التصنيفات
رشاقة ورياضة | برامج حمية | نظام غذائي

القمامة داخل الخلايا: استعادة حيوية الشباب ج1

يخبرني بعض مرضاي بأنهم يلاحظون حدوث انخفاض مفاجئ في القدرة على التحمل في وقت مبكر من العمر، عند سن الثلاثين. ويقول بعضهم إنهم أصبحوا يشعرون بعدم القدرة على العمل أو اللعب بالدرجة نفسها من القوة كما كانوا. ربما لا تكون قد شهدت تحولا واضحا جدا، ولكنك قد تشعر بأن التعافي من التعب يستغرق وقتا أطول مما كان. وربما تجد أنه من الصعب أن تشعر بالحماسة والدافع؛ فهل مثل هذا التراجع في الصحة لا مفر منه مع تقدمنا في العمر؟ وهل تستنفد عقولنا وأجسامنا، حتما، على نحو متزايد، وتكون أكثر عرضة للأمراض، مثل السرطان أو الأمراض ذات الصلة بنمط الحياة عند البالغين؟

نعم… ولا؛ فمن الطبيعي أن يحدث لدينا بعض التراجع التدريجي في مستوى وظائفنا الجسدية كلما تقدمنا في السن. ولكن التراجع الجسدي من هذا القبيل يمكن التخفيف منه وحتى عكسه أحيانا من خلال تعلم كيفية التعامل مع منظومة التجديد الذاتي في الجسم.

استعادة حيويّة الشباب

القمامة داخل الخلايا تحرم الناس الحيوية

يتألف جسم الإنسان من 40-60 تريليون خلية. وداخل هذه الخلايا أعضاء تسمى الميتوكوندريا أو المتقدرات، والتي تكون الطاقة لجميع أنشطتنا؛ فالعناصر الغذائية الموجودة في الطعام الذي نأكله والأكسجين الذي نتنفسه يحملان إلى هذه الميتوكوندريا، حيث يجري تحويلهما إلى طاقة. وإذا كانت الخلايا بصحة جيدة، يحصل تحويل الطاقة على ما يرام. وطالما استمرت هذه الحالة، يمكن للمرء أن يتمتع بالصحة والحيوية، بغض النظر عن التقدم في السن. ولكن، عندما يكون هناك تراكم للقمامة أو الفضلات داخل خلايانا، فقد لا تعمل الميتوكوندريا بكفاءة. إذا كنت ستبقى داخل غرفة مع أكوام من القمامة، فستبدأ في نهاية المطاف في الشعور بالمرض، وسوف تضطرب الطاقة لديك. والأمر كذلك بالنسبة لخلايا الجسم، مثلها مثل تلك الغرفة المليئة القمامة، حيث يمكنك أن ترى كيف تصبح محولات الطاقة في خلاياك، أي الميتوكوندريا، عرضة للخطر.

من الضروري تنظيف “الغرفة”، أي الخلايا، من القمامة لاستعادة صحة الجسم. وهذا هو ما أعنيه بإزالة السموم داخل الخلايا. وأنا أعتقد أن إزالة السموم داخل الخلايا هي مفتاح الصحة والحياة مع حيوية الشباب. إذا كنت تستيقظ في الصباح وتشعر بالفتور، فربما كان لديك قمامة في خلاياك. وإذا لم تقم بإزالة هذه القمامة، يمكن ألا تعمل هذه الخلايا بكفاءة، وبذلك لا تتمكن من توليد الطاقة.

نحن نعرف أن عددا متزايدا من الناس يعانون من الخرف أو مرض ألزهايمر أو من آثار السكتة الدماغية. يمكن للقمامة أن تتراكم في خلايا الدماغ، حيث يمكن أن تصبح لويحة لزجة، وهذا ما يتعارض مع إطلاق الخلايا العصبية للإشارات الكهربائية، ويؤدي إلى بدء الخرف أو مرض ألزهايمر وتقدمهما، كما قد يؤدي إلى السكتة الدماغية. ويمكن أن تجعلنا الخلايا المتشيخة أكثر عرضة للأمراض المعدية أيضا. وقد تؤدي هذه الخلايا إلى ظهور واحد أو أكثر من الأشكال العديدة للسرطان. ولذلك، فإن الوظيفة الصحيحة لتريليونات الخلايا التي تشكل الجسم هي أساس الحيوية والصحة.

البروتينات المعطوبة

بعض الناس يجدون صعوبة في فهمهم الوافي لكيفية إثارة القمامة داخل خلايانا لضعف الصحة الجسدية وحدوث الأمراض. ولكن معظم هذه القمامة لا طائل منه، فهي بروتينات معيبة؛ فكيف يتولد هذا الحطام البروتيني ويطوف في الخلايا؟

يجري هضم العناصر الغذائية التي نحصل عليها من الأطعمة وامتصاصها في أمعائنا، وتنقل إلى جميع الخلايا من خلال الدم. وتعد البروتينات واحدة من هذه المواد الغذائية. يجري تحطيم الطعام إلى أحماض أمينية في الأمعاء الدقيقة، كما يجري تصنيع بروتينات جديدة في الخلايا. وينتج قدر كبير من الفضلات – البروتينات المعيبة – بشكل طبيعي في خلال عملية تكوين البروتينات هذه. وعند اتباع نظام غذائي يتكون في معظمه من الأطعمة المعتمدة على الحيوانات، مثل اللحوم والحليب ومنتجات الألبان الأخرى، يتولد الكثير من البروتين المعيب أو القمامة. ونحن نحمل في كل مكان من خلايانا كمية كبيرة من هذه القمامة التي لم تتحلل بشكل كامل. ومع تقدمنا في العمر، تتراكم هذه النفايات، مثلما هي الحال في أي مكب للنفايات في المدينة، وتصبح القمامة المتراكمة مصدرا للسموم.

ولفهم مشكلة هذه القمامة في خلايانا، فإنه من المفيد أخذ القمامة في أمعائنا بعين الاعتبار. نحن نسمي ذلك الإمساك عادة، وذلك عندما لا تهضم الأطعمة التي نتناولها ويجري التخلص منها تماما. وحينما يكون الإمساك حالة مزمنة، تتكون مواد سامة مختلفة بسبب تراكم البراز في القولون، الأمر الذي يكون رائحة كريهة. وإذا استمر الإمساك، سوف تتدهور البيئة المعوية، مما يسبب انتفاخ البطن وصعوبة التبرز. وإذا لم يعالج الإمساك، قد يسبب التهاب الأمعاء والتهاب الرتوج المعوية والأورام أو الكتل المعوية الحميدة، أو ما هو أسوأ، أي سرطانات القولون.

وعلاوة على ذلك، تقوم الغازات الخطرة أو البروتينات المشتقة من الحيوانات بأكسدة الدم مع تأثيرٍ ضار في وظائف الأمعاء، مما يحدث حلقة مفرغة لمزيد من التدهور في الأمعاء، وهذا بدوره يؤدي إلى جميع الأنواع المختلفة من الأمراض المرتبطة بنمط الحياة والأمراض الاستقلابية، وأمراض الحساسية مثل التهاب الجلد التأتبي (أو التحسسي)، والقابلية للسرطان أيضا.

إذا كنت قد قرأت كتبي الأخرى، فربما تعرف أنني أصبحت على بينة من “ميزات أو ملامح المعدة” و”ميزات أو ملامح الأمعاء” من خلال ملاحظتي لأكثر من 350000 من المعدات والأمعاء، وذلك بواسطة منظار القولون على مدى عقود كثيرة في ممارسة طب الجهاز الهضمي. مما لا شك فيه أن ملامح الأمعاء، لدى الأشخاص الذين يعانون من وجود القمامة في أمعائهم، تكون سيئة؛ كما تكون أنشطتهم المعوية بطيئة، مما يسبب زيادة في الغازات المعوية، بينما تكون الجدران المعوية قاسية وسميكة وعديمة المرونة، الأمر الذي يعيق الحركة المعوية التمعجية. وهذه الملامح المعوية السيئة هي مقاييس أو مؤشرات المشاكل الصحية والأمراض المختلفة. لذلك، يعد التخلص من النفايات أو القمامة أمرا أساسا في تحسين هذه الملامح المعوية المتدهورة، واستعادة صحة الأمعاء. ولا تقتصر مشكلة الإمساك على الانزعاج الناجم عن ضعف حركات الأمعاء، ولكن تأتي على صحة الجسم كله.

يؤدي الإمساك إلى اضطراب في الخلايا أيضا

القمامة التي تراكمت داخل خلايانا تتكون بشكل رئيس من البروتينات التالفة؛ وهذه القمامة تكون مشابهة للنفايات المتبقية في أمعائنا. تبقى خلايانا مصابة “بالإمساك” ما لم يجري القضاء على هذه القمامة أو التخلص منها.

عندما نكون صغارا، قد لا يكون القليل من القمامة بالضرورة مؤذيا لصحتنا وطاقتنا، ولكن مع وصولنا إلى عمر 40 أو 50 سنة، يمكن للقمامة المتراكمة أن تؤثر سلبا في أنشطة خلايانا، مما يجعلنا عرضة للتعب والمرض. ويعزى تناقص الكفاءة مع تقدمنا في العمر إلى الخلل في إنتاج الطاقة لدينا من الميتوكوندريا بسبب القمامة المتراكمة داخل خلايانا. وليس صحيحا أن ينسب ضعف التمثيل الغذائي أو الاستقلاب ببساطة إلى الشيخوخة. ولذلك، إذا قدمنا الرعاية المناسبة لأجسامنا، فنحن يمكن أن نعيش حياة نشيطة، على الرغم من التقدم في السن.

أنا متأكد من أنك تريد الآن أن تعرف كيف تتخلص من القمامة داخل الخلايا. أنت بحاجة إلى أن تصبح على علم بأن لدينا بالفعل نظاما لإزالة السموم داخل خلايانا، وهو نظام للتخلص من القمامة داخل الخلايا، إذا صح التعبير.

تشارك إنزيمات التجديد التي أسميها “الإنزيمات الجديدة newzymes” في نظام إزالة السموم هذا. واعتمادا على كفاءة هذه الإنزيمات، يمكن إزالة القمامة المتراكمة داخل الخلايا؛ وعلاوة على ذلك، يمكن – في الواقع – إعادة تدويرها وإعادة استخدامها.

إن اتباع نظام غذائي يتكون في معظمه من الأطعمة المعتمدة على الحيوانات، مثل اللحوم والحليب ومنتجات الألبان الأخرى، يولد الكثير من البروتينات المعيبة أو القمامة. ونحن جميعا نحمل في خلايانا كمية كبيرة من هذه القمامة التي لم تتحلل بشكل كامل. ومع تقدمنا في السن، تتراكم هذه النفايات، مثل أي مكب للنفايات، وتصبح سامة.

إنزيمات التجديد واستعادة الحيوية

هناك عدد كثير من أنواع إنزيمات التجديد داخل الخلايا. ومن أحدث الاكتشافات في هذا الصدد احتواء بعض الخلايا على معقد بروتيني كبير الحجم يدعى البروتيازوم أو الجسيم البروتيني. وتتجلى الوظيفة الأساس للبروتيازوم في إزالة البروتينات المضررة أو الفائضة بطريقة تشبه بدرجةٍ ما قطاعة الورق، ولكن باستخدام تفاعلات كيميائية. تسمى الإنزيمات التي تقوم بهذه التفاعلات “بروتيازات” (الإنزيمات الهاضمة للبروتين)، حيث توضع علامة على البروتينات المعيبة داخل الخلايا لتحديدها بسهولة، إذ تقوم البروتيازومات بالتقاط هذه البروتينات المعلمة بهدف تفكيكها. يعد هذا الاكتشاف هاما للغاية في مجال العلوم الحيوية. وفي الحقيقة، حصل ثلاثة علماء أمريكيين على جائزة نوبل في الكيمياء عام 2004 مقابل هذا الاكتشاف.

الليزوزومات أو الجسيمات الحالة (حقيبة الجسم الانتحارية للخلايا المشوهة أو المعيبة)

إن لدى أجسامنا آلية أو نظاما لإزالة السموم تدعى (الالتهام الذاتي)، وهي نظام للتخلص من الفضلات أكبر من البروتيازات (الإنزيمات الهاضمة للبروتين). يقوم الالتهام الذاتي، بالتعاون مع بنى تسمى الجسيمات الحالة، بالتقاط العضيات الصغيرة والمتقدرات المتحللة وجزيئات الطعام والفضلات داخل خلايانا، وتفككها. وفي خلال سير عملية الالتهام الذاتي، يمكن إعادة تدوير كثير من تلك المواد المتحللة والبروتينات والجزيئات المشوهة، وتحويلها إلى بروتينات قد يستخدمها الجسم. اكتشفت الليزوزومات في ستينيات القرن الماضي من قبل كريستيان دي دوف Christian de Duve، وهو اختصاصي في علم الخلية من بلجيكا.

يمكن تشبيه وظيفة الالتهام الذاتي بعمل فريق من القوات الخاصة في مصنع ضخم لإعادة التدوير. والليزوزومات هي العناصر العاملة الرئيسة في هذا الفريق، مع 60 نوعا مختلفا من الإنزيمات ذات القدرات المميزة. وأنا أطلق على هذه الإنزيمات لقب الإنزيمات الجديدة newzymes أو إنزيمات التجديد rejuvenating enzymes. وهناك بروتينات تدعى الشابيرونات chaperons، والتي لها دور فاعل في إعادة التدوير. وليس لهذه البروتينات الشابيرونية دور في إزالة السموم. تقوم الشابيرونات بتخزين الإنزيمات القديمة وغير المفيدة والبروتينات المشوهة الأخرى في الليزوزوم، أي الحقيبة الهاضمة، لاستخدامها من جديد. يمكن اعتبار الشابيرونات كعمال النظافة، حيث يلتقطون الفضلات من خلايانا، ومن ثم يودعونها في غرفة إعادة تدوير الليزوزومية، وهناك تهضم الفضلات ويجري إنشاء سلاسل جديدة من البروتين.

وهكذا، فإن تنظيف خلايانا يجري بسلاسة من خلال تفاعلات هذه الأنظمة الثلاثة: التقطيع داخل الخلايا (إنزيم البروتيازوم)، ومصانع إعادة التدوير (الالتهام الذاتي)، وسلة الفضلات داخل الخلايا أو الحقيبة الهاضمة (الليزوزوم). كما أطلق العلماء على الليزوزومات كذلك لقب “الحقائب الانتحارية”، لأن الذي يحدث هناك هو تدمير الخلية بفعل إنزيماتها الذاتية.

فكيف يحدث ذلك، بالضبط؟ الليزوزومات هي عضيات خلوية تحتوي على إنزيمات الهيدرولاز الحمضية التي تحطم الفضلات وحطام الخلايا، ويمكن وصفها باسم “معدة” الخلية. تهضم الليزوزومات وتفكك الفائض أو المتضرر من العضيات، وجزيئات الطعام، وتبتلع الفيروسات والجراثيم. يسمح الغشاء الذي يحيط بالليزوزوم للإنزيمات الهاضمة بأن تعمل بدرجة الحموضة التي تحتاج إليها، ومقدارها 4.5.

الليزوزومات…

إنزيمات الهيدرولاز…

الالتهام الذاتي…

هذه ليست مصطلحات منزلية، بالرغم من أنها جزء منا. ومع أنها لم تصبح حتى الآن من المعارف الشائعة، لكن الدراسات الحديثة على يد علماء الكيمياء الحيوية أماطت اللثام عن هذه الآليات ذات الكفاءة في إزالة السمية داخل الخلية، كجزء من قدرة الجسم الطبيعية والمدهشة في الحفاظ على صحته الذاتية.

ملاحظة: الليزوزومات أو الجسيمات الحالة هي عضيات خلوية تحتوي على إنزيمات حمض الهيدرولاز لتحطيم الفضلات والأنقاض الخلوية. ويمكن وصف هذه الجزيئات بمعدة الخلية. تهضم الليزوزومات الفائضة أو المتحطم من العضيات وجزيئات الطعام، وتبتلع الجراثيم والفيروسات. يسمح الغشاء المحيط بالليزوزومات للإنزيمات الهاضمة بالعمل في درجة الحموضة المطلوبة، وقدرها 4.5. تلتحم الليزوزومات مع الفجوات، وتنشر إنزيماتها في تلك الفجوات، هاضمة محتوياتها. لقد تم إحداث هذه الجسيمات بإضافة الإنزيمات الحالة بالماء أو المحلمهة إلى الجسيمات الداخلية (الإندوزومات) المبكرة من جهاز غولجي. إن اسم “ليزوزوم” مستمد من كلمتين يونانيتين تعني الأولى الحل أو الفصل، والثانية الجسد أو الجسم. وكثيرا ما يطلق عليها اسم “الحقائب الانتحارية” أو “الحويصلات الانتحارية من قبل علماء البيولوجيا الخلوية بسبب انحلالهما الذاتي.

محطة إعادة التصنيع في جسمك

الآن، قد بدأت تفهم الآليات التي يتعامل بها جسمك مع إزالة السموم داخل الخلايا؛ فالأشخاص الذين يعانون من التعب المزمن أو الذين هم في حالة بدنية سيئة، يمكن أن يكون لديهم زيادة في إنتاج الفضلات في خلاياهم، وهذا ما يتجاوز قدرة عوامل أو وسائل الهدم وإعادة التدوير على التعامل مع هذا الحجم من الفضلات. ولكن، هذا لا يعني أن إنزيماتها الخاصة بتجديد الحيوية تعجز عن العمل. في الواقع، مهما كانت كفاءة هذه العوامل. لا تعود قادرة على العمل بفعالية إذا ما حملت بفائضٍ من الفضلات للتعامل معها. وعندما تستمر هذه الحالة لفترة طويلة جدا، فإن تلك العوامل أو الوسائل تفقد قدرتها على المتابعة.

لقد أشارت التقارير مؤخرا إلى الإبلاغ عن حوادث وفاة في اليابان لدى العاملين في المكاتب بسبب الإرهاق، واتخذت هذه المسألة بعدا اجتماعيا. وبالمثل، فإن الإنزيمات تتعرض في كثير من الأحيان إلى العمل أكثر من طاقتها، حيث تواجه مهمة شبه مستحيلة للتعامل مع كمية هائلة من الفضلات. في بعض الأحيان، تكون الراحة هو الجواب. ولكن، ماذا تفعل إذا كنت لا تستطيع التخلص من التعب على الرغم من ساعات النوم الطويلة؟ الراحة مهمة، غير أن بعض الزيادة في فترة النوم لا تؤدي إلى تراجع التعب في الخلايا غير الفعالة.

هل يجب علينا زيادة مقدار التغذية؟ إن دعم التغذية مهم، ولكنه لا يؤدي إلى القضاء على الفضلات داخل خلايانا عندما لا يقدم ما يسمى الدعم الغذائي أكثر من المزيد من السعرات الحرارية. وهل نحتاج إلى تناول المزيد من البروتين؟ هناك الكثير من الذين يعتقدون أن أكل اللحوم يعزز القدرة على التحمل. ولكن زيادة كمية الوارد من منتجات اللحوم لا يؤدي إلا إلى مزيد من القمامة أو الفضلات في أمعائنا وخلايانا؛ إنها لا تقدم عناصر غذائية حقيقية، بل تكون عبئا على أجسادنا بدلا من ذلك. نحن بحاجة إلى نسيان الأفكار التقليدية والتوصل إلى إجابة جديدة.

أعتقد أن الجواب يكمن في فهم الحقيقة البسيطة للالتهام الذاتي، وهو محطة إعادة التدوير داخل خلايانا. إذا لم تتمكن من استعادة الحيوية بعد أخذ إجازة أو راحة، قد ترغب في القراءة لمعرفة المزيد عن آلية بسيطة معينة لتنشيط محطة إعادة التدوير الخلوية الخاصة بك.

الجوع أمر صحي – جدد خلاياك بالصيام

يمكننا تحريك آلية إعادة التدوير الذكية في جسمنا لتنظيف الخلايا القديمة والتالفة، حيث تعمل هذه الآلية عن طريق عملية خلقها الله في جسم الإنسان للتعامل مع فترات ندرة الغذاء التي واجهت أجدادنا القدماء. ببساطة، عند مواجهة مجاعة أو مخمصة، يجري تنشيط الالتهام الذاتي. لقد ذكر البروفيسور نوبورو ميزشيما Noboru Mizushima، من كلية الطب بجامعة طوكيو، بالتفصيل كيف يحدث ذلك ولماذا يحدث.

عندما نأكل، يجري امتصاص المواد المغذية من الأطعمة إلى أوعيتنا الدموية من الأمعاء، وتحمل كريات الدم الحمراء لدينا هذه المواد الغذائية إلى جميع خلايانا البالغة 60-100 تريليون خلية في الجسم. ولكن، عندما يتوقف هذا الإمداد بالعناصر الغذائية، ينتقل الجسم إلى حالة المجاعة. تؤكد علوم التغذية التقليدية على تناول العناصر الغذائية الضرورية بحالة من التوازن الجيد لمنع المجاعة. ولذلك، تستند الإرشادات الغذائية على تناول ثلاث وجبات متباعدة بانتظام في اليوم، لضمان الإمدادات اللازمة من السعرات الحرارية للأنشطة اليومية. وكل ذلك شيء حسن وجيد، ولكن هذا التدفق المستمر للمغذيات يمنع تفعيل الالتهام الذاتي فعليا، ويساهم – بمرور الوقت – في تراكم البروتينات التالفة والقمامة (الفضلات) داخل خلايانا. ونحن لم نهتم كثيرا بهذه الفكرة، لأننا لم نفهم الأضرار التي تسببها الخلايا السمية والممتلئة إلا في الآونة الأخيرة فقط.

لقد عرفنا دائما أن إلغاء وجبة أو اثنتين لن يؤدي إلى الموت الفوري. ولكن، ما نعرفه الآن هو أن القليل من الجوع سوف يطلق أو يثير أنشطة وحدات إعادة التدوير داخل خلايانا، حيث تبدأ بتصنيع بروتينات جديدة من البروتينات التالفة أو المعيبة. وبعبارةٍ أخرى، فإن الجسم لديه القدرة على تجديد الخلايا في خلال فترات المجاعة أو المخمصة. وإحدى نتائج هذه العملية هو أن يجري التخلص من البروتينات المعيبة، واستخدامها كوقود لتكوين بروتينات جديدة. إنه نظام أنيق، تزال به سمية الخلايا وتتنشط في الوقت نفسه.

وغني عن القول أننا إذا تعرضنا إلى الجوع لفترةٍ طويلة من الزمن، لن تبقى هناك أية مواد لإعادة التدوير، وسوف نموت. ولذلك، فالمطلوب هو درجة من الجوع تكفي لتحريك آلية إعادة التدوير في أجسامنا، أي مجاعة خفيفة.

لقد كافح البشر الجوع طيلة تاريخنا. ولكن، بالرغم من المجاعات والعصور الجليدية، وغيرهما من التهديدات التي انتابت الإمدادات الغذائية، ما زلنا على قيد الحياة حتى يومنا هذا. وتعلمنا الأبحاث الحديثة في مجال العلوم البيولوجية كيف كان ذلك ممكنا. في خلال فترات المجاعة المزمنة، يجري تنشيط الالتهام الذاتي وإعادة تدوير البروتينات بفعل أو تأثير إنزيمات التجديد. ومع تنظيف القمامة من داخل خلايانا، وإعادة تدوير البروتينات المعيبة إلى بروتينات جيدة، يتولد المزيد من الطاقة في الميتوكوندريا (المتقدرات) لدينا. ويعتقد أن الطاقة والقوة الكامنتين يمكن أن تنطلقا بفعل الجوع القليل الذي يمثل قوة فعالة للحياة تستعصي على فهمنا.

كيف نصوم

ربما قد بدأنا نفهم السبب في أن الناس في الوقت الحاضر، الذين نسوا المجاعة وهم يعيشون في مجتمع فاخر، يعانون من سوء أو اضطراب الحالة الصحية والتعب المزمن ونقص الحيوية، أو من تراجع الحيوية بعبارةٍ أخرى. نحن ضحايا نجاحنا، وإفراطنا في تناول الطعام في كثيرٍ من الأحيان؛ فعندما نلجأ إلى عادة إشباع أنفسنا، مثلما يحصل اليوم، فنحن نحرم أنفسنا من فرصة تحريض أنشطة إعادة التدوير في خلايانا، وتفعيل إنزيمات التجديد لدينا.

يمكنك أن ترى أن ذلك، على المدى الطويل، هو التحدي الأكبر لصحتنا. لقد قيل لنا مرارا ماذا يجب أن نأكل، وكم يجب أن نأكل من الطعام لتحقيق حياةٍ صحية. وسواء اتبعنا هذه النصائح الغذائية أم لا، فإن معظمنا يعرف – بشكل عام – كيف يأكل. ولكن، ما نحن بحاجةٍ إليه هو أن نتعلم كيف لا نأكل، وذلك لإزالة السموم من الخلايا وتنشيط الجسم.

في علوم التغذية التقليدية، بالكاد جرى لفت الانتباه إلى مزايا التقليل من الأكل أو اللجوء إلى الصيام. وبدلا من ذلك، جرى التأكيد على الأهمية الفائقة للسعرات الحرارية والعناصر المغذية الضرورية، حيث يشدد النظام الغذائي التقليدي الموصى به على استهلاك الأطعمة المعتمدة على الحيواني، مثل اللحوم والحليب ومنتجات الألبان الأخرى. وأنا مقتنع بأن هذه الأطعمة بالذات هي مشكلة كبيرة لجسم الإنسان؛ فتناول كميات كبيرة منها – وهي الكميات التي يأكلها معظم الأميركيين وتوصي بها الإرشادات الغذائية الحكومية – يؤدي إلى الكثير من القمامة في خلايانا وأجسامنا.

تفتقر الأطعمة المأخوذة من الحيوانات إلى الألياف الغذائية، وتحتوي على كميات كبيرة من الدهون. وهذا النوع من الطعام صعب الهضم، والكثير منه لا يجري تحويله إلى طاقة. وسوف يؤدي فرط الوارد منه إلى فضلات في الأمعاء، مما يسهم في بيئةٍ معوية سيئة وقمامة خلوية، وهذا بدوره يسبب خللا في إنتاج الجسم للطاقة. وقد كان هذا واضحا بالنسبة لي عندما كنت أقارن ملاحظتي لأمعاء مرضاي من خلال منظار القولون مع تاريخهم الغذائي.

ونحن نعلم جميعا مخاطر الإفراط في تناول الطعام، من زيادة الوزن واضطرابات التمثيل الغذائي ومرض السكري وأمراض القلب والسرطان وبقية المشاكل. ولكن، بالإضافة إلى الامتناع عن الإفراط في تناول الطعام، فإنه من الضروري أن نضع في اعتبارنا ما نأكله أيضا. إنه لأمر جيد أن نوفر معظم العناصر الغذائية لدينا من مصادر غير حيوانية؛ فمن أجل استعادة حيوية خلايانا، ينبغي أن نفكر بنظامنا الغذائي من جديد، وأن ننسى تفكيرنا التقليدي. وإذا فهمت هذه الحقيقة، وقمت بتغيير الطريقة التي تفكر بها عن الطعام، فلسوف تكون في طريقك إلى تجديد نمط الحياة.

توصيتي التالية ليس فقط للأشخاص الذين يفرطون في تناول الطعام، وليس فقط لأولئك الذين يأكلون الكثير من اللحوم أو الألبان؛ فمن المؤكد أنها لمثل هؤلاء الناس، ولكن أعتقد أن الجميع يمكن أن يستفيدوا منها. وأنا على وشك أن أخبرك كيف تنظف السموم من جسمك وتكون بروتينا قابلا للاستخدام داخل خلاياك عن طريق الصيام أو الابتعاد عن الأكل.

كيف نستعيد حيوية الخلايا المنهكة

من خلال قضاء نصف حياتي في ممارسة الطب في طوكيو ونصفها في الولايات المتحدة، رأيت بنفسي كيف أثر اعتماد النظام الغذائي على النمط الغربي، منذ الحرب العالمية الثانية، في صحة الشعب الياباني. من خلال تناول هذا الطعام، أصبح الياباني أكبر حجما، وازداد في الطول وكتلة الجسم. وفي الوقت نفسه، انخفضت الوفيات الناجمة عن الأمراض المعدية بحيث ارتفع متوسط العمر للشخص الياباني إلى ما يقرب من 90 سنة. ومع ذلك، ووفقا للبيانات الصادرة عن وزارة الرفاهية اليابانية Japanese Welfare Ministry، فقد أظهرت زيادة كبيرة في عدد المصابين بأمراض السرطان والأمراض الأخرى الخاصة بنمط الحياة. كما أن ما يسمى “الأمراض الجديدة”، مثل حالات الحساسية الشديدة والاكتئاب والخرف ومرض ألزهايمر، أصبحت من القضايا الاجتماعية الرئيسة. ومن المثير للسخرية أنه، في المجتمع المترف في الوقت الحاضر، أصبحت عملية إعادة التدوير داخل خلايانا بطيئة، كما أن أنشطة إنزيمات التجديد لدينا قد تراجعت، وأصبحت وظائف خلايانا مضطربة. ونتيجة لذلك، باتت هناك أعداد متزايدة من المرضى أو شبه المرضى مع نقص الاستمتاع بالحياة.

في اليابان والولايات المتحدة والدول المتقدمة في جميع أنحاء العالم، أصبح الطعام وفيرا، بحيث يمكننا تناول الطعام والوجبات الخفيفة طيلة الوقت، وكثير منا يفعل ذلك. وبصرف النظر عن مسألة وباء السمنة الحالي برمته، نرى أن أولى ثمار هذا كله هو الفتور والكسل.

ماذا يمكننا أن نفعل من أجل استعادة حيويتنا الطبيعية؟ لقد تحدثت عن الالتهام الذاتي الذي يبدأ أو ينطلق في حالة المجاعة. ومن أجل تحفيز هذه الوظيفة، فنحن بحاجة إلى إعادة تنشيط محطة لإعادة التدوير هذه، والتخلص من القمامة التي تراكمت داخل خلايانا. بطبيعة الحال، يمكننا ببساطة أن نتخلى عن أسلوب حياتنا الحالي، ونعود إلى الفقر… لكننا لسنا في طريقنا إلى فعل ذلك.

وبدلا من ذلك، هناك طريقة بسيطة للمناورة، أو لإيجاد حالة مصطنعة من المجاعة: يتجلى ذلك في الأسلوب العريق أو ما يدعى الصيام.

تجلب كلمة “الصيام” إلى الذهن على الفور ذلك اليوغاني (الذي يمارس رياضة اليوغا) الهزيل وهو يجلس على قمة جبل مرتديا المئزر، ولكنني لا أقترح الصيام الصارم أو المفرط، إنما أقترح الصيام السهل نسبيا، لذلك عليك التفكير في الصيام “البسيط” أو “القصير”. والغرض منه ليس مساعدتك على إنقاص الوزن أو منعك من تناول السعرات الحرارية، بحيث يمكنك أن تفقد الدهون الزائدة في الجسم. إن كل ما نحاول القيام به مع الصيام القصير هو إيجاد حالة من الجوع الخفيف الذي ينشط محطة إعادة التدوير الخلوية لديك عن طريق تحفيز إنزيمات التجديد. وعندما نفعل ذلك، فإننا ننظف خلايا الجسم من خلال كنس البروتينات التالفة وتجديدها، وندمر الخلايا النائمة ونعيد تدويرها.

ومع وضع هذا الهدف في الاعتبار، سأذكر طريقة في الصيام عملت على تطويرها بنفسي، وهي آمنة وسهلة. وهناك بعض القواعد البسيطة سهلة الفهم يجب اتباعها في هذا الصوم. لاستعادة صحة الشباب والحيوية لديك، أحثك على ممارسة طريقة ليتل شينيا فاست (طريقة شينيا للصيام القصير) Shinya Little Fast method؛ فلتبدأ اليوم.

تحول الطريقة المعاصرة في الأكل من دون تفعيل عملية الالتهام الذاتي، مما يسهم في تراكم البروتينات التالفة والقمامة داخل خلايانا. لقد أعطينا أهمية قليلة لهذه الفكرة، لأننا لم ندرك إلا في الآونة الأخيرة الأضرار التي تسببها الخلايا السامة والمحتبسة.

تأليف: الدكتور هيرومي شينيا