على عكس ما قد يظنه كثير من الآباء، فإن الحفاظ على صحة الطفل لا يعني وضع قائمة طويلة من “المأكولات المحرمة”. إن أهم أوجه التحول من نظام غذائي غير صحي إلى آخر صحي، في واقع الأمر، هو أن تجدي البدائل الصحية؛ وما يثلج الصدر هو أن تلك البدائل الصحية لا حصر لها: من الفواكه والخضراوات إلى الدهون والبروتينات والمشروبات.
هذا الفصل يحدد الأطعمة التي يجب الاهتمام بها، ومصادرها، وكيفية إدخالها ضمن النظام الغذائي لأسرتك. لكي تحافظي على صحة طفلك، التزمي بـ “قاعدة الـ 75%”: أن يكون 75% على الأقل من غذائه صحياً، والـ 25% الباقية تتركينها للأوقات التي لا يمكنك السيطرة فيها على ما يأكله أو يشربه. فإذا كان كل الطعام الذي يأكله في البيت صحياً، فلن يضيره كثيراً لو حدثت بعض الاستثناءات فيما يأكله في الحفلات، أو المدرسة، أو بيوت أصدقائه.
ما الشوارد الحرة ومضادات الأكسدة؟
في كل مرة نتنفس فيها، يتحول حوالي 95% من الأكسجين إلى طاقة والـ 5% المتبقية تشكل شوارد حرة. والشوارد الحرة هي ذرات أو جزيئات ذات إلكترونات غير متحدة. وتحاول الشوارد الحرة جاهدة أن تجتذب إلكترونات من الذرات أو الجزيئات الأخرى؛ وحينما يحدث هذا داخل الجسم تبدأ سلسلة من التفاعلات المدمرة التي يمكن أن تؤدي إلى انخفاض المناعة والمرض. وتعمل مضادات الأكسدة، التي توجد أساساً في الفواكه والخضراوات، على إبطال تأثير الشوارد الحرة، ومن ثم إيقاف الضرر.
التأثير العملي للشوارد الحرة ومضادات الأكسدة
لكي تظهري تأثيرات كل من الشوارد الحرة ومضادات الأكسدة لصغارك، اقطعي ثمرة فاكهة (تفاحة مثلاً) إلى نصفين. اعصري ليمونة على أحد النصفين، واتركي كلا النصفين على منضدة أو طاولة معرضين للهواء.
سرعان ما ستجدين أن النصف الذي لم يوضع عليه شيء تحول إلى اللون البني (بفعل الشوارد الحرة المدمرة الناتجة عن تعرض أنسجة التفاحة لأكسجين الهواء)، بينما يظل النصف الآخر يبدو طازجاً لفترة أطول (بفضل حماية أنسجة التفاحة بمضادات الأكسدة الموجودة في عصير الليمون).
الفواكه والخضراوات
الفواكه والخضراوات أطعمة غنية بالفيتامينات والمعادن الضرورية لصحتنا. كما أنها غنية بالكيميائيات النباتية (وهي مواد توجد في النباتات بصفة خاصة)، ومضادات الأكسدة التي تقوي جهاز المناعة وتقي من الأمراض. كما تحتوي على إنزيمات وألياف تساعدنا على هضم الطعام وامتصاص العناصر الغذائية منه.
ولكن يبدو أن الآباء في أنحاء العالم يدخلون في صراع مع أبنائهم حينما يتطرقون إلى موضوع تناول الفواكه والخضراوات. فالأطفال في الغالب لا يحبون الخضراوات لأسباب عديدة: إنها عديمة المذاق، أو مطهوة بإفراط، أو مرة، أو مهترئة، أو نيئة، أو أي شيء يخطر ببالك! ويمكن حمل الأطفال بسهولة أكبر عادة على تناول الفواكه بفضل نكهاتها الحلوة، ولكنهم أحياناً يرفضونها أيضاً. ولكن مع تكرار تذوقهم لها وتناولها، سوف تتعود براعم التذوق لديهم على تلك الأطعمة الطبيعية اللذيذة.
ما مقادير الفواكه والخضراوات التي يحتاجها الأطفال يومياً؟
تعتمد مقادير الاستهلاك اليومي المطلوب بالطبع على حجم الطفل وسنه، لذا، لا ترهقي نفسك بالتركيز المفرط على عدد حصص الطعام اليومية، وبدلاً من ذلك، استخدمي التقديرات التالية للاحتياجات المعتادة للأطفال كإرشادات عامة:
ثلاث حصص من الخضراوات يومياً. حجم الحصة يعادل تقريباً الكمية التي يستطيع الطفل أن يمسك بها بيدٍ واحدة. ويمكن أن تكون الحصص الثلاث يومياً كما يلي: ثمرة طماطم صغيرة، وملء ملعقة كبيرة من الخضراوات المطهوة، ونصف جزرة.
حصتان من الفواكه يومياً. مثال: تفاحة صغيرة ونصف ثمرة مانجو.
عادة ما يمر الأطفال بأيام جيدة وأخرى سيئة فيما يتعلق بما يأكلونه بالفعل. فلا تتوقعي أن يتناول طفلك الحصص الموصى بها أعلاه بالضبط يومياً؛ ولكن احرصي فقط على أن تجعلي الفواكه والخضراوات متاحة في جميع الأوقات وقدميها له بطريقة جذابة قدر المستطاع.
تلميح: اغسليها وافركيها جيداً
يجب غسل الفواكه والخضراوات جيداً لإزالة جميع القاذورات والرواسب والمبيدات. كثير من الفواكه والخضراوات يتم رشها لما يصل إلى 75 مرة قبل تناولها! تخيلي لو أنك لوثت يدك بمبيد حشري ثم لم تغسليها، أو اكتفيت بشطفها بالماء فقط؛ هذا لا يكفي مطلقاً.
ضعي كل العناصر التي تريدين غسلها في حوض المطبخ واملئيه بمقدار من الماء يكفي لتغطية الفاكهة والخضر. أضيفي قدراً ضئيلاً من إحدى المواد التالية: صودا الخبيز، أو الخل الأبيض، أو الملح البحري، أو محلول لغسل الخضراوات تشتريه من السوبر ماركت. قومي بفرك الفاكهة والخضر جيداً، ويفضل أن يتم هذا باستخدام فرشاة للخضراوات، ثم اشطفيها في النهاية تحت تيار من الماء النقي.
وبطبيعة الحال، لن يكون باستطاعتك أن تستخدمي فرشاة الخضراوات لتنظيف الفاكهة والخضر الرقيقة، مثل العنب، والفراولة، وأوراق خضر السلطة. ولتنظيف تلك العناصر، غطسيها في الماء جيداً وافركيها بأصابعك لتضمني إزالة جميع الرواسب منها.
كيف تجعلين الفواكه والخضراوات جزءاً من النظام الغذائي اليومي لأسرتك
تناولي أطعمة مختلفة الألوان
كثير من النظم الغذائية للأطفال تعتمد على أطعمة لها لون واحد (الأبيض والبيج مثلاً): الخبز، والأرز، والمكرونة، والبطاطس، والموز، والزبادي، وما إلى ذلك. ولكن من المهم أن تتناولي أطعمة متنوعة الألوان لكي تحصلي على تشكيلة العناصر الغذائية الحيوية التي تضمها. وستجدين أن حث الأطفال (لاسيما الأصغر سناً) على أكل الأطعمة متعددة الألوان غالباً ما يكون أكثر فعالية من تعليمهم بشأن العناصر الغذائية والأرقام والأهرام الغذائية. ويمكنك حتى تشجيع طفلك على أن يأكل أطعمة ذات ألوان أكثر تنوعاً بأن تجعلي الأمر لعبة مشوقة، مثل التهام أكبر عدد ممكن من الأطعمة مختلفة الألوان في كل وجبة.
اخلطي واهرسي
تذكري أن الفواكه والخضراوات متعددة الاستعمالات. إذ يمكن أن تؤكل نيئة، أو مطهوة بالبخار، أو مشوية، أو مسلوقة. كما يمكن أن تهرس، أو تفرم، أو تعصر، أو تقطع إلى أشكال جذابة؛ وكلما كانت أشكالها أكثر جاذبية، كان صغارك أكثر إقبالاً عليها! بل يمكنك أن تقومي ببعض الحيل البريئة عند تقديمها… فكوني مبدعة! اغمسي الخضراوات في أصناف الحساء اللذيذة، أو صلصات المكرونة، أو الكاري. أو اطحنيها لاستخدامها في صنع أصناف الكباب والأومليت، أو اضربيها بالخلاط حتى يصير قوامها ليناً لصنع غموس، أو استعمليها كمادة حشو في أطباق اللحم أو صواني البطاطس بالفرن. أما الفواكه فيمكن أن تعصر أو تضرب بالخلاط لتتحول إلى مشروبات مخلوطة متجانسة ومصاصات مثلجة، أو تطهى حتى تتهرأ لصنع المربى الحلوة، والأشربة؛ أو تخبز بالفرن ثم تحشى لصنع الأطباق الحلوة أو الوجبات الخفيفة (يمكن خبز تفاحة وحشوها بالجوز لصنع طبق لذيذ)، أو تفرم أو تقطع إلى شرائح لصنع العصيدة، أو لاستخدامها مع الزبادي والحبوب.
تناولي الفواكه والخضراوات في مواسمها
تكاد متاجر السوبر ماركت اليوم تحتوي على جميع أنواع الفواكه والخضراوات في أي وقت من السنة. إلا أن الخالق أخرج لنا الفواكه والخضراوات في مواسم معينة هي الأنسب غذائياً وصحياً، حيث تنضج الفواكه والخضراوات في الموسم المناسب لتغذي أجسامنا بما تحتاجه في ذلك الموسم. فالبطيخ الذي ينضج في الصيف، على سبيل المثال، له مفعول مبرد، بينما القرع العسلي الشتوي له مفعول مدفئ. وفضلاً عن هذا، فإن الفواكه المستوردة عادة ما تقطف وهي خضراء غير تامة النضج، وتكون قد تعرضت للرش بالمبيدات وغيرها وتم اختزانها لفترات طويلة. فبدلاً من التركيز على الفواكه والخضراوات الغريبة التي تم جلبها من مناطق بعيدة وبيئات غريبة، قومي بزيارة المورد أو المزرعة المحلية القريبة منك لتحصلي على فواكه وخضراوات بلدك في مواسمها الطبيعية، وستجدينها أكثر طزاجة وأكثر فائدة بكثير.
ازرعيها بنفسك
ستجدين أن زراعة خضراواتك وأعشابك بنفسك عملية سهلة بمجرد أن تبدئي تلك التجربة. خصصي جزءاً صغيراً من حديقتك (أو حتى صفاً من أواني الزرع خارج نافذة مطبخك) وابدئي بغرس قليل من البذور، وسرعان ما ستحصلين على نخبة من النباتات مثل النعناع، والبقدونس، والكسبرة، والجرجير، والفجل، وحتى الجزر والطماطم، لتحضري منها سلطات نضرة مغذية. وفضلاً عن هذا، فإنك تضمنين أنها غير مرشوشة بالمبيدات. كما أنك وأطفالك ستشعرون بالبهجة والسرور عند ري تلك المزروعات ثم قطفها بعد نضجها.
قوة الأطعمة النيئة
الأطعمة التي تؤكل نيئة -كالفواكه والخضراوات والسلطات- تمنح فوائد صحية هائلة للصغار والكبار على حد سواء. وكلما زادت كمية الأطعمة النيئة التي يأكلها طفلك، كان هذا أفضل. لماذا؟
• الأطعمة النيئة تحتوي على وفرة من الإنزيمات التي تساعد على الهضم.
• الأطعمة النيئة تحتوي على وفرة من الألياف التي تساعد عملية الهضم وتمنع زيادة الوزن؛ كما تساعد الألياف على استقرار مستويات سكر الدم، مما يحقق استقرار المزاج، ومستويات الطاقة، والتركيز.
• الأطعمة النيئة تحتوي على عناصر غذائية عالية الجودة، مما يزيد الطاقة وقوة التحمل ويعزز آليات التخلص من السموم في أجساد الأطفال لتخليصها من السموم.
مشكلة وحلها: طفلي لا يأكل الفواكه والخضراوات
• قدمي الفواكه والخضراوات للطفل عندما يكون جائعاً لأقصى درجة. تزيد احتمالات تجاهل الأطفال للخضراوات والفاكهة إذا لم يتم تقديمها لهم إلا بعد الانتهاء من الوجبة.
• قللي حجم الطبق الرئيسي وزيدي كميات أطباق الخضر والفاكهة الإضافية. أظهرت الأبحاث أن الطفل لا يأكل سوى 67% تقريباً من الطعام الذي يوضع في طبقه قبل أن يشبع. ويعني هذا أنه إذا كان نوع المكرونة المفضل لديه يملأ معظم الطبق، فإن احتمالات أن يظل جائعاً بعدها لدرجة تكفي لتناول الخضر والفاكهة في نفس الوجبة تصبح ضئيلة للغاية.
• إذا كان الطفل شديد العناد، فقدمي له الفواكه والخضراوات أثناء استمتاعه بأحد أنشطته المحببة، كأن تقدمي له مكعبات التفاح وهو في حوض الاستحمام، أو أصابع الجزر وهو يلعب في الفناء. الأطفال يكونون أكثر قابلية للأكل حينما يشعرون بالسعادة أو الجوع. سيساعد هذا أيضاً على الربط بين الأطعمة المفيدة والأوقات السعيدة!