المعلومات العلمية المتعلقة بجهاز المناعة الصلبي في أجسامنا التي ما فتئت تتبلور منذ بعض العقود لم تؤتِ ثمارها بعد لجهة تحسين صحة الناس في القرن الواحد والعشرين. فبدلاً من ذلك وصلت السمنة في الولايات المتحدة إلى مستويات خطرة، خاصة بين أولادنا الذين يصابون بأمراض متصلة بالسمنة لم نشهد مثلها لدى الأطفال في السابق كمثل داء السكر نوع 2، فرط ضغط الدم، والكوليسترول العالي. بعض هذه التغيرات تعود إلى قلة التمرين، خاصة التمرين في الخارج، ولكن الكثير منها يتعلق بماذا وكيف تأكل العائلات الأميركية في هذه الأيام. بالإضافة إلى ذلك هناك نسبة مئوية متزايدة من الأطفال يعانون من الأرجيات. وأمراض المناعة الذاتية هي في ازدياد أيضاً لدى البالغين والأولاد من بينها: الأرجية والربو والذأَب والتهاب المفاصل الريثاني.
إنني أرى سببين أساسيين لهذه الأمراض المتعلقة بالطعام والغذاء. الأول هو العولمة. فحتى بعض العقود الماضية كان أكثر الناس يبقون في الأماكن حيث عاش أجدادهم ويأكلون الأشياء التي كان أجدادهم يزرعونها ويأكلونها. عمليات الزراعة وصيد الأسماك والصيد وتحضير الطعام التي طُورت عبر أجيال عديدة ظل آباؤنا وأجدادنا يعتمدونها أيضاً.
بعد ذلك، خلال وبعد الحرب العالمية الثانية، بدا كل ذلك يتغيّر مع تقدم النقل والاتصالات التي بدأت بتقليص الكرة الأرضية. بدا الناس يزيدون من أسفارهم وكذلك فعلت أطعمتهم وتقنياتهم لزرعها وحصادها وتحضيرها. هذه العملية كانت بالطبع سائرة في أميركا لمئتين أو ثلاث مئة سنة ولكن حتى هنا تسارعت على مدى الجيل الماضي. فقد كنا ندخل أصنافاً جديدة من الطعام إلى أجسادنا. كان كل سوبرماركت محلي تقريباً يعرض فاكهة وخضاراً طازجة من تشيلي ونيوزيلندا والمكسيك وكاليفورنيا حتى في منتصف الشتاء في قلب السهول الغربية الكبيرة المكسوة بالجليد. في أية مدينة من مدن الولايات المتحدة تستطيع أن تتناول إفطارك في مقهى يقدِّم لك البيض واللحم المقدر التقليدي، الغداء في مطعم ياباني يقدم السوشي والعشاء في محل مكسيكي أو مطعم فرنسي من الدرجة الأولى أو، ربما، في محل تايلاندي أو أثيوبي.
إننا نحب وفرة تنوُّع المأكل والمشرب ولكن ذلك يعني أن أجسامنا التي هندستها الطبيعة جينياً كي تأكل بطريقة معينة ومن تربة معينة سوف تجابه دون شك أطعمة لم يذقها آباؤنا أبداً، أطعمة لا تستطيع أجسامنا هضمها بسهولة.
وأدت العولمة أيضاً إلى ضاغط غذائي آخر. هذه المآكل “الطازجة” من حول العالم شحنت إلى السوبرماركت المحلي أو المطعم ووصلت بمظهر خارجي جيد وصحي. ولكن من أجل اجتراح هذه الأعجوبة طوّر منتجو الطعام ومصنعوه جميع أنواع التكنولوجيات الجديدة. لقد استولدوا أنواعاً من النبات مقاومة للتخدش وتحتفظ برونقها “الطازج” بعد نقلها من بستان في نيوزيلندا مثلاً إلى سوبرماركت في داكوتا الشمالية. هذه النباتات تبدو رائعة عندما نشتريها ولكن ليس لها الطعم ولا القيمة الغذائية التي للخضار والفاكهة الطازجة بحق.
مزارعو الأطعمة ومصنعوها خطوا خطوات جبارة في مسارات أخرى أيضاً طوال الأجيال الماضية، وهذه تقود إلى السبب الثاني الذي أعتقد بموجبه أن صحة الأطعمة وضعت في خطر كبير جراء طريقة أكلنا الحاضرة. هذا السبب هو أنه في كل مكان، من تربة المزرعة إلى العلب الموضَّبة للمأكولات التي نشتريها من الدكاكين، غيّرت التكنولوجيا الحديثة الطعام الذي نأكله بطرق لا تقوى أجسامنا على التعامل معها في أكثر الأحيان.
لقد جرت كثير من البحوث على العواقب التي تتسبّب بها هذه التكنولوجيات في السنين القليلة الماضية. التكنولوجيات التي غيّرت أطعمتنا تشمل الأسمدة الكيماوية بالأتربة المستنزفة من المغذيات المجهرية، تعديلات البذور الجينية، مبيدات الحشرات، إطعام الماشية بأقفاص للعلف على نطاق واسع، الأجسام المضادة التي تحقن بها الحيوانات الداجنة، استعمال كميات كبيرة من بقايا الحيوانات لتسميد التربة أو لخلطها مع علف الحيوانات والستيرودات والهرمونات المعطاة إلى الحيوانات الداجنة.
أوجدت التكنولوجيا أيضاً المطبخ الخاص بها للإنتاج الجملي، أكثره يعتمد على السكر والزيت المستخرج من الذُّرة ومواد مستخرجة من فول الصويا وعمليات تعقيم وتجانس وبسترة وحافظات ودهون اصطناعية ومُحليات اصطناعية واختراع أطعمة جديدة وغريبة من كل نوع. أكثر هذه الأطعمة قابلة للهضم نوعاً ما، ولكن قليل منها يمكن اعتباره صالحاً لنا من الوجهة الغذائية. النتيجة هي طعام متوفر ورخيص وسائغ يبعث على الإدمان. لقد عودونا على الأكل أكثر فأكثر من هذه السعرات التي أفرغت من كثير من محتوياتها المغذية حتى أصبحنا أمة أشخاص بدينين ومحرومين مما تحتاجه أجسامنا فعلاً.
الاختبار الياباني
من الواضح أن صحة الناس في الولايات المتحدة قد تأثرت بما يأكلون وبكيف يأكلون، ولكن لا يسعني إلا التفكير باختبار آخر واسع النطاق أظهر بكل وضوح العلاقة بين الغذاء والصحة. هذا ما اختبره الشعب الياباني عندما بدأ يتبنّى المطبخ المتأمرك في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
في الفترة بين 1945 إلى 1950 بدأت حملة إصلاح غذائي في جميع أنحاء اليابان انتهت إلى ما سمِّي تدمير الثقافة الغذائية التقليدية اليابانية.
أحد العوامل التي ساهمت في هذا التدمير ربما كان التغيير في القيم اليابانية الذي نشأ كنتيجة لخسارة اليابان الحرب. كان صدمة بسيكولوجية استفاق منها المجتمع الياباني بعقلية مفادها أن المطبخ الياباني التقليدي الذي لا يحتوي على اللحوم أدى إلى خسارة الحرب. تلك هي اليابان حيث نشأتُ وبدأتُ دراساتي الطبية. فجأة بدت كل الأشياء الغربية أفضل من تقاليدنا وكانت النتيجة تغييراً لافتاً في الأغذية اليابانية لا مثيل له في العالم. غير أن العامل البسيكولوجي المذكور لم يكن السبب الوحيد في ذلك، إذ إنه كان هناك استراتيجية القمح المقصودة من قبل الولايات المتحدة المنتصرة في الحرب.
بعيد الحرب العالمية الثانية كانت مسألة التخلص من زائد المحاصيل الزراعية كالقمح وفول الصويا والذرة مسألة ملحة على الصعيد الوطني في الولايات المتحدة. فالمحاصيل الزراعية الوافرة التي أُنتجت لإطعام الجنود في أوروبا وآسيا استعملت في خطة مارشال، برنامج إنماء أوروبا بعد الحرب، واستعملت أيضاً بكميات كبيرة في الحرب الكورية التي اندلعت سنة 1950. في أوائل الخمسينيات، بعد إتمام خطة مارشال وانتهاء الحرب الكورية أصبحت الحبوب الزائدة مشكلة للولايات المتحدة. واجهت الزراعة الأميركية مشكلة تدنِّي الأسعار لمنتجاتها، وضاعف موسم قمح ممتاز في جميع أنحاء العالم الآثار السلبية على الوضع العام.
من أجل تفادي انهيار في أسعار المنتوجات الزراعية في أميركا أخذت الحكومة بشراء الفائض، والمحصولات التي لم يكن لها محل في السيلوات والمخازن جمعت على قارعة الطرق وغُطِّيت بالملاءات. عرضت اليابان، التي كانت تتعافى من آثار الحرب، على الولايات المتحدة شراء بعض هذا الفائض الزراعي. وافقت الولايات المتحدة على تزويد اليابان بمنتجاتها الزراعية الفائضة بشروط جيدة: يكون الدفع مؤجلاً، وأثمان مبيعات الفائض إلى القطاع الخاص سيتم استخدامها في إطار إعادة تأهيل اليابان الاقتصادي.
اشتمل الاتفاق على شرط ينص على أن للولايات المتحدة الحق في استعمال قسم من أموال إعادة التأهيل الاقتصادي لتطوير أسواق في اليابان للمحاصيل الزراعية الأميركية. كانت النتيجة “حركة الإصلاح الغذائي” التي أدّت إلى استعمال سيارات مطابخ في جميع أنحاء البلاد. يتذكر اليابانيون المسنون هذه الحوادث جيداً. لفترة خمس سنوات ابتداءً من 1956 كانت السيارات المطابخ، وهي باصات كبيرة عدلت لهذا الغرض، تجوب جميع أنحاء البلاد لإعطاء دروس في الطبخ. وكانت الأطعمة المزكاة من قبل حركة الإصلاح الغذائي أطعمة معدّة حسب المطبخ الأميركي – خبز مصنوع من القمح، لحوم، حليب، مشتقات الحليب، بيض ومأكولات مقلية بالزيت أو الدهن. هذه الأطعمة ملائمة لنظام أكل الخبز والتشجيع عليها أدّى إلى إنشاء تربية الماشية في البلاد مما فتح الطريق لاستيراد كميات كبيرة من الذرة وفول الصويا من الولايات المتحدة كعلف لها من جهة وكمادة أولية للزيت النباتي وزيت الذرة. في الواقع ما زالت اليابان تستورد من الولايات المتحدة 90 بالمئة من العلف الذي تحتاجه لماشيتها حتى الآن. أحدثت استراتيجية الولايات المتحدة تغييراً في الثقافة الغذائية اليابانية إلى ما يتلاءم مع الازدهار الاقتصادي في أميركا.
وجبة الغداء المدرسية
لقد كان لاستراتيجية القمح الأميركية هذه وقع آخر على الثقافة الغذائية اليابانية، وذلك بسبب تزويد مادتي القمح ومسحوق الحليب المقشود إلى المدارس بغرض تقديم وجبات طعام الغداء. مدارس عديدة اليوم تقدم وجبات الغداء مع الأرز، ولكن في تلك الأيام كان الخبز المصنوع في اليابان رمز وجبات الغداء المقدمة من المدارس. في البدء كانت بعض المنظمات الخيرية تزوِّد مسحوق الحليب المقشود كإعانات للمحتاجين ويجب أن يقدم لها جزيل الشكر لهذا العمل الذي أنقذ 14 مليون طفل من سوء التغذية في جميع أنحاء البلاد.
كان على هذه الإعانة أن تنتهي بعد إعلان استقلال اليابان سنة 1951 في أعقاب التوقيع على معاهدة سلام في سان فرنسيسكو. غير أن الولايات المتحدة وضعت نصاً في المعاهدة بشأن “التزويد دون ثمن لغداء المدارس” بنية إنشاء نمط حياة غذائي في اليابان يعتمد على القمح والحليب. في تلك الأيام كان برنامج وجبات الغداء المدرسية يواجه أزمة ولكن، وبفضل هذه الهبة المجانية، أمكن الإبقاء عليه وأخذت وجبة من “الخبز والحليب وطبق آخر” تتجذر في اليابان.
وهكذا تثبت روتين استيراد منتجات زراعية أميركية على أساس دائم. في نفس الوقت بدأ استهلاك الأرز، العنصر الغذائي التقليدي في الغذاء الياباني، بالتدهور إلى حدّ تشريع سياسة لتقليص المساحات المخصصة لزراعة الأرز. وهكذا ترى أن تسمية هذا الأمر تدمير ثقافة الغذاء التقليدية لليابان لا تنطوي على أية مبالغة.
مع هذا التغيير الكامل في الثقافة الغذائية اليابانية أصبح كل فرد من الشعب الياباني مشاركاً، ولو عن غير قصد، في أكبر اختبار غذائي وصحي في تاريخ البشرية. ماذا كانت نتيجة هذا الاختبار عن صحة اليابانيين؟
صحيح أن أجسام اليابانيين زادت ضخامة بسبب استهلاك هذا الغذاء المؤلف من الحليب ومشتقاته الغنية بالكالسيوم. عندما نقارن معدل طول الشخص الياباني اليوم بطوله يوم ولدت (1935) نجد أنه زاد بمعدل أربعة إنشات (عشرة سنتيمترات) تقريباً. وللشباب اليابانيين اليوم هياكل جسمية تختلف كثيراً عن التي كانت لأبناء جيلي. ولكن أن يكون طولك أكثر ارتفاعاً وهيكل جسمك أفضل شيئاً، وأن تكون بصحة أفضل – خالياً من الأمراض مع قوة جسدية وحيوية – شيئاً آخر.
انخفض معدل وفيات الأطفال من الأمراض المعدية انخفاضاً كبيراً، وكان من نتيجة ذلك أن وصل معدل طول الحياة إلى المرتبة الأولى في العالم. في نفس الوقت هناك 600.000 مريض بالسرطان، 16 مليون مريض بالسكري، 46 مليون مريض بالأرجية و31 مليون مصاب بأمراض الضغط، وكلها على ارتفاع. هناك أعداد متزايدة من اليابانيين يعانون من سرطان القولون، سرطان الرحم، سرطان الثدي، سرطان البروستات… إلخ وكل هذه الأمراض كانت نادرة بين اليابانيين قبل الحرب.
في اليابان حيث الناس من عمري لم يشبُّوا وهم يشربون الحليب، ربما تظن أن عدد اليابانيين الأكبر سناً المصابين بترقق العظام يجب أن يكون أعلى لدى مقارنته بالناس في أكبر أربعة بلدان مستهلكة لمشتقات الحليب كاللبن والزبدة والجبن، وهي الولايات المتحدة، السويد، الدانمارك وفنلندا، ولكن الحال على غير ذلك تماماً. ترقق العظام هو مرض العظام الضعيفة الذي يسببه نقص الكالسيوم، وفي حال عدم معالجته، يؤدِّي إلى مخاطر كبيرة لجهة تكسُّر العظام، ويوصَى بشرب الحليب لمنعه.
يقال إن مأخوذ الكالسيوم لدى اليابانيين يقارب 550 ملغراماً، ضعف المأخوذ سنة 1950. كمية المأخوذ تضاعفت خلال 60 سنة، ومع ذلك عدد الناس المصابين بتحجُّر العظام يرتفع باستمرار. الناس في الأيام الغابرة لم يشربوا الحليب ومع ذلك كانوا أصلب من أناس اليوم. كانوا أصحاب عزيمة لا تلين. هناك أناس يقولون “كان معدل الحياة قصيراً آنذاك ولذلك كان المصابون بتحجُّر العظام أقل عدداً”. ومع ذلك فإن عدد الأطفال الذين يكسرون عظامهم من سقطات بسيطة في ازدياد مستمر.
للكالسيوم وظائف تتعدّى بناء العظام والأسنان. هناك كميات قليلة من الكالسيوم في الدم والخلايا تسهم في تطبيع جسم ما كالعضلات والأعصاب. لذلك عندما تنقص كمية الكالسيوم في الجسم يصبح المرء نزقاً أو يعاني من تزعزع عقلي. سأبحث ذلك في ما بعد، غير أنه بالإضافة إلى مأخوذ مفرط من السكر المكرر، واحد من العناصر التي تسهم في الإثارة وانعدام الانضباط العاطفي. إن المشاكل التي يسبّبها نقص الكالسيوم مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بنوعية الغذاء اليومي. للقيام بتغيير جوهري يجب تناول غذاء لا يعتمد على الأطعمة ذات المصدر الحيواني ويكون متناسقاً مع النظام الطبيعي كما توصي طريقة شينيا بيوزيم ولا يمكن للمرء أن ينتظر تغييراً هاماً إذا ما اكتفى فقط بغذاء متوازٍ.
سبق وكتبت الكثير في كتبي الصادرة باللغة اليابانية وفي كتابي العامل الأنزيمي عن المشاكل الناتجة عن منتجات الحليب، خاصة بالنسبة إلى اليابانيين وغيرهم من الشعوب غير المعتادة على استهلاك الألبان والأجبان. بالإضافة إلى عدم تحمُّل اللكتوز، لاحظت أن هناك أعداداً متزايدة من المصابين باضطرابات القولون المزمنة مثل ذات القولون التقرحي أو مرض كرون وغيرها التي كانت نادرة منذ 30–40 عاماً. من الممكن أن تكون هذه الأمراض غير القابلة للشفاء مرتبطة باستهلاك غذاء من أصل حيواني كالحليب ومشتقاته واللحم. أما سبب هذا التخمين فهو أن تحسينات حصلت في أعراض حالات مرضية بعدما غيّر المرضى غذاءهم بالتوقف عن استهلاك أطعمة من مصادر حيوانية والانتقال إلى أطعمة تتكوّن من حبوب غير مكررة وخضار وفاكهة.
وهناك أيضاً حالات عديدة حيث كان أناس يعانون من أمراض أرجية مثل تهيُّج المعى المتلازم، الإمساك المزمن، براز ذي رائحة كريهة والتهاب الجلد التأتُّبي وغيرها، نُصحوا بالانتقال من أطعمة ذات مصادر حيوانية إلى طعام يتألف في أكثريته من مصادر نباتية فظهرت عليهم بوادر تحسن في معالم أمعائهم مع تحسن في حالتهم العامة من دون مداواة.
الأبقار من آكلي العشب ترعى في الحقول. ولكن أبقار المزرعة – المعمل تُطعم علفاً مركزاً يشتمل على حبوب وفول وفاصولياء، وهذا ليس غذاء هذه الأبقار الأصلي. من أجل استدرار كميات وافرة من الحليب تحبس هذه الأبقار في أقفاص وتُحرم من التمارين اللازمة. في بعض الأحيان تعطى علفاً من أصل حيواني كالأسماك أو مسحوق الحليب الخالي من الدسم. ذلك يعادل، نوعاً ما، إعطاء غذاء عالي السعرات والبروتينات لأطفال يقبعون في البيت. فإذا وضعت نفسك مكانهم تظن أنك ستمرض من جراء طريقة العيش هذه. وفي الحقيقة أن عدد الأبقار الحلوبة التي تعاني من أمراض مختلفة مثل تضخم الكبد، القعاد ما بعد الولادة، التهاب الثدي، خلل في التوالد، يتزايد باستمرار خلال 10–15 سنة الماضية. وبنوع خاص انزياح المنفحة (المعدة الرابعة في المجترات) وهو مرض تنفرد به الأبقار الحلوب.
كما يعلم الكثير منكم، الأبقار تهضم بالاجترار ولها أربع معدات. يفترض أن الثلاث معدات الأولى تطورت من المريء. المعدة الأولى هي الأكبر ومعروفة بوظيفتها الأساسية في تحليل العشب الصعب الهضم بمؤازرة التخمير ومتعضيات مجهرية محلية. وتهضم هذه المواد المخمّرة في المعدة الرابعة حيث تفرز السوائل المعوية ثم تنتقل إلى الأمعاء. وانزياح المنفحة يعود إلى امتلاء المعدة الرابعة بالغازات نتيجة عدم الهضم في المعدة الأولى بسبب الإفراط في الأعلاف المركزة. عدد كبير من هذه الأبقار الحلوبة تفقد شهيتها وترفض الأكل فتنخفض كمية الحليب وتصاب بمختلف أنواع الأمراض المزمنة. في غالب الأحيان تُجرى جراحة في المراحل الأولى لإعادة المعدة الرابعة إلى وضعها الصحيح.
علاوة على ذلك تلقح الأبقار الحلوبة اصطناعياً بعد وضعها بستين يوماً فقط وهي لا تزال تنتج حليب الأمومة. في الوقت الحاضر، ومع التقدم في ضبط الماشية 99 بالمئة من الأبقار تمر في عملية التلقيح الاصطناعي ثم الحبل والوضع. يأخذ مزارعو الماشية التلقيح الاصطناعي كعملية عادية لا بد منها ولكننا يجب أن نتساءل ما إذا كان هذا العمل مقبولاً أم لا.
أما سبب قلقي في هذه المسألة فهو حليب الأبقار الحبلى إذ إننا نعلم أن حليب الأبقار الحبلى (الذي يؤخذ للاستهلاك) يحتوي على كمية كبيرة من الهرمونات الأنثوية.
برزت مشكلة الهرمونات الأنثوية للأبقار الحبلى عبر أبحاث السيد إكيو ساتو، الأستاذ في جامعة ياماناستي. بحسب السيد ساتو، عندما تكون البقرة حبلى، يصبح مستوى كثافة الهرمونات الأنثوية في الدم عالياً وتنتقل هذه الهرمونات إلى الحليب ولا يتحلل هذا الهرمون بحرارة التعقيم. بكلام آخر كميات كبيرة من الحليب في السوق تحتوي على كميات كبيرة من الهرمون الأنثوي، أكبر بكثير من الكمية الموجودة في حليب الأبقار غير الحبلى.
الناس الذين يستهلكون أكبر كمية من الحليب في الوقت الراهن هم فئة الأطفال من 7–14 سنة ويقال إن كل طفل يستهلك 320 مليلتراً من الحليب أو مشتقات الحليب في اليوم الواحد. وقد ثبت أن الحليب المباع في السوق يحتوي على 380 بيكوغراماً (البيكوغرام الواحد هو واحد على تريليون من الغرام) من سلفات الإسترون، نوع من الإستروجين. هذا يعني أن الأطفال في سن ما قبل البلوغ يأخذون 120 نانوغراماً (120.000 بيكوغرام) من سلفات الإسترون كمعدل. هذه الكمية أعلى من 40–100 نانوغرام من الهرمون الأنثوي (إستراديول، نوع من الإستروجين) الذي ينتجه الأطفال قبل بلوغهم سن البلوغ. هناك بعض الآباء والأمهات يحثون أولادهم على استهلاك ربع غالون من الحليب في اليوم قائلين “سوف يصنع منك صبياً بصحة جيدة”. وعندما يضاف إلى الحليب مشتقات كالجبن والزبدة والكريما واللبن وغيرها تصبح الكمية المستهلكة كبيرة.
إن الهرمون الأنثوي الموجود في الحليب ومشتقاته يختلف عن المواد الكيماوية التي تعمل كهرمونات، أو ما يسمّى الممزقات الهرمونية. ولأنه هرمون حقيقي فإن مفعوله على الجسم أقوى بأشواط. باختصار، إن استهلاك كمية كبيرة من الحليب، الذي يقال إنه مغذٍّ جداً وملائم للصحة، يعطي الأطفال في سن ما قبل البلوغ كميات مفرطة من الهرمونات الأنثوية. وذلك بالطبع يشمل الصبيان.
ما هي مفاعيل الهرمونات الأنثوية المفرطة على عقول وأجسام الأولاد؟ يشير السيد ساتو أن أطفال الازدهار (baby boomers) كانوا الجيل الأول في اليابان الذين تغذوا بالحليب حتى قبل ولادتهم (عبر أمهاتهم) وأن قدرتهم على الإنجاب متدنية جداً. مثلاً نسبة الحمل لدى فئات الأعمار القادرة على الإنجاب (15–45) سنة 2004 عندما بلغت أعمار الجيل الثاني من أطفال الازدهار العشرينيات يظهر 50 بالمئة تدني بالقياس إلى نسبة 1973، أي قبل 30 عاماً. لا يمكننا تفسير مثل هذا التغيير بإرجاعه إلى تغييرات في مفاهيم القيم أو إلى زيجات متأخرة. في الحقيقة هناك مشكلة غير عادية من عدم الخصوبة أو قلة النطاف. ربما لا يسبِّب الحليب وحده كل هذه المشاكل ولكن لا يمكننا أن ننكر أن الطراز الغربي للغذاء، بما فيه الحليب، كان له وقع على انخفاض الخصوبة.
وأكثر من ذلك، فإن سرطانات الصدر وسرطانات البروستات وسرطانات المبيض وسرطانات الرحم وغيرها في البلدان المتقدمة كانت على ازدياد مستمر بعد 1940–1950 عندما بدأ الاستهلاك الكبير للحليب ومشتقاته. وعبر تقديمي النصح للمرضى الذين يعانون من أمراض سرطان الثدي أو البروستات. ثبت لديّ أن هؤلاء المرضى قد استهلكوا الحليب والجبن واللبن وغيرها على أساس يومي.
أعتقد أن علم الغذاء الحاضر الذي أُعدَّ في ظل الاضطرابات التي نشأت في فترة ما بعد الحرب قد أصبح بحاجة إلى إعادة تقييم. من جهتي، استنبطت الشينيا بيوزيم التي ترتكز على معلومات جديدة عن أنزيمات علم التغذية. لقد أوصيت بهذا الأسلوب إلى أناس عديدين بمن فيهم مرضاي. إنني أعتقد أن الوقت قد حان لإنشاء علم تغذية جديد من وجهة نظر صحة كل شخص على حدة وبعيد كل البعد عن المصالح الاقتصادية لصنَّاع المأكولات.
لقد صمّم جسدك ليبقى في صحة جيدة ومليء بالحيوية بواسطة غسل خلاياه بطريقة طبيعية مستعملاً في ذلك أنزيماتك الباعثة للشباب، أنزيماتك التجديدية. يعمل أسلوب البيوزيم مع هذه الأنزيمات التجديدية التي يوجد منها ما يقارب 60 تريليوناً داخل خلاياك. عندما تتعلم كيف توقظ هذه الأنزيمات سوف تنعم بحيوية أكبر وعدد أكبر من السنين التي لا يؤثر فيها العمر.