان وتزيد أعمار السيدات وتزيد حالات السرطان، وهي تحتاج إلى برامج وقاية وبرامج علاج وهي المستفيد الأكبر من خطة الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية لتخفيض وطأة الأمراض الغير معدية (أمراض القلب، السكري، أمراض الرئة والأمراض السرطانية) بنسبة 25% عند حلول سنة 2025.
أما في الدول العربية، ففي لبنان حيث عدد السكان يبلغ حوالي 4 مليون نسمة وعدد حالات السرطان في كل سنة كان بين 3500 و4000 حالة جديدة في سنوات التسعينيات (s1990) وازداد حسب إحصائيات وزارة الصحة اللبنانية لأعوام 2004-2007 إلى حوالي 8000 حالة جديدة كل سنة، منها 4000 حالة جديدة عند النساء. أما الإحصائيات الجديدة التي التي تقول بأعداد أكبر فيجب التدقيق بها وبأعداد المرضى الغير مقيمين في لبنان. إن حوالي 35% من السرطانات عند النساء هو سرطان الثدي، ونصف هذه الحالات تحصل عند السيدات قبل سن الخمسين من العمر، وحتى أن عشرين بالمئة من الحالات تقريبا يتم تشخيصها قبل سن الأربعين.
فمن ناحية العمر، في الولايات المتحدة الأميركية تحدث 50% من حالات سرطان الثدي الجديدة عند السيدات فوق سن 65 من العمر، ولكن في لبنان والعديد من الدول العربية ودول العلم الثالث تحدث الحالات الكثيرة عند السيدات الأصغر سناً، حيث إن حوالي 49% من الحالات الجديدة يتم تشخيصها عند النساء دون سن الخمسين في لبنان مثلا. إضافة إلى ذلك فإن معدل الأعمار هو حوالي 63 سنة في أميركا وأوروبا وأستراليا بينما هو في لبنان والعديد من الدول العربية وأميركا الجنوبية هو حوالي 50 سنة.
أما من ناحية مرحلة المرض، ففي البلدان المتطورة يتم اكتشاف سرطان الثدي في مراحل مبكرة أكثر وفي مراحل ما قبل السرطان. بينما في البلدان النامية ما زالت أعداد كبيرة من المرضى تشخص في مرحلة متقدمة في الثدي أو منتشرة في أنحاء الجسم الأخرى. ففي دراسة نشرناها سنة 2007 بينا أن 60-80 بالمئة من الحالات في الدول العربية بتم تشخيصها الأول بمرحلة ثالثة أو رابعة وأن 60-80 بالمئة من الحالات تخضع لإستئصال كامل للثدي، وهذه المعلومات كانت مطابقة للإحصائيات والدراسات من معظم الدول النامية أو المحدودة الدخل في ذلك الحين. لكن لا بد من الإشارة إلى أنه في لبنان وفي العديد من المراكز في الدول العربية ابتدءنا نرى حالات كثيرة في مراحل مبكرة بسبب حملات التوعية التي يقوم بها الأطباء والجمعيات المتخصصة والمنظمات الأهلية ووزارات الصحة والتي أدت بمساعدة وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة إلى أزدياد الوعي الصحي لدى السيدات اللبنانيات والعربيات.
نسبة سرطان الثدي عند النساء في لبنان وسائر الدول العربية
سرطان الثدي هو السرطان الأكثر شيوعاً عند النساء في لبنان ومعظم الدول العربية، ونسبة السيدات الصغيرات نسبياً بالعمر في ازدياد. لقد أثبتت إحصائيات المركز الطبي للجامعة الأميركية في بيروت الذي يعمل كمستشفى عناية أولية وتحويلية وتبلغ سعته الكاملة حوالي 400 سرير، ويعالج بين ربع وثلث حالات السرطان في لبنان حسب عدد من الدراسات في سنوات التسعينيات، والذي يملك سجلاً متكاملاً للأمراض السرطانية سجلت فيه 16421 حالة من سنة 1983 إلى 2000. من هذه ال 16421 حالة هناك 8007 حالة عند النساء منهن 33% (2673 حالة) سرطان ثدي حسب الدراسة التي نشرناها في المجلة الطبية اللبنانية. معدل العمر عند هؤلاء النساء المصابات بسرطان الثدي هو 49 سنة، وقد تم احتساب نسبة الإصابة مع العمر المعدل (ASR) التي بلغت 30,6 لكل مئة ألف إمرأة كل سنة. وكانت أعلى نسبة إصابة معدلة هي 69 لكل مائة ألف إمرأة عمر 50 – 59 سنة، تليها 79 لكل مائة ألف إمرأة لعمر 40-49 سنة، ثم 77 لكل مائة ألف إمرأة لعمر 60- 6 سنة.
وفي دراسة شاملة للمجموعة اللبنانية لإحصائيات السرطان أشارت الأرقام إلى أن نسبة الإصابة مع العمر المعدل (ASR) لكل مائة ألف إمرأة، هي 46.7 في سنة 1998. وكانت أعلى نسبة إصابة معدلة هي 153 لكل مائة ألف إمرأة لعمر 45-55 سنة، تليها 137 لكل مائة ألف إمرأة لعمر 65-74 سنة، ثم 120 لكل مائة ألف إمرأة لعمر 55-64 سنة ثم 101 لكل مائة ألف إمرأة لعمر فوق 75 سنة و78.8 لكل مائة ألف إمرأة لعمر 35-44 سنة. لقد بينت هذه الدراسة أيضاً أن سرطان الثدي يصيب السيدات في لبنان في عمر أصغر من السيدات في دول أميركا وأوروبا وهذه النسبة الأعلى لسرطان الثدي عند السيدات الأصغر عمراً مماثلة لإحصائيات من بلدان عربية أخرى وعدد من البلدان المتخلفة والنامية.
هذا وقد نشرت وزارة الصحة مجموع حالات السرطان في لبنان سنة 2007 التي بلغت 8000 حالة منها 4000 حالة عند النساء ومن هذه الحالات 1700 سرطان ثدي. وإذا اعتمدنا عدد سكان لبنان حوالي 4 ملايين نسمة فيمكن احتساب نسبة الإصابة المعدلة 69 حالة لكل 100000 سيدة كل سنة. مما يعني أن نسبة سرطان الثدي في لبنان قد ازدادت أربعة أضعاف خلال الخمسين سنة الماضية. أننا ندرج هذه الأرقام الجديدة مع بعض التحفضات لأن نسبة 69/10000 إمرأة/سنوياً قد تكون مبالغ بها بالنسبة للمقيمات في لبنان لأنه مع أن عدد الحالات قد ازداد فأن عدد السكان الاجمالي المحتسب في تلك المعادلة الإحصائية ليس دقيقاً، والعديد من السيدات اللبنانيات المقيمات خارج لبنان يأتين إلى لبنان للعلاج عندما يتبين عندهن سرطان ثدي فيدخلن في إحصائياتنا. ومع أن هناك صعوبة إحصائية كبيرة للتدقيق بها، فإن أرقام لجنة وزارة الصحة يجب أن يدخل في ضمنها إحصائيات كاملة عن أعداد اللبنانيات المرضى اللواتي يعودون إلى لبنان وأعداد كافة اللبنانيات في أماكن إقامتهن لكي يتم إدخالهن في عملية احتساب النسبة المئوية السنوية بدقة أكثر. هذا وإن اعتماد الكشف المبكر والتشخيص الدقيق زاد في عدد الحالات مبكراً في إحصائها.
ازدياد حالات السرطان الإجمالية وحالات سرطان الثدي في لبنان
إذن تثبت هذه الإحصائيات أن نسبة حدوث حالات سرطان الثدي في لبنان قد ازداد وتضاعف خلال الخمسين سنة الأخيرة. إن هذا الازدياد يترافق مع ازدياد عام لمجمل حالات السرطان في لبنان بنسبة%50 عند الرجال و%30 عند النساء خلال الأربعين سنة الماضية. فهي كانت بمعدل 102 حالة لكل مائة ألف رجل عام 1964 وأصبحت بمعدل 154 حالة عام 1998 وكانت بمعدل 104 حالة لكل مائة ألف إمرأة عام 1964 وأصبحت 134 حالة/100000/كل سنة عام 1998 للنساء و154 حالة/100000/كل سنة عند الرجال سنة 1998، ثم أصبحت 190 حالة/100000/كل سنة للنساء و191 حالة/100000/كل سنة عند الرجال سنة 2003. إن هذه النسب في لبنان هي أعلى بقليل من نسب في البلدان النامية ولكنها مقلقة لأنها تقترب من النسب العالية لحدوث السرطان في البلدان المتطورة صناعيا.
ويجب الإشارة إلى أنه حتى الآن لا يوجد سجل سرطان رسمي في لبنان بل يجري فقط تجميع معلومات أساسية عن معظم الحالات عندما تصل إلى وزارة الصحة أو المؤسسات الضامنة لطلب الدواء أو الاستشفاء ولكن يبقى هذا التجميع ناقصاً ولا يشمل كل الحالات ولا يحتوي عل كل المعلومات التي يجب أن تتوفر في سجل سرطان عصري. لذلك نحن نعود هنا ونتقدم إلى وزارة الصحة اللبنانية باقتراح لإنشاء دائرة خاصة مع موظفين متخصصين بسجل السرطان وجعل الإبلاغ عن السرطان إلزامي وفرض تعبئة نموذج – إستمارة متكاملة عن المريض وعن المرض ومرحلته وعلاجه وتطوره ونتائج العلاج بشكل دقيق حتى يصبح هناك معلومات دقيقة ورسمية تسمح برسم سياسة صحية علمية وبرنامج وطني لعلاج جميع أنواع السرطان بالإضافة للوقاية منه والكشف المبكر عنه.
إن الإحصائيات تكتسب أهمية كبرى للمسؤولين عن السياسة الصحية وتشكل تحديات جدية للسياسيين وللأطباء وللجمعيات العلمية والطبية في البلاد العربية والبلاد التي لديها نسبة كبيرة من المتحدرين من أصول عربية وشرق أوسطية، أهمية دراسة سرطان الثدي عندها وأية تغيرات لديها لإعتماد سبل توعية وكشف مبكر وعلاج أفضل.
سجلات السرطان والإحصائيات في البلدان النامية
تعترف منظمة الصحة العالمية بصعوبات كثيرة لتأسيس سجلات السرطان في البلدان النامية، وهذه الصعوبات أسبابها متعددة منها السياسية أو المالية أو الديموغرافية (التوزيع السكاني) أو أولويات صحية أخرى. ومثل معظم البلدان في الشرق الأوسط والدول النامية، فإن لبنان ما زال لا يملك سجلاً وطنياً متكاملاً للسرطان ويعتمد على جهود وزارة الصحة بجمع الأرقام من مستشفياته ومؤسساته الصحية والتأمينية ومراكز توزيع الأدوية. أن هذه الطريقة التي تعتمد تجمبع معلومات دبموغرافية وسريرية عن المريض ومرحلة مرضه والتشخيص الباثولوجي النسيجي عند التشخيص أو عند عودة المرض، اما في البداية أو وسط العلاج الاولي أو عند عودة المرض لدى وصول المريض إلى وزارة الصحة أو المؤسسات الضامنة لطلب الدواء أو الأستشفاء، تبقى غير دقيقة وغير كاملة ويجب أن ينتقل لبنان إلى تأسيس سجل سرطان حديث ومتكامل يتألف من لجنة خبراء مستقلة تعتمد على الزامية تسجبل كل الحالات السرطانية فور تشخيصها وعلى ادخال معلومات كاملة عن المريض والتشخيص والمرحلة والعلاج والمتابعة كما ذكرنا، بالإضافة إلى وجوب ادخال المعلومات الكاملة عن مرضى سرطان الدم في الإحصائيات.
أما سجلات متابعة المرضى والذين شفيوا من السرطان، وإحصائيات أسباب وتاربخ الوفاة في حال حصولها فما زالت لأسف غير متوفرة أو غير دقيقة مع أنها ضرورية لمعرفة أسباب الوفيات ونتائج العلاج.
وبالنسبة للدول العربية الأخرى فعلى سبيل المثال تملك المملكة العربية السعودية والكويت ودول الخليج وتونس إحصائيات تشخيصية كاملة. أما في مصر فهناك إحصائيات حول القاهرة وعدد من المناطق والمحافظات نتائجها قريبة من الإحصائيات التي عرضناها. ربما تكون الطريقة المثلى هي وجود هكذا سجلات مناطقية في البلاد الشاسعة.
متطلبات أساسية لسجل سرطان رسمي
1- تاسيس دائرة للسجل الوطني للسرطان في وزارة الصحة. تعتمد الدائرة استمارة مفصلة تطلب معلومات عن المريض والسرطان والمرحلة والعلاج ونتائج العلاج.
2- إصدار قرار للابلاغ الالزامي عن السرطان. هذا القرار يلزم أي طبيب (طبيب، جراح، أشعة، باثولوجي، مختبر،…)، وأي مستشفى يعالج مرضى السرطان، بان يبلغ دائرة سجل السرطان في وزارة الصحة عن الحالة، ومن ثم تقوم الدائرة بتأمين سبل تعبئة الاستمارة الجديدة ومتابعتها.
3- تعيين موظف متخصص متدرب (Registrar) ومعاونين له (أو لها) في الوزارة.
4- الطلب من كل المستشفيات أن يكون لديها موظف خاص لتسجيل الحالات وابلاغ وزارة الصحة.
5- إصدار تقرير سنوي أو كل سنتين عن اعداد ونسب حدوث كافة أنواع السرطان والمواصفات الإحصائية والاكلينيكية ونتائج العلاج والوفيات أو الشفاء.
الآثار الإيجابية للكشف المبكر وتطور العلاج والشفاء من السرطان
ما زالت نسبة حدوث سرطان الثدي في ازدياد في العديد من البلدان، خاصة تلك التي كانت النسبة فيها قليلة، ويقدر د. ماكسويل باركن من المؤسسة العالمية لأبحاث السرطان أن نسبة الازدياد هي 22% خلال العشر سنوات من 1990 إلى 2000. ينتج هذا الازدياد خاصة بسبب التغييرات في البيئة والنظام الغذائي والحياتي. أما بالنسبة للأسباب الوراثية المؤكدة مثل التغييرات في الطفرات الجينية فنسبتها قليلة عند عامة السكان.
لقد ابتدأت نسبة الموت من سرطان الثدي تنحسر في الولايات المتحدة وكندا والدول الأوروبية. إن هذا الانحسار يعود خاصة إلى إعتماد التشخيص المبكر وإلى تحسن العلاج الذي أصبح متوفراً حديثاً. هناك إحصائيات جديدة تؤكد حدوث مثل هذا الانحسار في لبنان والبلدان العربية ولكن ما زالت هناك حالات كثيرة يتم اكتشافها في مراحل متقدمة انه ينقصنا سجلات حديثة عن نسبة الموت ومعدلات الحياة. إن الاختلاف في مرحلة اكتشاف المرض تعكس أيضاً تأخر البلدان النامية في برامج الكشف المبكر ودرجة انتشار الوعي الصحي والتقدم بالعلاج نسبة إلى البلدان المتطورة صناعيا. لذلك فإن البلدان النامية بحاجة ماسة إلى تفعيل حملات الكشف المبكر وتحسين نوعية التشخيص والعلاج.
لقد أحدثت حملات التوعية وازدياد ثقافة السيدات اللبنانيات والعربيات تغييراً إيجابياً في مرحلة حالات الورم وأصبحنا نرى حالات مبكرة أكثر من السابق. أننا متأكدون بأننا إذا اعتمدنا الكشف المبكر لجميع السيدات فالنتيجة ستكون الشفاء الأكثر. أن الدول النامية بحاجة كبيرة إلى إعتماد حملات التوعية الصحية والفحص الذاتي للثدي والفحص السريري عند الطبيب ومن ثم تحضر مجتمعها وقدراتها الطبية لكي تستطيع لاحقاً إعتماد التصوير الشعاعي الماموغرافي وتوفير العلاجات الحديثة لسرطان الثدي.