ربما تصورت الكولسترول بأنه مادة ضارة. فوفقا للقصة المعتادة، يكثر المرء من أكل الكولسترول أو الدهون الحيوانية التي تتحول إلى كولسترول في الجسد. فيسد الكولسترول الشرايين التاجية مما يعيق وصول الدم والأكسجين إلى القلب، مسببا بذلك ذبحة قلبية. فتستنتج أنه ما عليك سوى التخفيف من استهلاك الكولسترول لتكون بألف خير.
ولكن، إن كان الكولسترول سيئا لهذه الدرجة، لم يصنّع الجسم ما يصل إلى 1500 ملغ منه (ما يقارب الكمية الموجودة في 10 بيضات) يوميا، ليستعمله في جميع أنواع الوظائف الحيوية، بما في ذلك تصنيع الهورمونات؟
وما الذي يجعل شعوب الإسكيمو، الذين يعتمدون غذاء غنيا بالكولسترول، يعانون من نسبة منخفضة جدا من اعتلال القلب؟
والجواب على هذه التساؤلات هو أن ارتفاع الكولسترول ليس السبب وراء اعتلال القلب، بل الكولسترول المؤكسد هو المسؤول عن ذلك.
وذاك هو اعتقاد كثير من مزاولي الطب البديل، بمن فيهم فيليب لي ميلّر، دكتور في الطب، مؤسس ومدير معهد Los Gatos Longevity Institute في كاليفورنيا. “إنني واحد من الأشخاص الذين ظلوا يؤكدون لثلاثين عاما بأن الكولسترول ليس مسؤولا عن اعتلال القلب. إنها عملية تعبئة في الواقع، كالجندي الذي يجنّد في الحرب من دون أن يكون هو السبب فيها”.
ويعتقد د. ميلر بأن خفض مستوى كولسترول البروتين الشحمي الخفيض الكثافة (LDL) يؤدي دورا حيويا في الوقاية من تصلب الشرايين. فكولسترول LDL يتم تصنيعه وافرازه في الكبد ثم يحمل إلى شرايين القلب كما تنقل الشاحنة المفروشات. وهناك، قد يتعرض الكولسترول للأكسدة بنفس العملية المشتملة على الأكسجين والمدمرة للخلايا التي تجعل الحديد مغطى بالصدأ أو تحول لون التفاحة إلى البني بعد قطعها.
والواقع أن عملية الأكسدة المدمرة هي عملية التهابية، أشبه بالنار في الجسم. فيرسل الجهاز المناعي، وهو قسم الإطفاء في الجسد، “خلايا من الرغوة” إلى منطقة الالتهاب لإخماد الحريق. ولكن، تماما كما يضطر رجال الإطفاء أحيانا إلى كسر الباب لولوج المبنى المحترق، يمكن للعملية المضادة للالتهاب أن تتلف بطانة الشريان. فتصبح هذه المنطقة المصابة والخشنة مكانا مثاليا لتوضع اللويحات، وهي المادة الضارة الحقيقية التي تسد الشرايين وتسبب الذبحات القلبية.
ويقول د. ميلر: “يسبب البروتين الشحمي الخفيض الكثافة المتأكسد ردة فعل التهابية يحاول الجسد علاجها، ولكن عملية العلاج تسبب من المشاكل أكثر مما تحل”. والطريقة الفضلى برأيه للوقاية من هذه العملية المؤذية للقلب هي بمنع تأكسد كولسترول LDL. وأفضل ما يمكن القيام به في سبيل ذلك، كما يشير، هو تزويد الجسد بكمية كافية من مضادات الأكسدة، الفيتامين هـ والفيتامين ج والغلوتاثيون.
وتعمل مضادات الأكسدة عبر تهدئة جزيئات الأكسجين المسماة جذيرات حرة، المسؤولة عن تأكسد الخلايا. وحين تبطل مضادات الأكسدة الجذيرات الحرة، تكون مهمتها بعملية انتحارية. إذ تتأكسد مضادات الأكسدة نفسها، أو بتعبير كيميائي، تختزل.
ولحسن الحظ، يملك الجسد نظاما يساعده على ضمان توفر كمية وافرة من مضادات الأكسدة على الدوام، كما يشير د. ميلر. فحين يتأكسد الفيتامين ج، يهرع الفيتامين هـ لإنقاذه، متبرعا ببعض من جزيئاته لإعادة الفيتامين ج إلى حالته المضادة للأكسدة. وفي أثناء تلك العملية، يختزل الفيتامين هـ، ولكن الغلوتاثيون يعيد ملء الفراغ. ولهذا السبب، نحن بحاجة إلى المغذيات الثلاثة جميعا، كما يقول د. ميلر.
دليل العناية الطبية
بما أن الارتفاع الكبير للكولسترول قد يشكل تهديدا خطيرا على الصحة، من الأهمية بمكان فحص المعدل كل 6 أشهر. وفي حال بلغ المعدل 200 وما فوق، سيطلب الطبيب على الأرجح إجراء فحص كل 3 أشهر وسيعمل بجهد على السيطرة عليه. وفي معظم الحالات، ينجح الأمر بواسطة الغذاء المناسب والمكملات الغذائية وتغيير نمط الحياة. وسيقرر الطبيب العلاج الأنسب استنادا إلى المعدلات الأساسية لكولسترول البروتين الشحمي الخفيض الكثافة، وقد يصف أدوية لخفض الكولسترول وإعادته إلى معدل صحي.
وسترغب بالتأكيد باستشارة طبيب بديل حول العوامل المختلفة التي تساهم في تفاقم المشكلة، كالغذاء أو نقص المعادن أو انعدام التوازن الهورموني أو حتى التسمم المعدني بالزئبق، كما تضيف ساندرا دنتون، دكتورة في الطب، طبيبة ذات توجه بديل في أنكوراج.
الفيتامين ج: خط الدفاع الأول ضد اعتلال القلب
يمتاز الفيتامين ج بمفعول مضاد للأكسدة شديد القوة. ويوصي د. ميلر بتناول جرعة تتراوح بين 1.000 إلى 4.000 ملغ في اليوم لتخفيف أكسدة البروتين الشحمي الخفيض الكثافة والوقاية من اعتلال القلب. ويعتبر أي نوع من الفيتامين ج فعال لهذه المهمة، ولكنه يفضل شكلا يدعى ester-C، لكونه غير حمضي ويسبب تهيجا أقل للجهاز الهضمي من الأشكال الأخرى.
الفيتامين هـ: مزيج من التوكوفيرولات للحماية
يعتبر الفيتامين هـ، شأنه شأن الفيتامين ج، مضاد فعال للتأكسد. ويرى د. ميلر أن 800 وحدة دولية يوميا هي جرعة مثالية لمنع الكولسترول من التأكسد. وهو ينصح باستعمال مكملات الفيتامين هـ الطبيعية، غير الاصطناعية. ولتأمين الفاعلية القصوى، يحب أن يحتوي المكمل أيضا على مزيج من التوكوكفيرولات (tocopherols)، فتقرأ على الوصفة احتواء المكمل على التوكوفيرول-ألفا، -بيتا، و-غاما.
ويفسر السبب قائلا: “يحتوي الفيتامين هـ الموجود في الطبيعة على مزيج من التوكوفيرولات، وليس نوعا واحدا وحسب”.
NAC: لصنع الغلوتاثيون
يؤدي الفيتامينان ج وهـ وظيفتهما بفاعلية قصوى إن كان الجسم يحتوي على معدل مرتفع من الغلوتاثيون، برأي د. ميلر. ويمكن للطبيب أن يقيس معدل الغلوتاثيون في جسمك، وفي حال كان منخفضا، ينصح د. ميلر باستعمال مكمل يدعى ن-أسيتيلسيستيين (n-acetylcysteine) أو NAC، يساعد على تعزيز مخزون الجسم من الغلوتاثيون والحفاظ عليه.
والواقع أن الجسم لا يمتص بسهولة معظم مكملات الغلوتاثيون، كما يشير د. ميلر. ولكن NAC، وهو أحد أشكال حمض السيستيين الأميني، يؤمن الكيميائيات التمهيدية المناسبة للجسم لصنع الغلوتاثيون. ويوصي بتناول 3.000 ملغ منه في اليوم.
تحسين توازن الكولسترول في الجسم
إن إيقاف تأكسد كولسترول البروتين الشحمي الخفيض الكثافة (LDL) هو أمر حيوي للوقاية من اعتلال القلب، كما يقول د. ميلر. ولكن في حال وجود نسبة أقل من كولسترول LDL في الجسم، تقل الكمية المتأكسدة، ومن المهم بالتالي خفض مأخوذك من هذا الكولسترول.
من الأهمية بمكان أيضا زيادة معدل كولسترول البروتين الشحمي الرفيع الكثافة (HDL)، الذي يجذب الكولسترول الخفيض الكثافة بعيدا عن الشرايين ويعيده إلى الكبد. وثمة أنواع مختلفة من المكملات والأعشاب التي تخفض معدل الكولسترول LDL، ترفع معدل الكولسترول HDL، أو تقوم بالأمرين معا.
النياسين: دواء طبيعي فعال
النياسين هو فيتامين بـ يعمل بفاعلية لخفض معدل الكولسترول LDL، كما يشير مارك ستانغلر، دكتور في طب المعالجة الطبيعية في سان دييغو.
وهو يوصي بتناول 1500 ملغ من النياسين في اليوم على شكل إينوزيتول هيكزانيكوتينات. ولا يسبب هذا الشكل وخزا أو حكة أو اندفاعا للدم الحار في الوجه وأعلى الجسد، وهو ما يحدث مع الأشكال الأخرى.
ويقول د. ستانغلر: “تبين لي خلال تجربتي بأن هذا الفيتامين لا يقل فاعلية عن أي دواء آخر لخفض معدل الكولسترول موجود في السوق”. وينصح بالبدء بتناول 500 ملغ وزيادة الجرعة بمقدار 500 ملغ في الأسبوع، إلى أن تبلغ الجرعة الكاملة. وبما أن ارتفاع معدل النياسين قد يسبب مشاكل في الكبد، لا يتوجب عليك تناول الإينوزيتول هيكزانيكوتينات، أو أي شكل آخر للنياسين إلا بموافقة الطبيب وإشرافه.
السيلينيوم: يساعد بثلاث طرق
يساعد الأثر المعدني السيلينيوم كثيرا في السيطرة على معدل الكولسترول. فهو أولا يرفع من مستوى الغلوتاثيون، وثانيا، يعمل بمفرده لخفض الكولسترول LDL. وثالثا يرفع أخيرا مستوى الكولسترول HDL الصحي، كما يقول د. ميلر. “يعتبر السيلينيوم بغاية الضرورة في أي برنامج لتخفيف الكولسترول”، كما يقول. وهو يوصي باستعمال عديد فيتامينات يومي على المدى الطويل، يحتوي على 200 مكغ على الأقل من السيلينيوم.
الزنك والنحاس: مزيد من المعادن المفيدة
يزيد الزنك والنحاس معدل الكولسترول HDL ويخفضان معدل الكولسترول LDL، كما تقول إيمي روذنبرغ، دكتورة في طب المعالجة الطبيعية في إنفيلد، كونكتيكت. وهي توصي بتناول 30 ملغ من الزنك وملغ واحد إلى اثنين من النحاس يوميا، ويستحسن أن تكون جزءا من مكمل معدني/عديد الفيتامينات.
الغوغول (المقل) GUGGUL: عشبة لخفض الكولسترول
“لقد تمكنت من خفض معدل الكولسترول LDL ورفع معدل الكولسترول HDL بشكل كبير بهذه العشبة وحدها”، كما يشير فيرندر سودهي، دكتور في الطب (الأيوردفيدا)، دكتور في طب المعالجة الطبيعية وطبيب أيورفيدي ومدير المدرسة الأميركية لعلوم الأيورفيدا في بيلفو، واشنطن.
ويوصي د. سودهي باستعمال مستحضر يحتوي على 10 بالمئة من الغوغولستيرون، وهو المركب الناشط في العشبة. تناول ثلاث جرعات يبلغ مجموعها 900 ملغ في اليوم، كما ينصح، ولكن تحت إشراف طبيب أيورفيدي وحسب. وبمجرد عودة مستوى الكولسترول إلى طبيعته، يوصي د. سودهي بخفض الجرعة إلى 300 ملغ في اليوم.
مأكولات تساعد على السيطرة على معدل الكولسترول
ثمة أنواع عديدة من الأطعمة ومكونات الأطعمة التي تساعد على خفض معدل الكولسترول LDL ورفع معدل الكولسترول HDL. وفي ما يلي أكثر الأنواع التي يوصي بها مزاولو الطب البديل.
نخالة الشوفان: تطرد الكولسترول من الجسم
تعتبر نخالة الشوفان غنية بالألياف القابلة للذوبان، وهي مادة ترتبط بالكولسترول في المعى وتصطحبه خارج الجسد. وتقول د. روذنبرغ: “إن تناول ¾ الفنجان من رقائق نخالة الشوفان المطبوخة كل يوم من شأنه أن يساعد على خفض الكولسترول بنسبة 10 في المئة. ولكن، إن كنت تميل أكثر إلى أكل موفينية (فطيرة) نخالة الشوفان، فلا بأس بذلك أيضا”.
البصل والثوم: حماية حارة
“استعمل البصل والثوم في طعامك كلما أمكن”، كما ينصح د. ستانغلر. فقد أثبت كلاهما قدرته على خفض معدل الكولسترول. وبوسعك عوضا عن ذلك استعمال مكملات الثوم، وفقا للتعليمات الخاصة بالجرعة على الوصفة.
الجوز: أفضل أنواع المكسرات للصحة
يحتوي الجوز على حمض ألفا-لينولينيك، الذي يساعد على تخفيف معدل الكولسترول، كما تشير كيتي غيركين روزاتي، خبيرة تغذية مسجلة ومديرة تغذية لبرنامج Rice Diet Program في جامعة ديوك في دورهام، شمال كارولينا. ومن المصادر الأخرى الغنية بهذا النوع من الدهون المفيدة، زيت الزيتون، زيت بزر الكتان، زيت الكانولا، زيت الصويا، والرّجلة purslane، وهو نوع من الخضار المستعملة في السلطة. للحصول على جرعة مزدوجة، قلي الرّجلة في ملعقة صغيرة من زيت الزيتون، كما تنصح روزاتي.
الليسيثين LECITHIN: يذيب الكولسترول
تحتوي حبوب الليسيثين على الفوسفاتيديلكولين، الذي يساعد على إماهة الكولسترول في الجسم بحيث لا ينتهي بالتجمد في لويحات الشرايين، كما تقول د. روذنبرغ. لذا فهي توصي برش ملعقة طعام من هذه الحبوب على الرقائق التي تتناولها كل يوم. كما يمكنك رش بعض منها في الخلاطة مع الفاكهة واللبن الرائب الخالي من الدهون.
الصويا: مفيدة بجميع أشكالها
يحتوي التوفو والتمبه (كعك فول الصويا المخمّر) وجميع مشتقات الصويا على مركبات تدعى إيزوفلافون (isoflavones)، من شأنها، برأي د. ستانغلر، أن تساعد على خفض معدل الكولسترول. وثمة طريقة سهلة لإدخال هذه المركبات في الغذاء، وذلك بإضافة مسحوق بروتين الصويا إلى مخفوق لبني. ويمكنك عوضا عن ذلك الإكثار من أكل التوفو والميزو (أو صلصة فول الصويا المطيبة)، وهما نوعان شعبيان من مأكولات الصويا يسهل استعمالهما في وصفات عديدة.