التصنيفات
صحة المرأة

الأطفال الخدج وأسباب الولادة المبكرة

في مجال إبراز التطور العلمي والتقني، ولا سيما تقدم الأبحاث النظرية والتطبيق العملي في حقول علم الحياة والفيزيولوجيا أي علم وظائف الجسم؛ تلفت انتباهنا القفزات النوعية في ميدان طب الأطفال وتحديداً في اختصاص طب ما حول الولادة، وتستوقفنا النجاحات المطردة التي سجلت في ميدان طب الأطفال المولودين قبل الأوان، أي الخدج.

تتم ولادة هؤلاء الأطفال بشكل مفاجئ في كثير من الأحيان، أو لضرورات طبية في ظروف أخرى، وهم غالباً المولودون قبل الأسبوع الـ37 للحمل (فترة الحمل الطبيعي في أوانه 42 أسبوعاً) ويعانون من نقص في النمو الجسدي (الوزن، الطول ومحيط الرأس) وعدم كفاية وظيفية لأعضاء أساسية في الجسم (كالرئة والكبد والدماغ)، وقصور في الدفاع المناعي ما يجعلهم عرضة لمخالطات ومضاعفات تشكل خطراً داهما ودائما في الفترات الأولى من حياتهم، مباشرة بعد الولادة وفيما بعد؛ ما يتوجب التحضير المسبق لكل المستلزمات الطبية، العلاجية والوقائية، التقنية والمخبرية، بهدف تأمين بقائهم على قيد الحياة أولاً، ومساعدتهم من ثم للقيام بالوظائف الفيزيولوجية (التنفس، استقرار الحرارة الداخلية…) نظراً لعدم استعدادهم الذاتي لتأدية هذه الوظائف بصورة تلقائية كالطفل المولود في أوانه، وهم يعتبرون من مجموعة الأطفال قليلي النمو. وتبرز هنا أهمية الرعاية الدقيقة لهؤلاء الأطفال إذ ينبغي وقايتهم من مضاعفات خطيرة يمكن أن تطرأ في أي لحظة، مشكلة خطراً قاتلاً في كثير من ألأوقات (نزف حاد، توقف التنفس، إنتان حاد…) ما يستوجب وجود وحدات إنعاش خاصة بهم بشرياً، تقنياً ولوجستياً.

صفات الطفل الخديج

تختلف هذه الصفات باختلاف فترة الحمل التي تحصل فيها الولادة، أي عمر الجنين داخل بيت الرحم، فهناك خدج ذوو قامة قصيرة ونمو متناغم وطبقة جلدية ناعمة زهرية اللون مع شبكة شرايين بارزة بوضوح تحت الجلد، وطبقة شحم رقيقة وأذنين طياتها غير مغبونة جيداً مع غياب لبصمة القدمين؛ أما فيما يختص بالأعضاء التناسلية فنجد الخصيتين عند الذكر عاليتين وخارج موضعهما الطبيعي أي الجراب. وعند الأنثى نجد المشفرين الكبيرين متباعدين مع بروز المشفرين الأصغرين. وهناك علامات أخرى خاصة بالطفل الخديج تستوجب فحص الجهاز العصبي وهي تساعد بدورها على تحديد عمره التقريبي.

العلامات المرضية عند الطفل الخديج

قد يعاني الخديج من مضاعفات مرضية عديدة، نتيجة عدم اكتمال نموه، أولها هبوط الحرارة الداخلية للجسم وخسارة المياه عن طريق الانعكاس، الإشعاع والتبخر، حيث يخسر الخديج مقدار 60 ملليلتراً من الماء في كل كيلو من وزنه، لدى الأطفال الذين يبلغ عمرهم 32 أسبوعاً وما فوق.

يستوجب ذلك وضع الطفل الخديج في الحاضنة الخاصة بهؤلاء الأطفال تؤمن بواسطتها الحرارة اللازمة للمحافظة على مستوى حرارة داخلية منتظمة ومستقرة مع نسبة رطوبة موائمة.

ومن الممكن أن يعاني الخديج من مضاعفات استقلابية، أو أيضية وفي مقدمتها: نقص مستوى السكر، نقص الكالسيوم، الماغنيزيوم، الكربونات، ومضاعفات كل منها على وظائف الدماغ، القلب، التنفس…

من المشاكل الصحية أيضاً حالات قصر التنفس الحاد وسببها الرئيس وجود خلل بيولوجي يسمى داء الغشاء الزجاجي الذي ينتج عن نقص مادة أساسية في دم الخديج تؤدي بالرئتين إلى الانتفاخ وعدم التصاق خلاياهما بعضها ببعض، وتدعى (surfactant) كما يؤدي نقصها أو عدم وجودها إلى نقص حاد للأوكسجين في الدم وزيادة كمية ثاني أكسيد الكربون، وبالتالي زيادة الحموضة في الدم، ما يستدعي وضع أنبوب داخل القصبة الهوائية لتأمين التنفس بطريقة اصطناعية تحت ضغط محدد بواسطة جهاز آلي. ويؤثر نقص الأوكسجين الحاد عند هؤلاء الخدج على وظيفة دماغهم مع إمكانية حصول إعاقة في الدماغ فيما بعد. كما تجدر الإشارة إلى أن زيادة نسبة الأوكسجين بدورها تؤدي إلى خطر الإصابة بالعمى.

أما نسبة حدوث الولادة المبكرة، فهي تتأرجح وتتغير من بلد إلى آخر، أما نسبة الأطفال الخدج المولودين قبل 32 أسبوعاً أو ذوي وزن أقل من 1500 غرام فهي تقريباً 1 %.

أسباب الولادة المبكرة

للولادة المبكرة أسباب عديدة:

• منها ما له علاقة بطبيعة الحمل مثل حمل التوائم، التصاق المشيمة أمام الجنين، خطأ تكويني في الرحم، انفتاح قناة عنق الرحم.

• أسباب لها علاقة بالوضع الصحي العام للمرأة الحامل منها: داء السكري، تسمم الحمل، عامل مناعي يساعد على حصول حالة إنتان حادة تسببها جراثيم معروفة خلال الحمل منها (عقدية، إي كولاي، جرثومة الليستيرية)، ظروف عمل شاقة جسدياً وغير موائمة للمرأة الحامل، وسائل نقل غير مريحة، السن التي تحمل فيها المرأة (قبل 18 أو بعد 35 عاماً)، إلى جانب عوامل اقتصادية واجتماعية.

• وهنالك أسباب متأتية من الجنين نفسه كالخلل في الصبغيات، التهابات حادة عند الجنين تؤدي إلى تشوهات خلقية.

ونسبة سبب الولادة المبكرة معروف في 60% من الحالات تقريباً، والإلمام بهذه الأسباب يسمح بالتشديد على أهمية القيام بعمل وقائي تجاه الولادة المبكرة.

الاختلاطات عند الأطفال الخدج

نذكر أولاً المضاعفات على مستوى الجهاز العصبي حيث توجد حالتان بتوجب الحذر منهما:

1. النزف داخل البطين في الدماغ والتي، يمكن أن يؤدي إلى استسقاء دماغي يلي النزف بعد فترة.

2. أما الحالة الثانية فهي إصابة المادة البيضاء في الدماغ والتي من تداعياتها الإعاقة الدماغية الحركية ويعود السبب الرئيس في ذلك إلى توقف التنفس المتكرر لدى هؤلاء الأطفال الذين «لا يعرفون كيف يتنفسون».

• المضاعفات على مستوى الجهاز الهضمي: أهمها إصابة الأمعاء الدقيقة بالتقرح والهريان وتصيب الخدج بنسبة 1 – 3 % مما يشكل تهديداً خطيراً لحياتهم.

• المضاعفات الأخرى: اليرقان، فقر الدم، الالتهاب والإنتان الحاد (نظراً لضعف الجهاز المناعي الحاد لدى هؤلاء الأطفال سريعي العطب).

مصير الأطفال الخدج

بالنسبة إلى الخدج ذوي الوضع الحرج (32 أسبوعاً وما دون) يتحدد وضعهم حسب مستوى مراكز الإنعاش المتخصصة، حيث يتلقون الرعاية، العناية، الوقاية والعلاج، وبالاطلاع على الإحصاءات الفرنسية يتبين أن نسبة الوفاة تكون عالية كلما كان عمر الخديج صغيراً، إذ تسجل 90 % وفاة للخدج في الأسبوع 24، أما المولودون بين 24 و27 أسبوعاً فنسبة الوفاة تهبط إلى 40 %. وترتفع نسبة الحياة لدى الأطفال الذين يولدون بين 31 و32 أسبوعاً إلى مستوى 90 %.

كذلك الأمر بالنسبة إلى المسببات المرضية والتداعيات العصبية، فكلما اقترب عمر الحمل من الأوان تدنت هذه المضاعفات الخطيرة والعكس صحيح.

وفي الختام يمكن الاستنتاج أن القيام بالواجب الطبي تجاه الأطفال الخدج «حديثي الولادة» ابتداء من 26 – 27 أسبوعاً يتحقق بطريقة أفضل بواسطة فريق طبي متعدد الاختصاصات، ويتضمن «طبيباً نسائياً، طبيب أطفال حديثي الولادة وطبيب إنعاش وجسماً تمريضياً متخصصاً وكفوءاً مهيئين ولديهم الخبرة والمراس للإنعاش في مرحلة ما حول الولادة.