من بين التدريبات العديدة التي عرضناها عليك في الفصول السابقة في هذا الكتاب، لاشك أنك قد وجدت أن بعض التدريبات كانت سهلة بالنسبة لك والبعض الآخر بدا مستحيلاً تقريباً، وكانت هناك بعض التدريبات التي تناسبت تماماً مع عقلك وجسدك. وأنت الآن تواجه الموقف الذي يجب أن تتخذ فيه بعض القرارات: ما تدريبات التأمل التي يجب أن تصبح جزءاً من روتيني اليومي؟ وما التدريبات التي سأنساها ببساطة، على الأقل الآن؟ هل هناك مشكلة إذا ركزت على التدريبات السهلة فقط؟
دعنا نبدأ بالإجابة عن السؤال الأخير. فيما يخص التأمل، فإن فعل ما يبدو لك سهلاً وطبيعياً له جانب إيجابي وجانب آخر أقل إيجابية. ومثلما هي الحال مع أي مهمة جادة، عندما تبدأ التأمل يجب أن تبدأ من حيث أنت الآن. وهذا يعني أن استخدام تدريبات التأمل البسيطة والسهلة هو الأسلوب الصحيح. على سبيل المثال، سيكون من الأسهل بالنسبة لك أن تزيد من الوقت المخصص للتأمل إذا كان ما تقوم به ليس صعباً ومرهقاً على المستوى البدني. ستتمكن من الجلوس في أي وضع سهل أو السير على مسار معين لمدة أطول من الوقت. وهذا سيسمح لك بالتعود على قضاء المزيد من الوقت في التأمل.
أما الجانب غير الإيجابي في هذا الأمر هو أنك عن طريق تطوير ممارسة التأمل بهذا الشكل فإنك لن تتحدى نفسك كثيراً. وكما تعلمت، فإن هناك بعض التحديات ذات المغزى في التأمل، ومن خلال مجابهة هذه التحديات يمكنك أن تنمو وتتعلم. لهذا السبب، فإن سلوك المسار السهل قد لا يكون هو الأفضل على المدى البعيد. وبالرغم من هذا، لا بأس بأن تنتهج هذا المسار السهل في البداية وتتخذ من ذلك قاعدة تؤسس عليها وتبني عليها للمستقبل.
بعض التدريبات الواردة في هذا الكتاب مصممة لأغراض محددة. لذلك، فمن الأفكار الجيدة أن تجرب هذه التدريبات عندما لا تكون تواجه تحدياً كبيراً في حياتك حتى تتمكن من معرفة كيفية تنفيذها بشكل صحيح. على سبيل المثال، إذا تعلمت كيفية تلقي وإرسال التأمل (الفصل 16) في فترة هادئة من حياتك، فإنك ستتمكن من الدخول في هذا التأمل أسرع وأسهل مما لو كنت تواجه مشكلة صعبة في حياتك. بعد ذلك، عندما تواجه مهمة مساعدة شخص يعاني ألماً أو اضطراباً كبيراً فإنك ستكون قادراً بصورة تلقائية على الاستجابة مع التدريب. لن تجد نفسك غارقاً في ردود الفعل العاطفية القوية المحيطة بك.
دعنا نأخذ مثالاً آخر. إن استخدام المانترا يتطلب تدريباً وممارسة. في البداية، قد تجد صعوبة في تكرار عبارات المانترا مرة وراء أخرى. عندما يقوم المعلمون بتعليم المتدربين مانترا بلغة غير لغتهم الأصلية، فإنهم يكررون هذه المانترا عدة مرات حتى يتأكدوا أن المتدربين يسمعون الكلمات والمقاطع بصورة صحيحة. وبعد ذلك، يطلبون من المتدربين أن ينطقوا هذه المانترا عدة مرات بأنفسهم حتى يتأكدوا أنهم يشعرون بإيقاع الأصوات في أجسامهم. عندها فقط يمكن للمتدرب أن يقول إنه قد تعلم المانترا. وعندما تبدأ في ترديد هذه المانترا في تأملك، ربما تضطر إلى تذكر الموقف الذي تعلمتها فيه لكي تتمكن من تذكر الإيقاع والنطق الصحيح لها، وربما تحتاج إلى قراءة الكلمات المكتوبة لكي تساعدك في تذكر المانترا. ولكن بمجرد أن تتقنها، يمكنك أن تقولها في أي وقت وأي موقف تحتاج إليها فيه.
بالنسبة لتدريبات التأمل التي تحتاج إلى مجهود جسدي، فإنها تتطلب منك تطوير قوتك البدنية لكي تتمكن من أدائها للفترة التي ننصح بها. لقد حذفنا العديد من تدريبات الكونداليني المعقدة من هذا الكتاب بسبب أنها تتطلب وقتاً طويلاً وممارسة من أجل إتقانها، وقد تحتاج إلى معلم لمساعدتك في تعلمها. وحتى تدريبات الكونداليني البسيطة التي ذكرناها في الفصل 10 هي تدريبات شاقة، وتحتاج إلى ممارسة حريصة قبل أن تتمكن من أدائها للفترة الزمنية التي ننصح بها. فإذا كنت تقضي معظم وقتك جالساً ولا تمارس أي نوع من التدريبات الرياضية، أو إذا كنت في مرحلة التعافي من مرض ما، فإن حتى تأمل المشي قد يمثل تحدياً لك.
تدريبات التصور تحتاج إلى ممارسة أيضاً سواء من أجل توليد الصور في عقلك أو من أجل الاحتفاظ بها لفترة زمنية طويلة. وإذا كنت تمارس التأمل على الألوان، فإن عليك أن تتدرب حتى تتمكن من استحضار اللون المطلوب في ذهنك بسرعة والاحتفاظ به للفترة المطلوبة. وبعد ذلك، إذا واجهت موقفاً تحتاج فيه إلى التداوي باللون، فإنك ستكون قد تمكنت من استحضار اللون والاحتفاظ به في ذهنك بشكل ثابت. بهذه الطريقة، ستكون جهودك العلاجية قوية للغاية وفعالة. بدون تدريب، قد يصبح تصور اللون في أوقات الأزمات صعباً، إن لم يكن مستحيلاً. فاستجابتك العاطفية في مثل تلك المواقف ستعوقك عن أداء المعالجة التي تريدها.
التشويش
بغض النظر إن كنت قد اخترت المسار السهل أو اخترت أن تتحدى نفسك، فإنك ستواجه أوقاتاً تظهر لك فيها أفكار وصور ومشاعر غير مرغوب فيها تؤدي إلى التشويش على تركيزك. ومثل تلك المشتتات لن تختفي ببساطة. وحتى إذا كنت تمارس التأمل لسنوات عديدة، فسوف تواجه أياماً لا تتمكن فيها من تهدئة عقلك. ومثل تلك الأيام هي التي توفر لك أكبر الفرص للنمو. إن تلك اللحظات هي الفرصة التي تأتي فيها في مواجهة وجهاً لوجه مع نفسك.
هل هذا يعني أنك فشلت بشكل أو بآخر؟ لا، على الإطلاق. إن هذا يعني أنك قد نموت إلى المستوى العقلي التالي. أنت الآن مستعد للاختبار. هل يمكنك التغلب على هذا التحدي المألوف جداً مرة أخرى، الآن؟ ستجد أن جزءاً منك -صوتاً صغيراً- يقول لك إنك قد تعاملت مع عنصر التشويش هذا من قبل، ويلومك بشدة على أنك قد سمحت لهذا العنصر بالتغلب عليك مرة أخرى. وستجد جزءاً آخر منك -صوتاً جديداً- يقول لك إنه هكذا تسير الأمور، بعض الأيام تكون أفضل من الأخرى، ويذكرك بأن التأمل عملية مستمرة وليس شيئاً تقوم به مرة واحدة. فسوف تتأمل مرة أخرى غداً، أو في وقت لاحق اليوم.
إن طريقة مواجهتك للعقبات هي التي تحدد كيف ستتقدم إلى الأمام. إن ممارسة التأمل تضع في طريقك بعض العقبات لكي تجهّز عقلك على قبولها في مناطق أخرى من حياتك. تخيل! ستجد أنك ليس مطلوباً منك أن تظل هادئاً وغير منزعج في مواجهة الصعوبات. يمكنك أن تكون على طبيعتك في تلك اللحظات، غاضباً أو فظاً أو أي صفة أخرى تتناسب مع شخصيتك. ويمكنك حتى أن تتصرف بما تمليه عليك غريزتك. ما ظللت تتعلمه طوال الوقت هو أن تصبح على طبيعتك وتقبل استجاباتك.
من المعتقدات الأساسية في الحياة أننا جميعاً نقدم أفضل ما لدينا طوال الوقت. لماذا يرضى أي إنسان بأقل من هذا؟ تخيل نفسك تقضِ ما يلزم من الوقت لكي تتعرف على أفضل خيار متاح ثم تختار أن تقوم بشيء آخر خلاف ذلك. بالطبع من غير المحتمل أن تفعل ذلك. صحيح أن الكثير من الأفعال -سواء أفعالنا نحن أو أفعال الآخرين- لا تبدو جيدة على الإطلاق. فهذه الأفعال قد تبدو سيئة أو غير منظمة أو حتى غبية. كيف يمكن أن تكون هذه الأفعال هي أفضل ما يمكننا تقديمه؟ إنها تمثل ما اخترنا في لحظة ما من الزمن. فالفعل غير البناء هو إشارة واضحة إلى أن الشخص الذي يقوم به في حالة من الارتباك والمعاناة. إن الدوافع من وراء هذا الفعل تم تأسيسها بناءً على معلومات غير دقيقة.
يساعدك التأمل في إيجاد مساحة ووقت مناسبين لاتخاذ القرارات. فعند ممارسة التأمل، ستكون قد عملت مع عقلك وجسمك بما يكفي بحيث تعرف إن كنت في وضع ذهني مناسب لاتخاذ القرارات أو لا.
اتخاذ القرارات
ركز على قرار تحتاج إلى اتخاذه. من الممكن أن يكون قراراً بسيطاً مثل الطعام الذي ستتناوله على العشاء، أو يكون قراراً مهماً يمكن أن يؤثر في مسار حياتك.
1. اكتب بضع كلمات عن الخيارات التي طورتها لمساعدتك في التركيز على ما تريد اتخاذ القرار بشأنه.
2. الآن ابدأ التأمل كالمعتاد بالجلوس أو المشي أو أي شيء. ادخل في إيقاع التأمل.
3. أثناء تنفسك، قد تأتيك أفكار عن القرار الذي تريد اتخاذه. عبّر عن شكرك لهذه الأفكار ثم استمر في تركيزك.
4. افعل هذا لعشر دقائق على الأقل.
لا شك أن معظم الناس سيتفقون على أن عشر دقائق ليست وقتاً طويلاً من أجل اتخاذ قرار كبير. ستجد أنك بمجرد أن فهمت الخيارات المتاحة فإن التأمل يمكن أن يسمح لعقلك وبدنك بتقييم هذه الخيارات ويبين لك الطريق الأكثر إرضاءً لك. ستتعرف على مكان في جسمك يشعر بالراحة الشديدة بمجرد اتخاذك لقرار ما، أو ستجد أن صورة ما تأتيك.
في بعض الأحيان، ستنتهي من هذا التدريب وتشعر كأنك لم تحصل على إجابة لسؤالك. لا بأس بهذا، فقط استمر في عملك اليومي المعتاد. وفيما بعد قد تجد نفسك منجذباً بقوة تجاه خيار أو آخر من بين الخيارات المتاحة. النقطة المهمة هنا هي أن تسمح للخيارات المتاحة بأن تطمئن في المساحة الهادئة داخلك والتي أوجدتها من خلال التأمل، وذلك بدلاً من أن تتخذ القرار في وسط الاضطراب. بالإضافة إلى ذلك، قد تظهر لك خيارات جديدة أثناء التأمل. وبمجرد أن تتقن هذا الأسلوب، ستجد أن شعورك قد تحسّن تجاه معظم القرارات التي تتخذها، ولم تعد تلوم نفسك على اتخاذ القرارات الخطأ. وفي أثناء ذلك، ستجد أن أفضل ما لديك قد تحسن وأصبح أفضل وأفضل.
الجمع بين أساليب التأمل المختلفة
بعض الناس يحبون البساطة والوضوح ويريدون أن يستخدموا أسلوباً واحداً فقط في التأمل ويستبعدوا كافة الأساليب الباقية. قد يكون هذا مناسباً لبعض الناس، ولكن الكثير من الناس يرون الثراء في التنوع ويريدون أن يحصلوا على أفضل ما في كل أسلوب من الأساليب المختلفة. إن هذا ينطبق على التأمل مثلما ينطبق على العديد من المجالات الأخرى.
أولاً، ربما ترغب في أن تأخذ أسلوب التأمل الأسهل بالنسبة لك -التأمل الذي تستطيع ممارسته بشكل دائم- وتجعله أساساً لتأملاتك اليومية. الكثير من الناس يجدون أن بدء التأمل بالتركيز على النفس هو أسلوب التأمل الأكثر فائدة لهم. يساعدك هذا الأسلوب على الدخول داخل جسمك حيث تصبح مدركاً للأماكن التي يذهب إليها التنفس ولتلك التي لا يذهب إليها. ستشعر بنفسك وأنت تجلس أو تسير. ستجد أن إدراكاتك استقرت في هذا التركيز السهل، وستشعر بأنك قد بدأت بداية جيدة.
وثانياً، قد تختار بعض تدريبات التأمل التي لها غرض محدد. فمثلاً، ربما تكون لديك مهمة محددة تريد إنجازها في هذا اليوم، أو ربما تعرف شخصاً يحتاج إلى الطاقة العلاجية، أو ربما أنك رأيت حلماً ترغب في أن تعاود الدخول إليه واستكماله، أو ربما أنك أنت نفسك تعاني من حالة صحية ما وترغب في علاج ذاتك. كل واحد من هذه المواقف له تدريب التأمل الخاص به الذي يمكنك أن تتعلمه وتطبقه عند الحاجة.
وثالثاً، يمكن أن تبدأ في تحدي نفسك. يمكن أن يكون ذلك بزيادة الوقت المخصص للتأمل، أو يمكن أن يكون بزيادة قوتك البدنية عن طريق السير لفترة أطول، أو يمكن أن تزيد من مرونة جسمك لكي تبقى في وضع يوجا معين لفترة أطول. ومن الممكن أن تطبق نفس الأسلوب على الرياضة التي تفضلها أو على أي نشاط جسدي تقوم به. نحن نتحدث هنا عن وضع أهداف عملية ومحاولة تحقيقها.
العنصر الرابع في تأملك هو الفجوات في الأفكار والمشاعر. ربما أنه قد مرت عليك بعض الفترات التي أدركت فيها فجأة أنه لا ترد على ذهنك أية أفكار. هذه لحظة مطلقة. أنت لم تعد ممتلئاً بالكامل؛ فلديك لحظات لا يحدث لك فيها أي شيء. في مثل تلك اللحظات، ستشعر بالكون من حولك وبنفسك بشكل جديد.
وكما ذكرنا من قبل، فإنك لا تستطيع أبداً أن تستدعي مثل هذه اللحظات بناءً على طلبك. وبدلاً من أن تحاول ذلك، فإنك تجلس وتتأمل وتضع نفسك في الإطار الذهني والجسدي المناسب. وتجهز المسرح لأي شيء سيأتيك في كل يوم. في بعض الأحيان، ستشعر بالوجود من حولك، وفي أحيان أخرى لن تشعر سوى بالجرح البسيط الذي جرحته لنفسك في اليوم السابق. إن رغبتك في قبول أي شيء يأتيك هي التي ستطور فهمك لذاتك.
ملخص
قد يتغير أسلوب التأمل المناسب بالنسبة لك مع مرور الوقت. فربما تنتقل من التدريبات الأسهل إلى الأكثر تعقيداً. تذكر أنك تستطيع دائماً العودة إلى التدريبات الأبسط. لقد تعلمت هذه التدريبات بنفس الشكل الذي تعلمنا به جميعاً المشي والكلام والأكل؛ لذلك فإنك لن تنساها. في المواقف الصعبة، يمكنك دوماً العودة إلى التدريبات البسيطة والمألوفة لك لمساعدتك في اجتياز الصعوبة التي تمر بها. وعندما تجتاز الصعوبة ويتوفر لديك المزيد من الوقت، يمكنك العودة إلى التدريبات الأكثر صعوبة مرة أخرى.
في الفصل التالي، سنتحدث عن موضوع مهم، وهو تحديد أهدافك من ممارسة التأمل وأيضاً تحديد متى يكون عدم وضع أهداف معينة هو الأفضل.