الوقت شيء ثمين، والاستغلال السيئ له يعد مصدراً للتوتر وتبديد الطاقة. علاوة على ذلك، تعتبر إدارة الوقت من المهارات الأساسية التي لا تدرس في المدارس. وأنا شخصياً معجب على وجه الخصوص بجهود “مايكل فاليتشيك” في هذا الشأن (وهو باحث متخصص في علم الوجود، وله اهتمامات رئيسية بالتحولات التنظيمية، وهو يعمل كمستشار، وقد أدلى بآرائه في العديد من المنظمات البارزة وأجرى حلقات دراسية في “الجمعية الصناعية” بلندن). وتوافق آراء فاليتشيك تماماً ما يعرف عن الأداء العقلي والتغذية. ومرة أخرى أقول إن الموضوع الرئيسي هو التركيز والانتباه. وقد برهنت دراسات الاستخدامات الغذائية على أن التغذية المثالية تحسن الأداء العقلي عن طريق زيادة التركيز والانتباه.
يقول فاليتشيك: “إن الإحساس بالارتباك الشديد يكون نتيجة لترك الأعمال معلقة لا ينجز منها شيء”. وهذا قد مس وتراً حساساً عندي فقد كنت دائماً مطوقاً بقوائم لانهائية من الأعمال والتي كانت تمر في ذهني كشريط متلاحق. وكنت غالباً ما أقضي اليوم في عمل أشياء غير تلك التي من المفترض أن أقوم بها. أليس هذا جنوناً أن تقلق بشأن الأشياء التي لا تعملها، ثم تقوم بعمل شيء آخر!
والحقيقة أن الوقت الوحيد الذي له وجود حقيقي هو الآن أو الزمن الحاضر. وهناك قول مأثور أحبه يقول: “الماضي تاريخ، والمستقبل لغز، والآن هو الوقت الوحيد الباقي هنالك”. إنه نعمة، ولهذا نسميه The Present أي الهدية. والقدرة على بقاء التركيز في الحاضر هي سمة الناس الأكفاء والفعالين حقاً. ولكن ما الفرق بين هاتين النوعيتين: الكفاءة Efficiency والفعالية Effectiveness؟ الكفاءة هي عمل الشيء على الوجه الصحيح، بينما الفعالية هي عمل الشيء الصحيح، هذا ما يقوله فاليتشيك.
وعمل الشيء على الوجه الصحيح يعني أن تؤديه كاملاً، أي أن تتمه وتنفض يديك منه. أليس القيام بأعمال كثيرة وتركها معلقة جميعاً هو ما يولد التوتر؟ أليس جزءاً من الطبيعة البشرية أن تريد أن تحل المشاكل، وتخمد الصراعات وتستكمل المهام؟
ومع ذلك كم من مرة بدأنا عملاً آخر قبل أن ننتهي من الشيء الذي كنا نعمله؟ إن من طبيعة العقل البشري أنه فقط قادر على أن يركز في شيء واحد في وقت واحد، وانتباهنا يستطيع أن يتنقل بسرعة من شيء لآخر. مع هذا ففي كل لحظة يكون للذهن نقطة واحدة فقط من التركيز، تماماً بنفس الطريقة التي يكون لنا فيها مجال واحد فقط من الرؤية.
والإدراك الكامل لحقيقة ذلك هو البداية لإدارة الوقت بكفاءة. والخطوة الأولى بالنسبة لي كانت أن قمت بجمع كل أكوام أوراقي، والفواتير التي علي أن أدفعها والموضوعات التي سأقرؤها، والأمور التي سأنظر فيها، والأشياء التي لابد من عملها، ثم بعد ذلك أقرر، الواحد تلو الآخر، هل أنا حقاً عازم على فعل هذا؟ وإذا كان كذلك، فمتى إذن؟
لقد ذهبت إلى بائع الأدوات الكتابية واشتريت ملف إدارة الوقت. وهو مقسم لأجزاء مرقمة من 1 إلى 31 على عدد أيام الشهر، واشتريت كذلك بعض الدوسيهات البلاستيكية الشفافة. وكلما أمسكت كومة من الأوراق كنت أقرر ما إذا كنت سأتعامل معها، وإذا كان كذلك، فمتى إذن. ولما فعلت ذلك اختفى من أمامي قدر كبير من الأوراق، والأوراق التي تبقت كنت أضع كل واحدة منها في الدوسيه لأخصص لها فترة من الوقت. وأنا الآن عندما أبدأ أي يوم أعرف ما الذي أفعله بالضبط، ولدي كل الأوراق الخاصة التي أحتاجها للمهمة التي في متناول يدي. فأصبح لدي أيام أدفع فيها فواتيري أو أنشغل فيها بالقراءة أو أنجز مراسلاتي، وأيام أخرى أقوم فيها بعمل الأشياء الصغيرة غير الملحة.
وبدلاً من أن أكون محاطاً بأكوام من الورق وقوائم من الأعمال اللانهائية، فأنا الآن لدي كل شيء مرتب حسب الوقت الذي خصصته للتعامل معه. وإذا لم يكن هذا الوقت اليوم، فأنا حينئذ لا أفكر فيه مطلقاً. ونتيجة للعمل بهذه الطريقة فقد استطعت أن أؤدي الكثير في زمن يسير مع مزايلة التوتر بصورة كبيرة.
ومع اقترابنا من القرن الحادي والعشرين يشعر كثير من الناس بالانغماس المتزايد في متطلبات الحياة الحديثة، والعالم اليوم يتغير بسرعة. والتقدم في التكنولوجيا يجعل العالم أصغر وعجلة التغير أسرع. وهناك ثورة معلوماتية مستمرة تشمل كل النواحي. والخيارات المتاحة لنا بخصوص كيف نعيش وماذا نأكل وأين نذهب وماذا نشتري تتضاعف بشكل سريع على حد سواء. إنه عالم جديد ونحن بحاجة لأدوات جديدة تساعد على التكيف مع الحركة السريعة للحياة الحديثة.
والوسائل النفسية والتنظيمية التي تساعد على التكيف مع عالم اليوم مهمة بصورة متساوية، ومع أنها ليست موضوع هذا الكتاب بالتحديد إلا أنك ربما تريد أن تنمي هذه المهارات -عن طريق حضور الدورات الدراسية وقراءة الكتب وطلب المشورة- كجزء من خطة عملك من أجل حياة مفعمة بالطاقة.