تفكّرفي هذه الطبيعة التي حولنا، كما خلقها الله، ونظامها المحكم: إذ نجد لدينا الأطعمة الموسمية تتغير وتتبدل خلال العام بحيث لا نصاب بحساسية تجاهها، كما أن الأطعمة تكون معبأة بمواد منشطة للقوة المناعية في أواخر الصيف وفي الخريف لكي تجعلنا مستعدين لدخول الشتاء حين يصل نشاط ميكروبات البرد والأنفلونزا إلى ذروته. ويمكن إعادة تدوير جميع المواد النباتية (الخضرية) إما بأن تأكلها الحيوانات ثم تخرج فضلاتها أو عن طريق التعطين، وهكذا تنطلق المعادن الحيوية عائدة إلى التربة، ثم تمتصها النباتات من التربة فتعود إليها مرة أخرى حتى تصير مصدراً للطعام (إلا إذا وضعنا بقايا النباتات أو المواد النباتية أو الخضرية في أكياس بلاستيكية للقمامة غير قابلة للتحلل بالطبع).
وتكمن المشكلة في أن الإنسان يعتقد أنه أذكى من الطبيعة. فلقد بذل الإنسان جهوداً مضنية حتى يجعل الأطعمة الموسمية (من خضراوات وفواكه) متوافرة على مدار العام، إما بحفظها وإما باستيرادها من الخارج (أو حتى باستنباط سلالات جديدة لبعض الأنواع بوسائل غير طبيعية). ويمكن اليوم تخزين الأطعمة لفترات طويلة مما يقلل محتواها من الفيتامينات فلا يتبقى منه إلا القليل. بل إن العناصر الغذائية يمكن أن تضيع باستخدام وسائل التصنيع والتجهيز حتى يمكن زيادة مدى صلاحيتها وتبقى خالية من الميكروبات؛ وعلى أية حال، فلن تكون هناك سوسة واحدة ترغب في أكل ذلك الطعام الذي صار فقيراً في العناصر الغذائية…! والعجيب أننا نرش أطعمتنا بالمبيدات حتى نمنع الكائنات الأخرى الصغيرة من التهام شيء منها، رغم أنها تعتبر سموماً سيكون لها تأثير ضار علينا أيضاً. وكل شيء تقريباً يضاف إلى الطعام يكون بغرض إطالة فترة صلاحيته أو تحسين مظهره، وليس بغرض تحسين قيمته الغذائية. فتتراكم في أجسادنا سموم، مثل الرصاص والزئبق والألومنيوم والكادميوم، وكلها ضارة بصحتنا.
إن الطعام الذي نأكله يؤثر على تفكيرنا وسلوكنا وحالتنا المزاجية وهو يغير هرموناتنا وجلدنا ودمنا وأعضاءنا وعظامنا وعضلاتنا. كما أن له تأثيراً على جهازنا المناعي. والطعام يوفر الوحدات البنائية اللازمة للجسم، أي البروتينات؛ في حين أن الأطعمة المكررة المصنعة الفقيرة في العناصر الغذائية لا تعطينا إلا القليل من الوحدات البنائية. فقد نكون قادرين على بناء جسم يبدو ضخماً (بسبب البدانة) إذا تناولنا الكثير من الكربوهيدرات والدهون، ولكن ما مدى قوة ذلك الجسم؟ هل يمكنه الصمود على مر الأيام، أم أنه سيصاب بالتعب والإرهاق ثم المرض وضياع الصحة؟
وصفة ضرورية للحصول على جهاز مناعي قوي
إننا نستخدم الطعام في صنع كل جزء من أجزاء جهاز المناعة، لذا فإن قوته تعتمد على نوعية الطعام. وللمساعدة على بناء جهاز مناعي قوي يجب توافر العوامل التالية:
من بين ما يتم تناوله من سعرات كلية، يفضل أن تكون نسبة 60% منه في صورة كربوهيدرات. وهذه الكمية يجب أن يكون أغلبها من الأطعمة الكاملة، بما فيها الحبوب خلاف القمح (وهو النوع الذي ندمن تناوله) بالإضافة إلى الكثير من الفواكه والخضراوات.
ما لا يزيد كثيراً عن حوالي 20% من سعراتنا الحرارية يجب أن يستمد من الدهون، وأغلب هذه الكمية يجب أن تكون في صورة أحماض دهنية أساسية (ضرورية) توجد في الحبوب والمكسرات والأسماك.
الـ 20% المتبقية من السعرات الحرارية يجب أن يكون مصدرها هو جميع الأحماض الأمينية التي تستخدم في تصنيع بروتين جيد النوعية.
البروتينات
مما يثير العجب أن هناك عدداً من الناس (وإن كان قليلاً) يعاني نقصاً في البروتين، حتى في الدول المتقدمة التي تتمتع بوفرة في الطعام. فإذا أجبت عن كثير من الأسئلة المذكورة لاحقاً “بنعم”، يمكن أن تكون ضمن أولئك الناس. والأشخاص الأكثر تعرضاً لهذه المشكلة هم: الذين يتبعون نظم حمية غذائية لإنقاص الوزن، والنباتيون أو شبه النباتيين الذين لا يعرفون كيفية تجميع الأحماض الأمينية الأساسية في الطعام منعاً لحدوث نقص فيها، ومدمنو المأكولات السريعة، والأشخاص الذين يعيشون في وحدة (لاسيما المرضى والمقعدين والمسنين) والأطفال. ويحتاج الأطفال وصغار السن إلى الكثير من البروتين لنمو أجسامهم ولكن الكثيرين منهم يفضلون تناول أطعمة سريعة فقيرة في العناصر الغذائية. وبعضهم يصيرون نباتيين في حين أن آباءهم ليسوا كذلك، إذ يتم إطعامهم نفس الوجبات في العادة، ولكن دون أن تتضمن لحوماً.
هل تعاني نقصاً في البروتين؟
1. هل تجد من الصعب عليك أن تبقى في وضع مستقيم حينما تجلس أو تقف؟
2. هل كتفاك مثنيتان إلى الأمام، وصدرك هابط، وقدماك مسطحتان؟
3. هل ينمو شعرك وأظافرك ببطء؟
4. هل تخونك ذاكرتك كثيراً أو هل تجد صعوبة في التركيز؟
5. هل تعاني تقلبات مزاجية؛ اكتئاب، وقلق، وتهيج عصبي؟
6. هل تجد صعوبة في النوم؟
7. هل تصاب بحالات متكررة من العدوى؟
8. هل تعاني آلاماً وأوجاعاً عضلية؟
9. هل تشعر أنك أكبر سناً مما أنت في الحقيقة؟
10. هل تشعر بجوع مستمر؟
11. هل لديك مشكلات في الوزن؟
12. هل يحدث لك عسر هضم أو إمساك؟
13. هل لديك انخفاض شديد في ضغط الدم؟
14. هل تعاني احتجازاً للماء في جسمك؟
ما البروتينات؟
البروتين هو المكون الأساسي لجميع الخلايا الحية. وثلاثة أرباع الوزن الجاف لأغلب خلايا الجسم يتكون من البروتين. ويستخدم الجسم البروتينات في صنع الهرمونات والإنزيمات والنواقل العصبية والخلايا المناعية والأجسام المضادة. وقد اشتقت كلمة “بروتين” من اسم “بروتيوس” وهو شخصية خرافية (من الميثولوجيا الإغريقية)، وتدعي الأسطورة أنه قادر على تغيير هيئته وطبيعته، وكذلك البروتين. فإذا تناولنا بروتين اللحم أو بروتين الفول فإننا نحلله إلى عناصره من الأحماض الأمينية ثم تقوم أجسامنا بتركيب الأحماض الأمينية لصنع البروتين الذي نحتاجه مرة أخرى. والأحماض الأمينية نفسها تقوم بوظائف ضرورية. فبعضها يتحكم في الذاكرة، والنوم والحالات المزاجية ومستويات الطاقة والاسترخاء والتوتر وكيفية استجابة أجهزتنا المناعية وتفاعلها في الظروف المختلفة.
ويمكننا القول بأننا كل سبع سنوات تقريباً يصير لدينا جسم جديد. وهذا بالطبع هو قول مفرط في التبسيط، فخلايا المخ يتم تجديدها ببطء شديد (هذا إذا افترضنا حدوث ذلك على الإطلاق)، بينما من الجانب الآخر فإننا نحصل على جلد جديد كل ثلاثة أو أربعة أسابيع وبطانتين معويتين جديدتين كل أسبوع. وفي كل ثانية تقوم أجسادنا بتصنيع الآلاف من الخلايا المناعية الجديدة وجزيئات الأجسام المضادة. وتحتاج أجسامنا من أجل الصيانة والإصلاح إلى كميات هائلة من الوحدات البنائية التي هي الأحماض الأمينية المكونة للبروتينات.
الأحماض الأمينية
الأحماض الأمينية هي مكونات البروتين؛ وهناك ثمانية منها أساسية وضرورية للحياة ويمكن الحصول عليها من اللحوم والأسماك ومنتجات الألبان، بالإضافة إلى الفوليات والعدس والمكسرات وغيرها من الأطعمة “البذرية”. وتصنع البكتريا “الصديقة”، التي تعيش في أمعائنا وتؤدي وظائف مهمة، كميات ضئيلة جداً من الأحماض الأمينية يمكننا الإفادة منها بصفة مستمرة، وبدون هذا المستوى الإضافي لربما عانينا تقلبات مزاجية شديدة.
والأحماض الأمينية الأساسية (الضرورية) التي تكون غالباً ناقصة في النباتات هي الميثيونين والتريبتوفان واللايسين. وأولها، أي الميثيونين، ضروري للنساء الحوامل إذ يحتاجه الجنين لتكوين الغدة الثيموسية (الزعترية)، التي تشكل جزءاً أساسياً من جهاز المناعة. ويعد فول الصويا وغيره من البقول مصدراً فقيراً للميثيونين. أما الحبوب فهي فقيرة في اللايسين. ومع ذلك، إذا خلطت نوعاً من الحبوب (مثل الأرز) مع نوع من البقول (مثل العدس)، فستحصل على توازن أفضل بكثير من الأحماض الأمينية ومن ثم بروتين أكثر فائدة (وهو ما نسميه استكمال الأحماض الأمينية). وتشمل الأطعمة الغنية بالتريبتوفان السمك، والديوك الرومية، والدجاج، والجبن القريش، والأفوكادو، والموز، والعجوة، وجنين القمح.
وتعد الأحماض الأمينية “ألف باء” الجسم أو أبجديته. فكل خلية من خلاياه تتميز بوجود ترتيب محدد للأحماض الأمينية. وهو ما يقوم بقراءته جهازُ المناعة للجسم؛ مما يمكنه من التمييز بين الصديق والعدو، وأيضاً الريبوسومات التي تصنع جميع البروتينات الضرورية للجسم لكي ينمو ويصلح نفسه ويتكاثر. كما تصنع الأحماض الأمينية مادة الحياة، وهي تلك المادة الكيميائية الخلوية المسماة DNA. كما أن الأجسام المضادة أيضاً هي من البروتينات، وتحتاج الخلايا الليمفية للأحماض الأمينية بدرجة كبيرة حتى يمكن إنتاجها وممارستها لوظائفها. والأحماض الأمينية الأكثر تنشيطاً لجهاز المناعة هي الآلانين وحمض الأسبارتيك والسيستيين والجلايسين واللايسين والميثيونين والجلوتامين والثريونين. وأما التي تستخدم للتخلص من السموم فتشمل الجلايسين والميثيونين والسيستيين والجلوتامين والتورين والتيروسين.
فإذا تناولنا طعاماً كاملاً غير مكرر تاماً بما يحتويه من عناصر غذائية يحتاجها الجسم للاستفادة من الطعام وتمثيله، فإننا نحصل على ما يكفي من هذه الأحماض الأمينية. وأما الغذاء غير المتوازن فيمكن أن يخلق حالة من عدم التوازن في مجموع الأحماض الأمينية بالجسم يصعب معالجتها. لذا فمن المهم أن نحصل على مدى كامل من الأحماض الأمينية في غذائنا، ولكننا سنقتصر فيما يلي على ذكر قليل منها وهي التي ترتبط بصفة متخصصة بجهاز المناعة.
الميثيونين
حاول العلماء من خلال تجاربهم أن يعيدوا تشكيل ما اعتقدوا أنه كان الجو البدائي للأرض، في بداية الخليقة، إذ كانت تحتوي فقط على الكربون والهيدروجين والنيتروجين والأكسجين والكبريت. وهذه هي مكونات الميثيونين، الذي يرجح أنه أقدم الأحماض الأمينية. ومصادره الغذائية الجيدة هي اللحوم والأسماك والجبن والبيض والمكسرات والبذور (لاسيما بذر زهرة الشمس) وجنين القمح والحبوب الكاملة والكينوا (نوع من الحبوب يطهى كالأرز).
والميثيونين يمكنه أن يخفف الألم، إذ إنه يدخل في تركيب الإندورفينات المختلفة (وهي كيميائيات ينتجها الجسم للقضاء على الألم وإعطاء الشعور بالصحة). والميثيونين ضروري لتكوين جهاز المناعة في الجنين والأجهزة المناعية في الأطفال. وهو أمر من المهم ملاحظته في حالة الأطفال الذين يخضعون لنظم غذائية تقوم على فول الصويا أو ألبان الأطفال المصنعة من الصويا ولا يتناولون اللبن الطبيعي ولا اللحم، إذ إن فول الصويا فقير جداً في الميثيونين. وقد لا تتسنى ملاحظة نقص الميثيونين إلى أن يكبر الطفل الرضيع حتى يصير طفلاً أكبر سناً؛ ولكنه أكثر مرضاً ووهناً. لذا يحتاج الأطفال والأمهات الحوامل بصفة خاصة إلى أطعمة تحتوي على ما يكفي من الميثيونين.
السيستيين والجلوتاثيون
السيستيين مهم جداً لجهاز المناعة، وهذا أساساً لأنه يتحول إلى الجلوتاثيون في الجسم، والذي يتم تركيزه بدرجة عالية في الغدة الثيموسية.
وكذلك، فإن الجلوتاثيون يحمينا من السموم. فإننا نتعرض لكميات كبيرة من المواد السامة في الهواء والطعام والماء. وطالما توافر للجسم ما يكفي من السيستيين فيمكنه أن يرفع مستوياته من الجلوتاثيون لكي يزيل سمية بعض السموم مثل الكحول وأدخنة المصانع والمبيدات والمواد المسرطنة في الجسم. وترتبط المستويات العالية من السيستيين بالصحة وطول البقاء وانخفاض أخطار السرطان. وفي حالات العدوى المزمنة، مثل الإيدز، يكون فقدان الجلوتاثيون أحد الهموم الرئيسية التي يخشى ضررها.
والجلوتاثيون هو مضاد للأكسدة يساعد على حمايتنا من الأشكال السامة من الأكسجين، خاصة التي تنتج من الدهون التالفة في الأطعمة المقلية. وهو في واقع الأمر مضاد للأكسدة أولي وواسع الانتشار لدرجة أن العلماء فكروا في إضافته إلى البحيرات الميتة (أي الخالية من مظاهر الحياة) لاستعادة الحياة فيها! والجلوتاثيون حيوي للخلايا البلعمية لكي تصنع الكيميائيات التي تحتاجها لقتل الميكروبات، وحيوي لإنتاج الخلايا الليمفية ولجدر خلايا الدم الحمراء.
ويتوافق الجلوتاثيون في عمله مع المركبات الأنثوسيانية، وهي مجموعة قوية من مضادات الأكسدة التي توجد في الخضراوات والفواكه والثمار اللبية (خاصة العنب وعنب الأحراج “البلبيري”)، وتتميز بالقدرة على إعادة تدوير الجلوتاثيون. ولهذا السبب، فإن إعطاء مكمل من “الجلوتاثيون المختزل” جنباً إلى جنب مع مصدر للمركبات الأنثوسيانية يشكل وسيلة فعالة جداً لتحسين الوظائف المناعية. هذا ويجب تغطية (أي تغليف) مكملات الجلوتاثيون (أي تكون على هيئة أقراص أو كبسولات كل منها مغلف بغلاف خاص يسمى “غلافاً معوياً”) وإلا فإن الجلوتاثيون يمكن أن يتحلل في المعدة. وثمة أسلوب بديل وهو بأن نضمن الحصول على ما يكفي من السيستيين في الغذاء. وهذا أيضاً يمكن الحصول عليه كمكمل في صورة إن-أسيتيل- سيستيين NAC. وأفضل مصادر السيستيين من الأطعمة هي اللحوم والبيض والصويا والكينوا والبذور والمكسرات والبصل والثوم.
الجلوتامين
الجلوتامين هو حمض أميني آخر مهم لجهاز المناعة. وهو شبه ضروري، مما يعني أن الجسم يمكن أن يصنعه، ولكنه يؤدي وظائفه بصورة أفضل إذا تناولنا بعضاً منه عن طريق الغذاء. والجلوتامين ضروري للخلايا المناعية لكي تنضج وتتكاثر ويساعدها على البقاء لائقة للقتال. ويستخدم الجسم الجلوتامين أثناء حالات العدوى والإصابات أو الجروح (مثل الحروق والعمليات الجراحية) بمعدل أسرع. وتناول المزيد من هذا الحمض الأميني يفيد في تنشيط الاستجابة المناعية للجسم. ولهذا السبب فإنه يعطى في الوقت الحاضر للمصابين بالحروق ولغيرهم ممن يعانون تثبيطاً أو ضعفاً في جهاز المناعة مثل مرضى الإيدز ومرضى المناعة الذاتية. ويمكن أيضاً أن يستخدمه الجسم في صنع الجلوتاثيون.
هذا ولا توجد وسيلة سهلة لزيادة ما تتناوله من الجلوتامين في الطعام إلا إذا كنت ممن يحبون تناول اللحم النيئ أو السمك النيئ أو البيض النيئ (فالجلوتامين يوجد بكميات كبيرة في العضلات بصفة خاصة ويمكن أن تضيع قيمته الغذائية عند طهي الطعام). لذا، فإن الإكثار من تناول السوشي (وهو السمك النيئ على الطريقة اليابانية) يكاد يكون الطريقة الوحيدة لكي تزيد حصيلتك من الجلوتامين بدرجة كبيرة. ومع ذلك، فإن الجلوتامين يمكن الحصول عليه كمكمل في صورة مسحوق عديم الطعم. وإن تناول ملء ملعقة صغيرة هرمية (5 جم) يومياً يمكن أن يشكل فارقاً كبيراً بالنسبة لجهاز المناعة، وأما في حالات التثبيط أو الضعف المناعي الشديد، مثل مرضى الإيدز، فقد يحتاج الأمر إلى تناول ما يصل إلى 40 جم يومياً للحصول على الفائدة القصوى.
إيجاد التوازن الصحيح للأحماض الأمينية
إن وجود توازن سليم في الأحماض الأمينية هو أمر ضروري لأشياء كثيرة في الجسم؛ مثل اتخاذ أوضاع جسمية سليمة، وقوة العضلات، والنمو، والتكاثر وإصلاح الجسم، وصحة الشعر، وسلامة الأظافر… إلخ. ولكن بالنسبة لجهاز المناعة، فإن البروتينات، ومن ثم الأحماض الأمينية في توازنها الصحيح، تكون ضرورية لصنع الخلايا المناعية والأجسام المضادة اللازمة لمكافحة العدوى.
ويجد كثير من الناس أنهم حينما يستعيدون توازن الأحماض الأمينية لديهم فإنهم لا يعودون لتوقهم السابق للأطعمة السريعة قليلة الفائدة. وبالطبع فإنه من الممكن تماماً أن تعيش بصحة جيدة وعافية معتمداً على نظام غذائي نباتي تماماً أو شبه نباتي. إلا أن من يفعلون ذلك يجب عليهم أن يعرفوا كيفية خلط الأطعمة وتركيبها لزيادة توازن الأحماض الأمينية التي يحصلون عليها. فمثلاً عن طريق تناول الحبوب مثل الأرز مع البقول مثل العدس أو الفاصوليا أو الصويا، يمكنك تحسين توازن الأحماض الأمينية وزيادة مدى استفادتك من البروتين الذي تحتوي عليه تلك الأطعمة.
الكربوهيدرات
تشكل الكربوهيدرات الجزء الأكبر من غذائنا، وتستمد من الحبوب والفواكه والخضراوات والبقول والمكسرات وأغلب الأطعمة المصنعة. وهي تتحلل في الجسم إلى سكريات بسيطة تستخدم في إنتاج الطاقة.
وتعد الكربوهيدرات المركبة، أي الأطعمة غير المكررة أفضل وسيلة، إلى حد كبير، للحصول على السكريات البسيطة، إذ إنها تكون كاملة ومحتوية على العناصر الغذائية الضرورية لتمثيل تلك السكريات. فهي بذلك تشبه الكبسولات بطيئة المفعول. فالسكريات البسيطة والكربوهيدرات المكررة تغرق الجسم في فيضان من السكريات بمجرد امتصاصها، مما يعطي دفعة سريعة من الطاقة، تتبعها فترة انسحاب طويلة من الخمول والإعياء نتيجة للانخفاض المفاجئ في سكر الدم الناتج بدوره عن زيادة إفراز الإنسولين. وعلى النقيض من ذلك، فإن الكربوهيدرات المركبة تطلق سكرياتها ببطء بحيث يبقى مستوى سكر الدم في حدوده الطبيعية تقريباً، بدلاً من أن يرتفع وينخفض كالزئبق في الترمومتر. فإذا انخفض سكر الدم فإننا نتوق إلى الحلوى ويصير من السهل تعرضنا للتهيج والتقلب المزاجي وسوء الطبع. في حين أننا إذا تناولنا طعاماً كافياً ومناسباً، فإننا نشعر بالصحة، ونفكر بسرعة ووضوح، ولا نتعرض لنوبات الجوع، بل وربما لا نستسيغ الحلوى!
النشا
النشا هو المادة الكربوهيدراتية الأساسية التي نستهلكها في الحبوب والخبز والخضراوات النشوية مثل البطاطس. ورغم أن لدينا تشكيله واسعة من الأطعمة النشوية لنختار منها ما نشاء، فإن أغلبنا يبدو كمن أدمن القمح بمنتجاته المختلفة، مثل المكرونة والبيتزا والفطائر والبسكويت والخبز والكعك وكثير من الأغذية النشوية للإفطار التي قد تبدو ظاهرياً كأنها أطعمة مختلفة، لكنها في الحقيقة كلها من القمح. ونتيجة لهذا النمط الغذائي الرتيب، وصعوبة هضم الجسم للجلوتين (وهو بروتين القمح) فإنه (أي القمح) يعد من أكثر الأطعمة تسبباً للحساسية الغذائية. أما إذا تناولت قمحاً أقل، ونوعت اختياراتك من الحبوب، فإن جهازك المناعي يكون في حالة أفضل؛ فعليك بتناول الشعير والشوفان والجاودار والأرز والذرة والحنطة السوداء والدُّخْن بدلاً من القمح. واختر لإفطارك الأغذية النشوية من الحبوب الكاملة بدلاً من المكررة المعبأة بالسكر أو الملح، وتناول الكثير من الخضراوات، النيئة منها والمطهية. وجرب في إفطارك الفتات أو القراقيش (الكورن فليكس) المصنوعة من الشوفان أو الدخن (باردة أو على شكل عصيدة)، وجرب كذلك خبز الجاودار على الطريقة الإسكندنافية، أو الاسباجتي من الحنطة السوداء، أو الكورن فليكس الخالي من السكر والأرز البني أو الشعير الكامل مع وجبتك.
وإنها لعادة طيبة أن تأكل قليلاً من الخضراوات النيئة (السلطة) كبداية قبل تناولك لوجبتك المطهية. فهي تساعد جهازك المناعي على التعامل مع الطعام القادم إليه دون حدوث مشاكل. وقد كان يُعتقد سابقاً أن حالة فرط خلايا الدم البيضاء في الجهاز الهضمي (التي تشمل هجرة خلايا الدم البيضاء إلى جدر الأمعاء حتى تكون على أهبة الاستعداد لأي طارئ، وما يتبع ذلك من تحللها) تحدث أياً كان نوع الطعام الذي نتناوله؛ ولكن وجد مؤخراً أن هذه الحالة لا تحدث إلا حينما نأكل طعاماً مطهياً. وأما الأطعمة النيئة فلا تسبب استنزافاً وضياعاً لتلك الخلايا المناعية، لذا إذا تناولتها قبيل وجبة مطهية، فسوف تقلل ما يحدث حينئذ من تحلل لخلايا الدم البيضاء.
السكريات
إننا نحتاج السكريات، أو بتحديد أكثر، نحتاج للجلوكوز، وهو الناتج النهائي لتحلل (أي هضم) جميع الكربوهيدرات، إذ إنه الوقود الرئيسي للمخ والعضلات وجهاز المناعة. ولكن السكريات اكتسبت سمعة سيئة، وهذا يرجع أساساً إلى أن ما نتناوله منها يتجاوز بكثير حدود احتياجاتنا الحقيقية. ففي الوقت الحاضر نجد أن ثلث ما يتم تناوله من الكربوهيدرات في العالم الغربي يكون في صورة سكروز (سكر مكرر)، وهذا “الطعام” لا يعطي شيئاً سوى الطاقة، بل ويتم أيضاً تخزينه كدهن مشبع إذا لم يستخدمه الجسم. وكثير منه يكون مختبئاً في الأطعمة والأشربة المعالجة أو المصنعة، فهي سكريات خفية ولكنها مدمرة للصحة. ذلك لأن السكروز ليس فقط خالياً من العناصر الغذائية المهمة. ولكنه يحتاج أيضاً إلى عناصر غذائية ضرورية لكي يتم تمثيله وأيضه، لذا فإن ذلك السكر يعمل على سرقة تلك العناصر من أي مصدر يجده أمامه. وهذا أحد الأسباب التي جعلت حالات نقص فيتامين ب شائعة؛ فإننا نضيع العناصر الغذائية الثمينة بما فيها فيتامينات ب، في محاولة لتمثيل ذلك السكر عديم النفع.
الألياف النباتية
توجد أنواع عديدة من الألياف النباتية. فالأصماغ والراتنجات والبكتينات (التي توجد في التفاح والكمثرى والموز) بالإضافة إلى السليلوز (وهو المكون الرئيسي لجدر الخلايا النباتية)، كلها توفر الألياف. والحيوانات المجترة يمكنها أن تحلل السليلوز (أي تهضمه) إلى سكر، ولكننا كبشر لا نستطيع ذلك. ومع هذا فإن البكتريا “الصديقة” التي تستوطن أمعاءنا تحتاج إلى السليلوز لكي تبقى صحيحة. لذا فإن تناولنا للأطعمة الكاملة والخضر يجعل ضيوفنا الأعزاء من البكتريا الصديقة سعيدة هانئة. وبالتالي فإنها ترد لنا الجميل فتبقى أمعاءنا نظيفة، وتمدنا بكمية إضافية من فيتامينات ب والأحماض الأمينية الضرورية والدهون. فيا لها من صفقة رابحة!
وكذلك، فإن نظافة القناة الهضمية تكون أفضل لجهاز المناعة. فإذا أصبنا بالإمساك بشكل متكرر، يحدث تراكم للسموم التي يمكن أن تمتص إلى مجرى الدم. وهكذا يتعين على جهاز المناعة أن يواجه هذه المشكلة، ولا توجد بكتريا صديقة تحترم نفسها ترضى بأن تعيش في قولون شخص مصاب بالإمساك! لذا فإنها تبتعد لتخلي المجال للأنواع سيئة السمعة من الكائنات الدقيقة مثل فطريات الكانديدا الخميرية، فهي نوع من العفن الذي يرحب بالسكنى في ظروف معيشية غير صحية!
المواد الدهنية
هناك نوعان من المواد الدهنية (الليبيدات): الدهون والزيوت. الليبيدات مهمة جداً للجسم، فهي تساعد على تكوين الغشاء الخلوي الذي يحيط بكل خلية من خلايا الجسم. وحينما نأكل النوع الصحيح من الليبيدات، فإن الأغشية الخلوية تكون قوية، وبدون ذلك فإنها تكون ضعيفة وأكثر عرضة لهجوم الكائنات الضارة. كذلك فإن الليبيدات تعتبر مكوناً مهماً للمخ والأنسجة العصبية التي تحتوي على كميات كبيرة من الفوسفوليبيدات، مثل الفوسفاتيدايل كولين PC والفوسفاتيدايل سيرين PS.
الدهون السيئة
في بريطانيا يأكل الناس، في المتوسط، 125 جم من الدهن يومياً، وهو ما يشكل 42% مما يتناولونه يومياً من سعرات حرارية. ويحسن بهم أن يقللوا هذه الكمية إلى 100 جم أو أقل (وهو ما يوازي 25-30% من السعرات الحرارية المأخوذة يومياً). ولا يقتصر الأمر على أكل الكثير من الدهن بصفة عامة، بل أيضاً أكل في العادة الكثير جداً من الدهون التي ليست جيدة تماماً لهم.
فالدهون المشبعة التي تستمد أساساً من اللحوم ومنتجات الألبان ليست ضرورية للجسم، بل إن تناولها بكميات كبيرة يرتبط بأمراض القلب وسرطان الأمعاء (القولون) وكثير من المشكلات الأخرى. ورغم ذلك فإن أغلب ما نتناوله من الدهون هي الدهون المشبعة، وهي أساساً من مصادر حيوانية.
والليبيدات الأخرى التي لا تفيدنا على الإطلاق، بل إنها تضرنا في واقع الأمر، هي الدهون متعددة اللاتشبع المصنعة المسخنة. وهذا لأن الدهون متعددة اللاتشبع تكون أكثر عرضة للأكسدة، وبمرور الوقت يمكن أن تلحق الضرر بأجسامنا. لذا فإن قلي الأطعمة في الزيت متعدد اللاتشبع مثل زيت زهرة الشمس، يعتبر ضاراً جداً بصحتنا.
الليبيدات الجيدة
بعض الليبيدات يمكن تمثيلها في الجسم بسهولة وتكون خيراً وبركة للجسم، بل توجد ليبيدات أخرى تعد ضرورية تماماً للصحة الجيدة؛ وبدونها لن تستطيع أجسامنا أن تؤدي وظائفها. والنوع المذكور أولاً من الليبيدات يشمل الدهون أحادية اللاتشبع مثل زيت الزيتون. والزيوت متعددة اللاتشبع -في صورتها غير المكررة وغير المسخنة- تكون مرتبطة بانخفاض الإصابة بأمراض القلب، وبزيادة قوة جهاز المناعة، وبتحسن الجلد وغير ذلك كثير. ولكن إذا سخنت تلك الزيوت فإن خصائصها هذه تضيع، وتصبح سبباً حقيقياً في زيادة الإصابة بالسرطان وغير ذلك من مشكلات وأضرار.
وحمض الأراكيدونيك هو حمض دهني يوجد في اللحوم ومنتجات الألبان، لذا فإنه لا يكون ناقصاً عادة في أغذية الناس في بريطانيا. وهو ضروري لتفاعلات عديدة في الجسم، بما فيها إحداث الالتهاب والمساعدة على تكوين الجلطة الدموية. إلا أن الإكثار منه يمكن أن يجعل تلك التفاعلات مفرطة، مما يزيد شدة حالات مثل أمراض القلب والالتهاب المفصلي. وليس من الضروري أن نحصل على حمض الأراكيدونيك في أغذيتنا، إذ إن أجسامنا يمكنها صنعه من دهون أخرى (انظر لاحقاً).
الأحماض الدهنية الأساسية
لكي يزيد الأمر تعقيداً، فإننا نجد بعض أنواع من الدهون متعددة اللاتشبع تقدم ما يسمى الأحماض الدهنية الأساسية (أو الضرورية) التي يحتاجها الجسم ولكنه لا يستطيع صنعها أو تحويلها من دهون أخرى موجودة، لذا يجب أن نحصل عليها من أغذيتنا. وهي أساسية وضرورية للوظائف المناعية السليمة ولتجلط الدم وللنبضات العصبية ولوظائف المخ وللهضم ولنقل الكوليسترول ولقوة الأغشية الخلوية. والأنواع المهمة فيها هي حمض اللينوليك، الذي ينتمي إلى مجموعة الدهون (أي الأحماض الدهنية) من نوع الأوميجا 6 وحمض ألفا-لينولنيك، الذي ينتمي إلى مجموعة الأحماض الدهنية من نوع الأوميجا 3.
عائلة الأوميجا 6
حمض اللينوليك هو بمثابة الجد الأصلي لعائلة أوميجا 6. ويحوله الجسم إلى حمض جاما-لينولنيك GLA بشرط أن يكون لديك ما يكفي من فيتامين ب6، والبيوتين، والزنك، والمغنسيوم لتنشيط الإنزيم الذي يسبب هذا التحول. ويعتبر زيت زهرة الربيع المسائية وزيت لسان الثور هما أغنى المصادر المعروفة بحمض GLA، وعن طريق إعطاء مكملات من هذين الزيتين مباشرة فستحتاج بهذا إلى كميات أقل من الزيت الكلي الذي تأكله لتحصل على مقدار مثالي من الأحماض الدهنية من نوع الأوميجا 6. والمقدار المثالي هو على الأرجح حوالي 150 مجم من الـ GLA يومياً؛ الذي يكافئ 1500 مجم من زيت زهرة الربيع المسائية أو 750 مجم من زيت لسان الثور عالي الفعالية.
ثم يتحول GLA بعدئذ إلى DGLA ومنه إلى البروستاجلاندينات. وهي مواد شبه هرمونية نشطة جداً في الجسم. والنوع المحدد من المواد البروستاجلاندينية التي تنتج من هذه الأحماض الدهنية “الأوميجا 6” تسمى البروستاجلاندينات من السلسلة 1 PG1s.
وتلك الـ PG1s تستخدم في تنظيم عمل خلايا T المثبطة (وهي مهمة وحاسمة للوظائف المناعية) كما أنها تقلل لزوجة الدم وبهذا تقلل احتمال حدوث أمراض القلب. وهي تجعل الدم سائلاً، وترخي الأوعية الدموية، وتخفض ضغط الدم، وتساعد في الحفاظ على التوازن المائي بالجسم، وتقلل الالتهاب والألم، وتحسن الوظائف العصبية والمناعية، وتساعد الإنسولين في عمله (وهو أمر مفيد لتوازن سكر الدم). وهذا مجرد قليل من كثير. ففي كل عام يكتشف المزيد والمزيد من وظائفها المنشطة للصحة. والبروستاجلاندينات نفسها لا يمكن إعطاؤها في صورة مكملات فهي قصيرة العمر جداً. لذا فإننا نعتمد على إعطاء كمية كافية من أحماض الأوميجا 6، والتي منها يمكن أن يقوم الجسم بإنتاج البروستاجلاندينات التي نحتاجها.
وكذلك فإن الجسم يمكنه أن يحول أحماض الأوميجا 6 إلى حمض الأراكيدونيك الذي يستمر في تحوله ليصير ما يسمى السلسلة 2 من البروستاجلاندينات PG2s، التي تشمل تحت مجموعة تسمى اللوكوترينات (وتعرف بأنها تزيد الالتهاب وتجلط الدم). ورغم أن هذه المواد تكون أحياناً ضرورية، إلا أن زيادة نشاطها يمكن أن يكون ضاراً. وعلاوة على هذا فإن اللوكوترينات تشارك في حدوث الربو الشعبي وغيره من حالات الحساسية. وتشتق الـ PG2s أساساً من اللحوم ومنتجات الألبان، وإن كانت البذور تعطي كميات صغيرة منها.
وتأتي أحماض الأوميجا 6 بالكامل من البذور وزيوتها. وأفضل مصادرها من زيوت البذور هي زيوت بذور القنب واليقطين وزهرة الشمس والعصفر والسمسم والذرة والجوز وفول الصويا وجنين القمح. ويأتي حوالي نصف كمية الدهون في هذه الزيوت من عائلة الأوميجا 6، ومعظمها على شكل حمض اللينوليك. والقدر المثالي الذي يجب تناوله منها هو ملعقة كبيرة من الزيت يومياً، أو ملعقة كبيرة هرمية من البذور المطحونة يومياً.
عائلة الأوميجا 3
تميل الأطعمة المعاصرة لأن تكون فقيرة في أحماض الأوميجا 3 ولا تميل بنفس الدرجة لأن يقل فيها الأوميجا 6، ويرجع هذا إلى أن جد عائلة الأوميجا 3، وهو حمض ألفا-لينولنيك وحفيديه حمض الإيكوسابنتانويك EPA وحمض الدوكوساهكسانويك DHA هم أكثر عرضة للتلف عند الطهي أو تصنيع الأغذية. ويمكنك إدراك هذا التعقيد المتزايد كلما انتقلنا في سلسلة الغذاء إلى أعلى. فمثلاً، البلانكتون، وهو الطعام الرئيسي للأسماك الصغيرة يكون غنياً بحمض ألفا-لينولنيك. ويستمر التحول من الجد إلى حفيديه مع التهام الأسماك آكلة اللحوم (مثل الماكريل والرنجة) لتلك الأسماك الصغيرة والأسماك آكلة اللحوم بدورها تأكلها سباع البحر التي تتميز بأعلى تركيز من الـ EPA و DHA. ولهذا نجد الإسكيمو الذين يتغذون على سباع البحر يفيدون من هذه الوجبة الجاهزة من الـ EPA و DHA.
وفي جسم الإنسان تتحول تلك الليبيدات إلى السلسلة 3 من البروستاجلاندينات PG3s. وهذه تعتبر ضرورية للوظائف المناعية، ولتقليل الالتهاب، وتقليل لزوجة الدم، وتحسين وظائف المخ والبصر والقدرة على التعلم والتناسق والحالة المزاجية، بالإضافة إلى التحكم في مستويات الكوليسترول والدهون في الدم، والأيض، والحفاظ على التوازن المائي.
وأفضل أنواع الزيوت البذرية احتواء على أحماض الأوميجا 3 هي زيوت بذور الكتان والقنب واليقطين. وبنفس الطريقة -إلى حد كبير- التي يمكن بها أن يؤدي تناول زيت زهرة الربيع المسائية إلى تخطي مرحلة التحول الأُولى لحمض اللينوليك، فإن تناول الأسماك آكلة اللحوم أو زيوتها يعمل على تخطي مرحلتي التحول الأوليين لحمض ألفا-لينولنيك لإنتاج الـ EPA و DHA. ولهذا نجد أن آكلي الأسماك مثل اليابانيين لديهم مستوى من أحماض الأوميجا 3 في دهون أجسامهم يصل إلى ثلاث مرات أعلى مما لدى الأمريكي المتوسط. كما أن النباتيين الذين يأكلون المزيد من البذور والمكسرات لديهم مستوى من الأوميجا 3 في دهون أجسامهم يصل إلى مرتين أعلى مما لدى الأمريكي المتوسط.
التوازن الضروري
أغلب الناس يعانون نقصاً في كل من ليبيدات الأوميجا 6 والأوميجا 3. وعلاوة على هذا، فإن الإفراط في تناول الدهون المشبعة والدهون متعددة اللاتشبع التالفة (التي تعرف بالدهون المتحولة) يعوق أو يوقف قدرة الجسم على الإفادة الجيدة من الكمية القليلة من الدهون (أي الأحماض الدهنية) الضرورية التي يتناولها الشخص المتوسط يومياً.
لذا فمن المهم أن نوازن ما نتناوله من الأحماض الدهنية الضرورية المختلفة لكي نضمن أن يكون لدينا توازن مفيد للبروستاجلاندينات في أجسادنا. فمثلاً نقص الـ PG1s يتوقع أن يوجد فيمن يعانون أمراض المناعة الذاتية مثل الالتهاب المفصلي الروماتويدي، بالإضافة إلى من يعانون مرض التصلب المتعدد؛ ويعتقد أن هذا ناتج عن تأثير البروستاجلاندينات PGs على خلايا T المثبطة.
هذا ويجب أن يحتوي غذاؤنا المثالي على مستويات عالية من كل من ليبيدات الأوميجا 3 والأوميجا 6. وتوجد آراء مختلفة بخصوص النسبة المثالية بينهما. وتوحي الأرقام المستقاة مما كان يتناوله أسلافنا القدامى من الصيادين وجامعي البذور أننا نحتاج إلى كميات متساوية، وإن كان بعض الباحثين يوصون بتناول كمية من الأوميجا 6 تساوي ضعف (أي مرتين) قدر الأوميجا 3 للوفاء باحتياجاتنا النسبية في الوقت الحاضر. وبأي الحالتين فإن الغذاء المتوسط الذي نتناوله فقير في كليهما، وإن كانت دهون (أي أحماض) الأوميجا 6 كثيرة بالمقارنة بدهون الأوميجا 3.
ويعتبر زيت بذر القنب المستخرج من نبات القنب الهندي مصدراً جيداً لكلا النوعين من الدهون. ورغم أن زراعة هذا النبات مخالفة للقانون في أنحاء كثيرة من العالم، فإن بذوره وأليافه مصرح بها قانوناً. وهناك اتجاه حديث للعودة إلى بذور القنب كمصدر غذائي وكمادة لصنع الملابس. ويحتوي زيت بذرة القنب على 19% من حمض ألفا-لينولنيك (أوميجا 3)، و 57% من حمض اللينوليك، و 2% من الـ GLA (وكليهما أوميجا 6). وهو الزيت البذري الشائع الوحيد الذي يوفر كميات جوهرية من جميع ما نحتاجه من الأحماض الضرورية.
ويمكنك أيضاً أن تشتري أخلاطاً من زيوت البذور العضوية (أي المنتجة بصورة طبيعية خالية من التلوث)، قد روعي فيها أن تكون متوازنة في احتوائها على كل من دهون أوميجا 3 وأوميجا 6 وذلك من محال الأغذية الصحية. ويوجد منتج جيد منها يسمى Essential Balance (أي التوازن الضروري).
وكبديل لذلك يمكنك أن تخلط أنواعاً من البذور. فبذور زهرة الشمس والسمسم تعتبر مصادر جيدة للأوميجا 6، وبذر اليقطين يوفر كميات معقولة من كلا النوعين، وبذر الكتان هو الأغنى بالأوميجا 3. ضع مقداراً من كل من بذور السمسم وزهرة الشمس واليقطين، ومقدارين من بذر الكتان في برطمان يتم غلقه بإحكام ويوضع بالثلاجة بعيداً عن الضوء والحرارة والأكسجين. ويمكنك ببساطة أن تطحن ما يساوي ملء الكف من هذا الخليط، لتأخذ منه ملء ملعقتين كبيرتين هرميتين تضيفهما إلى إفطارك كل صباح لتضمن حصولك على قدر طيب يومياً من الأحماض الدهنية الضرورية. وكبديل لهذا أضف ملء ملعقة كبيرة وعوض الفارق باستخدام زيت السلطة أو المكسرات أو البذور فيما بعد أثناء اليوم.
ونظراً لأن الزيت الذي في هذه البذور غير مشبع وعرضة للتلف، فمن المهم أن تشتري البذور الطازجة التي تم خزنها بصورة سليمة مع تعرضها لأقل قدر ممكن من الحرارة والضوء والأكسجين.
الأوميجا 3 |
الأوميجا 6 |
2.5-5% من السعرات الكلية
8-17 جم يومياً |
3-5% من السعرات الكلية
10-17 جم يومياً |
زيت بذر القنب، ملعقة كبيرة
أو زيت بذور الكتان، ملعقة كبيرة أو بذر الكتان، ملعقتان كبيرتان أو EPA/ DHA، 1000مجم أو بذر اليقطين، 4 ملاعق كبيرة أو حصة من السمك آكل اللحوم (مثل التونة والماكريل والسالمون… إلخ). |
زيت بذر القنب، ملعقة كبيرة
أو زيت زهرة الربيع المسائية، 1000 مجم أو زيت لسان الثور، 500 مجم أو بذر زهرة الشمس، ملعقة كبيرة أو بذر اليقطين، ملعقتان كبيرتان أو بذر السمسم، 1.5 ملعقة كبيرة |
وبصفة مثالية، عليك باستهلاك صنف واحد من كل عمود من الجدول السابق يومياً لتحقق القدر المثالي مما تتناوله من الأحماض الدهنية الضرورية. ولكن تتفاوت الاحتياجات الفردية من شخص لآخر. لذا، فما سبق ذكره مجرد دليل تقريبي.
النظام الغذائي لتقوية المناعة
إن وضع ما سبق ذكره موضع التطبيق العملي في نظامك الغذائي هو بلا شك أسلوب قوي لدعم جهازك المناعي.
فيما يلي بيان بالأسس العامة الواجب اتباعها:
• تناول حصتين من الفوليات أوالعدس أو الكينوا (نوع من الحبوب يطهى مثل الأرز) أو الطوفو (فول الصويا) أو الخضراوات “البذرية” يومياً للحصول على البروتين، أو حصة واحدة من السمك أو الدجاج حر التربية. وأضف كلاً من الحبوب والفوليات/أو العدس إلى غذائك اليومي لتحسن نوعية البروتين إذا كنت نباتياً.
• تناول وفرة من الكربوهيدرات المركبة، مثل الأرز البني، الدخن، الجاودار، الشوفان، القمح الكامل، الذرة، الكينوا (كغذاء نشوي)، الخبز أو المكرونة. وتجنب كل صور السكر والأطعمة البيضاء، المكررة أو المصنعة.
• تناول خمس حصص من الفواكه والخضراوات الطازجة كل يوم، مثل التفاح، الكمثرى، الموز، الثمار اللبية (كالتوت والفراولة)، البطيخ والشمام، أو الفواكه الحمضية (كالليمون والبرتقال)، وخليط من الخضراوات الورقية داكنة الخضرة والجذرية، مثل قرة العين، الجزر، البطاطا الحلوة، البروكولي، السبانخ، الفاصوليا الخضراء، البسلة والفلفل (بألوانه المختلفة).
• تناول ما لا يقل عن ملعقة كبيرة هرمية من البذور المطحونة أو ملعقة كبيرة من زيت بذري معصور على البارد يومياً. وتجنب الأطعمة المقلية أو المحترقة أو المحمرة، وابتعد عن الدهون المهدرجة، وتجنب الإكثار من الدهون الحيوانية.
• تناول الأطعمة النيئة العضوية الكاملة بأقصى ما يمكنك، واشرب حوالي ستة أكواب من الماء أو العصائر المختلفة أو خلاصات (شاي) الأعشاب أو الفواكه كل يوم.